سنغافورة , من بين أجمل الدول بالعالم و أنظفها ,قبل خمسين سنة كانت سنغافورة بقمة القذارة , كانت تغرق في الأزبال و الميكروبات , لا مياه صالحة للشرب و لا أنابيب للصرف الصحي , لدرجة أن الأطفال كانوا يستحمون من برك المياه على الأرض , كان بالمدينة فقر مدقع من أكبر أسبابه سوء أخلاق المواطنين وتخلفهم الحضاري.
قبل خمسين سنة كانت ناطحات السحاب التي نراها اليوم بسنغافورة مجرد مساكن عشوائية لا ترقى إلى أدنى ظروف العيش السليم , هذه الظروف التي استطاعت سنغافورة تخطيها خلال نصف قرن , مازالت الكثير من الدول العربية تتلخبط فيها و لم تستطع لحد الآن التغلب عليها على الرغم من أن إمكانياتها أعلى بكثير من إمكانيات سنغافورة سنة 1960.
حين انفصلت سنغافورة عن ماليزيا كانت صدمة السنغافوريين كبيرة, باعبتار أن ماليزيا بلد كبير و له موارد كثيرة واقتصاد مستقر و غير هذا , فأحس السنغافوريين بصفعة لدرجة أن رئيس الوزراء بكى على الهواء حينها وعبر عن مدى تألمه من انفصاله عن دولة ماليزيا .
لكن ألم "لي كوان يو" لم يحبطه في جعل سنغافورة بما هي عليه اليوم , فبالعزيمة و الإصرار قرروا أن يحققوا هدفا واحدا رغم اختلاف الجنسيات و الأعراق و الديانات , فكانت من أوليات "لي كوان يو" أن الكل سيعمل لأجل سنغافورة ومصلحة الدولة , و كانت خطته الأولى تعميم التعليم و جعله للناس سواسية , فوحّد لغة التعليم بحيث اختار اللغة الإنجليزية كلغة رسمية رغم أنه صيني و رغم أن أغلب السنغافوريين صينيين .
الأمر الثاني هو إنشاء قوانين , "لي كوان يو" كان يعلم بسوء أخلاق المواطنين و عدم احترامهم لأي قانون , فسنّ قوانين جديدة و طبق غرامات على الكل في حال عدم الإلتزام بها , ولهذا يطلق الآن على مدينة سنغافورة ببلد الغرامات , ولجعل القوانين مرئية و معروفة للكل نجد بكل مكان بسنغافورة مذكرات و قوانين مكتوبة هنا هناك , حتى على قمصانهم يكتبون الغرامات التي ممكن أن تتعرض إليها في حال اختراقك لأحد القوانين . وهذه القوانين تطبق حتى على الأجانب من بلاد قوية ,فإن كنت بسنغافورة فعليك أن تحترم قانونها مهما كنت , ووقع في التسعينات أن قام أمريكي بعمل جرافيك على ممتلكات عامة فطبق عليه القانون السنغافوري الذي ينص بالحبس و الجلد ست جلدات و طبق على هذا الأمريكي رغم تدخل الرئيس الأمريكي حينها كلينتون .
ومن بين القوانين التي ستظهر لنا غريبة هو منع أكل اللبان , فاللبان بسنغافورة لا يوجد بالمحلات ويمنع تصنيعه أو استيراده ,وهذا راجع لكون سنغافورة تفكرت في أثره السلبية , فاللبان يكلف الدول مبالغ كبرى لتنظيفه من على الأرض , الحكومة السنغافورية قررت منع اللبان لتوفير مال تنظيفه.
لنقارن الآن بين دخل الفرد الماليزي و دخل الفرد السنغافوري سنة 1965 و سنة 2010 : بسنة 1965 كان دخل الفرد الماليزي يفوق 395 دولار , دخل الفرد السنغافوري 300 دولار , سنة 2010 : دخل الفرد الماليزي أصبح 12000 دولار , في حين دخل الفرد السنغافوري 31000 دولار
وضع قوانين صارمة , القضاء على الفساد , إصلاح منظومة التعليم و قبل كل شيء الإرادة , كل هذه الأشياء جعلت سنغافورة من أقوى دول العالم و أغناها , فقط بالإرادة و الإلتزام.
-
Mahassineأحب القراءة و البحث .. أعشق البرمجة .. متتبعة لأخبار التقنية و السياسة