لبنان.....اقتصاد منهار أم نهر فساد؟
نبذة عن تاريخ لبنان:
نشر في 23 غشت 2020 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
انطلقت بدايات تاريخ لبنان الحديث في اوائل القرن السادس عشر مع انتقال الحكم في امارة جبل لبنان من يد المماليك الى يد الدولة العثمانية بعد التغلب عليهم في معركة مرج ذابق .نزح لبنان تحت وطأة الحكم العثماني التعسفي لمدة 500 سنة متواصلة توالت فيها الأزمات و المشاكل على الامارة اللبنانية الصغيرة ,و مع اقتراب نهاية القرن التاسع عشر لم تكن الدولة العثمانية بحال أفضل من امارة جبل لبنان,فالامبرطورية التي وصلت الى اسوار فيينا و احكمت قبضتها على شبه جزيرة العرب طُرِدت من منطقة البلقان بالاضافة خسارة هيمنتها على الساحل الليبي و كل ذلك على حساب دول متواضعة انذاك كصربيا و ايطاليا لدرجة وصفها برجل اوروبا المريض.في اوساط عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الاولى و انتهت بعدها بأربع سنوات منهية معها عصر الامبرطورية العثمانية,بعدها عاد للبنان مساحته الجغرافية المعهودة(10452 كم مربع) مع اعلان دولة لبنان الكبير لكن لم يتحصل ابدا على استقلاله التام ,فدخل في ظل الانتداب الفرنسي بموجب مقررات دول الحلفاء او بالأحرى بموجب مقررات رجال الأعمال و المصرفيين وراء تلك الدول.لم يطول الحكم الفرنسي كمثيله العثماني بل امتد لعقدين فقط ,لكن اللبناني لم يكن ابدا راضيا لا بالعثماني و لا بالفرنسي فبعض السياسيين الوطنيين الذين انقرضوا الى حد ما اليوم قاموا بتعديل الدستور و أخرجوا الفرنسي من أرض لبنان.بعدها عاش لبنان فترة من الرخاء الاقتصادي امتد من يوم الاستقلال الى الى سنة 1975 تاريخ بدء الحرب الأهلية اللبنانية,امتدت الحرب الأهلية 17 سنة متتالية توالت فيها الصراعات و الأزمات لحد ما انتهت في أوائل التسعنيات بتسويات خارجية وضعت الأساسات لنظام لبنان السياسي و الاقتصادي بعد الحرب.
بداية جديدة :
دمرت الحرب الأهلية النظام السياسي و الاقتصادي القديم في لبنان و افتُتِحَ النظام الجديد بعملية نصب علنية,و هي تصفير الحسابات أي أن كل فلس كان في خزينة الدولة قبل الحرب تم نهبه و خلال فترة التسعنيات بدأ بناء نظام لبنان الاقتصادي الجديد .فبعد أن خسرت الليرة اللبنانية قيمتها بشكل حاد بعد الحرب ,أراد السياسيون و خبراء البنك المركزي اعادة الثقة الى الليرة او بالأحرى الجدارة الاتمانية اللبنانية عبر رفع أسعار الفائدة بشكل هستيري وصولا الى 40%,لكن ما لم يراه جميع اللبنانيين حينها هو أن اعادة الاستقرار الى الاقتصاد و العملة اللبنانية لم يكن سوى الواجهة للهدف المخفي حينها و هو تسهيل عملية الاقتراض الذي سيكون فيما بعد حبل المشنقة على عنق الاقتصاد اللبناني.
الاستدانة
خلال فترة التسعنيات بدأت عملية البذخ و التبذير المفرط و كان الهدف افراغ خزينة الدولة من كل دولار بالتحديد لوضع لبنان امام خيار واحد و هو الاستدانة لكن الأمر من ذلك هو أن بعض السياسيين أصروا أن تكون عملية الاقتراض بالعملة الصعبة(الدولار) و حسب قوانين الاقتصاد فان كل بلد يستدين بعملة لا يملك حق اصدارها معرض للتعسر في تسديد الديون في أي وقت و أنه في أزمة حقيقية , لكن بعض السياسيين لم يكترثوا للوضع الاقتصادي و لا لهشاشة العملة المحلية بل فقط سخّروا جهودهم لمضاعفة حساباتهم المصرفية في سويسرا و عقاراتهم في بريطانيا و شركاتهم الوهمية في بنما و جزر فرجين.فبدأت عملية الاستدانة مصاحبة لعملية الصرف المفرط ما كدس جبال من الديون على عاتق الدولة لكن في عالم السياسة و المال دائما يجب أن تقرأ ما بين السطور فبتصريح من رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري :المطلوب من لبنان امرين لا ثالث لهما ,اولا اتفاق سلام مع اسرائيل و ثانيا توطين الاجئين الفلسطنيين و كل جبال الديون تشطب بجرة قلم و ان أكثر الأشياء اثارة للاهتمام هو أن الأموال التي تحصل عليها بلدان العالم الثالث من الغرب بتساهل على شكل قروض تعود حالا الى حسابات الشركات المتعددة الجنسيات و الشركات الاستشارية الغامضة و تكاليفها الهائلة بالاضافة الى نهب النخبة المحلية لكمية من هذه القروض و من ثم يودعونها في البلدان الغربية اي ان كل الأموال تعود حالا الى الغرب بين لا يبقى في البلدان النامية سوى تلال الديون.فبالرغم من أن البنوك المحلية تمتلك 75% من حجم الدين العام لكن حصص ملكية ضخمة في هذه البنوك تعود لبنوك استثمارية ضخمة غربية.
سياسة الفائدة المرتفعة
اذن فالطبقة السياسية التي اصرت على عملية الاقتراض بالدولار و البنوك التي اعادت اقراض ودائع المودعين للدولة و البنك المركزي الذي أغرى الجميع باقراض أموالهم للدولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كانوا يعملون بواقع الأمر لمصلحة اسرائيل.فالقروض كانت تأتي بالدولار سواء من الجهات الخارجية التي أتت طمعا بالفائدة المرتفعة على سندات الحكومة أو مباشرة من اموال المودعين ,فكان الهدف من رفع الفائدة الكارثي اغراء المواطنين لدفع كل ثرواتهم الى يد المصارف التي بدورها تعيد اقراضها للدولة و كانت المصارف تستهدف بالتحديد المغتربين اللبنانيي الأصل الذي ينتمي قسم يسير منهم الى طبقة الأغنياء ,فالمغترب يفضل استثمار أمواله من خلال سند حكومي يدر له فائدة تقارب 14% على أن يخاطر بافتتاح مشروع قد لا يصل الى نصف عائد الفائدة بالاضافة المخاطر المحيطة به.فسياسة الفائدة المرتفعة بنت اقتصادا ريعيا غير منتج لا يحفز دوران العجلة الاقتصادية بل على العكس صعب عملية الاستثمار من خلال رفع الفائدة على القروض و على الايداع ما يؤدي الى نتائج غير مرضية على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي كارتفاع نسبة البطالة الناتج عن انخفاض معدل الاستثمار العام الناجم بدوره عن ارتفاع صعوبة عملية الاقتراض (فائدة مرتفعة) و الأرباح المرتفعة المضمونة التي يؤمنها البنك.و تمت هندسة عملية اعادة الاقتراض مرارا و تكرار بشكل متقن فالفائدة على العملة المحلية أعلى من مثيلتها الأجنبية فالمغتربين و الجهات الأجنبية أو بالأحرى كل من يملك عملة أجنبية كان بحاجة لتحويل دولاراته الى ليرة للحصول على الفائدة المرتفعة فخلق هذا الوضع طلبا وهميا على الليرة ساعد بالحفاظ على قيمتها ثابتة ,لكن هذا الوضع مرهون بمن يملك الدولارات و بمن يغزي الاقتصاد اللبناني بهذه الدولارات أي أن منذ ما بدأ انخفاض عدد دولارات السواح الخليجيين(دوافع سياسية لمواجهة حزب الله) و صعُبَت عملية الاقتراض بسبب الحصار الدولي وقع الاقتصاد اللبناني في ورطة لكن اللوم في هذه الحالة يقع على الطرفين, الطلرف الأول الذي وضعنا في مواجهة مع الغرب و الطرف الثاني بنى اقتصادا ريعيا مرهون بيد بلدان الخليج و الغرب لدجة أننا كنا نشحد الدولارات منهم بواقع الامر.
الفساد
قد تكون سياسة الفائدة المرتفعة مفيدة من ناحية ما اذا ما استخدمت لتمويل المشاريع القومية او تخفيف عبء الضرائب عن عاتق المواطنين لكن في حالة لبنان كانت تنتقل القروض بشكل مباشر من ودائع المواطنين الى جيوب السياسيين أو لحسابات رجال الاعمال الذين يعملون تحت غطاء هؤلاء السياسيين.فتأتي هذه القروض سواء من ودائع المواطنين أو المغتربين أو الجهات الاستثمارية الخارجية لسد عجز الموازنة لكن سرعان ما تتبخر هذه الأموال,فأغلب مشاريع الحكومة تقوم بتنفيذها شركات تابعة لرجال أعمال مقربين من هؤلاء السياسيين و تتم العملية من خلال عقود عمل غامضة لا يُفصح عنها للاعلام و تتضمن مبالغ خيالية يتقاسم فيها الربح رجل الأعمال و السياسي الذي قدم له الغطاء السياسي و من أحدث الأمثلة على ذلك ملف الفيول المغشوش حيث أن من كان يورد الفيول بقناع الشركة الجزائرية سوناطراك كانتا شركتين لبنانيتبن تابعتين لعائلتين مقربتين من بعض الأحزاب و في ملف النفايات كانت الشركة الملزّمة تضيف المياه الى وزن النفايات لتزيد من نسبة أرباحها.
خاتمة
نهاية أتمنى أن تتبلور الاصلاحات في بلد يتعشش فيه الفساد و أن يصحى ضمير بعض المسؤولين الذين لم يكترثوا للوضع المواطن الفقير الذي أصبح يشحد رغيف الخبز و كيس القمح
مؤلف: ألان فادي مليحة