سعادة المشجعين تعاسة للمواطنين - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سعادة المشجعين تعاسة للمواطنين

الكاتب:محمد سعيد الشلفة

  نشر في 27 يونيو 2014 .

 أصبح مونديال البرازيل 2014 المستقطب الأبرز لأنظار المشجعين لكرة القدم والمناصرين لحقوق الانسان على حد سواء، فعلى بعد أمتار قليلة من الملاعب الخضراء الفاخرة حديثة التشييد، يقبع العديد من سكان بلاد السامبا في أكواخ مهترئة تغزوا قطرات الأمطار سقفها المثقوبة، ففي الوقت الذي تهتز فيه أرضية الملاعب جراء صراخ المشجعين فرحا بإحراز منتخبهم لهدف في مرمى منافسه، تهتز السماء حزنا على أصداء زقزقة بطون المتضورين جوعا. مفارقات لا محالة جالبة للسخرية، فما بين مبتسمين مهللين وعابسين مستائين أمتار قليلة ولكنها في الوقت ذاته سنوات ضوئية كثيرة.

المونديال أصبح مثله مثل أي شيء في حياتنا سلعة مادية بحتة تباع وتشترى، تحت مسميات براقة خداعة، توهمنا بأنه ما اقيم الا لمتعتنا، وتجميع جنسنا البشري في لعبة يجمع أفراده على حبها وبالتالي يكون أداة لنشر السلام والتفاهم بينهم. ولكن الثابر للأمر المتأمل فيه بروية سرعان ما يتبين أن الشركات الرأسمالية الجشعة الراعية لهذا الحدث العالمي من أمثال كوكاكولا وغيرها، لا تهدف من الترويج للمونديال والقيام على رعايته الا لتحقيق الكسب المادي البحت بغض النظر عن أي اعتبارات انسانية كانت أو أخلاقية.

فالمظاهرات التي اجتاحت البرازيل على مدار الشهور الماضية ، التهبت حناجر ناشطيها بصرخات مدوية مطالبة بحقهم في رعاية صحية تدواي جراحهم ووفرة غذائية تشبع بطونهم الخاوية. مطالبة برفاهية ينعمون بها ولطالما تمتع بها الوافديين من مشجعي المونديال إلى بلادهم، مطالبة بأن تنظر لهم حكومتهم بعين الرأفة والرحمة والاهتمام بمصالحهم، مطالبة بأن تتحول خرسانات الملاعب إلى خدمات حقيقية يتمتع البرازيليون بثمارها الطيبة.

ولكن هيهات، فلا أذان صاغية ولا عقول واعية تلك التي اصطدمت بها صرخاتهم، فكيف تسمعها أذان من ساقته الفيفا سوقا وأغرته بهجة المحفل أيما إغراء، وكيف تعي عقولهم مطالبهم وقد امتلئت حبا للظهور ونكرانا لحقوق البسطاء، متذرعين بأن هذا المحفل سيدر على البلاد من الأموال ما يلزمها للاستجابة لمطالبهم. ولكن جل المكاسب المالية انصبت مسبقا قوالب اسمنتية في ملاعب المونديال البرازيلية .وحتى لو صدقت فرضيتهم فلما لا يحرصون على الموازنة على الاقل بين حقوق مواطنيهم وبين متطلبات المونديال، وعدم التركيز على المونديال واهمال ما سواه.

فالمكاسب التي تنتظرها روسيف رئيسة البرازيل من وراء استضافة هذا الحدث لن تكون واقعا فلا المكاسب المادية المتوقعة من جراء ازدياد النشاط السياحي بالبرازيل وما يترتب عليها من توفير فرص عمل للبرازيليين وتدعيم البنية الاساسية للمطارات البرازيلية سينعكس اجابا على الاقتصاد البرازيلي، فالإجازات الطويلة التي اعطيت للموظفين والعمال نتيجة المونديال وسوء تنظيم الإدارات الحكومية والمعارضة الشديدة من قبل الشعب لإقامة المونديال من شأنه أن يستنزف المكاسب المتوقعة من قبل الحكومة البرازيلية.

فإذا كان من المتوقع أن يتدفق أكثر من 600 ألف سائح أجنبي على البرازيل خلال شهري يونيو ويوليو ليصل إجمالي إنفاقهم إلى حوالي 2.95 مليار دولار أمريكي، فإن الاجازات الطويلة وسوء التنظيم من شأنه أن يستنزف خسائر تقدر بحوالي 3.4 مليار دولار، بالإضافة الى توقع حدوث انكماش في القطاع السياحي وذلك عكس ما تتوقعه الحكومة نتيجة المظاهرات والاحتجاجات التي تتناقلها وسائل الاعلام الدولية مشيعة الخوق والقلق في نفوس العازميين على التوجه للبرازيل بغرض السياحة، خوفا من الاوضاع الامنية بها، اضافة الى الاضرابات التي ستزيد البلة طينا.

وإذا كانت البرازيل تستهدف تحسين صورتها في المجتمع الدولي من خلال استضافتها للمونديال، فإن هذا المونديال ساهم في تشويه صورتها أكثر مما حسنها، حيث ظهرت بمظهر الدولة الغير مهتمة بمواطنيها المهملة لحقوق شعبها والمضطهدة للفقراء والمحتاجين.

ولعله كان الأولى بالحكومة البرازيلية أن تلتفت إلى إصلاح القطاع الصناعي بالبرازيل وأن تعمل عمل على رفع المستوى المعيشي لفقرائها، ومكافحة الفساد المادي بهيئاتها الحكومية، وأن تزيد الانفاق على القطاعات الصحية والتعليمية ، الأمر الذي سينعكس ايجابا على البرازيل أكثر من انعكاسات ايجابيات استضافتها لكأس العالم، فلطالما علمتنا الأيام أنه لا خير فيما كان خيره لمن لا يستحق على حساب من يستحق. 


  • 3

   نشر في 27 يونيو 2014 .

التعليقات

Roukia Belkessour منذ 10 سنة
يا أخي لعلمك فقط فالبرازيل تدخل ضمن دول البريكس و هي مجموعة من الدول التي تنافس الدول المتطورة و هي تشهد تقدما كبيرا منذ سنوات وحالها افضل من البعديد من الدول ولكن تبقى مشكلة الفقر وهي ليست بالهينة للتخلص منها فهي تحتاج لسنوات من اجل تسييرها و حتى الولايات المتحدة لديها فقراء ولديها مواطنين يموتون لعدم قدرتهم على العلاج مالكثيرين يعيشون على الاعانات الحكومية وغيرها وللاشارة فقط انا لا ادافع عن البرازيل كدولة أو حكومة ولكن البلد يحتضن كأس العالم وهي تظاهرة عالمية خاصة بالكرة و الأجدر بالبرازيليين ان يقدموا صورة جميلة على بلدهم وليس استغلال الفرصة من اجل السياسة و الضغط على الحكومة، كما أن كرة القدم اصبحت سلعة ليس بسبب البرازيل لقد اصبحت سلعة رخيصة في نظري الشخصي- و انا مسؤولة عنه - لما اصبح اللاعبون يباعون بمئات الملايين من الدولارات ويلعبون لصالح الاندية على حساب روح ىالوطنية ولقد سمعنا عن طرد اللاعبين الغانيين بسبب مشاكل مالية وغيرها.
اما فيما يتعلق بثعاسة المواطنين فأضن ان السبب بالنسبة لنا نحن العرب في كوننا اختزلنا انتصاراتنا في مباريات الكرة فأصبحنا ننظر لها على انها الحل لدينا او الحل لمشاكلنا حتى ان السياسيين يخاطبوننا في حملاتهم الانتخابية باسماء اللاعبين وبتاهل المنتخبات وووووو غيرها لهذا تجلب الكرة التعاسة لنا، لكن لو شاهدناها من اجل الفرجة و المتعة لما حدث ما بيحدث ففي النهاية تبقى مجرد لعبة وستكون ممتعة لما تعامل على هذا الاساس اما عندما تفقد وظيفتها او دورها كلعبة وتدخل فيها السياسة و المال فهنا يطلق عليها اسم اللعبة القدرة.
وعذرا على الاطالة.
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا