تأملات فلسفية فى "الإله"
لما لا نرى "الإله" ؟
نشر في 14 مارس 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
هل سبق و أن قلت لنفسك لما لا أرى "الإله" ؟ و ما هو شكله فى الواقع ؟ و هل "الإله" هو على هيئة تُشبهنا أم له هيئة أخرى ؟
كل ذلك لا يهم فى حياتنا بشئ حيث أننا لسنا معنيين بالذات الإلهية بل نحن معنيين بالعبادة و عمارة الأرض ، أما الذات الإلهية فهى ليست من شأننا ، لكن كثيراً ما يتوارد إلى أذهاننا ذاك السؤال المُلح ، لما لا نرى "الإله" فى الواقع أمامنا و ننظر إليه و نتحدث معه كما نتحدث مع بعضنا بعضاً ؟
واقعياً إننا نرى الإله لكن رؤيتنا له تختلف تمام الأختلاف عن الرؤية التى نرى بها بعضنا بعضاً ، إننا نرى "الإله" فى كل شئ يحيط بنا هو خلقه ، نراه فى همساتنا سكناتنا حديثنا و كل شئ لكن كيف ؟
فى الواقع تعجز الكلمات عن وصف ذلك ، لكن إن تأملنا ذلك سوياً سيسهل الأمر ، و حتى يسهل دعنى أطرح عليك سؤال ؛ كم مرة وجدت نفسك تخبر غيرك بكلمات لم تعتقد أنك تستطيع التفوه بها من قبل ؟ ( ذاك مثل أن تقول لشخص ما نصيحة أو ما شابه )
من هُنا تَكمن المسألة ( مسألة أنك من الممكن أن تقول أو تفعل أشياء لم تعتقد يوماً أنك قادر على فعلها أو قولها )
من أين تأتى لك ذلك ؟
من الذى أعطاك تلك الطلاقة اللفظية و المعلومات الجَمة ؟
من الذى لم يجعلك تقف عند ذلك الحد و حسب ( حد المعرفة ) و إنما أخبرت و نصحت بها غيرك ؟
إن نظرت بعين الأعتبار لكل تلك الأسئلة و تأملتها جيداً ستجد الإجابة واحده ألا و هى "الإله" .
كل شئ حولك يمكن أن ترى "الإله" فيه ، تراه الذى خلق "الهيولى" ( المادة الأولى التى خُلق منها الكون كله ) و صنع منه كل شئ حولنا و على الرغم من أختلاف الفلاسفة فى المادة الأولى إن كانت ماء مثلما قال "طاليس" نار مثلما قال "هيراقليطس" أو حتى هواء مثلما قال "إنكسيمانس" .
لكن يظل السؤال قائم لما لا نرى "الإله" ؟
هناك مجموعة من الأسباب التأملية الفلسفية البحتة التى قد تحتمل الصواب أو الخطأ فى مسألة عدم رؤيتنا للأله سأستناول بعضها لك و هى
السبب الأول
السبب الأول مُفيده يدور حول تطور الأنسان فى حياته على الصعيدين على حد سواء و الذى من الممكن أن نطبقه على "الإله" .
تعلم أن كلما أصبح الأنسان فى منصب أكبر ؛ كلما أنحجب عن العامة أكثر فأكثر و بالتبعية صعب الوصول إليه ؛ ذاك ليس فقط بسبب ما يقوم به من أعمال فيكون مشغولاً دائماً ؛ إنما لأنه فى منصب كبير يحتم عليه التواجد فى أماكن معينة دائماً و عدم الذهاب إلى آخرى ، فعلى سبيل المثال أنت لا تستطيع الحديث إلى وزير ما بسهوله إلا بعد عمل الكثير من الإجراءات المعقدة ، حتى إن قابلته سيكون فى أضيق الحدود .
إن أخذت ذلك وطبقته على "الإله" ؛ سيتضح لك لم لا ترى "الإله" مع العلم أنه شتان الفارق بين هذا و ذاك ( الإله الكبير الخَالق و الأنسان المَخلوق ذى القدرات المحدودة ) .
السبب الثانى
فكرة تشويق الأنسان ليكون عنده الدافع لإنجاز الشئ و ذلك من خلال عرض الأشياء الخاصة بالدافع .
فهى جزء من علاقة المُثير والمُستثار و التى تقوم على شيئان أحدهما المُثير و هو الشئ و الآخر المُستثار و هو الشخص ، إن تلك الفكرة قائمة على أساس أننا بناء على شوقنا لرؤية "الإله" نسعى لعمل الطاعات كما يجب حتى نراه عند دخولنا دار النعيم ، فمن المنطقى ألا نراه إن كُنا أناس خطائون و لا نفعل الخير ، لكن أين المُثير ؛ المُثير موجود فى خَلق وصناعات "الإله" فنحن عندما رئيناها إنجذبنا و أستثرنا على أثرها ، على سبيل المثال عندما ترى لوحة جميلة وقتها تسعى لمعرفة من رسمها ، أو تسمع موسيقى جميلة وقتها أيضاً تبحث عن من ألفها و عزفها .
ذاك ما ينطويه هذا السبب فأن طبقته على "الإله" وقتها تستطيع الفهم أن الإله يشوقنا بمخلوقاته و مصنوعاته لنبحث عنه ونتأمل مخلوقاته و مصنوعاته ، مع شتان الفارق بين هذا و ذاك فى المثال ( الإله الكبير الخَالق و الأنسان المخَلوق ذى القدرات المحدودة ) .
السبب الثالث
فى هذا السبب دعنى أطرح عليك سؤال
هل سبق لك و أن قلت لنفسك أنك تريد أقتناء شئ ما لمجرد أنك تريد أكتشاف الشئ و حسب ؟
( ليس المهم أنك أقتنيت الشئ أم لا ، لكن مجرد أن تفكر فى الشئ من دون أن تكون فى حاجة له هو فى حد ذاته شغف و حب إنسانى عميق لأكتشاف الشئ )
ذلك السبب ينطوى على فكرة الغموض ؛ حيث أن الأنسان لديه حب للمعرفة منذ البشر الأوائل كالأنسان الحجرى الذى أكتشف النار عندما أحترقت يداه من قَبل النار ، هذا السبب هدفه الرئيسى أن يكشف لنا رغبة الأنسان فى المعرفة وخاصة الشئ الغامض الذى لا نستطيع الوصول إليه .
و على ذلك نجد أن فكرة الغموض هدفها الرئيسى هى أن تجعل الأنسان يتجه بعقله و روحه و حواسه للتفكر فى عالم الميتافيزيقا و هو عالم ما وراء الطبيعة الغامض الذى لا نعلم عنه سوى معلومات ضئيله ؛ ليبحث و يتأمل ؛ لأنه إن أصبح كل شئ واضح أمامه لن يفكر و لن يتأمل فى شئ ؛ لهذا السبب جعله "الإله" غامض و جعل نفسه أيضاً غامضه حتى نتفكر .
و لكى لا يلتبس عليك الأمر حيث أن فكرة الغموض التى تقول برغبة الأنسان فى المعرفة تشبه بشكل أو بآخر فكرة التشويق ( تشابه طفيف ) التى تقوم على فكرة المُثير و المُستثار لكن يوجد فارق بين كلاهما ؛ لأن فكرة الغموض تضع الأنسان فى قالب الأنسان الراغب فى معرفة ما يخفى عليه ( ما لا يستطيع رؤيته ) و يريد معرفته و رؤيته بشتى الطرق أما فكرة التشويق تضع الأنسان فى قالب المُثير و المُستثار فالمرء يرى الشئ المثُير فيُثار ؛ بالتبعية يشتاق لرؤية الخالق الصانع البديع الذى فعل كل ذلك الجمال ؛ على أثر ذلك يقوم بصنع الخير و ترك الشر والمنكر ؛ لأنه يريد رؤيته و معرفته عن كثب ( الإله ) ؛ ذاك فى ظل أنه من المعروف أن "الإله" يرى و ينظر لكل طائع له فلا ينظر للعاصى .
السبب الرابع
يقوم السبب الرابع من أسباب عدم رؤيتنا "للإله" على فكرة النور الإلهى التى يفسرها الباحثون و المفكرون ، أن "الإله" كما نعلم من عظمته و جلاله أنه له نور و نحن مخلوقات من طين ؛ فإن رأينا ذلك النور الإلهى الكبير سنحترق كأن نقترب من الشمس على سبيل المثال ( مع الفارق بين الأثنان الشمس و الإله ) ، هُنا يكمن السؤال كيف سنرى الإله فى عالم النعيم و نحن مخلوقات من طين ؟
أليس من الممكن أن نحترق ؟
بالطبع وقتها سيكون جسدك قد فنى و أنتهى ، لتحل رُوحك فى عالم النعيم بصحبة الكائنات السماوية فترى "الإله" دون أدنى مشكلة ( ذاك إن كنت من الطائعين للإله ) .
فى نهاية المطاف أقول لك إن كل تلك التفسيرات ما هى إلا إستنتاجات من قَبل العقل البشرى تحتمل فى طياتها الصواب و الخطأ ، لكن فى النهاية دعنى أسألك ، إن رأيت "الإله" و عشت فى نعيم أوقتها ستكون فى الدنيا الفانية التى ستتركها عاجلاً أم آجلاً ؟
و وقتها ( إن عشت فى نعيم فى الدنيا ) أستهون عليك الدنيا ذات النعيم لتفكر فى نعيم الدار الآخرة التى لا نعلم أسنكون فيها أم لا ؟
تذكر جيداً أن "الإله" موجود داخلنا أيضاً ؛ لأننا نَفخ من روحه .
( مع العلم أننى لا أقصد أن "الإله" أتى كفكرة للأنسان فى عقله بناء على ضعفه فيعوضه بقوة أكبر منه و لا يوجد إله فى الأساس ، فشتان الفارق بين هذا وذاك ) .
-
Ahmed Mohamed Fathiأقوم بالبحث والتفكير وكتابة كل شئ له علاقة بالعلوم الفلسفية تلك العلوم التى هدفها التفكير ؛ ذلك لمحاولة صنع مجتمعات مثقفة فاضلة هدفها التفكير للوصول إلى واقع أفضل ملموس وصنع الوعى لكل فرد .