التوسط
يقال إن الفضيلة هي التوسط بين ضدين الإفراط والتفريط أي التوسط بين الإفراط في الزيادة، والتفريط أي النقص ، فتكون الشجاعة على سبيل المثال هي الفضيلة بين رذيلة التهور و رذيلة الجُبن ، لذلك عندما أراد الله مدح أمة محمد ( ص ) قال في كتابه { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً ... } ، وكما يُقال كذلك ( خير الأمور أوسطها ) ، إذن يجب أن نتخذ هذا الوضع - التوسط - في أمور و مجالات حياتنا ، سوف أتكلم عن التوسط في أمر مهم جداً في حياة كل شخص منا و لكن الوضع الوسط الذي سأذكره ليس بين ضدين و إنما بين أمرين يكمل أحدهما الآخر ومع ذلك يركز أغلب الناس على جانب و يهملون الجانب الآخر .
هذه مقدمة بسيطة ذكرتها تمهيداً لطرح الموضوع الذي أنا بصدد بيان تفصيله ، من الملاحظ في الوطن العربي أن أغلب الناس وخصوصاً فئتي الشباب و الكبار ينقسمون إلى ثلاثة أقسام في تسيير شؤون حياتهم الشخصية ، القسم الأول هم من يهتمون بالقراءة و التعلم و المعرفة و الدراسة و من ذلك وصلوا لمرحلة محددة من الوعي و الإدراك ، و القسم الثاني هم من اهملوا التعليم لكنهم احتكوا بالحياة و تعلموا من خلال الخوض في تجارب عديدة والتي أدت لخلق وعي و إدراك لمستوى معين ، فالذين في القسم الأول لديهم خبرة كبيرة في أمور التعليم و في الأمور التي لها علاقة بالتخصصات و لها علاقة بسوق العمل ...الخ ، و القسم الثاني لهم خبرة في أمور السفر و في عالم السيارات و جميع لوازم البيت و المتاجر ذات الأسعار المخفضة و إقامة علاقات مع الآخرين ...الخ باختصار لديهم إدراك للحياة الواقعية .
جميلٌ أن يكون الفرد في إحدى هاتين الفئتين فالأولى اهتمت بتثقيف نفسها و الثانية تعلموا مباشرةً من الحياة الواقعية ، لكن إن نظرنا بتعمق أكثر وأدق سنرى أن الذين في الفئة الأولى يحتاجون في مواقف عديدة إلى الذين في الفئة الثانية و العكس صحيح كذلك ، سأذكر مثالين بسيطين يوضحان الفكرة التي أود طرحها ، أغلب الذين تعلموا مباشرةً من الحياة غالباً لا يعلمون الكثير عن سوق العمل فتراهم عند منعطف حياتهم أو حياة أبنائهم يبحثون عمن يساعدهم في اختيار التخصص و في اختيار الجامعة الأفضل و في اختيار العمل الأمثل وربما يذهبون للشخص الخاطئ لطرح هذه التساؤلات عليه و بالمقابل تجد أغلب الذين يهتمون بالدراسة كثيراً عندما يصيب سياراتهم خلل بسيط يهرعون سريعاً إلى إنفاق أموالهم لإصلاح سياراتهم بالرغم أن في بعض الحالات لا تستدعي كل هذا القلق و الإنفاق .
و الآن سأتحدث عن الفئة الثالثة و هي الفئة المتوسطة أي الفئة الأفضل ، و هم من يجمعون ما بين الدراسة و المعرفة و ما بين التعلم من خلال الخوض في التجارب ، فتراهم يملكون أفضل ما لدى الفئة الأولى وهو اهتمامهم بالعقل و أفضل ما لدى الفئة الثانية ألا وهو اعتنائهم بفكرة العمل - لا أقصد بكلمة العمل معنى الوظيفة وإنما المقصود هو التحرك وعدم الكسل و الخمول - هؤلاء من يصلون إلى مرحلة عميقة متقدمة جداً من الوعي و الإدراك ، و هم الأكثر نجاحاً في حياتهم ، لكن يا للأسف هم الفئة الأقل من حيث الكم مقارنةً بالقسمين الأول و الثاني ، فأنا أدعوا نفسي أولاً - ليس من باب التواضع لأنني شخصياً أُصنف نفسي من الفئة الأولى - و أدعوكم للإنضمام للفئة الثالثة فهي الأفضل للوصول لمستوى عالي من الوعي و الإدراك و للننهض بمجتمعاتنا و نزيل التخلف عنها .
عمار محمد
-
Ammarعمار محمد علي ، طالب جامعي محب للعلم