أقِيلوا للشُّوبي عثرته - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أقِيلوا للشُّوبي عثرته

  نشر في 08 أبريل 2018 .

رغم أنّه نفى بأن يكون وصف نبي الله آدم بـ "السلكوط"، في تصريح صحفي، لا تزال الإنتقادات الحادة تطارد الممثل المغربي محمد الشوبي، على مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية، حتى أنها أخذت منحى يمسُّ أمنه النفسي، والجسدي كذلك، مما اضطره أن يخرج إلى الصحافة وهو يذرف الدُّموع، ويتحدّث بنبرات مترددة، تعكس الخوف الذي يغرق فيه.

هذا الإصرار على إدانة الشّوبي، رغم توضيحاته التي أدلى بها لأكثر من منبر صحفي، وتأكيده على تقديره لشريعة الله واحترامه لأنبيائه، يعكس كم أننا مجتمع قاسٍ للغاية، وأن مسيرة الإصلاح الديني تلزمنا لسنوات عديدة، كما أنها معقّدة جداً، حيث أن التشدُّد لم يعد يقتصر على الجماعات المتطرفة، بل أصبح نسقاً إجتماعيا عاماً يسري على الجميع، حتى بين الذين لا يلتزمون بفرائض الإسلام، ويواقعون عكسها التي نهى عنها.

بل حتى الذين يروجون لأطروحات الإعتدال، من النخبة والأفراد، وضمنهم من أعلنوا عن مراجعات لأفكار دينية متطرفة، كشفوا أنهم يسوّقون خطابات مزيَّفة، يعانقونها لإقناع السُّلطة ثم ما يلبثون حتى يعبروا عن تشددهم البعيد جداً عن أخلاق الإسلام، القائمة على الصَّفح والتجاوز، إلا فيما تعلق بحقوق النّاس، فإنه يزم طلب سماحهم وموافقتهم عليه، أما غير ذلك، فكان حضرة رسول الله عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يغض الطَّرف، لأنه يدري تماماً بأن الناس جلبوا على الخطأ، والغرض من الدين هو وعظهم للتراجع عن الأخطاء، وليس لإقامة العقوبة عليهم بسببها!

ولقد قدمت لنا السيرة النبوية الشريفة، دروساً راقية جداً في الصَّفح عن أخطاء كبيرة، ناتجة عن أفراد ينتمون لطبقات بسيطة، ليس لها اعتبار وسط القبائل العربية، أو تنعم بامتيازات لسابقتها في الإسلام، لدرجة أن نجد المخطئ يطلب إنزال العقوبة عليه، ويعرض عليه حضرة سيدنا النبي محمد عليه الصلاة والسلام، مراراً وتكراراً، مما يدل أن الدين الإسلامي أنذاك كان رحيماً بالنَّاس، ولا يتصيّد أخطائهم، أو يصر على معاقبتهم رغم تراجعهم وندمهم عن ما اقترفوه، حتى ولو كانوا في كامل قواهم العقلية، ولذلك كانوا يدخلون في دين الله أفواجا، عكس اليوم، يخرجون منه زرافات ووحداناً.

وبقدر ما كان حضرة سيدنا النبي محمد عليه الصلاة والسلام يساوي بين الناس، إلا أنه كان يخص بعضهم بامتيازات، حسب ومنازلهم، وفي هذا الصّدد، يعجبني كثيراً الحديث النبوي؛ "أقيلوا لذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود"، كما رواه الإمام أحمد، ولعله ينطبق على الممثل المغربي محمد الشوبي، الذي كثيراً ما أبهجنا بأعماله الفنية وأدخل السرور لقلوبنا على مدى سنوات، وهذا له في الدين الإسلامي فضل كبير، كما ّأنه يدخل ضمن ذوي الهيئات لمواقفه الجريئة، والتي انتصر فيها للشعب المغلوب على أمره، غكس زملائه الذين فضّلوا الصّمت المطبق.

وإن كان شيء من مسيرة الشوبي تنسى، فإنه لا ينسى أنه كان من أوائل من طالبوا بإصلاح مجالات التمثيل والسينما والتلفزة في المغرب، وخاض في ذلك معركة ثقافية وفنية ضارية، بحيث لم يطلق مصطلحات فضفاضة وأقوالاً عامّة، وإنما سمّى الأمور بمسمياتها، مما جلب عليه الويلات من طرف زملائه ومن المستفيدين من فساد "الفن" عموما، وبعضهم من ينفخ اليوم في القضية عبر إيذاع تصريحات هنا وهناك ضدّ الشوبي لمحاولة تشويه سمعته لإنهاء مسيرته الفنية.

كما أنه لا تسنى للشوبي تصريحاته في المسيرة الحاشدة التي نظمت مؤخرا دعماً للحراك الشعبي بالريف الذي مثل المغاربة كلهم، بسلميته ومطالبه المعقولة، حيث ناشد وهو وسط المحتجين السلطات المغربية بعدم استعمال العنف، ودعاها لتفهم المطالب المشروعة والعمل على تحقيقها، بدل تخوين المحتجين واتهماهم بزعزعة أمن البلاد، كما أنه لم يفوت الهجوم على أدعياء الوطنية من السياسيين وغيرهم، ممن يأكلون ثرواته الوطن حتى خرج الناس بالآلاف يحتجون من أجل أن ينالوا حظهم منه كذلك.

قد نختلف مع المثل المغربي محمد الشوبي في كثير من قناعاته الحداثية، أو مواقفه اليسارية، وحتى في تقييم أدائه الفني، لكن هذا لا يخوّل لنا أن نتحامل عليه، أو نحمّله أكثر مما يحتمل، أو نتخذ من عثرته مطيّة لإثبات ذات جماعة أو فرد، فما دمنا ندافع عن نبي الله، لنتحى بالأخلاق التي جاؤوا بها، وعاشوا لأجلها، وفي مقدمتها العدل والإنصاف.


  • 5

   نشر في 08 أبريل 2018 .

التعليقات

صدقت
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا