الانتقام من التفاؤل - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الانتقام من التفاؤل

محمد عيد .... شهيد التذكرة

  نشر في 24 نونبر 2019 .

في وطن الكراسي لا تتعجب من أثمان التذاكر ولا تتعجب من أشكال القطارات ، فإن الوصول إلى العرش أغلى من أرواح البشر ، إن السلطة تتكلف مليارات الجنيهات ، والمليارات تساوي السيطرة والمتعة ، إنها متعة الإدمان ، إدمان السيطرة على مقاليد الحكم ، في مصر الكنانة أصبح الإنسان هو أرخص سلعة فقد هان في عيون الساسة والنخب الإعلامية .

محمد عيد (شهيد التذكرة)

في العربة المكيفة بالدرجة الثانية في قطار رجال الأعمال بمحطة سكك حديد مصر كانت نهاية الشاب الحالم المتفائل ، كان محمد عيد سعيداً رغم فقره ، وكان طموحاً ناجحاً رغم قسوة الظروف وبؤس الحياة ، وكأن كمسري القطار أراد أن يعاقبه على حبه للحياة وتمسكه بالأمل والإيمان ، فكيف يبتسم في مصر التعيسة ، كيف يحلم في بلد ماتت فيها الأحلام ، هل أصابه الجنون ليضحك والناس مهموميين ، هل يكسر الصخور ويشق الجبال والناس تمشي نيام ، هل يعد معتوه أم هو مسحور ؟ ولهذا فقد قرر الكمسري ومشرف القطار أن يتخلصوا من هذا الإنسان الغريب الذي يبدو فرحاً في هذا العالم الحزين الكاره للحياة .

في سابقة تأتي قبل هذا المشهد رأينا أحد الأشخاص الذي يبدو كئيباً يعتلي وجهه الظلام يزور أحد محطات مترو الأنفاق ، حيث شاهدناه ينذر مشرف المحطة بالتهديد والوعيد إذا هرب أحد الركاب من دفع ثمن التذكرة ، وقد سألنا عن هذا الرجل المريب فقالوا لنا بأنه وزير النقل والمواصلات ، كيف بهذا المدعو يصبح مسؤولاً في الدولة ، وما هو ثمن تذكرة مترو الأنفاق الذي ينذرنا بها ، هل تذكرة المترو تساوي جراماً من الذهب أو الفضة ، هل يعد تحصيل رسوم مترو الأنفاق معادلاً لتجارة الذهب مثلاً ، إنه لشيء مقزز يدعو للاشمئزاز ، إنه البخل والتقتير مختلطاً بالحماقة والجهل ، وهذا لأن هذا المسؤول بالتأكيد يعلم علم اليقين أن مترو الأنفاق يتكدس بالركاب ليلا ونهاراً ومعنى ذلك أنهم رسمياً لا يحصلون على الخدمة التي يدفعون ثمنها ، فإن أغلب الأفراد الذين يرتادون المترو لا يجلسون بل يقفون طوال المحطات ، بل إن المسألة لا تتوقف عن هذا ، بل إن كثير منهم في أوقات الذروة يقفون وهم محشورين بعضهم فوق بعض مما يعرض حياتهم للخطر المؤكد ، هل كلف هذا الشخص الذي يدعي بأنه وزير نفسه أن يقرأ عن قوانين السير والانتقالات في العالم حتى يعطي لنا روشتة صغيرة يمكننا من خلالها أن نتجنب حوادث الطرق اليومية في مصر، فمن لم يمت تحت عجلات القطار أو أمامه ، فإنه سوف يموت داخله نتيجة للتدافع بين الركاب ، ولقد حدث في أكثر من مرة أن سقط أحد الركاب مغشياً عليه نتيجة لاختناقه وسط الركاب ، وقد حدث ذلك أكثر من مرة ، ولم يتحقق لدينا موت أحدهم من حياته ، فربما يكون هناك بعض الأحداث المفجعة التي حدثت فيما قبل ، ولم يصلنا معلومات أو أخبار مؤكدة عنها ، فقد يفضل بعض المسؤولين عدم الإفصاح عن تلك الحوادث حتى لا يثيروا بلبلة الرأي العام ، لكن ما يحدث من أحداث تجعلنا نؤمن بأن هناك ثمة كوارث فاضحة لم يتم الإعلان عنها بعد .

إن رحمة الله وقدرته كانت هي السبب الحقيقي الذي أدى لكشف ملابسات حادث القطار المشؤوم ، وشاء رب العزة الكريم أن توثق تلك الحادثة ، وذلك رغم أن تلك العربة في القطار كانت أبعد ما يكون عن الشهامة والجدعنة ، فقد وصفها عيد قبل موته بأنها خالية من المرؤة والشجاعة ، وهذا بالفعل ما جعل تسجيل هذه الحادثة سهلاً لأن العملة الرديئة تطفو على السطح ومن السهل الكشف عنها وهذا هو حال الزبد الذي لا ينفع الناس لأنه ضعيف ، قال تعالى : (وأما الزبد فيذهب جفاءاً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ، فالأخلاق الذميمة تعلو على الواجهة لتظهر سؤتها ووجهها القبيح ، وأما السمات الحسنة والشيم الحميدة فإنها راسخة كالجبال عميقة كالأنهار ليس من السهل أن تظهر ، بل إنها كجزوع الأشجار تمتد إلى أعمق نقطة تحت الأرض لتحمل الأغصان والفروع والثمر وتتحمل العواصف والأمطار ولا تهتز أو تنكسربسهولة .

إن الحكم السلطوي والسياسات الفاشية التي غزت مصر منذ عام 1952 كانت العامل الرئيسي في وصولنا إلى هذا النفق المظلم وشيوع تلك الحوادث المفجعة ، فإن الأنانية والوصولية أصبحت السمة الغالبة منذ الحقبة الناصرية ، ويسأل أحدهم معترضاً ، وهل يعد الحكم العسكري دائما من الوجهة الفلسفية والثورية هو الكارثة ، وهل المعضلة مع الحكم العسكري ؟ بالتأكيد المسألة ليست في البدلة العسكرية ، بل إنها منظومة انتهازية ميكافيلية يكسوها الزي المسلح ، ولكنها ليست حتى عسكرية ، وذلك لأن رجال العسكرية الحقيقيين يمتلكون الشرف ويصونون العهود ، ولا يحتموا بالأعداء لخيانة الشرف العسكري ، هؤلاء هم فئة رجال العسكر المزيفون الفسدة ، فلا يصح أن نقول محاربين أو عسكريين ، بل نقول عسكر منتفعون مرتشون ، وهل ميليشيات محاربة الإرهاب والمرتزقة الذين يتم شرائهم بالدولارات والدنانير يدخلون في كيان الجيش الوطني ، وهل يعد الشخص ملاكاً إذا ارتدى حلة الحرب ، فما أكثر من لبس رداء المعركة وهو خائن ، والأمثلة متكررة على مر التاريخ.

محمد علي باشا

في عهد الدولة العثمانية وتحديداً بعد جلاء الفرنسيين عام 1801 اضطربت الأوضاع الداخلية ، وقد كان مماليك مصر يتولون بعض المناصب العسكرية ، وكان محمد علي الألباني هوأحد الظباط الذين أتوا إلى مصر ضمن الأسطول الذي أرسله السلطان مصطفى الرابع العثماني بالتعاون مع الإنجليز لطرد الفرنسيين، وبقي محمد علي بعدها في مصر يترقى بين المناصب، حتى نادى زعماء الشعب ومشايخ الأزهر بزعامة الشيخ عمر مكرم بتنصيب محمد علي والياً على مصر، وظل محمد علي يتحين الفرصة للقضاء على من حوله بدلاً من أن يرد الجميل لمن كان سبباً في وصوله للسلطة ، حيث بدأ محمد علي بالقضاء على العلماء، فبدأ بإثارة الشقاق بينهم والقضاء على استقلالهم المادي بسحب الأوقاف وضمها لسلطته، وبعد أن أضعف شوكتهم نفى من بقي منهم، حتى نفى نقيب الأشراف “عمر مكرم” إلى دمياط رغم أنه كان صاحب الفضل الأول في تعيين محمد علي واليًا على مصر، ثم تخلص بعد ذلك من المماليك وأجهز لهم مذبحة القلعة، هكذا كان الغدر والخيانة في محمد علي رجل الدولة العسكري.

الزعيم أحمد عرابي والظابط علي يوسف

وفي 12 سبتمبر عام 1882وهو اليوم الذي يوافق اليوم السابق لمعركة التل الكبير أرسل الظابط المصري علي يوسف إلى القائد أحمد عرابي رسالة يبلغه فيها بأن الإنجليز لن يتحركوا في ذلك اليوم ، فركن الجيش المصري إلى الراحة بأمر قواده ، لكن القائد الإنجليزي ولسلي تأهب في مساء اليوم ذاته للزحف بعد منتصف الليل ، ثم انسحب عبد الرحمن حسن قائد فرقة الاستطلاع الخاصة بالجيش المصري لتخلية الطريق أمام الإنجليز ، أما علي يوسف فلم يكتفي بإحباط همة عرابي والجيش المصري بل واصل الخيانة وأشعل الفوانيس على الطرق في يوم 13 سبتمبر 1882احتفالاً بهزيمة الجيش المصري الذي ينتمي إليه أمام الإنجليز في منطقة التل الكبير.

الزعيم جمال عبد الناصر

في إبان ثورة الظباط عام 1952 حدثت خلافات كبيرة بين الظباط، حيث أصدرت محكمة الثورة قرارات ضاعفت من كراهية الناس للثورة العسكرية، منها مصادرة 322 فدانا من أملاك زينب الوكيل حرم النحاس باشا، كما حكمت على أربعة من الصحفيين بالمؤبد، وبمصادرة صحفهم بتهمة إفساد الحياة السياسية، وأصدرت المحكمة قرار بسحب الجنسية المصرية من ستة من المصريين من الإخوان المسلمين ورفض محمد نجيب التوقيع على القرار ، وقد أدى ذلك إلى حدوث صدام بين نجيب ومجلس القيادة عندما اكتشف أنهم ينقلون الضباط دون مشورته،وبهذا كانت بداية الانقلاب في فبراير 1954، حيث أصدر مجلس قيادة الثورة بيان إقالة نجيب، ادعوا فيه أن نجيب طلب سلطات أكبر من سلطات أعضاء المجلس، وإثر هذا البيان اندلعت المظاهرات التلقائية في القاهرة ، والأقاليم لمدة ثلاثة أيام مما أدى إلى تراجع الجيش عن قراره، فأصدر بياناً آخر أعلن فيه تراجعه عن قراره، وعاد نجيب للحكم على أكتاف الشعب الذي خرج في مظاهرات شعبية، ولكن لم ينتهِ مخطط الانقلاب بهذا البيان، حيث أسهم في تزايد الخلافات بين الرئيس والجيش في إعداد مخطط محكم للانقلاب من قبل الضباط عليه، انتهى بوضعه تحت الإقامة الجبرية في قصر بضاحية المرج، ليستولي جمال عبد الناصر على منصبه كرئيس للجمهورية وسط مباركة من قيادات الجيش، وهكذا خان جمال عبد الناصر الرئيس محمد نجيب صديقه في النضال والكفاح الثوري المسلح طمعاً في السلطة .

القائد المنصور صلاح الدين الأيوبي 

إذن فإن النظرية التي تفترض براءة وملائكية العسكر هي ليست إلا فلسفة ساذجة يتبناها إعلام كاذب منعدم الضمير ، ولا نقصد هنا في التذكير بتلك الأحداث التاريخية بصدد محاولة إثبات شراسة العسكر وخيانتهم ، ولسنا من ذوي الحساسية المفرطة إزاء الحكام العسكريين بصفة عامة لكننا نمتلك بالفعل الخوف والحساسية من العسكريين التابعين للقوى الأجنبية ، لكننا في ذات الوقت لا نستطيع أبداً إنكار مهارة صلاح الدين الأيوبي الحاكم العسكري الحر الذي لم يكن تابعاً لقوى أجنبية ولم يخضع في حياته إلى المحتلين والسارقين ، إن صلاح الدين الأيوبي نموذج فريد للحاكم العسكري من الصعب أن يجود الزمان بمثله مرة أخرى ، إننا نذكر الجميع هنا أن العسكريين ليسوا من المختارين ولم يكونوا يوماً منزهين عن النقص والخطيئة، بل إن الأحداث التاريخية أثبتت أن الغدر ينتشر في صفوفهم نتيجة لحقيقة واقعة هي إمتلاكهم لمقومات القوة من أسلحة وأموال ، ولهذا فمن الحتمي واللازم أن يتسم العسكريين بالشرف والشفافية ، أما إذا افتقدت القيادات العسكرية الأمانة والشرف فإنه من الواجب على الشعوب أن يثوروا لانتزاع شأفتهم خاصة إذا كانت تلك القيادات العسكرية تابعة لقوى أجنبية ، فإن على الشعب أن يتخلص منهم بكل السبل لأن القوى العسكرية التي تتعاون مع القوى الاستعمارية تكون مثلها مثل قوات الإحتلال الأجنبي ، بل إنها تعد أخطر من الاحتلال الأجنبي .




  • 6

  • عزة عبد القادر
    بدأت عملي كصحفية فأدمنت الكتابة بدرجة تجعلني مشتتة في عملي إذا لم أكتب ، حتى ولو كان في رأسي قصة تافهة ، فالكتابة تروح عن النفوس وتجبر القلوب ، اقول لماذا لا اكتب ، بدلا من إزعاج الناس لماذا لا نكتب ، وبدلا من ان نبكي ونحز ...
   نشر في 24 نونبر 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا