رسالة لن تصلها. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رسالة لن تصلها.

  نشر في 22 نونبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 24 نونبر 2022 .

إنها الثانية عشر و خمس و أربعون دقيقة من ليل شتاء بارد جدا.

الرياح بالخارج لا تكف عن جلد النوافذ و الأبواب و الجدران و تتجول فوق أسطح البنايات بخطوات صاخبة، و تحل محل القطط الليلة، تُصْدر عواءا مسموعا و تُحْدث ضجة بين الحين و الآخر.

كنت أمام حاسوبي المُسن جالسا وسط كل ما يحدث بالخارج أعمل على بعض التصماميم التي كنت مقبلا على إضافتها لتصاميم أخرى بمتجري ..

أنهيت تصميم العديد منها و كي أهرب من الملل الذي يصاحب تلك العملية الشاقة في تحميل جل التصاميم على متجري

قررت أن آخذ قسطا من الراحة، فتحت صفحتي القديمة على الفيسبوك و ليتني لم أفعل.

لا أدري ما الذي ذكرني بك، برودة الجو التي لا تشبه شتاء كندا القارس بشيء، أواخر نوفمبر، الحاسوب .. لا أدري حقا

و لا أظن أن هته الأشياء لها علاقة بإعادتي لماض تشاركناه أو لتذكيري بشيء .

هو الحنين إلى شيء أحس أني لم أفقده ربما، و من سيكون قادرا على برمجة عقلي الأحمق و إقناعه بأنك لن تعودي..

تبا، لا أحد .

أتوقف عندك، عند إسمك الذي اختفى بعدما قمت بإغلاق صفحتك نهائيا بعد ذلك الشجار المحتدم بيننا بتلك الليلة البائسة التي لن أنساها ما حييت

أتصفح آخر رسائل بأول مكان إلتقيتك به ..

أُقلب الصور التي تشاركناها، طريقتك في التصوير، الزهور بفناء المنزل و بالطاولة و بالمزهرية، ألوان عديدة و زهور بأنواع و أشكال مختلفة .

أتدرين ؟

تعلمت حب الورود منك، أخذت كل القواعد عنك ..

كنتِ تجيدين المزج بين الزهور، تجيدين إنتقاء باقاتك، كان التصوير الشيء الوحيد الذي كنتِ دائما تشتكين فشلك به و عجزك رغم امتلاكك لكاميرا من النوع الجيد، كنتُ أنا معلمك الذي لا ينكف عن تقديم الملاحظات و النصائح، لا يمل من التعليق عن طريقتك في إلتقاط الصور

أُقلب الصور و أقلب معها الكثير من الذكريات بقلبي و بالذاكرة، وسط برودة الطقس بالخارج و صوت الرياح التي تزداد قوة و جنونا دون توقف، كنت مثل الرياح بهذا الوقت المتأخر تزدادين تعمقا و غوصا بداخلي

كانت تحيطني سعادة و دفء خاصين لا أعرف مصدرهما و أنا أنظر إلى صورك شكل عينيك الضاحكتين، إبتسامتك، أشغل بعض التسجيلات لأتذكر كم هو جميل صوتك

و متى نسيت صوتك و شكلك ، ملامحك العربية تلك، تمردك و جموحك ..

لا شيء منك غادرني للحظة أيتها المجنونة

انت بداخلي طوال الوقت.

كنت أعود بذاكرتي للوراء بسنوات، و أحسها أيام تلك التي فرقت بيننا ، أحسها أياما فقط

أتجول بين عناوين الكتب التي تشاركناها و أتوه وسط دوامة أحاديثنا الطويلة الرائعة التي تبادلناها، صور دافئة لفناء منزلك و لكوب الشاي المسائي و شطيرة الغداء التي أعددتها و مزرعة خضرواتك الصغيرة التي قمت بزراعتها بنفسك، و قلت عنها أنها صحية.

طبق الكسكس الذي شاركتني ذلك المساء و حين قمت بدعوة جارتك التي نسيت إسمها رفقة زوجها إلى منزلك، مازلت أذكره حين علقتُ عليه قائلا:

يبدو الكسكس جافا بعض الشيء يحتاج الى مزيد من الماء

عكس بعض الفتيات اللواتي يكرهن النقد، كنتِ معجبة بنظرتي و طريقتي في تقديم نقد بناءٍ لأطباقك، كنتِ تُحبين أن أُبدي رأيي في أشياء تخصك، أن أشارككِ أفكاري

كنت معجبة بلمستي الفنية و تشجعينني دائما و بطريقة ما على المضي قدما،

صورة والدتك أقف قليلا عندها و أقول بنفسي صالحة لرسمة بقلم الرصاص، ثم أُلغِ الفكرة و أقول كيف سأفاجؤها و نحن لم نعد معا...

أصرخ في وجه ذلك الأحمق بداخلي و أحاول تذكيره من حين لآخر أننا لم نعد معا

بهته اللحظة بالذات، تمنيت مثلما لم أتمنى يوما و بإلحاح شديد و رغبة موقدة أن أكون بقربك و معك، أراسلك..

و أكتب لك

كيف حالك؟

فتجيبين و أنت تبتسمين :

كيف حالك ؟ جدا جدا.

ثم نواصل كلامنا المعتاد و سخريتنا من الأحداث، نضحك معا على أتفه ما يفعله السياسيون ببلدينا و هم يتراشقون التهم و يتبادلون الشتائم للتفرقة و نشر الفتن بين البلدين والشعبين الشقيقين.

أتصدقين ...

أنا وحيد الآن لا رسائل نصية أنتظرها و لا صوتية أسمعها ..

لاشيء يعيد الحياة لشاشة هاتفي الميت مذ رحيلك، منذ فراقنا المشؤوم ذاك ...

كان صوتك يمنحني الكثير من القوة و الدافع والأمل لفعل أشياء أجدها سخيفة بهذا الوطن ..

أشعر بثقل بصدري و وجع داخلي لا أدري كيف أصفه، ما زلت أحملك و اتشبث بك كما تشبث جاك بحافة الخشب للنهاية، كل ذلك لأجل أن يضل بقربها، أن تحيا و يموت هو بقربها و في حبها ..

روز تلك التي لم تتزوج بعده مثلما فعلت ..

كيف أخبرك اليوم، بل لحد الساعة أنك مازلت بداخلي رغم المسافات رغم محاولات الإنكار و النسيان ..

مازلت أتذكرك و ألمح وجهك في الكثير من الأشياء أراك بين كلماتي كلما حملت القلم..

تقولين بصوتك الجميل و المندفع

لا تكتب هكذا ، إختصر و غير هنا ... وهناك

هته الجملة يجب أن تحذفها ..

لقد دخلت حياتي و لم تتركي بابا إلا أشرعته

كنت صادقا معك رغم تشكيكك بالكثير من الأشياء، صحيح اني اخطات في حقك ذات يوم و لكني صارحتك و وعدتك أنه كان أول خطأ و سيكون الأخير ..

بعدها لم أخطئ معك و لكننا افترقنا ..

صغيرتي، هل مازلت هنا ..

فارغ اليوم إلا منك ..و من ذكراك المؤلمة

لا أكلم أحدا، مثل زجاجة موصدة بقطعة من الفلين أنا، لا رسالة تملؤني ..

لا أمواج تدفعني و لا شواطيء تستقبلني ..

زجاجة فارغة، لا عاصفة نسيان تغرقني و تغرقك بداخلي، و لا سفينة و لا غريبة عابرة تمد يدها لتسحبني ..

انا الزجاجة التي علقت وسط محيطين، كل محيط يحاول قذفها خارج حدوده، فلا هي قُذفت و لا هي تحركت و تخلصت من لعنة المحيطات ..لعنة الوسط

اعرف أنك لن تصدقيني، لن تصدقي اني مازلت وحيدا في غيابك، جثة هامدة بعد رحيلك ..

أعرف أنك لن تصدقي ..

عادتك في التلصص على منشوراتي ، في محاسبتي على كل قلب أحمر أو تعليق تخطه الغريبات فوق المنشورات بصفحتي

تقولين أني كاتب بارع و أني أكتب عن الكثير من الأشياء المبهرة بطريقة رائعة، ثم تلومين غيرك على إعجابهم بقلمي و تلومينني أيضا على كل إصبع أو قلب أرد به

كنت تغارين من أبسط التفاصيل و تحشرينني في زواياك الضيقة و تشدينني إلى طاولات إستجوابك كل مرة ..

و كنت أنا الآخر أُبرر في حنق و ملل مثل كل شرقي لا يحتمل أن تقيده إمرأة بشكوكها ..

كنت أثق بك كل الثقة رغم أنك كنت بعيدة عني و تعيشين بمنزل لوحدك و تعملين في بيئة من رجال من كل البلدان و لكني لم أحقق معك يوما كنت أغار من حين لآخر و أنتِ تتحدثين عن أحدهم بقصصك

عكسك تماما، كنت أُخفي غيرتي عليك و ظنوني و لا أحقق معك، كنت أصمت و أتحاشى الدخول في تفاصيل تشعرك بانعدام الثقة بيننا..

كنت اثق بك كثيرا عكسك تماما تشككين و تدققين بكل صغيرة، بكل تفصيلة ..

كنت أحبك و الآن أكثر ..

مع البعد يزداد الحب بحجم الوجع تماما، ربما هذا ما أحسه الآن و سأحسه غدا و بعد غد...

اواصل التقلب و التخبط في حيز ذاكرتنا المشتركة .

بين لحظة سعادة و أخرى تتسرب لحظات حزن و تعاسة ببطء و تستحوذ علي

تلفني بوشاحها الأسود و تغلق علي بأقفالها داخل غرفة ضيقة من الحزن الكآبة .

أذكر أنك كنت تقدمين الكثير من النصائح إلي حين كنت أحدثك عن كآبتي و حزني .

عن شهيتي المغلقة و مزاجي المتقلب طوال الوقت .

كنت تصغين إلي دائما و تقدمين النصائح و الحلول ..

أذكر أنك وعدتني ذات يوم بأن تواصلي معي المراحل كلها حتى أشفى من مرضي، حتى أتخلص من كآبتي نهائيا..

اليوم أنا مريض بك ..مريض بك ..و جدا

لا أدري كيف استطعنا فعلها، كيف أمكننا التخلي عن بعضنا بتلك السهولة ..

أتوقف عند ذلك الحد..

أحذف التصاميم و أغلق كل النوافذ بحاسوبي و أغادر كل شيء بعد أن أحسست بالوجع يزداد معي، بضيق يغمر صدري و بسكاكين تخترق قلبي و عقلي ..

لا مزيد من الألم ...يكفي

أغلق الحاسوب بقوة ..

و أغادر ...

تلحقين بي نحو الغرفة الأخرى..

أنا الآن بقرب المدفأة ولم أنم بعد ..

لا أحس بالدفء، أتحسس أطرافي الباردة و أقترب إلى المدفأة أكثر و أكثر

مرت ساعة ..و ستمر ساعات أخرى

و أنا موقن بأني سأعاني هته الليلة

إنها ليلة للمعاناة ليلة لأتلم بك ...

لا أقراص تهدؤني و توقف تمدد الصداع برأسي ..لا شيء يوقفك و يوقف زحفك نحو قلبي

لاشيء، يا صغيرتي.

كعادتك عنيدة جدا، تصلين إلى كل ما تريدين دون أن يوقفك أحد ..

عاجز أمامك ...

أنتِ بهته الليلة حاضرة و أنا الغائب الهائم

الغبي المبحر بذكراك .

أنظر إلى الوهج المنبعث من المدفأة و هو يتأرجح حينا، يزداد و يخبو شيئا فشيئا ..

أفكر بكِ مجددا ، أنتِ التي سكنتني و سكنتِ كل التفاصيل ..

مازلت أذكر جيدا تلك الليلة التي شاركتني فيها فيديو لك

شموع و مدفأة و قطع حطب و درويش و أنتِ..أنتِ

لا شموع تزيل العتمة بغرفتي ..اشغل درويش هته الليلة أيضا و أكتفي بشموع ذكراك التي تنير ليلي ..

درويش ينتفض، بين ريتا و عيوني بندقية

و بيني و بينك أيتها الشقية ذكريات و ليال غير منسية .

يواصل: و أنا ضعت بريتا سنتين ..

و ماذا عن ضياعي أنا كم سنة ساضل سجينا بين جدرانك .. ؟

أصمت و اترك درويش يصدح بصوته عله يطردك ..و يخبرني ..

علك تستحين منه و تتركينني هته الليلة أغرق لوحدي ..

#رسالة أخرى لن تصلها

03:23


  • 5

  • Abdelghani moussaoui
    أنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي
   نشر في 22 نونبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 24 نونبر 2022 .

التعليقات

سناء لعفو منذ 10 شهر
أنت صادق جدا، رائع جدا، احساسك يصل جدا جدا، دام قلمك فياضا بهذه المشاعر والكلمات الرائعة ودامت رسائلك فريدة ومدهشة👍🏼
1
Abdelghani moussaoui
أسعدني تعليقك الراقي و ذوقك المميز، أتمنى أن أضل عند حسن ظنكم بقلمي، أشكرك جزيل الشكر ، تحياتي⚘
MJ-Q8 منذ 10 شهر
لم أكن أعلم شيئاً عن فن ادب الرسائل من قبل!
انه بالفعل فن جميل ممزوج بالأحاسيس و المشاعر الصادقه و الأجمل بكل تأكيد كتاباتك الجميله فيه.
مع خالص التحيه.
1
Abdelghani moussaoui
من أحب الفنون إلى قلبي، دون أن أنسى ، أنصحك بقراءة رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان .. كتاب يستحق القراءة ..
أشكرك جزيل الشكر على ذوقك الراقي و تشجيعك الدائم، مودتي و تقديري لشخصك الرائع ، تحياتي⚘
ياسين منذ 1 سنة
فن ادب الرسائل من بين أجمل الفنون وأكثرها احساسا وابداعا ستجده عند سيمون دي بوفوار وكافكا والبير كامو والكثير من المبدعين .قلمك قوي
2
Abdelghani moussaoui
أدب الرسائل من بين الفنون المفضلة إلى قلبي، رسائل شفافة و صادقة تنقل لنا دواخل كتاب آخرين نعرفهم حق المعرفة و لكننا بعد قراءتنا لرسائلهم نكتشف أننا لم نكن نعرف عنهم شيئا ، أشكرك جزيل الشكر أخي ياسين، أسعدني مرورك الصاخب الأنيق ، ربما نتشارك الذوق نفسه في القراءة، فمعظم الكتاب الذين ذكرتهم ضمن المفضلين و المميزين بالنسبة لي ... أشكرك مجددا على تشجيعك و دعمك ، تحياتي ♡
مريم منذ 1 سنة
حزينة وموجعة جدا رسائلك... لكن الحزن يصنع انسانيتنا ويخرج أجمل ما فينا. جميلة كتاباتك وحروفك عبد الغني..... دام نبض قلم.
2
Abdelghani moussaoui
أشكر مرورك الأنيق الأخت مريم، هو كذلك الحزن على قولك
يصنع انسانيتنا و يخرج أجمل ما فينا
جملة جميلة اختصرت فيها كل شيء، راقت لي جدا
أشكرك مجددا تحياتي 🌹

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا