"انتخبوا العرص" تلك هي الكلمة الأشهر التي انتهجها شباب مصري معارض لنظام ما بعد الثالث من يوليو 2013، لمواجهة ترشح وزير الدفاع آنذاك ورئيس الجمهورية المصرية الحالي "عبد الفتاح السيسي"، ولكني لا أعتقد أن واضع تلك الكلمة كان يقينا يعرف أن "التعريص" هو المنهج المتبع من قبل شعب مصر خلال فترة حكم السيسي.
هو "عرص" من البداية إذاً، وهذا منهجه الواضح، ولكن كيف أصبح هذا المنهج هو المنهج المتبع لدى كثير من المصريين _باختلاف إنتماءاتهم_ وأصبح كل منهم له طريقته الخاصة في التعريص وساداته المقدم تعريصه لهم. ويكأننا في تدرج طبيعي لفيلم "القاهرة 30" ولشخصية "محجوب عبد الدايم" لتصبح تلك الشخصية التي استطاع أحد متقنوها الوصول للحكم، هي الشخصية البطلة في الشارع المصري، ولم لا ونحن نسمع دوماً في الوزارة الخاصة بتربية النشء "الشباب والرياضة" كلمة ظاهرها الأدب وباطنها التعريص، ألا وهي "أخذ الحق حرفة" لكي يشرح لك أولئك الذين تصدوا لتربية النشء، كيف لك أن تصبح مميزاً في أخذ "حقك" من "المسؤول" بحلو الكلام، ولتجد نفسك "طواعية" ترتب كلاماً معسولاً أكثر من ترتيبك لطرح مشكلتك، أو بالأحرى لطلب حقك، لبعدها وفور تخرجك من هذا المنشأ، تصبح ممنهجاً على العمل بهذا الكلام المعسول، وهو طريقتك المثلى للوصول، ولا تستطيع حين يرفض المسؤول طلبك إلا التودد أكثر _حتى وإن كان على حساب حقك_ أَمِلاً أن يحن عليك هذا _المكلف بإيصالك حقوقك_ ويمن عليك بتلبية ندائك، فور وصولك إلى "التعريصة الأنسب" لذا لا عجب حين نرى من يجلب الحسناوات للمسؤولين للإختيار بينهن لمتع دنيوية حتى يظفر برضاه
ولا غضب عند "المواطن العرص" من أن ترقص والدته أو زوجته أو ابنته وسط حشد من الشباب الغرباء، أمام لجنة انتخابية لإنتخاب "رئيس عرص" أو "نائب عرص" او للتعبير عن فرحه في تصفية إخوة له في الوطن، لم يتقنوا مثله دور "محجوب عبد الدايم" للتعريص لمعتوه أقام سلاماً دافئاً مع كيان صهيوني مغتصب، وأتهم إخوة فلسطين بالإرهاب، فرط في حقوق مصر من أرض وماء، ويصرخ "لا تسمعوا أحداً غيري"، ويكأنه فرعون يقول "أنا ربكم الأعلى".في الناحية المقابلة، تهلل طوائف المعارضة المصرية، بعدم إنتهاجهم التعريص مبدأ لهم، واهمين غير مدركين أنهم فقط اختاروا "عرصاً أخر" رئيساً لهم مقدمين له الجرعات التعريصية المفروضة عليهم. فلا مانع عند أشد المتشدقين بالشفافية والمحاسبية والثواب والعقاب، أن يخرج "زعيمهم" أو "رئيس حزبهم" _دون علمهم_ للمشاركة في مؤتمر ما، أو التصريح بقول ما، ينافي مبادئهم، بل يسارعون في التبرير له، دون علم، وكأنه يقول لهم في مجلسهم "إني أعلم ما لا تعلمون" فيخشون مصير "إبليس" من الطرد من الجنة!!
مع هذا الكم الهائل من التعريص في الشارع المصري، أرانا الشعب التركي درساً، لا بد أن نقف عنده الكثير، فقد علمنا الأتراك في صدهم للإنقلاب، حب الوطن لا حب الأشخاص، حب تركيا ومعارضة أردوغان، فعندما يخطىء يهاجمونه ويسعون لإسقاطه "ديمقراطيا" لا يمتدحونه ويغدرون به "عسكريا".
أتمنى أن ينتهي التعريص من وطني، ويصبح منهجنا في الحب كمنهج "الأولتراس" في حب ناديهم، فالأولتراس _رغم ما به من عيوب_ لا ينتهج تعريصاً مع معشوقيه، فإنهم يمجدون ناديهم، دون غيره، فهم مغرمون بحازم إمام أو أبو تريكة أو شيكابالا أو رمضان صبحي، لكن هذا الغرام يقلب سخطاً، فور التسلل لهم بأن هذا اللاعب يسعى للتخلي عن ألوان ناديهم، لكنهم يعطونه الحب والثقة فور نفيه تلك الأخبار، أو ندمه، فالأولى بالحب عند "الأولتراس" هو من ينتمون له "النادي" لا من ينتمي مثلهم له "اللاعب".
فمتى يصبح إنتمائنا لمصر أكبر من إنتمائنا لشخصيات؟ ومتى نستطيع إسقاط التعريص؟.