اليهود الحريديم وتحولاتهم من التخلف إلى الحداثة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

اليهود الحريديم وتحولاتهم من التخلف إلى الحداثة

الحريديم اليهود

  نشر في 01 يوليوز 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

اليهود الحريديم..

وتحولاتهم من أقصى التخلف إلى الحداثة..

هيام فؤاد ضمرة..

طائفة يهودية أصولية متزمتة جداً حد التطرف (الهالخاه) يراوح تعدادهم قرابة المليوني نسمة يعيشون في مجتمعات منغلقة على نفسها، تمارس طقوسها الدينية بتشدد واضح وفق الشريعة اليهودية وحسب المعتقدات على ما جاء بها موسى النبي بوصاياه العشر، فهم يؤمنون بالفصل بين الجنسين بدءا من مرحلة الطفولة، والاحتشام والعفة للمرأة للمحافظة على الأخلاق العامة، كما يحرم الغناء على النساء ونشر صورهن الخاصة، يلقب الحريديم باليهود الأرثوذوكس، أو التسمية الحديثة كما أطلقتها عليهم الصحافة الاسرائيلية على سبيل التهكم "أمهات الطالبان"

وحريديم باليهودية هي جمع حريدي بمعنى التقى والورع، وربما يكون الاسم مشتق من الفعل الثلاثي العربي حرد بمعنى اعتزل أو اعتكف - هكذا تذكر المصادر- والاعتقاد السائد أن الإسم حريدي لقب جاء ذكره بالتلميح وليس بالتوضيح في سفر أشعيا66، 5 في شكل هذه العبارة "اسمعوا كلام الرب أيها المرتعدون من كلامه" ويقولون أن المعنى هو التشدد بمبادئ العفة والتدين للمحافظة على أوامر الرب، وأن هذا الوصف اتخذ لطلاب الحاخامات المعلمين للشريعة اليهودية، وأن انتشار حملات (الهسكلاة) وهي حملات يهودية تنويرية ظهرت في أوروبا في منتصف القرن الثامن عشر تدعو للتحرر وفك قيود التزمت وأفكار التخلف، وتطالب اليهود في أوروبا الخروج عن تقوقعهم والاندماج بالمجتمعات الأوروبية للحصول على كامل حقوقهم، وقد بدأت هذه الحركة في ألمانيا وسارع إلى تبنيها يهود فرنسا لتأثرهم بالمفكرين مثل دينيس ديدرو، وجان جاك روسو، وهانز لوك، ويوهان جوته (المتأثر بالقرآن والاسلام) مع بدء الحركة التنويرية الأوروبية، دفعت العديد من الحريديم الخروج عن مبادئ التزمت المتبعة والاندماج في مجتمع الجوييم الأكثر تحرراً، والذي يماشي مسيرة التغيير، إلى درجة أنّ الكثير من الحريديم اليهود تحولوا إلى النصرانية مع سيادة علمانية الغرب المتحرر، مما دفع حاخامات الحريديم للبحث في سبل تخفيف حدة التزمت في المجتمع الحريديمي، وتطوير منظومات دفاعية أمام التحولات الاجتماعية الجديدة، وتغول الثقافة الغربية المتحررة من كافة القيود الأخلاقية والدينية، وبنفس الوقت محاولة الحفاظ على التركيبة الدينية داخل مجتمع الحريديم.

يرتدي رجال الحريديم المعطف الأسود الطويل والقبعة السوداء المستديرة كما الدولاب المستوي، ويرسلون شعورهم ويطلقون لحاهم وتتدلى من فوق أذنيهم سوالف طويلة مبرومة، يرتدون للصلاة (الطاليت) أو الشال الأبيض بخطيه الأزرقان على ما يدعي اليهود أنهما يرمزان إلى نهري دجلة والنيل ومملكتهم اليهودية بينهما، وشراشيبه المبرومة أو المجدولة (التزيتزيت) على جانبيه دليل الترابط، ويفضلون تعليم أطفالهم في مدارس دينية يهودية تدعى اليشفات، كما يستعملون اللغة العبرية فقط في الصلاة والعبادت والزواج والعزاء لأنهم يعتبرونها لغة مقدسة فيستأثرونها للصلاة والتعبد، ولقد ابتكروا لهم لغة جديدة هي خليط من عدة لغات يستخدمها يهود أوروبا، نمت خلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين هي عبارة عن خليط من اللغات الأوروبية والأرامية وبعض من العبرية ويكتبونها بأحرف عبرية وتسمى (اليديشية)، ويصل تعداد متحدثيها إلى 3ملايين يهودي من (الحريديم والأشكناز واليديشية) واستخدامهم لهذه اللغة يتسبب بعدم التوافق والتفاهم مع اليهود الآخرين وبالتالي يزيد في فصلهم وعزلتهم.

أما نساء الحريديم فيرتدين لباسا أسود محتشم، ساتراً كامل أجسادهن من أخمص القدم حتى الوجه والرأس، فلا يظهر منهن شيئاً أبدا، ويسمى لباسهن (فرومكا) أو برقع الحريديم، ويعلل الحاخام من الحريديم ذلك أن الطائفة اعتمدت هذا اللباس بسبب تدهور الأخلاق وغياب الحياء في المجتمعات ويرون أن عليهم الحفاظ على المجتمع اليهودي المتدين من الانحراف، وهم يأنفون السير فوق القبور ويحرمونه على أنفسهم معتبرين أن ذلك من النجاس، ولذلك تراهم يلفون أنفسهم بلفائف النايلون حين يسافرون بالطائرة لخوفهم أن تمر الطائرة فوق منطقة فيها مقابر لضمان نجاتهم من أن يصيبهم النجاس، ويرفضون مبادئ اليهود الآخرين كما يرفضون أن تكون فلسطين تحت حكم يهودي لأنهم يعتقدون أن معنى ذلك النهاية والذوبان لليهود، كما يحرمون على أنفسهم تعلم الأدب والفلسفة والمواد التابعة لهما ويعتبروها علما غير نافع.

وفي أغلبهم يحرمون على أنفسم التكنولوجيا ويعتبرونها مفسدة للأخلاق، وهم طائفة صغيرة التعداد يتجمعون في مدينة القدس في حارة (مئة شعاريم) وبيت شيمش وأسدود، وبيت حلقيا، وبيتارعيليت في القدس وما حولها من مستعمرات، وفي مدينة بني براك شرق تل أبيب، وفي جفعات زائيف قرب حيفا وموديعين عيليت وبتاح تكفا ومستعمرات أخرى.. وعدد منهم يعيش في أمريكا في تجمعات خاصة بهم في نيويورك وما حولها، كانوا في البداية يرفضون الصهيونية ويؤمنون بالعيش في ظل العرب وحكمهم ولذلك فهم يتعرضون للقمع من الجهات الأمنية الاسرائيلية، وقامت قوات الاحتلال بحملة توعية بينهم لتقيلهم عن مغالطاتهم كما تدعي، ويبدو أنها نجحت إلى حد كبير، وتحافظ اسرائيل عليهم كونهم أسر منتجة انجابياً، ونسبة الزيادة في تعدادهم عالية، وتتوقع في مدة زمنية قصيرة أن يصل تعدادهم لقرابة نصف سكان اسرائيل إذا ما حافظوا على معدلات الانجاب عندهم، وعليهم في ذلك تعتمد لزيادة التعداد والتأثير الديموغرافي للتشكيلة السكانية في فلسطين، وقد باتت التغييرات الديموغرافية وسيلة استعمارية جديدة لتثبيت قدم الاستعمار.

طقوس الزواج عند الحريديم تبدو على غرابة بعض عاداتها غير مألوفه، فالزواج يتم بالخطبة والكتوباه وهي تعني كتب الكتاب والتوقيع على عقد الزواج، ويقدم العريس مهرا متفق عليه أو هدية ثمينة من المجوهرات، والزواج كان يحصل في سن مبكرة ويتم ب(كتبوت) شروط الزواج، وتجلس العروس في طشت أو وعاء كبير فيه أربعون مكيالاً من الماء للتطهير، والليلة التي تسبق ليلة العرس تذهب العروس إلى الحمام العام مع والدتها وحماتها وجدتها وعماتها ومعها جهاز الحمام في سلة من أغصان الصفصاف ويشتمل على ليفة وصابونة وقبقاب وماء ورد وعطر ومناشف وطشت نحاس أو فضة، يعقد الحفل الديني في بيت أهل العروس أو في مكان متسع ملائم ، وكان بالماضي يحرم على العريس رؤية عروسه قبل الزواج، ويمارس العروسان رقصة العرس التقليدية المتمثلة برقص العريس حول عروسه المكسية تماما بالبياض وهي مربوطة كالدابة بشريط يمسك طرفه كناية عن أنها أصبحت ملكه الخاص وهو من سيسوقها بهذه الحياة، ويختتم حفل الزواج بدوس العريس بقدمه اليمنى بقوة على كوب زجاجي ملفوف بقطعة قماش وتحطيمه، بمعنى كسر الماضي والبدء بحياة جديدة.... يحق لليهودي ممارسة التعدد بأي عدد يرغب، ولا يحق للزوجة الاعتراض، على أن يعدل بينهم بكل شيء، ويحق للزوجات بيع ليلتهن لبعضهن.. ولا زواج مدني عند اليهود مما دعى النائب كسانيا أن ترتدي الطرحة داخل الكنيست لتطالب بقبول الزواج المدني.

وكأي مجتمع عادي فمجتمع الحريديم فيه من القضايا الاجتماعية ما في غيره من القضايا الحقوقية والأخلاقية، فالطبيعة الإنسانية القابلة للخطيئة والاجرام موجودة به مثله مثل أي مجتمع رغم شدة تدينه وتزمته وتمسكه بالعقيدة والدين اليهودي، وميل البعض للإنحراف وارتكاب الأخطاء وحتى ارتكاب الجريمة فهو أمرطبيعي عرف بالبشر، إنما انغلاق الحريديم على انفسهم واتخاذهم السرية فيما يحصل داخل مجتمعاتهم، يجعل من الصعب سبر أغوار الظواهر الاجتماعية داخل مجتمعاتهم لمحاولتهم تسويتها وحصر هذه الظواهر داخل الطائفة دون ايصالها للجهات الأمنية أو الرسمية وتوسيع الفضيحة كما يدعون، وهذا الأمر يشكل مشكلة حقيقية للجهات الأمنية والرسمية.

إلا أن فيلماً وثائقيا توصل معده لاعترافات شخصية من عدد ممن تعرضوا للتحرش والاعتداء الجنسي ليكتشف أن هناك الكثير من هذه القضايا تجري بمجتمع الحريديم ويجري التكتم عليها، وتؤكد الدراسات أن جريمة التحرش منتشرة بشكل مخيف داخل المجتمع الاسرائيلي، وأن طفلا من كل خمسة أطفال يتعرض للتحرش، وأن المجندات اليهوديات أغلبهن تعرضن للتحرش، ومجتمع الحريديم من ضمنه، وقد سجلت جمعية اجتماعية بإسم لوبي المرأة في اسرائيل تهدف لدعم حقوق المرأة ومناهضة التحرش أن عدد شكاوي التحرش عندها وصل رقماً مهولاً يفوق العادي وأن معظم الشكاوي ضحاياها نساء وأن 15% من المتحرشين فيها من النساء وليس الرجال، وأن 50% من شكاوي التحرش هي من مجتمع الحريديم المتزمت والمتدين ترواح أعمار المتحرش بهم بين 18 و25 عاماً، بل تبين أن بعض قصص التحرش كانت تأتي من الحاخامات أنفسهم ومن مدراء ومدرسي المدارس الدينية، وقد حكم على ابن ووالده كانا يتحرشان بالإبنة ويمارسان معها الرذيلة وتم الحكم عليهما بالسجن، وهذا دليل قوي على انهيار المجتمع الاسرائيلي بالعموم داخلياً، وأنهم يشرفون على شفا الانتهاء بالأمراض الجنسية.

يواجه سكان نيويورك مظاهر الفصل بين الجنسين من مجتمع اليهود الحريديم في المواصلات الجماعية الفاصلة بين الأحياء اليهودية للحريديم والأماكن الأخرى بكثير استغراب، فحين يدخل الشخص الحريديمي حافلة نقليات جماعية ولا يجد إلا مكانا بجانب امرأة فعلى الفور يغادر الحافلة إلى أخرى، بل إن الفصل بين الجنسين يجري في ضواحي الأكثرية السكانية من الحريديم في الولايات المتحدة داخل المحلات والمطاعم وعلى الأرصفة والمنطقة المحيطة بالمعبد اليهودي الحريديمي، والغريب أنهم يفرضون على الأزواج عدم الظهور متقاربين خلال التسوق.

والجماعات الحريدية تتكون من مئات الطوائف المستقلة لكل منها حاخاماتها وزعماؤها المستقلين ويطلقون عليهم إسم كبار العصر، وهم المعنيين بالتحدث بإسم طائفتهم، واتخاذ القرار حول متعلقاتهم، وغالبا ما ينشر قراراته مذيلة بتوقيعه.

رغم أن القيادات الحريدية تحرم على الحريديين استخدام وسائل الاتصال الحديثة والانترنت والتلفاز إلا أن هناك معاندة واضحة من كثير من الحريديين المؤيدين مماشاة التطور الذي يملأ العالم بالاكتشافات الحديثة ويجعل الحياة أكثر يسراً، مما اضطرهم على اخراج فتوى أن يستخدم ضمن حدود العمل فقط، وقد أسست جماعات الحريديم الكثير من الصحف والمجلات الحريدية ليقتصر اطلاع الحريديميين عليها.

وفي مجال التخلف نستغرب لأي درجة من الرجعية حمل يهود الحريديم من أفكار التخلف والرجعية والمفاهيم المغالطة للمنطق، فقد أوغلوا في الجهل في غالبية أمور الحياة والعلم والمعرفة، واتخذوا وسيلتهم الوحيدة للعلم والتعلم فقط بالدراسة التوراتية وتفسير معانيها بالطرق المغالطة للواقع وللمنطق والعقل، ولهذا غرقوا وأغرقوا جماعاتهم في أعماق الجهل والتخلف الموحش..

ويروى أن أحد كتب تاريخ الجيتو أن يهودياً في القرن التاسع عشر خرج إبنه عن طوع بنانه والتحق بكلية الطب في برلين ليدرس الطب ويصبح طبيباً، فجن جنون الأب وهاج وماج ثم خلع نعليه وجلس على أرض منزله يقيم شعائر الحداد على ولده لمدة سبع أيام متتتالية على اعتبار أن إبنه قد مات وانتهى أمره لخروجه كما يعتقد عن شريعة التلمود..

وفي رواية أخرى على ذات مأساوية تخلف اليهود الحريديم حدثت في نهايات القرن الثامن عشر لأحد فلاسفة ذلك العصر اليهودي الماركسي اسحق دويتشر الذي هرب من بيت والده ليدرس في المدارس البولندية، فهاج الأب على نفس فعل الأب الأول وحين اضطر الرضوخ للأمر الواقع قبل ما فعله ولدة على مضض مشترطاً عليه أن يمنح ساعتين فقط للاستذكار في مواد المدرسة البولندية على أن يقضي باقي الوقت في حفظ ودراسة التلمود طبقاً للاعتقاد السائد أن الدراسة لا تجوز إلا في الكتاب المقدس التلمود..

وفي قصة ثالثة صاحبها الفيلسوف اليهودي الألماني موسى مندلسون في منتصف القرن الثامن عشر والذي يعتبر فيلسوف التنوير اليهودي بالمقام الأول، فقد سعى جهده ليحطم الجيتو العقلي والإدراكي في العقل اليهودي من خلال بيان المغالطات بالمفاهيم التي كان زرعها حاخامات اليهود في عقولهم وأذهانهم وجعلهم سوداويي التفكير، رجعيي الأفكار، محدودي الوعي، والذي جعلهم يتقوقعون على أنفسهم داخل صناديقهم المقفلة بالكاد يتنفسون عبر شقوق بسيطة فيه، فانغلاقهم على أنفسهم وسط مجتمعات يتسارع خطى تطورها تسير على محاذاتهم يجعلهم فئة منبوذة ومحتقرة بينهم، كما يجعلهم طائفة غريبة الأطوار متخلفة الوعي، تعيش في مغارة معتمة من الأوهام والمعتقدات المغالطة في تفسيراتها، لدرجة أن تعطل مسيرهم الطبيعي في هذا الكون، كما تعطل الفطرة الطبيعية في الانسان في امتلاكه العقل الفريد بين الخلق كله، كونه عقل مفكر ومتعلم ومحلل ومتخيل ومتطور، فأوقف موسى مندلسون جل وقته وعلمة وقوة منطقه لاقناع اليهود بعلاقة الدين بالعقل والمنطق، وأن الدين عند الله ليس فقط التدين، وإنما مجموعة من القوانين الأخلاقية التي تربط البشر بعضهم ببعض، وأن الله حين كلم موسى في سيناء لم يكلمه بالعقائد، بل كلمه بالأخلاق والسلوك الذي يجب اتباعه في حياتهم وبين بعضهم، وانتقد مندلسون سيطرة الحاخامات عليهم وتشويههم للحقائق وسيطرتهم على أساليب الحياة وعلى عواطفهم مما أوقف عنهم التفكير الايجابي في نهاية المطاف، وأوقفهم عن التقدم للأمام شأنهم شأن الجميع.. ولأنه يعلم من أين يجب أن تكون البدايات فقد افتتح مدرسة نموذجية للأطفال لينشئ جيلا جديداً بعقل مستنير ومنفتح.

وعلى أثر مواقف ومنشورات مندلسون ومحاضراته قامت فئة من الاصلاحيين اليهود بعقد أول مؤتمر إصلاحي في تجديد الخطاب ومحاكاة الوعي عرف بمؤتمر بنسبرغ الاصلاحي عام 1885م اتخذ فيه القرار التالي:

أن الكتاب المقدس التلمود ليس من صنع الله بل وثيقة من صنع الإنسان، أي أنه نتاج وعي الانسان التاريخي وليس مقدسا خالصاً قد ينوء بحمله البشر.

وأن الدين أداة ابتدعها الانسان لينظم عقد حياته وفق قوانين تنظم العلاقة الانسانية بين منتسبي الدين، وتقاليد اليهودية ولاهوتها كانا ملائمين لزمن مضى، لكنهما فقدا الآن صلتهما بالواقع ولا بد من تطويرها، وأن عقل الانسان ميزانه المنطق والحكمة وليس الطقوس والتقاليد التي باتت منقوصة عن متطلبات الحياة الحديثة.

ظهر بعدها العديد من الاصلاحيين اليهود مثل: (فرايد لندر) و(ابراهيم جايجر) خلال القرن التاسع عشر فغيرا لغة الصلاة اليهودية إلى الألمانية داخل ألمانيا، وأوقفا بعض العبادات التي لها طابع قومي، وأدخلا الأناشيد الجماعية في العبادات على غرار المسيحية، وسمحا بالاختلاط بين الجنسين الذي كان محرماً، بل طالبا اليهود بنبذ فكرة الشعب المختار وعدم استخدامها إلا بين اليهود أنفسهم، والعزوف عن كل خصوصية يهودية تحول دون أن تتقبله المجتمعات الأوروبية، وبعض الاصلاحيين قاموا ببناء بيت أطلقوا عليه الهيكل من باب تعميق الانتماء للبلد الأوروبي الذي يقيم به اليهود ولإخراجهم من أوهامهم وأساطيرهم.

اشتغل الاصلاحيون اليهود على إعادة تفسير التلمود على أساس عقلي ومنطقي، وبدلوا مسألة اعتبار أنفسهم أمة، بل اعتبروا أنفسهم مجرد طائفة دينية تعيش وسط بيئة أوروبية، ملقين عن أنفسهم أحلامهم الكبيرة التي ظنوها في ذلك الوقت مستحيلة.. والواضح المؤكد أن اليهود استخدموا هذه الاصلاحات لتخفيف حدة التزمت عند الحريديم لتتقبلهم المجتمعات التي يقيمون بها، وإراحة أذهان اليهود بالعموم من ناحية أولية، ومن ناحية أخرى استطاعوا اخفاء خططهم في اختطاف وطن الفلسطينين وجعله وطنهم بقوة النار والحديد والألاعيب المخابراتية الجهنمية.

ومن مساخر العصر حد الاشمئزاز محاولات اسرائيل اليوم توجيه بحوث علمائها نحو تثبيت الأصل الجيني لكل يهود العالم بالاعتماد على آخر الاكتشافات البيولوجية لحمض DNA لتركيب قومية اثنية تعتمد على الديانة اليهودية، وهو تفكير غير منطقي ولا يتراكب مع الواقع المعروف باختلاط الأعراق والجنسيات لشعب عاش الشتات لما يزيد عن ألفي عام.

فقد ضربت الأصولية الدينية اليهودية جذورها بين الطوائف اليهودية منذ القدم وتطورت تباعا بفعل تغيرات الزمان والمكان والظروف الاجتماعية والبيئة السياسية المتواجدة فيها، تبعا لتطور معتقدات ورؤى تلك الطوائف خلال كامل القرنين الماضيين

مسير اليهود قدما في مسار التنوير قادهم عن طريق جماعة المسكيليم إلى المزاوجة بين الاندماج بالمجتمعات الموجودين بها وبين رغبتهم المحافظة على الهوية الدينية ليهوديتهم، والتي تمثلت في قول أحد شعرائهم هو يهودا ليف جوردون (كن يهودياً في بيتك، وإنساناً خارج بيتك) وهي حالة من التناقض لم يستطيعوا إخفائها رغم كل محاولاتهم، وأنهم قوم غير قابلين للانسجام مع الآخرين.

وبمتابعة فترة الهسكلاة التنويرية ومبادراتها في محاربة حركات التزمت الحويريم والحسيدية والميسيائية التي ظهرت بين اليهود بتأثير القابالاة باعتبارها عقيدة فاسدة ترتبط مفاهيمها بالسحر والشعوذة والغيبيات المفرطة.

من هنا ولدت الصهيونية الحديثة وانتشرت بين يهود أوروبا، وكان من أبرز دعاتها القباليين كمثل يهودا القلعي وابراهيم كوك الذين ناديا بمحاولة المواءمة بين الاندماج الاجتماعي بأرض الإقامة والولاء لحلم الدولة على أرض فلسطين.

ولقد توارث اليهود نزعة الأصولية المتزمتة من خلال الحاخامات الإشكنازية رافضين بذلك النزعات التحررية العلمانية والانخراط في تيارات العصر الحديث الجارفة، واعتبار الاصلاحيين قد ضلوا عن الدين، وأظهروا أن جوهر القداسة اليهودية ما زال يعشعش في داخلهم ولن يتنازلوا عنه.


  • 2

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 01 يوليوز 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

Salsabil Djaou منذ 6 سنة
توجد عدة أمور تتشابه مع الدين الاسلامي الحنيف ، كاللباس المحتشم و قد قرأت قليلا عنها من قبل ،الا أن مقالك حمل معلومات قيمة جدا ،افدتنا سيدتي الكريمة ،تحياتي وتقديري.
1
hiyam damra
أشكرك غاليتي على المداخلة القيمة.. نعم التشابه موجود إنما عند اليهود يستخدم كأداة تميز ايدولوجي ثم الغرب يغضون عنهم النظر ويتعلقون بمسلمات أحببن التشبه بزوجات الرسولصلى الله علية وسلم.. تحياتي وكامل تقديري

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا