على هامش الذكرى الثانية لإغتيال الشهيد بضري عبد الرحيم
نعم، لاتصالح! ولو وقف أمامك هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد و امتطاء العبيد، الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم.
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم، ورمى لك كهَّانُها بالنبأ.
أبداً، لا تصالح! ولو قيل إن التصالح حيلة، إنه الثأر. تبهتُ شعلته في الضلوع إذا ما توالت عليها الفصول.
لا تصالح! فما الصُلح إلا معاهدة بين ندَّينْ (في شرف القلب) لا تُنتقَصْ.والذي اغتالني مَحضُ لصْ، سرق الأرض من بين عينيَّ و الصمت يطلق ضحكته الساخرة !
بهذا الهمس ’’الدنقلي’’ نستهل كومة الإحتجاج هاته، فلست أدري والله أي زُقاق أسلك !! هل أجيك مُتشحا بعباءة سواد، عازفاً سيمفونية الرثاء؟ وأنغص على روحك الأبدية وأتمتم ما تلاه ’’عزالدين المناصره’’ رثياً إحدى الفدائيين :
بالأخضر كفّناه..
بالأحمر كفّناه..
بالأبيض كفّناه..
بالأسود كفّناه..
لا الريح تحاسبنا إن أخطأنا لا الرمل الأصفر.
لا الموج ينادينا إن خطف النوم أعيننا والورد إحمرّ.
يا دمَهُ النازف إن كنت عذاباً يومياً لا تصفرّ.
أم أقف على عتبة (الفكرة). مجرد فكرة، تركت سليلها وسط حُرمة الجامعة تُجلجل. وأصرخ لحد السكتة في وجه زاوية اللاموقف وأسترسل ماشياً على جمر’’محمود درويش’’ :
لم يعد في وسع أحد أن يدعي اللافهم أمام سريالية سياسية تنتج موتا واضحا.
المشهد واضح.
القتلة واضحون.
حلفاء القتلة واضحون.
وأصدقاء حلفاء القتلة واضحون أيضا لمن يريد أن يرى.
أم أني سأفجر الماضي في الحاضر والحاضر في الماضي، وأمشي مُتحاملا نحو مقامك وأنا أتلوا ’’كلمات سبارتكوس الأخيرة’’ :
سيزيف لم تعد على أكتافه الصّخره.
يحملها الذين يولدون في مخادع الرّقيق.
والبحر كالصحراء..لا يروى العطش.
لأنّ من يقول " لا " لا يرتوي إلاّ من الدموع !
فلترفعوا عيونكم للثائر المشنوق..
فسوف تنتهون مثله..غدا
أخبرني أرجوك أي طُرق أسلك وأنا بجنب الثرى أحتضن مدمعي المُغرغر، يا من تركتنا نُجرجر سليل أفكارنا وسط دولاب الانحراف الأخلاقي والتذبذب السياسي والخواء الفكري وغوغائية الأنا، في انتظار غبش صُبح الذي طال.
لن أُحدثك عن قائمة الشحاذين على عتبات ممسوخ الرباط ولا من يُهللون لمخططاته التخريبية، ولن أغدش صفوة مزاجك بأنباء الثوار الكتبة، من يضعون المواقف و الجوارب على عتبة التساوي، ولن أُصدع رأسك برعاع العرق الأري (مومس الأكشاك الجامعية)، ولا بنو جلذتنا. وُعاظ ثرثرة السلام و بغاء الإصلاح (من تكرشوا حتى عادوا بلا رقبة)، لكن سأسرد لك باعا طويلا ممتد لمن تركتهم خلفك :
مواقف الرفاق و درب المسير الدامي و مجد ذاكرة لا تشيخ، فمنذ أن حلت تلك السحابة الحلكاء وسط رمضانية ذلك النهار المُشمس، من تركت لهم نص أمانة الرسالة. لم ينم لهم جفن إلا و صانوا حق أحقية عهدها، و سوط النقد الذاتي و صفعه الحارلا يفارق أرصفة المسير. فدمك لم (ولن) يذهب سدى، أما روحك صارت ’’قسما’’ بين فلول من ودعتهم بالأمس القريب و بكاء من حملوا نعشك لن يكون من ملح و ترك اللذة الأخيرة تدب في خلايا من يقارعون الخمرة بجماجمنا، تركهم. فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد و نُباح الفاشستيين سيتحول لصمت مطبق.
إمنحني بهاء اللحظة الأخيرة : لأني لن أطقطق شفتاي بعبارة (لروحك سلام)، ولن أجيئك بما دَمْدَمَ نيرودا بابلوا ( أبدا لن تستطعوا وقف زحف الربيع). لكن كل ما في جعبتي بعد أن ضاقت الغصة في حشرجة الأفئدة المكلومة، قول مُدوي للمشتبك أكرره على دفاتر موتك البهي :
وظيفتنا أن لا نثأر فقط، وظيفتنا أن نحسن عمل الثأر.
-
خالد بوفريواكاتب