"ديكور" .. فيلم يخرج من الأبيض والأسود بهما - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

"ديكور" .. فيلم يخرج من الأبيض والأسود بهما

بقلم – أمل ممدوح

  نشر في 05 يوليوز 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

   بقلم – أمل ممدوح

 كثيرا ما تظل حياتنا تتأرجح في ثنائية الأبيض الأسود المتطرفة بظلالها الرمادية في حقيقة الأمر .. فندور في دائرة أحكمنا إغلاقها علينا .. في حين طريقنا في الخروج منها ، ومابين حياتين تشدها إلى كل منهما أشياء غرقت " مها " ( حورية فرغلي ) في منطقة لا تنتمي لا إلى الحلم ولا إلى اليقظة في فيلم " ديكور " الذي عرض ضمن مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأخيرة ووكان مؤخرا في دور العرض ، والذي يعد رابع أفلام المخرج أحمد عبد الله بعد "هليوبوليس" و"ميكروفون" و"فرش وغطا"، وهو هنا يأخذنا للتأرجح بين الأبيض والأسود والواقع والخيال والوعي واللاوعي ، ف "مها" بطلة الفيلم مهندسة ديكور شابة ناجحة زوجة للممثل " شريف " ( خالد أبو النجا ) الذي يعمل معها في نفس الفيلم ، الذي تعمل فيه بجدية لتصطدم بقوانين العمل في فيلم تجاري تضطرها للرضوخ لها قهرا ، يستغرقها الفيلم فتجد نفسها زوجة لإحدى شخصياته هو " مصطفى " ( ماجد الكدواني ) الرجل التقليدي المحب لبيته والذي لها منه ابنة وتحيا معه حياة تقليدية جيدة بشخصية تقليدية فقد تزوجته انصياعا لأمر أمها وإجبارا ، في عالمها معه تعمل مدرسة للتربية الفنية ، متعلقة بالأفلام الأبيض والأسود وخاصة فيلم " الليلة الأخيرة " لفاتن حمامة الذي تراه بشكل مستمر ، كما نراها تضع صور نجوم الزمن القديم على جدرانها .

تبدو " مها " غير منتمية أو متواصلة بشكل كامل مع عالميها وتثير تعجب من حولها من كلا العالمين ، حتى لم تعد تعرف أيهما واقعها وأيهما الحلم أو الوهم ، فقد ذهبت لطبيب نفسي مع كل من الزوجين بمفرده ، حيث صارت مشكلتها تزداد تعقيدا وتزداد معها حيرتها ، ونلاحظ ازدياد طول فترات الحياة الأخرى أو المتخيلة مع مضي الأحداث ، ويزداد معه تشتت المشاهد والتباسه ، ورغم الفكرة الجيدة التي كتبها كل من الشقيقين محمد دياب وشيرين دياب إلا أننا نجدنا ندور في جزء كبير  من الفيلم في حلقة مفرغة ، ليس في بناء الحبكة فقط وإنما أيضا في المشاهدة  أو التلقي، فالمواقف يتكرر مضمونها دون جديد في كثير منها ودون إعطاء دلالات جديدة ، مما أعاق وصول مضمون الفيلم الذي أراد أن يكون تجاريا فأغرق المشاهد في تجريب مربك ، ولا نقول بأنه يفترض المباشرة والتسطيح ، ولكن عدم استهلاك المشاهد دون جدوى ودون إعطاء معطيات جديدة  ومساعدة لفترة طويلة ، حتى أن ثيمة اللغز لم تفلح في الحفاظ على تشويق المشاهد الذي يفلت إيقاع مشاهدته لفترات ليست قليلة من جراء التكرار .

استخدم الفيلم فيلما آخر من زمن الأبيض والأسود وأفلام الستينات تتكرر مشاهدة مها كزوجة لمصطفى له ، وهو فيلم " الليلة الأخيرة " لفاتن حمامة ، وهو الفيلم الذي يتماس مع موضوع الفيلم وحيرة بطلته بحثا عن حقيقتها بين شخصيتين ، ليلقي الأمر بدلالة وظلال قد تعني تأثر مها أو تقمصها له ، أو أن الواقع ما هو إلا وهم ، لكنه نجح في إعطاء دلالة الأزمة النفسية وواقع يعاش لا تنتمي له ، فمها المذبذبة بين عالمين لا تعي انتمائها لأيهما ولا تستطيع خروجا من أيهما وقد صارت كالأسيرة ، ومع مرور الوقت تبحث أكثر لتصل للحقيقة وتفتش وتسعى لملاحظة أكبر ، ولمواجهة للزوجين لتعرفالحقيقة ، وهو الأمر الذي كان يتطلب أن يواجهاها هما من قبلها للخروج من هذا الأمر المأساوي ولكنه بدا مأساويا لها هي ومزعجا قليلا فقط للباقين ، تتطور أزمتها لكنها تقترب من الحل بوصولها لضرورة الاختيار بل باكتشاف قدرتها على الاختيار ، والذي حين يحدث يتلون الواقع بلونه لا بالأبيض والأسود ، وذلك بمجيء نهاية الفيلم المفاجئة التي تؤكد من جديد حريرية الخطوط بين الوهم والحقيقة والواقع والخيال كما يرى الفيلم ، بل وتشابكها وامتزاجها مالم تحضر الإرادة للخروج من الدائرة بالاختيار ، ولا يكون الاختيار بالضرورة بين أبيض وأسود كما استهلكت مهما نفسها فالحياة لا تنحصر في هذين اللونين وليست بهذا الضيق والتطرف فيه ، ولا هي فيلم قديم " أبيض وأسود " نظل نكرره ونحن نعلم نهايته ، فلا يجب أن تكون سجنا ضيقا كالذي كانت فيه مها ، ومن الدلالات القليلة الأخرى في الفيلم التي وضحت هذا المعنى مشهد في التليفزيون إثر ثورة يناير عن حظر التجول ، فهي كذلك محظور تجولها في عالم أوسع من عالمين لا تجد نفسها تماما في أحدهما فظلت في دائرتهما المغلقة ، هكذا حمل الفيلم فلسفة الاختيار.. لكن هل قدم ما يكفي لوصولها لمشاهد استهدفه ؟

ينتمي الفيلم إلى الدراما النفسية والتي كثيرا ما يرافقها ثيمة اللغز والسعي للفهم والتي لم يحسن استخدامها للتشويق حين استهلكت بالتكرار دون إضافة، أما استخدام الأبيض والأسود فكان مدعما لفكرة الفيلم وفلسفته ، لتتم الدعوة لكسر الحصار التقليدي للوعي واختيار وعي جديد معبر عن ذاتنا لا عن ماض مفروض أو نمط تقولبنا فيه أو واقع اعتدنا الرضوخ له ، من جهة التكنيك فقد شاب الفيلم عيبا في الصوت في بداياته فمن حيث أراد إضفاء واقعية بمؤثرات الحركة الطبيعية ضاع الصوت ولم تستبين الكلمات ، فالجزء الأول الذي كان يدور في الاستوديو كان يدور حواره وسط تأثيرات حركة العمال وصوت نقل وبناء الديكور بأصوات طبيعية واضحة بحيث طغت إلى حد كبير على الصوت ، وهو مفهوم إن قصد به الواقعية فقد ضل مساره ، أما من جهة التمثيل فحتى وإن كان سائدا الإشادة بماجد الكدواني في دور مصطفى إلا أني أراه كان جيدا وحسب ويرجع وصول تأثيره لجمال كتابة دوره ونمط هذه الشخصية التقليدية البسيطة الطيبة المحبة لأسرتها والصابر على زوجته حبا وحنانا وحفاظا على أسرته ، بينما لم ترسم لشخصية شريف أبعادا أوعمقا مميزا يتيح لخالد أبو النجا إبداعا إلا في مساحة محدودة بلا أبعاد لا تسمح إلا بإجادة أدائه وحسب دون مساحة تتيح تميزا ، أما حورية فرغلي فأراها أدت دون إجادة أكبر كانت متطلبة ، فلم تشعرنا بمعاناتها النفسية في تعبيراتها سواء الظاهرة أو الباطنة كما أن صوتها المرقق دائما جاء مسطحا دون تلوين أو عمق يشي بمعاناة أو حيرة .. لكن من جهة أخرى نفهم أن بعض المواقف كان ينبغي فيها بعض التسطيح لكي لا يصل معنى الوعي للشخصية ، لكننا نتحدث هنا عن لحظات الوعي بالمشكلة والمعاناة ، في النهاية بلا شك يثير فيلم " ديكور " وأسلوبه جدلا داخل المشاهد لمحاولة فهمه على وجهه الصحيح يبقى معه أثناء الفيلم وربما بعد انتهائه خاصة ، لكن المشكلة أن يصبح الأمر مجرد بحث عن حل للغز كان مزعجا دون تتبع ما جعله لغزا وتأمله .


  • 3

   نشر في 05 يوليوز 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا