جلست بجوارى أمراة عجوز فى عقدها السادس من العمر
لاحظت على ملامحها تجاعيد تحكى قصة طويلة من المعاناة , فرغم صمتها الشديد شدنى إليها إنها تارة تبتسم وتارة أخرى تسقط الدموع من عينيها, وتارة تنظر إلى السماء وتشكر ربها.
نظرت إليها وقلت فى نفسى لعلها قصة طويلة فهذه السيدة العجوز رغم صمتها إلا إنى تعلقت بها وإذا بى أقول لها سيدتى أراكى تبتسمين ثم تبكين ثم تنظرى إلى السماء وتكونى من الشاكرين.
ضحكت السيدة العجوز وقالت لى (أبنتى إنتى فى عمر أولادى والحياة أمامكى طويلة عندما تكونى فى عمرى سوف تأتى عليك لحظه فيها تتذكرى فيما أفنيتى عمرك.....فأنا يا أبنتى فى عمر الصبا أعطانى الله الصحة وأعطانى الزوج والأولاد، فزوجى كان رجل بسيط يعمل باليومية وكان فى نهاية كل يوم ياتى لى بمصروف اليوم القادم فكنت أدخر جزء بسيط منه حتى أستطيع دفع مصاريف الدروس لأولدى فكانوا أولادى فى المرحلة الابتدائية من التعليم فى ذلك الوقت, وكنت أنا معززة مكرمه فى بيتى أنتظر زوجى بعد نهاية يوم طويل من عملة وأنتظر أولادى بعد العودة من الدراسة لكى نجلس سويا ونضحك ونلعب ثم نحمد الله على إنه أكرمنا وسترنا فى نهاية اليوم ولم نمد إيدينا لأحد, ولكن لم يدم الحال طويلا فقد أصيب زوجى بمرض شديد جعله لا يقدر على العمل ويلزمه المكوس بالبيت, فكان لا خيار لى إلا أمرين فى ذلك الحين
الأمر الأول هو أن إخرج أولادى من الدراسة لكى يشقوا طريقهم فى العمل ومعاناتهم مع الحياة ويعولوا أباهم المريض ويساعدونى أنا ايضا وأنفسهم, وأما أن أخرج أنا للعمل كخادمة أو عاملة بسيطة حتى أكرم أولادى واجعلهم ياخذوا أعلى الشهادات ويصلوا إلى أعلى المراتب ...فى هذه الأثناء بكت العجوز وبكيت أنا ايضا وقلت لها لا عليكى لا تحكى.... فقالت( لا يا أبنتى فالأمر خير أن شاء الله أنا ارتحت لكى سوف أحكى باقى قصتى)
فأكملت العجوز قائله ..خرجت إلى العمل كعاملة بسيطة بمصنع للعزل والنسيج, كنت أخرج من السادسة صباحا للعمل وأعود إلى منزلى فى التاسعه مساء كنت أحمل لأودى الطعام المتبقى من أكل عمال المصنع لأن راتبى لا يكفى لشراء الكثير من الطعام لأولاد وأن أوفر لهم مصاريف الدراسة فكنت أخذ الطعام المتبقى وأنا فى شدة الاسى والحزن على حالى وحال أولادى ولكن ما باليد حيلة فهذا هو المتاح حتى أستطيع أن أجعل أولادى يكملوا دراستهم وان يعيشوا حياة أفضل مما عاشوه معى أنا وأبوهم..
كان أولادى فى ذلك الوقت لا يفهموا طبية الحال أو العيشة التى نعيشها فكانوا يفرحوا ويلعبوا ويمرحوا لأن طلباتهم مجابهم, فكنت أحرم نفسى من شراء الملابس الجديدة أنا وزوجى وأشترى لأودى الملابس الجديدة والغالية حتى يظهروا بمظهر لائق أمام زملائهم, كنت ابتسم أمام أولادى حتى لا يروا دموعى حتى لا يشعروا بضيق الحال الذى نمر به, فد مرت عليا أيام كنت أبكى فيها من شدة معاناتى فكنت القى إهانه من بعض الناس لإنى عامله بسيطة وكنت أبكى على حالى فأنا لا أستطيع أن اترك عملى لان أولادى فى رقبتى ولا يتسطيع زوجى العمل نظرا لمرضه, فقررت أن أترك المصنع وأبحث على عمل آخر فاكرمنى الله بالعمل فى أحدى المستشفيات كعاملة ايضا, فكان راتبى أكثر بكثير من راتب المصنع وقد فتح الله عليا لانى كنت ادخر من راتبى مبلغ كبير واستطعت والحمد لله أن اجدد من بيتى وأن أكمل مسيرتى مع أبنائى, فالحمد لله أولادى قد دخلوا المرحلة الثانوية فى الثانوى المعادلة للثانوية العامة ولكنهم والحمد لله قد حصلوا على أعلى الدرجات التى تمكنهم من دخول الجامعات وبالفعل دخلوا الجامعة وحاولت جاهده أن أدخل فى جمعيات حتى أوفر لهم مصاريف الدراسة الجامعية وشراء الملابس المناسبة لوضعهم الجديد فثمرتى الصغيرة قد نضجت ونجت فى أولادى وتححق لى أول حلم يخفف عن معاناه عشتها من أجل هذا اليوم, فالحمد لله تخرج أولادى من الجامعة وحصلوا على شهادة البكالوريوس, فكانت فرحتى أنا وأباهم كبيرة لانهم قد وصلوا الى بر الأمان, ثم توفى زوجى بعد صراع كبير مع المرض, فقرر أولادى أن يريحونى من مشاقة العمل وخصوصا بعدما أن التحق كل منهم بعمل محترم فى مجاله وأصبح لهم وضعهم وشأنهم العالى والحمد لله, فهذه هى ثمره كفاحى قد أكرمنى الله بها وفيها, فقد حفظ لى أولادى الجميل
فأنا أكرمتهم فى الصغر وهم أكرمونى فى الكبر, فكم أنا سعيدة لانى أرتحت من معاناه العمل , وكما أنا أسعد بأولادى فى مناصبهم العاليه, فالحمد لله أولادى كل يوم يقبلوا إيدى ورأسى ويحسنوا من معاملتى.
فاذا كنت أبتسم فهذا لإن الله قد عوض صبرى خيرا فى أولادى فقد وصلوا الى أعلى الدرجات واكرمونى بالراحه فى بيتى, واذا كنت أبكى على ذكرياتى فى معاناتى, وعندما نظرت إلى السماء شاكره لان الله قد اكرمنى بان حصدت زرعتى التى أكتملت بها فرحتى.
.............
كلماتى للسيدة العجوز
أمراة جميلة أنتى
لقيت من المعاناه فصبرتى
بكيت ثم إبتسمتى
احصنتى نبته الزراعة ثم حصدتى
أكرمك الله كما أكرمتى
فعشتى مرفوعة الراسى عفيفة حتى قدرتى
إن تخرجى جيل لا يلقى معاناه كما لقيت
أقبل يديك واضع حذاءك فوق راسى
فانتى من ضحى حتى نكون مرفوعى الراسى.
-
أمل محسنالعلم مفتاح. الحياة