عندما تشتعل الأفئدة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عندما تشتعل الأفئدة

  نشر في 20 يونيو 2021  وآخر تعديل بتاريخ 16 يناير 2023 .

كان يمشى وسط الزحام ، يركّز بطريقه إلى بيته ، مهرولاً، خائفًا ، تتعرقُ جبينه .. فقد سمِع بالأمس فى نشرة الأخبار أنّ إسرائيل سوف تقصفُ غزة فى اليوم التالى ، والآن أرسلته أمه ليشترى لهم بعض البضائع ..

والده ووالدته فقراء ، أميين ، لا يتابعون الأخبار كثيرًا ، ولا يقرأون الجرائد ، هم فقط يتمنون أن ينعموا بحياة سالمة هادئة .

أما هو -ذاك الذى لم يتجاوز العاشرة- فقد كان على دراية بكل ما يحدث ، وكان قلبه دائمًا يشتعل نُصرةً للقدس والأقصى ، ويتمنى الشهادة فى رحابهما ، لكنه يُحب والديه وأسرته وبيته .. يخافُ أن يُصاب بأذى أثناء جهاده ومقاومته للإحتلال ، فيُصاب والداه بالهم والحُزن ، فكان دائمًا يطمئنهما ويؤكد لهما أنه لن يخرج فى أيةِ إحتجاجات أو مظاهرات .

فى ذلك اليوم .. لم يكن يدرى أن والداه يجهلان أمر القصف وأن إسرائيل سوف تبدأ القصف فى الصباح الباكر .

كان يمشى بعيون شاردة ، يهرولُ ناحية بيته ، ولكنه لم يكد يصل للبيت حتى سمع أصوات القذائف والطائرات تحلّق فوق رأسه ، وإذا به ينطق الشهادة ، ويجرى مسرعًا ليطمئنّ على أهله ، فتباغته القذيفة تلو الأخرى ، وتسقط أمامه القذائف ، فتتطاير الشظايا لتصيبه فى جبينه .. ولكنه لم يكن يملك رفاهية الإنهيار أو البكاء أو حتى طلب المساعدة من أحدهم .

فقد رأى الجثث تتناثر حوله فى كل مكان ، والشباب يهرولون ناحيتهم ، منهم من يبكى بجانب أخيه ، ومنهم من يحمل أبيه للمستشفى ، ومنهم من فقد أهله جميعًا ويتحرك هائمًا وسط الدمار .

لم يستطع صاحبنا أن يفكر فى إصابته ، وما لبث أن وجد نفسه ينطلقُ ناحية البيت آملاً أن يجد كل من فيه سالمين غير مُصابين ، بينما كانت تُلاحقه القذائف والصواريخ بغيرِ رحمة ، ولكن عناية الله به أوصلته لبيته مُصابًا فقط فى جبينه .. وما إن رأته أمه بهذه الحال -ينزفُ دمًا من جبينه ويضع يده الصغيرة فوق الجرح ويمسك باليد الأخرى كيس الخبز الذى لم يلحق أن يحضر شيئًا غيره- حتى بدأت بالصراخ والعويل وإحتضنته ، فطمأنها أنه بخير ولم يصبه أذى .

جلس الطفل على الأريكة ينظر إلى حاله وما حلّ به ، وقلبه يدقُ دقًا من شدة الخوف ,,فلا يجد النقود فى يديه ، ولا يجد حذاءه الذى طار أثناء هرولته ، أما عن ملابسه .. فقد تمزقت وأصابتها الشظايا التى أصابته .

جلس ليتذكر مشاهد الشهداء والفقراء والجرحى والأبرياء ، فبكى من شدة هول المنظر...وتذكر مناظر البيوت والأنقاض والدمار والشوارع ، فنظر بعيون كالصقر وتوعّد على أن يأخذ بالثأر ...

الثأر لأمه الباكية ، وأبيه الفقير ، وإخوته الأبرياء ، والأراضى والأصدقاء ، والوطن والأوفياء .

إنهم مشاريع ثأر ، لا ترهبهم الحروب بل تنبت القوة فى قلوبهم !

فعندما تشتعل الأفئدة بحب الوطن والجهاد فى سبيل الله والأرض ، فلن تستطيع مليون قذيفة إخمادها !


  • 1

   نشر في 20 يونيو 2021  وآخر تعديل بتاريخ 16 يناير 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا