عبدالرحمن أبوالمكارم يكتب : زي الديوك و الروح حلوة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عبدالرحمن أبوالمكارم يكتب : زي الديوك و الروح حلوة

  نشر في 23 نونبر 2022 .

أسير في الشوارع مستمعًا إلى أغنية ( البحر بيضحك ليه )، تلك القصيدة التي كتبها العظيم نجيب سرور، و غناها الشيخ إمام، ذلك الصوت المفعم بالمصرية الأصيلة، ذلك الصوت الذي استطاع أن يعبر عن الشعب المصري بغناءه الرائع لقصائد عظماء الشعر العامي، أنظر في الوجوه من حولي، كأن الكلمات تجسدت على هيئة تلك الوجوه المصرية، وجوه تكابد التدهور الاقتصادي و الاضطراب السياسي و المشاكل الاجتماعية المجتمعية بالضحك، بالأمل الذي يختبئ في القلوب رغم الصعاب...


" البحر بيضحك ليه

و أنا نازلة أدلع أملا القلل

البحر غضبان مبيضحكش

أصل الحكاية متضحكش

البحر جرحه مبيدبلش 

و جرحنا ولا عمره دبل 

و البحر بيضحك ليه ؟

و أنا نازلة أتدلع أملا القلل "


تلك العواصف التي تضرب في دواخل المصري، عواصف ضحك و بريق أمل يحاول أن يواجه بها عواصف الصعاب، عواصف القمع، عواصف الفقر، كان هذه الكلمات توصف هذه المعارك التي تدور في نفسه، و كأن البحر في قصيدة العظيم نجيب سرور هذه هو رمز للشعب، البحر الذي يضحك و في نفس الآن يغضب و يثور من حكايته، من جرحه، من مآسيه، لكنه لا يزال يضحك، لا يزال يرسم الابتسامة على شفتين ذاقت من المرار شتى الأطعم....


" مساكين بنضحك من البلوة

زي الديوك و الروح حلوة

سارقاها من السكين حموة

و لسه جوه القلب أمل 

و البحر بيضحك ليه، ليه، ليه ؟

و أنا نازلة أتدلع أملا القلل "


أرى أن هذه الكلمات هي من أعظم و أصدق الكلمات التي وصفت الشعب المصري، و ماهية تعامله مع مقاسي حياته، شعب تلوكه البلوة - كما وصفها نجيب سرور في القصيدة -، فيضحك، تقمعه السلطة، فيضحك، لا يجد ما يكفي معيشته، فيضحك، روحه حلوة، روحه لا تحمل كل هذا على نفسها، بل تضحك، و تثور وقت الثورة، لكن و الضحكة لا تزال ترسم تفاصيلها على وجوههم، كالديوك، تلك التي تدري أنها غالبًا ستُذبح و تكون وجبة شهية في فاه أحدهم، لكنها لا تزال تحمل الأمل في ثنايا فؤادها، و لا تزال تضحك...


" قللنا فخرها قناوي

بتقول حكاوي و غناوي

قالوا فخرها قناوي

بتقول حكاوي و غناوي

يا قلة الذل أنا ناوي ما أشرب و لو في المية عسل

و البحر بيضحك ليه، ليه، ليه ؟

و أنا نازلة أتدلع أملا القلل "


حكاوينا تاريخ مجيد، و غناوينا فن عظيم...لا أعلم لماذا شعرت بالأسى عند رؤيتي لمشهد التفاف الناس حول جمال مبارك بل و تقبيل أحدهم يده في عزاء فريد الديب و تذكري لهذه الكلمات، فجأة وجدت نفسي أتساءل، هل حقًا هذه الناس من الشعب الذي تحدث عنه العظيم نجيب سرور و قال أنهم يرفضون الشرب من قلة الذل، هؤلاء الذين التفوا حول مَن قاموا ضده و ضد أبيه و نظامهما بثورة ٢٠١١ رفضًا للذل، تلك الثورة العظيمة التي راح ضحيتها المئات من أجل الحرية، بل و كذلك أحزن عندما أجد مَن يخفضون رؤوسهم أمام الكيان الصهيوني محتل أرض فلسطين العربية، فجأة وجدتني أقسم لنفسي أن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا مصريين، فالانتماء الفكري أهم بكثير من مجرد الوجود بالأرض، الانتماء الفكري المصري يرفض هذا الذل، و يرفض أن يعيش تحت أي قبضة مهينة، الكينونة المصرية كينونة ترفض الذل، تضحك على المصائب، لكنها ترفض الذل، و لو به عسل...


" ياما ملينا و ملينا لغيرنا و عطشنا سقينا

ياما ملينا و ملينا لغيرنا و عطشنا سقينا 

صابرين و بحر ما يروينا 

شايلين بدال العلة علل

و البحر بيضحك ليه، ليه ؟

و أنا نازلة أتدلع أملا القلل "


حقيقة تلك الكلمات تصف الشعب المصري وصفًا دقيقًا، وصفًا حيًا، ذلك الشعب أعطى الكثير للعديد، رغم ما به من علل، من بلاء، من مصائب و مصاعب، يسقي و هو ظمآن...


" في بالي ياما و على بالي

و اللي بيعشق ما يبالي

في بالي ياما و على، على، على بالي

و اللي بيعشق ما يبالي

ما يهمنيش مين عزالي

يا حلوة لو مرسالي وصل

و البحر بيضحك ليه ؟

و أنا نازلة أدلع أملا القلل 

بيني و بينك سور ورا سور

و أنا لا مارد ولا عصفور

بيني و بينك سور ورا سور

و أنا لا مارد ولا عصفور

بإيدي عود رنان و جسور 

بإيدي عود رنان و جسور

و صبحت أنا في العشق مثل

و البحر بيضحك ليه ؟

و أنا نازلة أدلع أملا القلل

بيضحك ليه و أنا نازلة أتدلع أملا القلل "


سؤال مهم، ما الذي يصبر بحر المصريين على كل هذه المصائب ؟؟ و ما الذي يجعل العاشق يتحمل على كاهله الشوق و اللوعة ؟؟ إنه العشق، الحب، مصر قد تكون تلك المحبوبة التي رغم السأم من مشاكلها العديدة و المتكررة إلا أنها لا تزال في الفؤاد ساكنة، لكن الوصول لتلك المحبوبة حوله الكثير من الأسوار، أسوار القمع، أسوار الهيمنة السلطوية، أسوار التدهور الاقتصادي و المجتمعي و الاجتماعي، لكن لا يزال المصريين يكنون ذلك الحب الخفي لمصر، ليصبحوا - كما يقول العظيم نجيب سرور - في العشق مثل، و مع ذلك يحفرون آبار الضحك على وجوههم، رغم جفاء الأرض، حتى يملئوا القلل، البحر لا ينفك يضحك...



   نشر في 23 نونبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا