الساكتون عن الحق في الجزائر شرذمة أم أمة ؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الساكتون عن الحق في الجزائر شرذمة أم أمة ؟

سميرة بيطام

  نشر في 29 يناير 2022 .

لعل ظاهرة الحراك الشعبي في الجزائر التي انطلقت شرارتها يوم 22 فبراير 2019 كانت بمثابة الثورة الفكرية للمطالبة بالحق أو بالأحرى مجموعة الحقوق التي من بينها تغيير من هم في السلطة و محاسبتهم على فسادهم ،فكان المنظر منسجما متناغما الى حد بعيد بين فئات وأطياف الشعب الجزائري التي تنوعت في أفكارها ورغباتها لكنها اتفقت على هدف واحد هو رؤية الحق متجليا بتغيير حقيقي و فعال وحتى وأن لم تكتمل صورته كلية لحد الساعة الا أن الأغلبية من صور التغيير تمت مشاهدتها و البقية ستأتي تباعا ، لكن قبل أن أبادر الى كتابة هذا المقال خطر الى ذهني سؤال وجيه عمن كان ساكتا عن الحق قبل الحراك الشعبي وبعده يعني الآن، ثم من هي الفئة التي فضلت أن تحافظ على مصالحها الشخصية ولا يهمها طريقة تحقيق تلك المصالح وسط زخم من المواطنين الذين لم يحضوا بعد باسترجاع حقوقهم، كالمعزولون من مناصب عملهم تعسفا ،أو كالذين حرموا من الترقية المستحقة لهم أو الذين سلبت منهم أحقية نيل مشروع ما ولكنه منح لشخص آخر، بمعنى الفئة التي سكتت عن قول الحق أو المطالبة به هي أصلا لا تعاني من أزمة تعسف أو سلب لأي حق أو نقص في تمام واستكمال النصيب المهني بمنصب قيادي في وزارة أو بتكريم أو بحظوة ما ربما حتى خارج البلد، لا أعرف ان ما كان هذا السؤال في محله أم لا في الجزائر أي بمعنى : من هي الفئة الساكتة عن الحق وأي حق سكتت عنه؟.

نعود لتفحص بعض مواقع التسيير في الوزارات الجزائرية أو المصالح الاستشفائية أو الادارات الجامعية أو البلدية و الولائية وغيرها ، ربما يلاحظ المتمعن جيدا أنها لم تكن مبنية على المواساة و العدل في منح فرص شغل هذه المناصب ،ونجد مسؤولا ينقل من وزارة ما وينصب في مؤسسة بمنصب رفيع ونجهل في الوقت نفسه طرح صيغة سؤال آخر : من يقوم بعملية التعيين ومن يقوم بعملية انهاء المهام وماهي الصفات والمؤهلات التي تم الاعتماد عليها لتحرير صيغة ترقية ما.

نعود للب حديثنا الجوهري في سابق المقالات وهي رغبة الدولة الجزائرية في احداث قطيعة مع سلوكات الماضي المتعسفة والمبالغ فيها ، هل فعلا تلمسنا المصداقية الحقيقية لتحقيق هذه الرؤية في الميدان ومنه كسب ثقة المواطن بعد أن فقدها فيمن ولاهم فرصة لتغيير الواقع لكنهم لم يغيروه بل أفسدوا وعاثوا فوضى في التسيير؟ ومجمل المحاسبات تتم بشكل تدريجي ، لنعرج على محطة مهمة وهي مساءلة الارادة السياسية في حد ذاتها بمستخلص من له سلطة القرار ان ما كان فعلا برنامج التغيير سيحظى بنوع من التحديث الحقيقي للبنى التحتية لمؤسسات الدولة بما في ذلك تغيير الذهنية الجزائرية لتتعاطى مع الواقع بشكل أكثر نضجا وتفهما مساندة لإحداث النقلة النوعية والملموسة لبرنامج السيد رئيس الجمهورية في كافة القطاعات بدون تعثر أو عراقيل من شأنها أن تمنع عملية التنمية الشاملة في القطاعات الحساسة كالصحة والطاقة والتعليم والتجارة، سيبدو الأمر فيه نوع من المبالغة ان قلنا أن مدة العامين لم تكن بعد كافية لرسم أبعاد البرنامج مع أطياف شعب لم تعرف وجهتها الحقيقية فيما ان كانت راضية على الآداء الحكومي صراحة أم لا، لنقف وقفة متأمل في محاولة معرفة نسبة الأشخاص الذين يسكتون عن الحق اليوم ،هل هم من فئة من لا مشاكل لهم أم هم من فئة تعودت الحصول على المكسب بيسر لأن هناك من يدعمها و يقدم لها يد العون بلا تعب في الوقت الذي تتم فيه تهميش فئة أخرى تنتمي لأطياف هذا الشعب لكنها غير مستحبة أن تخوض نفس الحظوة من الفرصة للفئة السابقة و بالتالي يقع البحث عن المصطلح المناسب لطائفة هذا الشعب :هل هي شرذمة أي فئة قليلة أم هي في مجملها أمة لا تهتم بقول الحق أو التعبير عنه في مناشيرها أو حتى في قناعاتها وان وجدت فهي بنسبة قليلة ربما لأن اليأس بدأ يتسلل اليها من كثرة ما تلقته من احباط نفسي لرؤية نفس السلوكات والتصرفات تتكرر والتي لا تعجب بعض الملاحظين أو من تضرروا من بعض الاخفاقات.

لا يهم نوع الاخفاق ولكن مهم جدا أن نعرف توجه المجتمع الجزائري مع الحق و كيف ينظر اليه و هل هو متمسك بالمطالبة به حتى وان بدت فرص استعادته ضئيلة أو ربما مستحيلة ، ثم ظهور بعض أنواع الجريمة في المجتمع الجزائري التي لم تكن موجودة من قبل ،هل تعطي التفسير لمن تعب من الاجرام ولم يعد يقدر على المطالبة بحقه بالطرق المشروعة لأنه في قرارة نفسه يستبق الأحداث و يرى في طريقة استرجاع الحق تعب و جهد اضافي ومضيعة للوقت.

صراحة ترجمة السكوت عن الحق في المجتمع الجزائري لها فئاته ولها طرقه وهو العزوف عن التأييد أو التخلي عن الحق لأنه لا شيء يستحق المطالبة به ،ففرص الاستحواذ على المناصب مخولة لفئة على حساب فئة أخرى وهي امتداد لفكرة استعمارية تبجل جنسا على جنس وهو ما يرفضه القانون بصفة عامة لما تحدثه هذه الصيغة التفضيلية من فروقات مجتمعية ومظالم متكررة يدفع ثمنها الشعب ولا أحد غير الشعب ،ما يجعلنا نقف اليوم وقفة صريح متدبر عاقل واع بما يدور حوله ليكتب الحق الذي يريده أو يعبر عن مشاعر التهميش أو الظلم الذي يشعر بهما، فلم يعد سلوكا حضاريا ترك الفرصة لمن تعودوا على الاستيلاء عليها بلا وجه حق وبات اليوم مهم جدا انشاء قضاء مستقل يقف في وجه المستغلين والمستحوذين والطامعين فيما ليس من نصيبهم سواء خبرة أو كفاءة أو علم ، ليصنف الجزائريون تصنيفا وترتيبا حقيقيا بحسب المعايير التي تمنح الأحقية لمن يستحقها، فان كنا في جزائر جديدة فيجب وضع نهاية للسلوكات المبالغ فيها من شرذمة ترفض قول الحق وان كنا لا نرى بوادر انشاء جزائر جديدة فثمة خلل ما يجب سده، ويبقى السكوت عن الحق شيطان أخرس على الأرجح الشرذمة التي تستحوذ على حقوق الغير بات اليوم ضروريا استطلاع الأمة الجزائرية على واقعها لإعادة تصنيف الحقوق لمن يستحقها وبالعدل دون النظر الى الجنس أو العرق أو الجهة ..فتغيير الذهنيات مطلب ومكسب شعبي متن الشعب الى ذات الشعب لأنه هو المطالب بالحق و هو المستفيد منه من أجل أن تتحقق التنمية المجتمعية بمعايير متوازنة دون محاباة لأحد أو لجهة أو لفئة .


  • 2

   نشر في 29 يناير 2022 .

التعليقات

نورا محمد منذ 2 سنة
أستاذتي، أنتِ رائعة.
0
.سميرة بيطام
الورعة أن نصادف في طريقنا من يحمل نفس شعلة الحق..فنسعد أن رفقائه متفرقون لكنهم متفقون حين تلتقي أقلامهم على شاطىء الصراحة..جزاك الله خيرا نورا

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا