ديجافو بالفول النابت! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ديجافو بالفول النابت!

  نشر في 14 ديسمبر 2019 .

في مرات كثيرة، وعند تعرض المرء لمواقف معينة، يخيل إليه أنها قديمة وأنه قد تعرض لها من قبل، بذات المكان والأشخاص والكلمات، وهو ما يعرف بظاهرة الـ"ديجا فو".


ويفسر العلماء تلك الظاهرة بأن الإشارات الحسية تصل للمخ (بنصفيه) حيث يقوم بتحليلها وتخزينها في الذاكرة، لكن في بعض الأحيان تصل الإشارات لأحد نصفي المخ قبل الآخر بأجزاء قليلة جدا من الثانية، فيقوم هذا النصف - منفردا - بتحليلها وتخزينها، وعندما تصل للنصف الآخر ويبدأ هو الأخر بتحليلها يجد أنها موجودة بالفعل في الذاكرة، فينتج الشعور (الوهمي) بأن تلك الأحداث قديمة وليست جديدة!.


تفسيربسيط وفعّال ومقبول جدا في الحقيقة، لكنه ليس التفسير الوحيد للظاهرة. فهناك - على سبيل المثال – تفسير آخر أكثر تعقيدا وغرابة منه يقول بأن الإنسان في مراحل تكوينه الجنيني الأولى، ومع اكتسابه الحياة (نفخ الروح) فإنه يتم معها حقن سجل حياته التفصيلية بالكامل منذ اللحظة الأولى لولادته وحتى مماته! وبرغم أن تلك العملية تستغرق في الحقيقة أجزاء قليلة جدا من الثانية (أو حتى أقل)، إلا أن تسكين تلك الأحداث والوقائع في ذاكرة الجنين يتم – نسبيا – بأوقاتها الحقيقية، بالساعة واليوم والشهر والعام، ما يعني أن الإنسان – نظريا - يعيش حياته كاملة بكل تفاصيلها قبل أن يبدأها! 

وبمجرد خروج الجنين، ومع أنفاسه الأولى، يتم محو تلك الذاكرة بالكامل ليبدأ بعدها في ممارستها فعليا. لكن حتى مع هذا المحو، تبقى بعض الأشلاء لبعض المواقف المتفرقة عالقة بالذاكرة دون وعي من صاحبها، وعندما يتعرض الإنسان – في الحقيقة – لأحد تلك المواقف تُثار تلك الذاكرة القديمة ويتهيأ للواحد أنه قد مر بهذا الموقف من قبل!


تفسير عجيب حقا، والأعجب أن أصحابه يؤكدون أنه لا يوجد أي فارق بين الحياة المجازية التي يمر بها الجنين والحقيقية التي يمارسها بعد ولادته، حتى أنه لا يستطيع أحدٌ الجزم في أي وقت إن كان حيًّا حقيقة أم أنه مازال جنينا لم يولد بعد! ما يعني أنك - وأنت تقرأ هذا الكلام الآن - قد تكون مازلت جنينا في بطن أمك تمارس الحياة المجازية، وأنك سوف تقرأ هذا الكلام مرة أخرى بعد ولادتك عندما يحين وقته!


بالطبع لم يكتب لتلك النظرية القبول والانتشار لأسباب كثيرة، منها أنه لا توجد أي طريقة عملية – حتى الآن - لقياسها والتحقق منها (برغم أنه لا توجد أيضا أي طريقة عملية لنفيها!)، وأنها ترتكن بشكل مباشر إلى الميتافيزيقا التي لا يفضلها العلم التجريبي ولا يحب اللجوء إليها لتفسير الظواهر، كما أنها أيضا تثير الكثير من الشكوك حول ماهية وجدوى الحياة وتأرجحها بين الوهم والحقيقة، كما تعيد طرح الجدلية القديمة (الحديثة) المتعلقة بالإنسان وحريته وهل هو مخير أم مسير!


لكن يبقى السبب الأهم – من وجهة نظري الشخصية – أنني لم أحلم بتلك النظرية إلا بالأمس فقط، ولم أبدأ بصياغتها وكتابتها إلا الآن عبر هذا المقال بعد أن أنهيت طبقا كبيرا من الفول النابت، وبالتالي فهي لم تأخذ فرصتها – الزمنية – بعد للانتشار (تماما كما لم يأخذ طبق الفول النابت فرصته بعد للهضم)؛ كما أنها لم تأت على لسان أحد المرموقين ذوي الأسماء الأعجمية الرنانة التي تكسب الكلام مصداقية تُبهر الكثيرين، وإنما على لسان العبد لله الفقير إلى ربه!


  • 11

   نشر في 14 ديسمبر 2019 .

التعليقات

ريم ياسر منذ 4 سنة
رائع جدا
2
§§§§ منذ 4 سنة
مقال ممتع.....
الحقيقة أن هذه الظاهرة كثيرا ما تحدث معنا....و لو أن تفسير السيالة العصبية التي تصل متفارقة بالوقت بين فصي الدماغ هي أيضا لا تعد إلا نظرية لم يتم إخضاعها للتجريب... لذلك لا أرى حرجا في الاستماع لنظريتكم و وضعها ما بين الاحتمالات الممكنة...

تحياتي لقلمكم أخي
2
Abdou Abdelgawad منذ 4 سنة
بالهنا والشفا
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا