بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعد .
انتشرت هذه الكلمة بصورة واسعة في الأوقات الأخيرة بين قطاعات واسعة من منتسبي التيار الإسلامي .
وهي حين ظهرت وانتشرت ، كان يقصد منها المدح المطلق ، فكان يراد بها الثبات علي الحق وعدم تركه ، وعدم التأثر بفتن الشهوات أو الشبهات .
ولكن في الحقيقة قولها بالصيغة المطلقة هكذا لا يخلو من خلل ، ولا يخلو من فساد , بل قد جر إجمالها بالفعل فساد ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولكنها تحتاج إلي بعض التفصيل وإلا تحولت إلى سبب ضلال بدلا من كونها سبب صلاح وإصلاح .
فتعالي معي نفصل إجمالها معا ..........
==========================
(1 ) امض : يراد منها الثبات .
ولكن السؤال الذي يلح علينا هنا ، الثبات علي ماذا ؟ وهل كل ثبات ممدوح لذاته؟
الإجابة الواضحة الجلية ، بالطبع ليس كل ثبات ممدوح .
فالثبات على الكفر حكمه الكفر ، والثبات علي الكبائر من الكبائر ، والثبات علي الصغيرة من الكبائر أيضا .
ألم تسمع قول الله تعالي ( وَانطَلَقَ المَلَأُ مِنهُم أَنِ امشوا وَاصبِروا عَلى آلِهَتِكُم إِنَّ هذا لَشَيءٌ يُرادُ ) فهذا هو نص " امض ولا تلتفت " ولكن بالصورة الكفرية والعياذ بالله .
ولهذا -أقصد عدم التفصيل - أصبحت هذه الكلمة مفتاح شر .
فكل صاحب منهج أو علي الأقل كل صاحب ممارسة داخل منهج قولية كانت أو فعلية ، يستخدمها -امض- ليحث أتباعه علي الثبات علي كل ماهم عليه ، بغض النظر عن حرمته أو حله، وبغض النظر عن صلاحه من فساده .
========================
(2 ) لا تلتفت : يراد منها عدم الإلتفات إلي قول قائل , أو تثبيط مثبط , أو تخذيل مخذل ...................
وهي أيضا بهذا الإطلاق الغير مقيد , تحتمل صلاح وتحتمل فساد , وتتضمن خير وتتضمن شر .
أولا : هذه اللفظة بإطلاقها تضاد شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فهب أن كل صاحب منهج منحرف طبقها علي نفسه مع كل ناصح له أمرا له بالمعروف ناهيا له عن المنكر , هب أن كل صاحب قول فاسد أو اعتقاد منحرف , طار بها ولم يلتفت إلي زجر زاجر , أو موعظة واعظ , عندها سيكون لهذه اللفظة بالغ الأثر في تضعيف شعيرة الحسبة بين المسلمين .
-------------------
ثانيا : هذه اللفظ بإطلاقها تخالف الأمر بمحاسبة النفس المنصوص عليه في القرآن , قال تعالي ( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) , فكيف يحاسب نفسه من لا يلتف لقول غيره مطلقا , ولا يلتفت لتشكيك غيره فيما هو عليه من أمر .
----------------
ثالثا : هذه اللفظة بإطلاقها تضاد الأمر الواجب المحبوب من محبة الناصحين والسماع إليهم , فإن الله قد ذم قوما لا يحبون ولا يستمعون للنصح , قال تعالي ( ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ) .
----------------
رابعا : هذه اللفظة بإطلاقها , توهم وجود العصمة في أشخاص معلوم قطعا خلوهم منها , فإن العصمة دفنت يوم دفن المصطفي صلي الله عليه وسلم , فإن غير الملتفت إطلاقا إلي قول غيره ومراجعته ونصحه , ربما يتضمن هذا بداخله اعتقاد عصمة والعياذ بالله , يقول ابن تيمية رحمه الله تعالي ( إني لأجدد إسلامي كل يوم , وما ظننت أني أسلمت حتي الآن ) , تأمل قوله إسلامي ,
------------------
خامسا : هذه الكلمة ربما تبني الولاء والبراء علي جماعة أو عالم , حيث أنه لا يلتفت ولا يقبل غير قولهم .
===================
وخلاصة القول ...................
(1) إن الأمر بالإستقامة والإعتصام والثبات , لم يأتي في القرآن إلا مقيدا , قال تعالي ( فاستقم كما أمرت ) , ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) .
(2) " امض ولا تلتفت " قولها إجمالا لا يخلو من مقال كما بينت سابقا .
(3) " امض ولا تلتفت " قد جرت فساد حينما استخدمت من صاحب ممارسة فاسدة , فثبتته الكلمة علي ممارسته , وعندما استخدمت من صاحب منهج منحرف فثبتته علي منهجه .
(4) " امض ولا تلتفت " ربما تقال لشخص في جزئية ثبت صحتها شرعا , فيقال له اثبت علي هذه الجزئية ولا تلفت فيها إلي شبهات من يصد عنها , أما استخدمها إجمالا فلا يخلو من فساد وإفساد .