صرخة عروس في الرابعة عشر ربيعا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

صرخة عروس في الرابعة عشر ربيعا

  نشر في 19 نونبر 2018 .

تحت ضوء الغرفة الخافت وجوه الحزين أخذت قلما وورقة، لتسرد حكايتها التعيسة، لتبوح بما لم تبح به الأيام، كتبت فيها:

عن حياتي التي كانت تسير في سلام، بين ليلة وضحاها صارت ظلاما في ظلام، وهبوني إلى عجوز سرق مني أحلامي الكبيرة والجميلة، سرق مني الحياة، بعدما كنت وردة في ريعان الشباب، كلي طموح وشغف لحياة أراها حب وأمل، لحياة أعشقها.

أنا عروس صغير مدت يدها للحناء وهي في الرابعة عشر ربيعا، "زوجاني" والداي، فتركوني أعاني وحيدة على ضفاف الأسى، تركوني لأكمل مشوارا مجنون التفاصيل. هاأنذا اليوم أعيش في المعاناة، أعانق الذكريات، وأي ذكريات تبقت من طفولتي التي سرقت فصولها وتفاصيلها الصغيرة، ومن شبابي الذي ذهب حسرة وألما مع العجوز.

سلبوا مني حياتي الصغيرة والبسيطة، فقد أقنعَ العجوز والدي بثراهُ واعدا إياهُ بانتشالنا من الفقر الذي نهش أجسادَنا الضعيفة، لم تعارض أمي فقد رضخت لقرار والدي، يومها أصبحت عروساً، ألبسوني ثوب "امرأة" وأنا غير قادرة على تحمله، سحبوا مني ألعابي وحملوني ما لا طاقة لي به، أثقلوا كاهلي، هكذا انقلبت حياتي، هكذا تبخرت أحلامي وأمنياتي الجميلة..

حلمت بمتابعة دراستي، كنت أرغب في تسلق مراتب العلم، لم أكن أخشى من الفقر، حتى العادات والتقاليد لم تشكل حاجزا أمامي، بالنسبة لي تلك العوائق كانت دوافع قوية حتى أصل إلى ما أطمح إليه، ربما من رحم المعاناة، كنت قد رسمت زوج أحلامي الذي دائما ما تخيلته في عمري، حلمت بإنشاء عالم صغير حيث تلامس روحي التائهة طمأنينتها وسلامها، بحثا عمَّن يلم شتاتها، تخيلت حياة مليئة بالحب والعطاء، حياة بمعاني كثيرة، اليوم أعيش على وقع الصدمة في انتظار اليوم الذي أتقبل فيه الحقيقة الصارخة، في انتظار ذلك اليوم سأظل أنهار في صمت.

لعل ثوب الزفاف هو ما تحلم به كل فتاة، ربما هو كل ما تتغنى به، إنما بالنسبة لي كان بداية للمعاناة والألم، كان نهاية لأحلام كبيرة ظلت تصغر أمام توالي الأيام، ربما بياض ثوب الزفاف كان لي سوادا في معظم لحظات حياتي، ذقت التعاسة بمعانيها، ينتابني الألم والحسرة كلما رأيت مثيلاتي سعيدات مع أزواج في نفس أعمارهن، يداعبن السعادة، يعزفن أنشودة السلام الداخلي، لعلي أقل حظا من قريناتي اللواتي شاء القدر أن يعشن تحت ظروف أفضل.

أمام توالي الليالي كنت أتعرض للعنف الجسدي، أقاسي ويلات العذاب، أقاسي في صمت يحاكي صمت القبور، لقد عانيت ما لا طاقة لبشر باحتماله، بجسدي الضعيف هذا الذي لا يقوى على شيء، أصابتني العديد من التشنجات، راودتني باستمرار نوبات البكاء والحسرة.

هي سنوات عجاف مرت علي، في كل سنة، في كل يوم، صدقاً في كل ساعة لعنت الزمن الذي أبى إلا أن يطوي حياتي بين جدران منزل العجوز، لأول مرة في حياتي أدرك كم هو ثقيل هذا الزمن، كم هو رهيب ومخيف، في غفلة منه فقدت الحياة، أضعت إيقاعها السريع، لم يعد هناك أمل للحياة هو الألم فقط، هو اليأس الذي يطاردني، هي عديد الأصوات التي تظل تهمس في أذناي، صعب أن تتذكر الماضي وتتحسر عليه إنما الأصعب هو أن تعرف أنك تحيا بدون حياة، أدركت أخيرا أن الشمس لا تشرق إلا لتذكرني بمسلسل الشقاء إلى حين الغروب.

لا أريد منكم جزاءً ولا شكوراً، إنما أريد معروفا لا تقتلوا براءة بناتكم، امنحوهن الحياة، امنحوهن حق الاختيار، اختيار حياتهن وطريقهن، لا تقتلوا أحلامهن، دعوهن يعشن وفق رغباتهن، دعوهن يعزفن لحن الحب للحياة، دعوهن ينتصرن على العادات والتقاليد فقد سئمنا من هذا الواقع المرير حيث العادات والتقاليد شر لا بد منه.

إلى اللواتي بتن أسيرات لعادات وتقاليد مجحفة، لا تدعوهم ينتهكوا براءة طفولتكن، لا تدعوهم يتاجروا بأجسادكن وحياتكن من أجل الحصول على المال بذريعة السترة، تمسكوا بحقوقكن.

هل أصبحنا حقا عبئا لدرجة رمينا تحت ما يسمى ب "الزواج" بينما هو انتهاك واغتصاب.

هذه قصتي وهذه صرختي..


  • 3

  • أيوب حميش
    أعشق الكتابة ربما من أجل التعبير عن آرائي في قضايا مختلفة، أو ربما من أجل نشر مدونات ذات رسائل هادفة، أضع نفسي في تحديات يومية بحثا عن الأفضل إيمانا بالثقب الذي ينبثق منه النور.
   نشر في 19 نونبر 2018 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا