هل أنا حقاً أنا؟
عندما نسترجع شريط الأيام الخوالي سنجد فرقاً شاسعاً بين ماكنا وما أصبحنا .بين رفوف الذكريات سنجد من كنا نظن أن الشمس لن تشرق في غيابه لكنه الاۤن نسي كأن لم يكن. سنلاحظ أفكار كنا نقدسها الاۤن بتنا نسخر منها .سنُصاب بصدمة من فحوى مذكراتنا القديمة ومقدار مانحت الزمن على شخصياتنا.كم نحن ضعفاء أمام سيف القدر,لانملك سوا الإستسلام مذعنين تحت سطوته .سنرى من بين أصدقائنا القدامى من ابتسم لهم وحققو تلك الأحلام التي شاركونا بها ومنهم من لم يكن رحيما بهم ولم يختبرو سوى الجانب المظلم من الحياة. سنضحك كثيراعلى سذاجتنا وسنبكي على جنة الجهل التي هبطنا منها ولن نعود. قيل أن الانسان يحي ثلاث حيوات,تنتهي الأولى بانتهاء براءته والثانية بانتهاء سذاجته والثالثة بانتهاء الحياة نفسها.الزمن يعيد تشكيل كينونتنا باستمرار للدرجة التي يصعب بها التعرف على ملامح ذواتنا القديمة مما يجعلنا نشارك محمود درويش هذا التساؤل.
احرق كل المراكب
في فيلم the dark night
يوضع البطل في متاهة عميقة الخروج منها يتطلب تسلق جدار طويل,يضع البطل حبال النجاة لتنقذه عند السقوط لكنه يفشل مراراً .لم يسبق لأحد النجاح في الخروج سوى طفل صغير! لذلك كل المتواجدين توقفو عن المحاولة واستسلمو للقاع.يتغير كل شيئ عندما ينصحه أحد الموجودين بتسلق الجدار بدون وضع حبال النجاة لينجح أخيراً في الخروج.كثيراً ما يتطلب النجاح الخروج من منطقة الأمان والراحة.إنها مصيدة حينما تتعودها النفس ترى كل مكان خارجها مريب ومخيف وتتقوقع داخلها.أول خطوة لتحقيق هدف عظيم يبدأ بمغادرة منطقة الأمان لكن النفس البشرية مبرمجة على حب المألوف.طالما يوجد بديل سهل ومضمون لن نبذل أقصى مانملك للتغيير.لكن عند تدمير كل ما يعيدنا الى وضع السكون فما يوجد أمامنا سيصبح نكون أو لا نكون .نجح الطفل لأنه لايعرف منطقة الراحة ولم يركز سوى في هدفه ,أيضاً قيل أن طارق بن زياد أحرق السفن عندما عبر لغزو الأندلس.
انصت لسينيكا
نعيش معظم الأوقات في وضع الطيار الالي
.نترك لعقلنا الباطن مهمة تسيير أعمالنا الروتينية ونمشي في دروب حياتنا نصف واعين وسماء بالنا ملبدة بالهموم.نجري بأقصى سرعة في سباق الوصول لليوتوبيا وتحقيق السعادة لكن نكتشف أننا عالقون في عجلة الهامستر ولم نبارح مكاننا.غرفة التحكم داخل أدمغتنا لاتتوقف عن بث عروض التفكير والقلق, دائما يحلق عقلنا في مجاهل بعيدة عن أجسادنا.نعيش في ماضي ولّى ولن يعود أو في مستقبل لم يأت بعد لكن ننسى العيش في مانملكه فقط وهو الحاضر.هذا الإنفصام يعمي بصيرتنا عن رؤية ماحولنا من جمال و تثقل حمى التفكير الزائد أرواحنا وتكبلها.في الفلسفة الرواقية مبدئين أساسيين للعيش بسعادة أولهما العيش في الحاضر لأنه فقط هو الحقيقة وما الماضي والمستقبل سوى خيال وأوهام والثاني هو مفهوم دع الحياة تمر والمقصود هو تقبل كل مالانستطيع تغييره لأن الحياة مليئة بما لانملك سلطة عليه فلا فائدة ترجى من مصارعته أو البكاء على أطلاله.
هو الموت إذاً
(نبكي على الدنيا ومامن معشرٍ..جمعتهم الدنيا ولم يتفرقو)
لطالما استمتع الموت بأخذ أرواح من نحب في غفلة عنا.دائما تكون هناك أحاديث لم تكتمل ومشاعر لم يُفصح عنها وأماكن لم تتم زيارتها.لو أخبرنا بموعد قدومه كنا سنقضي أوقات أطول بجانبهم ولما فضلنا تصفح هواتفنا على تبادل الضحكات معهم ولامتابعة الصور المتكلفة التي يضعها اصدقاؤنا في مواقع التواصل على سماع قصصهم.سنتأمل ملامحهم الجميلة طويلا ونُقبِّل أياديهم ونرتمي في احضانهم كثيراً وسنخبرهم بأننا نحبهم دائماً.لو عادت بنا عقارب الساعة سنبتسم عند سماع طرائف امهاتنا وجداتنا المكررة وسننام بقربهن مثل الأطفال وسنتستمتع بمذاق الوجبات التي من صنع قلوبهن قبل ايديهن. أدركنا بعد رحيلهم أنهم كانو عصانا التي نتوكأ عليها ونهش بها على فواجع الحياة ومنارتنا التي نهتدي بها في عتمة الكون.لايكتفي الموت بسرقتهم بل يترصد الوقت الذي نكون فيه بأمس الحاجة لهم.طوبى لهم والسلام على أرواحهم الطاهرة.
-
Mohammed alawadhطبيب من السودان مهتم بالثقافة
التعليقات
كعادتك مبدع في صياغة الكلمات التي توصل المعنى بسلاسة للمتلقي.