أحيانا يكون من الصعب أن نفهم اللغة العلمية المتعلقة ببعض المواضيع مهما بدت مهمة في حياتنا.. تأتي السينما لتبسط مالا يمكننا استيعابه، بلغة مفهومة وبمواقف إنسانية مجسدة بالكثير من الألم والتعاطف والتقبل والتفهم والمسؤولية.

إن الأمراض والاضطرابات الجسدية والنفسية لا تتعلق بالشخص المريض فقط. بل بكل من حوله. الجميع يتأثرون ويؤثرون وتحاول السينما أن تقربنا أكثر من هذه الحالات لتجعلنا نرى تحت المجهر ما يدور داخل العائلات المصابة.

إليكم 4 أفلام تثقيفية وإنسانية تشرح معاناة الأشخاص عندما يضرب المرض الجسدي أو الاضطراب النفسي أحبتهم. 

An early frost  

بما أننا في عصر الأوبئة والفايروسات فمن الطبيعي أن نجد أنفسنا نحاول أن نلم بكل ما يتعلق بها. عام 1981 ضرب الولايات المتحدة الامريكية وباء غامض قاتل احتاج العلماء إلى ثلاثة سنوات لاكتشافه. إنه فايروس نقص المناعة المكتسب/الايدز. 

عام 1985 عرض فيلم an early frost أول فيلم يتحدث عن فايروس الايدز الذي كان يصيب الرجال المثليين أولا ثم مدمني الهرويين كما أنه تسبب بالعديد من الوفيات بين الأطفال. استخدم الفيلم لغة مباشرة وتثقيفية أحيانا خاصة أنه كان أول فيلم يتحدث عن الموضوع ويجسد معاناة المرضى وأسرهم.

كنت أتخيل أن فيلم the normal heart الذي عرض في 2014 كان أفضل فيلم جسد محنة الثمانيات مع الايدز والحركات الثورية التي حاولت أن تحفز الحكومة للتحرك والتصدي له. إلا أن فيلم ان ايرلي فروست ذهب بعيدا مسلطا الضوء على البعد الإنساني للموضوع وغاص إلى الأعماق النفس البشرية وصراعاتها في التقبل والتسامح والحب الغير مشروط. غالبا ما كانت أسر مرضى الايدز تقع في حيرة بين احتضان ابنها أو التخلي عنه. وكان شائعا في تلك الحقبة وقبل اكتشاف طرق انتقال الفايروس أنه ينتقل عبر التنفس واللمس والعناق والتقبيل والشرب من نفس الكوب إضافة إلى أنه "سرطان المثليين" فكان المريض يترك ليلاقي مصيره الحتمي و هو الموت. ولكن الفيلم حاول إيصال كل الرسائل الصحيحة، وتصحيح المعلومات الخاطئة في ساعة ونصف. واستطاع أن يضعنا أمام مسائل أخلاقية كثيرة بدءا بـ: الخوف من الموت والمرض، الوصمة والعار، الرفض والاشمئزاز، الذنب والمسؤولية، كلها مسائل ستكون حاضرة في عقول كل الشخصيات كل منهم بحسب وجهة نظره وموقعه. قد نجد العديد من نقاط التشابه واختلاف بين الوباء الذي نعيشه حاليا (كوفيد 19) وبين وباء الايدز في الثمانينات إلا أن الاختلاف الأكبر بين الوباءين هو أن المصابين بالكوفيد يجب أن يبقوا معزولين عن العالم الخارجي بينما كان المصابين بالإيدز وحيدين تماما في العالم الخارجي.

  6Balloons 

هناك العديد من الأفلام التي تتحدث عن الإدمان، غالبا ما تتمحور حول المدمن نفسه، رغباته وأفكاره وصراعاته، ولكن ماذا عن الأشخاص من حوله؟ 6 بالونز الفيلم يتطرق بطريقة مظلمة للحالة التي تصيب الأفراد المقربين من المدمن. الفيلم ليس نوع فرعي عن الإدمان فقط، بل هو نوع خاص. يركز بالدرجة الأولى على الكارثة التي تقع على الأسرة التي تحوي مدمن، سنجد أنفسنا نبرر لهم تورطهم معه، سنبرر ضعفهم وقد نسأل أنفسنا خلال الفيلم ماذا يمكن أن أفعله لو كنت مكان شقيقته؟ هل قامت بما هو صحيح؟ أم بما يجب ان تفعله في تلك اللحظة؟ هل يجب ان تثق به؟ هل كان يقول الحقيقة؟ يتطرق الفيلم بشكل بسيط إلى معاناة المدمن من الأعراض الانسحابية وكذلك فقدان المال والسلوك المتهور. ويركز في المقابل بشكل أكبر على معاناة أفراد الأسرة لتقبل ما يحصل والرغبة في المساعدة والفشل في ذلك، ومشاعر الإحباط التي تصيبهم نتيجة عدم انصياع المدمن لرغبتهم في المساعدة على الإقلاع. وكيف أن حياتهم بأكملها يمكن أن تتوقف نتيجة خوفهم من أن يفقدوا عزيزهم في أي لحظة بينما هم يفقدون كل اللحظات المهمة في حياتهم.

يصور لنا الفيلم ادمان الهيرويين أصعب أنواع الإدمان، حيث لا يزال الهيروين يعتبر أكثر أنواع العقاقير إدمانًا في العالم مع واحد من أعلى معدلات الجرعات الزائدة، والجرعة الزائدة من المخدرات هي السبب الرئيسي لوفاة الأمريكيين الذين تقل أعمارهم عن 50 عامًا وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.  

The fisher king

للوهلة الأولى قد يبدو الفيلم تافها أو غبيا. إلا أنك سرعان ما تستطيع أن تستوعب أنك في مواجهة مع كم هائل من مشاعر الذنب التي تطفو على السطح عندما تتسبب بقصد أو بغير قصد في تدمير حياة شخص آخر لا تعرفه بكلمة أو بفعل.

في المقابل يركز الفيلم على مفهوم الصدمة بشكل عام و ما ينتج عنها، و على الرغم من وجود خلاف حول المرض النفسي الذي يتحدث عنه الفيلم إلا أنه في الغالب كان الفصام الناجم عن صدمة.(دون الإشارة إلى ذلك بشكل صريح في أحداث الفيلم، إلا أنه صور الأعراض و التشخيص بشكل واضح) يشير الفيلم إلى أن الفصام يمكن أن يكون بالفعل أحد أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، خاصة عند التعرض فجأة لموت عنيف لأحد أفراد الأسرة.( دون أن نجزم أن كل متعرض لصدمة سيصاب حتما بالفصام، حيث أن هناك عدة عوامل تتداخل في حصوله مثل التاريخ الأسري و العامل الجيني)

كثير منا قد صادف في حياته أحد المشردين الذين يصرخون ويتحدثون مع أنفسهم في الطرقات بثياب رثة ومظهر غير نظيف دون أن يفهم لماذا؟ أو تفكير ما الذي يدفع مثل هؤلاء للقيام بذلك؟ كنا فقط نشمئز دون إعطاء أي تفسير أو تبرير.

يصور الفيلم قصة من قصص هؤلاء المشردين. لشخص تحول بين ليلة وضحاها من انسان يرتدي الطقم إلى مشرد لم يستحم منذ أشهر بسبب شخص غير مسؤول و لكنه وجد نفسه متورطا معه لاحقا.

 لطالما كان لدي تحفظ حول الأفلام التي تجسد الأمراض العقلية، بعض الأفلام التي أخذت صيت كبير خاصة في عالمنا العربي لم تعرضها بشكل الواقعي أو حقيقي، بل تسببت في تشويه مفهومها العام وسياقها. The fisher king يصور المرض العقلي بطريقة غير مباشرة و لكنه يعطيك فرصة للغوص في أعماق الذهاني و يحاول أن يجعله مفهوما. 

James White

لا يصل الناس غالبًا إلى سن الرشد إلا بعد أن تضطرهم الحياة لذلك. وبالتالي لا يعودون قادرين على الهروب من مسؤولياتهم. الفيلم يجسد قسوة الحياة عندما تعلم أن أقرب شخص لك يعاني من السرطان وانه قريب جدا من الموت. هناك العديد من الأفلام التي تطرقت لهذا الموضوع. الجديد في James white هو التركيز على مشاعر شاب طائش غير مسؤول أصبح بين ليلة وضحاها مسؤول عن أمه على الرغم من أنه مقرب منها إلا أنه كان يفضل أن يعيش حياة "الرشد" بعيد عنها. الفيلم يدخل إلى أعماق الشاب الذي سيقوم بمشاهدة ورعاية والدته التي تحتضر.

بإمكاننا أن نتتبع مراحل الحزن لديه من انكار وغضب ومساومة والاستسلام ثم تقبل بكل سلاسة ووضوح أثناء أحداث الفيلم. بإمكاننا أن نفهم أيضا ما يمر به مريض السرطان من ألم جسدي ومعاناة مع العلاج. سواء من جرعات العلاج الكيماوي والأدوية الأخرى والمسكنات إضافة إلى العلامات الجسدية من فقدان الشعر والوزن. الفيلم قد يحوي بعض المشاهد الصامتة أو البطيئة للبعض إلا أن كل مشهد يحمل معنى وشعور معين يمكن أن نلتمسه عبر الشاشة. قد يكون الهاجس الأكبر لمعظمنا هو فقدان الوالدين. عندما نضع أنفسنا في حذاء جيمس قد نتخيل كيف يمكن أن نتصرف إذا ما كنا في مكانه. "الفيلم يحتاج إلى علبة مناديل"