حقيبة أبي..... - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حقيبة أبي.....

  نشر في 07 أكتوبر 2015 .

تمر السنون والعقود على والدي الذي كان يوما يصول ويجول ليوفر لنا كريم العيش ورغد الحياة، فاذا المطاف ينتهي به الآن وهو في الثمانينات وقد ترك لنا كل ما ملك، فلم يتبقى له سوى حقيبة سفر صغيرة فيها ثياب معدودة له، يتنقل بها من بيتي إلى بيت أخي...وهكذا يطوف ابي بحقيبته الصغيرة هذه ومعه مصحف يستعين بكبر حجمه وسماكة نظاراته على قراءته.

نعم...هكذا دارت بنا الايام يا والدي حيث ما زلت اذكر ما قاله لي عندما توفيت والدتي، قبل عامين، وبلهجته الفلسطينية" اتسكر بيتي يابا" لقد عد والدي وفاة والدتي بالرغم من أنها كانت بساقٍ واحدة وطريحة فراش مرض، عد وفاتها تسكيراً لبيته ونهاية لبيت كان من سنتين عامرا بعجوزين اثنين يؤانسهما أخت لي.

هكذا ينتهي المطاف بأبي كبائع شنطة متجول ...لا يبحث عن درهم ولا دينار ولكن عن مستقر ومقام، حرِم منه لا لشئ إلا لأنه لاوطن له. فقد كانت أمي ذات الساق الواحدة وطن له، يسكن اليها على ضعفها، يميل اليها تارة، ويتشاجر معها تارة أخرى، ويتجاذب اطراف الحديث معها تارة ثالثة. فقد والدي هذا الوطن الصغير وأضحى يجول بين ابو ظبي والشارقة وعجمان والدوحة ومعه هذه الحقيبة الصغيرة والمصحف.

في الزيارة الأخيرة قلت له لقد انتهت زيارتك ياأبي للدوحة فقد انتهت الثلاثة شهور وهي جميع المنح الزمنية التي منحت لك، وستسافر بعد غد لتبدأ جولتك بين الشارقة وأبو ظبي......سألني كم تبقى من صلاحية جواز سفري فقلت له عشرة شهور، ثم سألني كم تبقى لي من الإقامة المسموحة لي في الامارات فقلت شهرين تقريبا....قال لي أعود بعدها إلى الاردن. فقلت له كيف تعود وما عندك من يعتني بك....توكل على الله وسيجعل الله لك ان شاء مخرجا. لم أتمكن من كبت عبرات حارة تخرج من مقلتي كرها وطوعا، شفقة على هذا الوالد الكريم الوفي وحزنا على نفسي حيث لا استطيع ان اكفله فالقانون لايسمح. مسحت عبراتي بهدوء كي لا يلحظ شيئا ومضيت الى المطار ليبدء والدي رحلة ترحال وتنقل من جديد.

عزائي أننا نعيش على وعد من رب كريم، وعدنا إياه في محكم تنزيله، عزائي ان الله سيجبر وحدتنا ويتقبل غربتنا بإذنه، عزائي أن الله بنا رحيم، عزائي أنه رب كريم، سميع مجيب. وأدعو ربي ان يجمع شمل كل مغترب، ويكرم كل مسنٍ يعارك بضعف حيلته السنين، وأن يجبر الله غربتنا فلا اكرر أذا ما طال بي عمر تجوال والدي الوفي الكبير.       


  • 7

  • د. وائل خليل شديد
    استراتيجي وباحث: مختص بالتحليل والادارة الاستراتيجية وتشكيل وتنفيذ الاستراتيجيات وخصوصا في البيئات المضطربة والمعقدة وادارة المشاريع وتطوير المؤسسات غير الربحية
   نشر في 07 أكتوبر 2015 .

التعليقات

خديجة منذ 9 سنة
الحمد لله على أنّ الله هو الله..
وحده يستطيع أن يُوجد لنا وسط الظلام الحالك نورا وهاّجا..
1
M.Logos منذ 9 سنة
لا أعلم ماذا أقول الا صبر جميل والله المستعان
0
فدوى منذ 9 سنة
أعجبني قول الشاعرعلي بن العباس الرّومي:في قصيدةٍ لسليمان بن عبد الله بن طاهر يستَعدِيه على رجلٍ من التجار، يعرف بابن أبي كامل، أجبَره على بَيْع داره واغتصبه بعض جُدرها، بقوله:
ولي وطنٌ آليتُ ألاّ أَبيعهُ وألاّ أرى غيريْ لهُ - الدهرَ - مالِكا
عهِدتُ به شَرْخَ الشبابِ ونعمةً كنِعْمَةِ قوم أصبحُوا في ظِلالِكا
وحبَّبَ أوطانَ الرجالِ إليهمُ مآرِبُ قضَّاها الشبابُ هُنالكا
إذا ذَكَروا أوطانَهم ذكَّرَتْهُمُ عهودَ الصِّبَا فيها فحنُّوا لذلِكا
لقد ألِفَتهُ النفسُ حتى كأنّهُ لها جَسَدٌ إن بانَ غُودِرَ هالكا

شكرا لك أخ وائل
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا