ابتدع السلف غير الصالح صلاة سموها " صلاة الخصماء"، ووظيفتها هي إسقاط المظالم. هكذا صار بإمكان ولي الأمر أن يضرب أعناق الناس، ويأخذ أموالهم، ثم يصلي ركعتين يُسقط بهما ما فعل.
عن هذه الصلاة الفريدة يقول عبد القادر الجيلاني في كتابه (الغنية لطالبي طريق الحق): "وهي أربع ركعات بتسليمة واحدة.
يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب مرة و{قل هو الله أحد} عشر مرات.
وفي الثانية الفاتحة و{قل هو الله أحد} عشر مرات،وثلاث مرات {قل يا أيها الكافرون}.
وفي الثالثة الفاتحة وعشر مرات {قل هو الله أحد} و{ألهاكم التكاثر} مرة.
وفي الرابعة الفاتحة وخمس عشرة مرة {قل هو الله أحد} وآية الكرسي مرة.
ثم يجعل ثوابها لخصمائه، يكفيه الله أمرهم يوم القيامة إن شاء الله تعالى".
ببساطة يمكن لأي واحد من أبناء الذين أن يجعل حياتك علقما، وأيامك أسود من قرن الخروب، ثم تجد نفسك يوم القيامة عاجزا عن أخذ حقك، لأنه صلى هذه الخلطة العجيبة التي تجعل الله تعالى، وهو الذي سمى نفسه العدل، وعرض في القرآن الكريم صورة عن ميزانه السماوي الذي لا يظلم الناس مثقال ذرة، تجعله يحمي الظالم، تعالى سبحانه عما يقولون علوا كبيرا، من شكوى المظلوم ومطالبته بالحقوق!
طبعا تصدى علماء السُنة لمثل تلك الأحاديث المخترعة، وبينوا معارضتها لنصوص الدين وروح الشريعة؛ إلا أن المطبعة التي أعدت ونشرت هذه الخرافات لاتزال حتى اليوم تواصل عملها، وتحافظ على جوهر تلك الصلاة وأهدافها.
نعم، للأسف الشديد تستمر فئة من المحسوبين على رجال الدين في دفاعها بكل قوة ودهاء عن الظالم ومصاص الدماء، وتزين له سياسته العرجاء في تدبير شؤون الرعية، وتعده بجنات تجري تحتها الأنهار مهما أسال من دماء القهر و العدوان في هذه الحياة الدنيا!
إن مهمة الرسالة السماوية منذ نوح عليه السلام هي تحرير الإنسان من الركوع للموجودات كيفما كان حالها: حجرا، أو شجرا، أو فكرة حمقاء، أو سلطانا بشريا.
ومكتبة التاريخ الإنساني تضج بآلاف الأمثلة عن حصيلة الطغيان، ومحاولة إخضاع الإنسان لإرادة لا تتفق مع غايات وجوده في هذا الكون؛ لكن زوار هذه المكتبة لا يتعظون من دروسها، ويعتقدون أنهم أذكى من الوقوع في نفس الفخ، والأمر في حقيقته ليس فخا بقدر ما هو قانون سماوي ينظم الحياة على الأرض، ويتوقع من الإنسان أداء أفضل من مجرد الوقوع ضحية لغباء الآخرين.
إن هذه الخدعة المغلفة بنصوص مكذوبة، أو تأويلات فاسدة، لازالت حتى اليوم تقدم صورة غير حقيقية عن الدين وأحكام الشريعة، وبالتالي تسهم في الترويج لتدين سطحي يهتم صاحبه بالعلاقة مع الخالق دون المخلوق، ويعزل العبادات عن تجلياتها الدنيوية..
يصلي كأنه يؤدي فاتورة يومية لجمع الحسنات..
ويصوم لأن الأجرمضاعف..
ويحج لأن المناسك تغسله من الذنوب ليعود كما ولدته أمه..
ولا يمنعه ذلك من ارتكاب أبشع الخطايا، ليس عن غفلة، ولكن عن غرور، وخداع ممن يقول له أن شراء المغفرة أمر يسير!
تجد "ابن الذين" في دواليب العمل السياسي، يأخذ من الدين ما يناسب الحملات الانتخابية وصناديقها، وتوزيع المناصب والغنائم على المقربين لأنهم من أهل السمع والطاعة.
وتجده في دواليب التجارة يأكل الحلال بالأحاديث الشريفة، والشبهات باختلاف الفقهاء.
وتجده في دواليب الوظيفة يوالي من والاه، ويعادي من ينصحه أو ينهاه.
وتجده في الملاعب يسجد بلا وضوء، وينصر قضية عادلة بشعار على القميص.
وتجده على المنابر يهز أرجاء المسجد ببطولاته الصوتية، لكنه في مواقف الحق مهزوز كحبل البهلوان!
-
حميد بن خيبشكاتب شغوف