حتمية ركوب قارب التنوير : بشير بسكرة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حتمية ركوب قارب التنوير : بشير بسكرة

سؤال التنوير في العالم المتحدث باللسان العربي

  نشر في 08 شتنبر 2020 .

التنوير هذا المصطلح العميق الذي يتردد صداه على مسامعنا كثيرا في الآونة الأخيرة و يردد هنا و هناك من طرف الكثيرين، خاصة مع ما تشهده مناطقنا الجغرافية الناطق أهلها باللسان العربي من ثورات و انتفاضات و حراك و ما الى ذلك. فما هو التنوير ؟ و ما حاجة مجتمعاتنا اليه ؟

لقد اصبحت الحاجة الى هذا المصطلح و الذي أربطه دائما بسلطان العقل و الجرءة على استعماله، حاجة ماسة جدا، أصبح من واجب الجميع (و أقصد هنا المطلعين و المثقفين و غيرهم) أن يحملوا المشعل و ينشروا و يزرعوا بذور التنوير داخل المجتمعات بطريقة صحيحة، و بطريقة تجعل هذه الأخيرة و شعوبها تعبر الجسر من الظلامية الى النور و من عصورها القوروسطية الى عصور الأنوار و الايمان بالانسانية و الرقي لا بالظلم و القيود و القمع ..

يمكنني ان اشبه حالنا اليوم بشكل نسبي نوعا ما بالحال الأوروبية قبل عصر الانوار. تلك الحال التي سجلها التاريخ و التي كان يقتل فيها المفكر و يقمع فيها الفيلسوف و يتهم بالهرطقة في محاكم التفتيش و تغرب شمس كل من يخالف السلطة الدينية في نموذج افكارها الأحادي الشمولي الذي تقرره .. لكن هذا العصر قد انقضى و لو طال امده. و من خلال ملاحظة تاريخية بانورامية بسيطة يمكننا ملاحظة الدور الكبير الذي قام به المفكرون و الفلاسفة في العمل الثقافي و التنويري، ساعين بذلك الى اخراج العقل الاوروبي آنذاك من القوقعة و تحريره من العبودية تجاه الكنيسة و أغلالها، و قد نجحوا في ذلك طبعا، فما نشهده اليوم من تقدم و رقي و حضارة هو نتاج التنوير بالشكل الذي أعرفه به، على انه الجرءة على استعمال العقل و تمكين سلطته و الاحتكام اليه. ذلك العصر الذهبي الذي خلد اثره باستمرار و الى الابد، و حفظت تلك الأسماء البارزة بحروف من ذهب نظرا للدور الكبير الذي لعبته في هذه النقلة التاريخية في أوروبا.

ما اريد قوله من خلال هذا هو بلورة مقارنة نسبية بسيطة الى الحال التي نعيشها اليوم. فها هو اليوم نفس التصور يتكرر و لكن في جغرافية اخرى! فالمفكر و الناقد الذي وجه سيفه الى السائد و المنتشر من افكار في المجتمع يقمع أولا من طرف افراد هذا المجتمع و ابناء بيئته، و ثانيا من طرف الدولة التي تسن قوانين تجرم فيها النقد و تكمم افواه الناقدين، و العجيب انها في نفس الوقت تدعي الديموقراطية و تتغنى بشعارات حرية التعبير و حقوق الانسان، لكنها طبعا شعارات زائفة ميتة كما عهدناها .. لا يزال المثقف الثوري يكافح و ينهض بعد كل سقطة و يحارب الظلامية و التخلف حتى آخر نفس، و يحمل على عاتقيه ما يجب ان يحمله كل المثقفين في نشر التنوير. و على راي غرامشي؛ فإن المثقف الذي لا يهتم لآلام شعبه لا يستحق لقب المثقف. و لهذا فإنني أشدد و أكرر على دور النخب الثقافية و مهمتها التي يجب عليها القيام بها من أجل انقاذ هذه المجتمعات من الوحل الذي تغرق فيه دون وعي او ادراك، فهي كالأعمى الذي يسير في درب لا يعلم مآ يجري من حوله، فتقوم هذه النخب بإمساكه من يده و ارشاده الى طريق الصواب.

ان التنوير قادم لا محالة و قارب الانسانية و القيم الكونية حتمي، لكن علينا ان نسرع عجلة التاريخ و نعلم ان من يركب قارب التنوير يسير دوما عكس التيار و عليه ان يصمد و يكرس كل جهوده كي لا يجرفه الى اعماق الرجعية، و ليكن على ثقة اننا ايضا نستحق كغيرنا ان نعيش تحت كرامة و حرية و تقديس للانسان و احترام له و في تعايش سلمي رغم جميع الاختلافات. ان هذا هو ما تدعو اليه حركات التنوير و ليس غيره من القصص التي يحاول هؤلاء الخرافيون و الظلاميون عبثا الصاقها به، و هذا طبعا ما يصادق عليه العقل و يدعمه الى ابعد الحدود ..

ان ما نشهده من ثورات و انتفاضات لن ينجح دون مجهودات كثيفة من اجل ثورة فكرية تسير بالتوازي مع ثوراتنا و ان تستغل الفرصة من اجل ارساء دعائم المجتمع الحداثي الذي تسوده القيم الانسانية و الديموقراطية و يجعل من حقوق الانسان دستورا يحكمه و ينبذ دعاوي العنصرية و الكراهية و بذور الطائفية و عقلية القبيلة التي تكبل يداه اليوم. فان الثورة او الانتفاضة التي لا تحمل معها ثورة على الثقافة و المفاهيم القديمة حتما ستؤول الى الانحراف عن مسارها الحقيقي و ستتخطفها ايدي التخلف و تمنعها عن تحقيق ما تسعى اليها و تحول ايامها الى ديستوبيا واقعية. و تجربة الربيع العربي حسب رأيي خير دليل على ذلك، فكان من السهل جدا على السلطة و على اصحاب الافكار الهدامة ان يلعبوا بعقول هؤلاء الشباب و يزعزعوا عقولهم و يرموهم في وحل التفرقة و ان تذهب بالتالي كل تلك الثورات الى ما ذهبت اليه للأسف.

و في النهاية اود ان اختم قولي هذا بعبارة جميلة للعظيم ايمانويل كانت و التي يقول فيها : “التنوير هو خروج الانسان من القصور الذي ارتكبه في حق نفسه من خلال عدم استعماله لعقله الا بتوجيه من انسان آخر”.


  • 2

   نشر في 08 شتنبر 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !




مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا