أصبح مونديال البرازيل 2014 المستقطب الأبرز لأنظار المشجعين لكرة القدم والمناصرين لحقوق الانسان على حد سواء، فعلى بعد أمتار قليلة من الملاعب الخضراء الفاخرة حديثة التشييد، يقبع العديد من سكان بلاد السامبا في أكواخ مهترئة تغزوا قطرات الأمطار سقفها المثقوبة، ففي الوقت الذي تهتز فيه أرضية الملاعب جراء صراخ المشجعين فرحا بإحراز منتخبهم لهدف في مرمى منافسه، تهتز السماء حزنا على أصداء زقزقة بطون المتضورين جوعا. مفارقات لا محالة جالبة للسخرية، فما بين مبتسمين مهللين وعابسين مستائين أمتار قليلة ولكنها في الوقت ذاته سنوات ضوئية كثيرة.
المونديال أصبح مثله مثل أي شيء في حياتنا سلعة مادية بحتة تباع وتشترى، تحت مسميات براقة خداعة، توهمنا بأنه ما اقيم الا لمتعتنا، وتجميع جنسنا البشري في لعبة يجمع أفراده على حبها وبالتالي يكون أداة لنشر السلام والتفاهم بينهم. ولكن الثابر للأمر المتأمل فيه بروية سرعان ما يتبين أن الشركات الرأسمالية الجشعة الراعية لهذا الحدث العالمي من أمثال كوكاكولا وغيرها، لا تهدف من الترويج للمونديال والقيام على رعايته الا لتحقيق الكسب المادي البحت بغض النظر عن أي اعتبارات انسانية كانت أو أخلاقية.
فالمظاهرات التي اجتاحت البرازيل على مدار الشهور الماضية ، التهبت حناجر ناشطيها بصرخات مدوية مطالبة بحقهم في رعاية صحية تدواي جراحهم ووفرة غذائية تشبع بطونهم الخاوية. مطالبة برفاهية ينعمون بها ولطالما تمتع بها الوافديين من مشجعي المونديال إلى بلادهم، مطالبة بأن تنظر لهم حكومتهم بعين الرأفة والرحمة والاهتمام بمصالحهم، مطالبة بأن تتحول خرسانات الملاعب إلى خدمات حقيقية يتمتع البرازيليون بثمارها الطيبة.
ولكن هيهات، فلا أذان صاغية ولا عقول واعية تلك التي اصطدمت بها صرخاتهم، فكيف تسمعها أذان من ساقته الفيفا سوقا وأغرته بهجة المحفل أيما إغراء، وكيف تعي عقولهم مطالبهم وقد امتلئت حبا للظهور ونكرانا لحقوق البسطاء، متذرعين بأن هذا المحفل سيدر على البلاد من الأموال ما يلزمها للاستجابة لمطالبهم. ولكن جل المكاسب المالية انصبت مسبقا قوالب اسمنتية في ملاعب المونديال البرازيلية .وحتى لو صدقت فرضيتهم فلما لا يحرصون على الموازنة على الاقل بين حقوق مواطنيهم وبين متطلبات المونديال، وعدم التركيز على المونديال واهمال ما سواه.
فالمكاسب التي تنتظرها روسيف رئيسة البرازيل من وراء استضافة هذا الحدث لن تكون واقعا فلا المكاسب المادية المتوقعة من جراء ازدياد النشاط السياحي بالبرازيل وما يترتب عليها من توفير فرص عمل للبرازيليين وتدعيم البنية الاساسية للمطارات البرازيلية سينعكس اجابا على الاقتصاد البرازيلي، فالإجازات الطويلة التي اعطيت للموظفين والعمال نتيجة المونديال وسوء تنظيم الإدارات الحكومية والمعارضة الشديدة من قبل الشعب لإقامة المونديال من شأنه أن يستنزف المكاسب المتوقعة من قبل الحكومة البرازيلية.
فإذا كان من المتوقع أن يتدفق أكثر من 600 ألف سائح أجنبي على البرازيل خلال شهري يونيو ويوليو ليصل إجمالي إنفاقهم إلى حوالي 2.95 مليار دولار أمريكي، فإن الاجازات الطويلة وسوء التنظيم من شأنه أن يستنزف خسائر تقدر بحوالي 3.4 مليار دولار، بالإضافة الى توقع حدوث انكماش في القطاع السياحي وذلك عكس ما تتوقعه الحكومة نتيجة المظاهرات والاحتجاجات التي تتناقلها وسائل الاعلام الدولية مشيعة الخوق والقلق في نفوس العازميين على التوجه للبرازيل بغرض السياحة، خوفا من الاوضاع الامنية بها، اضافة الى الاضرابات التي ستزيد البلة طينا.
وإذا كانت البرازيل تستهدف تحسين صورتها في المجتمع الدولي من خلال استضافتها للمونديال، فإن هذا المونديال ساهم في تشويه صورتها أكثر مما حسنها، حيث ظهرت بمظهر الدولة الغير مهتمة بمواطنيها المهملة لحقوق شعبها والمضطهدة للفقراء والمحتاجين.
ولعله كان الأولى بالحكومة البرازيلية أن تلتفت إلى إصلاح القطاع الصناعي بالبرازيل وأن تعمل عمل على رفع المستوى المعيشي لفقرائها، ومكافحة الفساد المادي بهيئاتها الحكومية، وأن تزيد الانفاق على القطاعات الصحية والتعليمية ، الأمر الذي سينعكس ايجابا على البرازيل أكثر من انعكاسات ايجابيات استضافتها لكأس العالم، فلطالما علمتنا الأيام أنه لا خير فيما كان خيره لمن لا يستحق على حساب من يستحق.
التعليقات
اما فيما يتعلق بثعاسة المواطنين فأضن ان السبب بالنسبة لنا نحن العرب في كوننا اختزلنا انتصاراتنا في مباريات الكرة فأصبحنا ننظر لها على انها الحل لدينا او الحل لمشاكلنا حتى ان السياسيين يخاطبوننا في حملاتهم الانتخابية باسماء اللاعبين وبتاهل المنتخبات وووووو غيرها لهذا تجلب الكرة التعاسة لنا، لكن لو شاهدناها من اجل الفرجة و المتعة لما حدث ما بيحدث ففي النهاية تبقى مجرد لعبة وستكون ممتعة لما تعامل على هذا الاساس اما عندما تفقد وظيفتها او دورها كلعبة وتدخل فيها السياسة و المال فهنا يطلق عليها اسم اللعبة القدرة.
وعذرا على الاطالة.