أقول لكِ ما قاله العقاد لمي زيادة بعدما كتب لها و لم يتلقى أي رد:
أرجو أن يكون ذلك عن عمد، فالعقاب عندي أهونُ من الإهمال.
الخامس من اغسطس 2023
العاشرة ليلا.
هواء عليل يغريني بالبقاء بالسطح أكثر، و قمر يُمهّد لي المكان بطريقة ما و يجعله بنوره الساطع أجمل و أروع.
أُُقَلِّبُ بريد رسائلي صباحا ومساءا، أُرهق نفسي بالإنتظار وأرفع ضغطي بالتفتيش بين الرسائل المهملة عن رسالة أخرى ضلت طريقها إليّ، عن حرف مختبئ بين كوم الرسائل لم أنتبه إليه.
دون جدوى، لاجديد يُذكر.
أستوقف ساعي البريد دائما، وألوم العالم كله، ألوم الجميع، الحياة والخرائط و المطارات و السفن و البحار و المسافات، ألوم القدر و الحظ الذي لم ينصفني يوما.
ألوم الجدار والحدود و البعد و الحب و الشوق على كل ما يحصل معي هذا المساء.
تمر علي بعض اللحظات القاسية من حين لآخر، أبحث عن إيماني وتجلدي و لا أجدهما، عن كل الحبال التي كنتُ متمسكا بها، عن كل الجدران التي كنتُ أتكيء عليها و لا أجد شيئا .
غير سخطي و حنقي من كل شيء حولي دون سبب .
متمسك بالهواء أنا.
غاضب إلى أبعد الحدود، وليس هناك من أحد غيركِ يفهمني، ليس من أحدٍ يمكنه أن يبرر جل هاته الأحاسيس التي تعبث بأوتاري، وتجعلُ مني مجرد نايٍ قديم بيد رجل عجوز يعزف بحزن مقطوعته المعهودة في محاولة يائسة لمواساة وحدته ودفع عجلة الماضي بلحن الحاضر الواهن الهرم.
أَسألُني من حين لآخر، ولا أدري ما الداعي لهذا الغضب و التوتر والإنفعال؟
غير قادر على إيقاف شيء، على كبت مشاعري المتدفقة و إرتباكي الواضح وضياعي الداخلي، مقيد بلا قيد.
أحيانا أحاول التخلص منك بارتدائي لمعطف الأنانية و الكبرياء المزيفين وأقول مع نفسي أني لن أسأل عنها مجددا، لن أرسل لها، لن أكتبَ حرفاً بعد اليوم.
و لا يمضي يوم أو إثنين، حتى أعود مجددا راكضا نحوكِ أحمل قلمي بأصابع مرتجفة يهزها الشوق و أَشْرعُ في الكتابة لك، عن أي شيء كان، مثل طفل صغير يحكي لأمه عن تفاصيل يومه البسيطة، المملة.
يا لي من غبي، أَعِدني دائما و أُخلف الوعد أمامكِ.
ليتني استطعتٌ أن أنساكِ، أن أغرق لوحدي و أترك لكِ السفينة و الحياة و الشاطيء و اليابسة لتواصلي بدوني.
رغم أنكِ تفعلين حقا، ولكن من بإمكانه إقناع ذلك المغفل بداخلي بأنك لن تكوني لي يوما و لن تعودي إطلاقا؟
من؟
وسط زحمة مشاعري و اتّقاد أفكاري، تأتيني مكالمتها المفاجئة لتسرقني منكِ، لتحميني من مُخَلّفات صمتكِ و غيابكِ.
هي غريزة الأم لبّت نداء صغيرها، و ها قد أتت مسرعة لنجدتي مني و منكِ و من جل مشاعر الحب اللعينة التي كانت تقودني للهاوية دون أن أدري.
يأتي صوتها مثل لحن هاديء يربت على قلبي وروحي و يطفيء حرائق الحرف بعقلي و يُعدل مزاجي و نبضي، و يطمئنُني و يذكرني أني مازلت أستند على جبلٍ بظهري و سيضل دائما متكئي و حضني والصدر الذي أرتمي إليه كلما تعثرت.
كيف حالكَ؟
إشتقت إليكِ أيها الشقي، ما هذا الإنقطاع الطويل؟
لماذا تجعلني أقْلق عليكَ دائما؟
لقد كانت أسئلة أُمي، الأسئلة التي كنت أبحث عن إجابة لها منكِ طوال الوقت .
الأسئلة التي لم أطرحها يوما، ولكنني كنتُ أخبؤها بين سطور رسائلي عن عيون الحمام الزاجل وفضول ساعي البريد الدائم .
ليتني استطعت أن أجد من يجيب عن أسئلتي مثلما وجدتِ يا أمي، ليتني.
لست بخير هذا كل ما في الأمر، متعب قليلا.
هكذا كنتُ أُجيبها عادة.
كنتُ أستحي مِنْ أن أقول لها من التفكير فيكِ يا غابرييل، وأُرجع السبب دائما لعملي اليومي، وجوّ الصّيف الخانق و حرارته المرتفعة، كم أمقتهُ.
لم أقلْ أنكِ كنتِ وراء كل ما يحصل معي يا عزيزتي.
بعد تفكير مطول بيني و بيني، قررتُ أن أوقف هذه المهزلة نهائيا، و أكسر أصابع ذلك المغفل الذي لا يتوانى عن سرقة أقلامي لأجل أن يكتب شيئا لم يعد له فائدة، أن يرسل رسائلا معطرة بالحب و الشوق لشخص لا يملك أنفا..
أحمق.
أي أحمق أنا.
لن أُراسلكِ مجددا.
هذا ما أتمناه.
أعتقد أني وصلت للمنتصف المميت الذي قال عنه محمود درويش:
لا تستطيع أن تقترب و لا أن تبتعد
ولا تستطيع أن تنسى و لا تستطيع أن تتجاوز، فأهلا بك في المنتصف المميت الذي لاحول لك فيه و لاقوة.
كوني بخير
آرثر
-
Abdelghani moussaouiأنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي