الانقسام الفلسطيني - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الانقسام الفلسطيني

المناقشات والتناقضات داخل فلسطين في سياق الحوار الإسرائيلي الفلسطيني بحث رسالة دكتوراه جامعة يريفان الحكومية ارمينيا المناقشات والتناقضات داخل فلسطين في سياق الحوار الإسرائيلي الفلسطيني بحث رسالة دكتوراه جامعة يريفان الحكومية ارمينيا

  نشر في 14 أبريل 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

المقدمّة

قضايا البحث وأهدافه:

القضية الفلسطينية بالشكل الطبيعي يجب أن تتأثر بالواقع المحيط بها من كافة النواحي. فالمنطقة العربية والعالمية تعصف بها الكثير من المتغيّرات بخاصة السلبية، وبالرغم من كل التعاطف الشعبي العربي مع القضية الفلسطينية، إلا أنها تتجه نحو التراجع الواضح بسبب الواقع العربي الرسمي والمواقف ضد الشعب الفلسطيني وقضيته. وفي ظل هذا الوضع الصعب، فإن الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه، يعمل جاهداً للخلاص من الاحتلال وبناء دولته المستقلة وانجاز الثوابت الوطنية.

من هنا نؤكد بأن الأسباب كثيرة محلية ودولية وإقليمية قد أطاحت بقيمة وسمعة القضية الفلسطينية وأبعدتها عن دائرة الاهتمام المباشر، كما وأن غياب المواقف الدولية تجاه سلوكيات اسرائيل واستمرارية غطرستها وتعدياتها الاستيطانية والاستيلاء على الاراضي بغير قانون وعملية تهويد المقدسات والتضييق على فلسطينيي إلـ48 والاستمرار بتهويد أراضيهم كما يحصل في النقب والتوسع في مناطق الغور الفلسطيني وتغيير الوقائع على الأرض، الذي ينذِر بتكريس حقائق جديدة ومعالِم جديدة على الأرض، مما يؤدي الى اختزال القضية الوطنية لشعب فلسطين بمسائل جزئية بعيدة عن الواقع المؤلم والحقوقي امام صمت عالمي وعربي واقليمي.

لذلك يمكن القول إن الأسباب الفلسطينية هي العامل الأول الحاسم في تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية على المستويات المتعددة، فلو كانت الأوضاع الفلسطينية عكس ما هي عليه الآن، لما كان أوسلو، ولكانت الوحدة الوطنية متجذرة ولتم تجاوز الانقسام، والتمسك المطلق بالحقوق الوطنية الفلسطينية وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية.

من الواضح أنّ الآراء الداخلية والخارجية حول القضية الفلسطينية في الغالب الأعم تختلف عن بعضها إلى حد كبي. بالتالي من المهم إظهار آراء عرب داخل فلسطين حول المسائل ذات صلة بماضي القضية وحاضرها ومستقبلها.

الأهداف الرئيسية بالبحث تتمثل في:

1- البحث في ظروف ونشأة القضية الفلسطينية والفصائل بخاصة حركتي حماس وفتح وخلفياتهما السياسية، وتأثيرات ذلك على الواقع الفلسطيني.

2- البحث في الخلافات والمواجهات القائمة بين الفتح والحماس، وفرص التصالح ومستقبل تسوية النزاع الفلسطيني.

3- البحث في عملية السلام الجارية في الساحة الفلسطينية بخاصة بعد اوسلو ومواقف الأطراف الفلسطينية من العملية السلمية ومستجداتها وانعكاساتها.

4- البحث في موقف عرب الداخل من الانقسام الفلسطيني وآفاق الحل له وموقعهم من العملية السياسية الفلسطينية ومن عملية السلام.

5- البحث في المواقف والقرارات العربية والدولية بشأن القضية الفلسطينية بخاصة بعد أوسلو والانقسام في الساحة الفلسطينية.

6- البحث في الردود الفلسطينية الداخلية والخارجية، والعربية والدولية على قرار ترامب خول اعتراف القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة من تل أبيب إلى القدس.

أهمية المشاكل المدروسة في البحث

قد تدفع نتائج البحث والقضايا الرئيسية التي تم الإشارة أليها في البحث الزعماء الفلسطينيين المشاركين في النضال الخارجي أو الداخلي إلى إعادة النظر في مواقفهم وخططهم لحل القضية الفلسطينية باستخدام المواقف الجماعية للجماهير في مختلف الأراضي الفلسطينية. لذا أجريت مقابلات مع مسؤولين سياسيين فلسطينيين في الداخل والضفة الغربية لتعكس الرأي العام الفلسطيني على أكمل قدر الإمكان، وأعطى ذلك البحث أهمية وقيمة كبيرة.

يمكن أن يقدم البحث إلى الرأي العام العالمي الواقع الفلسطيني الحالي ، لتحسين وجهات النظر حول الاتجاهات الحالية ، والشروط المسبقة ، والوقائع والمشاكل في الساحة الفلسطينية. تتمثل أهمية المشاكل المدروسة في هذا البحث في الامتدادات والارتدادات التي وقعت بها القضية الفلسطينية وتطورها، والسرعة بحضور التغيّرات على الواقع الاجتماعي والسياسي والديموغرافي الفلسطيني.

ما يقدمه البحث من جديد

هناك العديد من الابحاث والدراسات حول القضية الفلسطينية، إنما بخصوص المستجدات على الساحة الفلسطينية فإننا من أوائل الباحثين الذين يطرقون هذا الموضوع بخصوص اتفاق اوسلو وآثاره على الساحة الفلسطينية وحدوث الانقسام والذي مضى عليه اكثرعشرة سنوات والمخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية، كما وأنه ولأول مرة يتم التطرق لتفاصيل وتبعات اتفاق اوسلو على مجمل شتات الشعب الفلسطيني ومواقفه والبحث عن حلول للخروج من الأزمة السياسية القائمة على الساحة الفلسطينية. فقلّة المصادر والدراسات والابحاث إضطرتنا لخوص هذه التجربة ميدانياً للوصول لموقف أقرب واكثر وضوحاً من قبل الجماهير الفلسطينية بخاصة في مناطق السلطة الفلسطينية ولدى عرب الداخل، والمواقف والقرارات العربية والدولية.

فللمرة الأولى تم التطرق على قرار ترامب حول إعلان القدس عاصمة إسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها وردود الفعل الإسرائيلية والعربية الإسلامية، والدولية.

منهجية البحث

يعتمد البحث على الأسس المعرفية للبحث العلمي، ومناهج البحث التاريخي والتحليلي، وعلى عدة أساليب بحثية وذلك لضمان الوصول لدراسة بحثية متكاملة ومتسلسلة وللحصول على أفضل النتائج.

الحدود الزمنية للبحث

إن الحدود الزمنية للبحث تركزت بالأساس على الفترة التي تم بها توقيع اتفاق اوسلو وما بعدها، وطبعا تم العودة لبدايات ظهور العقدة الفلسطينية كتوطئة للبحث وظهور الحركات السياسية الفلسطينية العديدة منذ بدايات القرن الماضي مروراً بإعلان دولة اسرائيل ولاحقاً النكبة الفلسطينية التي نجم عنها تشريد الشعب الفلسطيني لأماكن متعددة من العالم.

تحليل المراجع

استخدمت في الرسالة العديد من المراجع والدراسات باللغة العربية والبعض منها منشورا على بعض المواقع الالكترونية. وهنا نستعرض بعض المراجع التي تم العودة لها بالاضافة الى لقاءات مع عدد من الشخصيات البارزة في مناطق إلـ 48 : محسن صالح محمد، مصطفى مراد الدباغ، ماهر الشريف، محمود العالول، إيلان بابيه، جميل هلال، عواد جميل عبدالقادر عودة، ماجد كيالي، زياد عمرو، يوسف هيكل، عصام مخول، ابراهيم ابو جابر واحمد الطيبي.

للإنصاف فإن هناك عشرات الشخصيات والكتاب الذين تم الاعتماد على ابحاثهم ومؤلفاتهم ولقاءاتهم، انما نستعرض بعضاً منهم لإثراء البحث والدراسة، ونبدأ من محسن صالح محمد الاستاذ المشارك في تاريخ العرب الحديث والمعاصر والمتخصص في الدراسات الفلسطينية وتطور القضية الفلسطينية وخلفياتها والذي أثرى المكتبة الثقافية والسياسية بمؤلفاته وأغنى بحثنا بأفكاره من خلال تركيزه على المفاصل الاساسية في الحياة السياسية الفلسطينية بخاصة الدور البريطاني وفرنسا في اتفاقية سايكس بيكو وما آلت إليه الحالة السياسية وانعكاساتها على الشعب الفلسطيني، مصطفى مراد الدباغ والذي تشهد له المكتبة بدوره في تناول قضايا الشعب الفلسطيني حيث يعتبر عَلَماً من أعلام التربية والثقافة والتاريخ في فلسطين ومن اشهر مؤلفاته "بلادنا فلسطين" المكوّن من أحد عشر جزءاً حول فلسطين وتاريخها ومعالمها، حيث استفدنا من دراساته لإثراء هذه الدراسة، والتي ركزت على الجزء المهم حول وعد بلفور الذي منحته بريطانيا لليهود، ماهر الشريف المؤرخ والباحث الفلسطيني الذي ركز في كتاباته حول التاريخ والفكر المعاصر وحول الحركات الفلسطينية السياسية ودورها في النضال منذ البدايات ومدوناته حول نشأة فتح ومنظمة التحرير والارهاصات التي وقعت نتيجة الحالة الزمنية التي ظهرت فيها، كما وكان لنا لقاء مع القيادي الفلسطيني عن حركة فتح، نائب رئيس حركة فتح محمود العالول بتاريخ 5/5/2016 الذي ركز على قضية الاسلام السياسي وطرق معالجته للشراكة السياسية والقضايا الوطنية وكيف ينحو منحىً بعيدٌ عن المنطق الوطني وتحدث بقضايا كثيرة تخص القضية الفلسطينية، ولقاء آخر مع المؤرخ إيلان بابيه من اليسار الاسرائيلي الذي ركز على تاريخ الصهيونية وآفاق تطلعاتها ومخاطر وضع القضية الفلسطينية جرّاء ذلك، جميل هلال الباحث والكاتب الاجتماعي السياسي الفلسطيني والذي كتب حول النظام السياسي الفلسطيني ما بعد اوسلو وارهاصاته بدراسات تحليلية للواقع الفلسطيني ومخاطره، والصراع على السياسة والسلطة، عواد جميل عبدالقادر عودة المتخصص في التخطيط والتنمية السياسية، والذي ركز على الاشكالية بالعلاقة ما بين فتح وحماس وأثر ذلك على التحوّل السياسي في فلسطين، وانعكاس الاختلاف الايديولوجي ما بين الحركتين على توتير حدة الصراع، ماجد كيالي الكاتب والمحلل السياسي والذي ركز على الصراع العربي الاسرائيلي وبحث في الصراع الفلسطيني على السياسة والسلطة، كيف ابتدأ الصراع وما آلت اليه الامور ومحاولات رأب الصدع ما بين أطراف النزاع والصراع في الساحة الفلسطينية، زياد عمرو السياسي والكاتب الفلسطيني والمختص بالفكر والممارسة السياسية الاستراتيجية والحركات الدينية الاسلامية، والذي يتحدث عن نشأة حماس ما قبل اعلان ميثاقها وظهورها المفاجيء في الساحة الفلسطينية وشبّه نشأتها بالولادة القيصرية للحركة. يوسف هيكل مؤرخ وسياسي وقانوني ركز في كتاباته على القضية الفلسطينية وتطورها التاريخي منذ البداية مروراً بالنكبة عام 1948 ودور الجيوش العربية في تلك الفترة ولاحقا عن التشتت الفلسطيني وتأسيس الحركات السياسية وفي مقدمتها منظمة التحرير ودورها على المستوى العالمي بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.

وفي البحث تم الاستفادة من اللقاءات والبحث الميداني مع العديد من الشخصيات الفلسطينية من مناطق إلـ48 نقتصر التحليل لبعضهم.

أهمية البحث التطبيقية

إن أحكام البحث والقضايا التي طرحها لأهميتها تقتضي أن تنعكس سياسياً على القيادات الفلسطينية التي تخوض الصراع الخارجي وكذا الصراع الداخلي لتعيد النظر بمواقفها وخططها تجاه حل القضية الفلسطينية. كما يمكن أن تساعد للباحثين والمؤسسات التي تقوم ببحوث سياسية في تحاليلها المقارنية.

يمكن أيضا للمؤسسات الأرمنية المختصة الاستفادة من الخبرة الفلسطينية.

تجربة البحث

تم نشر ست مقالات حول استهدافات البحث وركائزه في مجلة "بحوث في الدراسات العربية" لقسم الدراسات العربية لجامعة يريفان، مجلة "بحوث في الدراسات الشرقية" لكلية الدراسات الشرقية لجامعة يريفان، |مجلة أرمنية للجراسات السياسية" لجامعة يريفان للغات والدراسات الاجتماعية، في مجلة "الحصاد". كما وتم نشر سلسلة مقالات "تسعة عشر مقالاً" حول الموضوع في "تاريخ فلسطين الحديث" في صحف محلية وفي موقع الكتروني "الفيس بوك".

تركيب البحث

يتكون البحث من المقدمة وأربعة فصول والاستنتاجات.

في المقدمة تم تقديم الأسئلة الأساسية للبحث، والأساس المنهجي للدراسة، وأهمية الموضوع المدروس، وأهداف البحث وأغراضه، وتحليل المراجع الموجز.

ففي الفصل الأول يتم التطرق لخلفيات القضية الفلسطينية منذ ظهور الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر والتطورات السياسية بعد قيام دولة اسرائيل. ويتطرق لظروف نشأة منظمة التحرير الفلسطينية والتطورات اللاحقة ونشأة حركة فتح وموقف الحركات والاحزاب العربية في تلك الفترة من الحركة وموقف الحركة أيضاً من النظام السياسي الفلسطيني وصنع القرار.

أما الفصل الثاني فيتطرق الى نشأة حركة المقاومة الاسلامية "حماس" وموقفها من منظمة التحرير الفلسطينية ومن اتفاقية أوسلو ومن عملية السلام والتحول السياسي على الساحة الفلسطينية. كما ويتطرق الى الفكر المعارض عند حماس وبداياته وتطوراته وموقف الحركة من التفاوض مع اسرائيل بشكل عام.

الفصل الثالث يتحدث عن الحوار السياسي والفكري بشكل عام وتفاصيل الصراع بين حماس وفتح وأسباب وجذور الخلافات السياسية بين الحركتين وباقي الفصائل. ويتحدث أيضاً عن رأي عرب الداخل من اسباب الانقسام الفلسطيني في بحث ميداني استطلاعي وموقفهم من اتفاقيات السلام والانقسام ودورهم ورؤياهم بالحلول واستقلالية القرار الوطني الفلسطيني.

في الفصل الرابع التركيز على قرار ترامب حول إعلان القدس عاصمة إسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها وردود الفعل الإسرائيلية والعربية الإسلامية، والدولية. كما تم التطرق على آراء بعض فلسطينيين من الداخل حول هذا القرار.

وفي الاستنتاجات تمثل نتائج البحث.

الفصل الأول

نشأة منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية وتطويرهما. نظرة من الداخل.

1.1 بداية القضية الفلسطينية وقيام دولة اسرائيل

بدأت الأطماع الاستعمارية تتجسد في أرض فلسطين منذ بداية الحرب العالمية الأولى عندما انحازت تركيا إلى جانب المحور (ألمانيا، النمسا) ضد الحلفاء (بريطانيا، فرنسا، روسيا) وقد كانت فلسطين من ضمن ممتلكات الدولة العثمانية ، فسعت الدول الاستعمارية إلى تقسيم الوطن العربي ووضع جسم غريب فيه كي يعمل على تفككه ، فجاءت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م ، ولجأت الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا إلى وضع الترتيبات الاستعمارية بينهم، من خلال توقيع اتفاقية سايكس بيكو التي وقعت في عام 1916، والتي كانت في البداية بين بريطانيا وفرنسا وانضمت اليها روسيا، لكن هذه الاتفاقية بما جاء فيها تتنافى مع الوعود التي قطعتها بريطانيا قبل ذلك للشريف حسين، وكذلك سرعان ما انكشفت هذه الاتفاقية السرية من قبل روسيا بعد الاطاحة بالحكم القيصري في روسيا، وهذا ما يضاف إلى الأسباب والمبررات للصراع في الشرق الأوسط .

وقعت اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا على اقتسام الدول العربية الواقعة شرقي المتوسط عام 1916. وتم الوصول إليها بين أبريل/نيسان ومايو/أيار من ذلك العام على صورة تبادل وثائق بين وزارات خارجية الدول الثلاث (فرنسا وإنجلترا وروسيا القيصرية).

وتعد هذه الاتفاقية المسمار الأول الذي دق في نعش الوحدة العربية، وتجاهل حقوق العرب حتى في بلادهم ، فاصبح العرب ولا سيما عرب فلسطين كالمستجير من الرمضاء بالنار، حيث علقت آمالهم على الدولة العربية التي وعدت بها بريطانيا للعرب بعد اعلان الشريف حسين الحرب على الدولة العثمانية ومساندة بريطانيا في الحرب ضد الدولة العثمانية، فكانت مجموعة رسائل متبادلة بين الشريف حسين بن علي أمير مكة المكرمة مع المندوب السامي البريطاني السير آرثر هنري مكماهون للتفاوض حول شكل الدولة العربية التي سيمنحها بريطانيا للعرب بعد ثورتهم على العثمانيين ومساعد بريطانيا في انهاء الدولة العثمانية. ولم تسفر هذه الرسائل عن منح العرب أية مطالب إذ عمدت بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى إلى الاتفاق مع فرنسا على تقاسم الوطن العربي وهو الاتفاق الذي عرف باسم سايكس بيكو، وكان نصيب الشريف حسين من ثورته تمجيد القوميين والغربيين له في كتب التاريخ بوصفه قائد الثورة العربية الكبرى. ومن هنا فقد بددت هذه الاتفاقية طموحات وآمال العرب، ومزقت البلاد العربية بعد تقسيمها فيما بينها دون الالتفات إلى المصالح العربية بمقدار ما كانت مصالحها هي التي تعمل على تحقيقها في البلاد العربية .

ثم جاءت المرحلة الأخرى من المفاصل التاريخية التي بددت أحلام وآمال العرب وطموحاتهم، وهو وعد بلفور في 2 تشرين الثاني من عام 1917م، ذلك الوعد الذي قطعته بريطانيا على لسان وزير خارجيتها بلفور لليهود باقامة وطن قومي لهم في فلسطين، متجاهلين وعود بريطانيا للعرب بالدولة العربية التي تضم آسيا العربية، والذي كان اقترحه هربرت صموئيل على حكومة بريطانيا مبيناً الفوائد التي ستجنيها بلاده من خلال تأسيس دولة يهودية في المنطقة .

كانت ردة فعل الشعب العربي الفلسطيني على هذا الوعد هو التصدي والثورة ضد البريطانيين واليهود باعتبار أن هذا الوعد يمنح من قبل شخص لا يملك، لشخص لا يستحق متجاهلاً وجود السكان العرب في البلاد، مما دفع بالشعب ووجهائه إلى رفع العرائض إلى عصبة الأمم من أجل التصدي لهذا القرار، وما كان من عصبة الأمم إلا المباركة لتفرض بريطانيا انتدابها على فلسطين، وذلك من أجل تمهيد الأجواء وتهيئتها لليهود لإقامة دولتهم الموعودة بها. وقد وصل"هربرت صموئيل" فلسطين في 30 يونيو 1920 م، وذكرأنه كان عازماً على إنشاء مجلس استشاري من موظفي الحكومة إلى جانب عشرة أعضاء من الطوائف الثلاث، وفعلاً تم إنشاء المجلس، إلا أنه منذ إنشائه كان مشلول الإرادة، بحكم السيطرة البريطانية عليه ، وعمل "صموئيل" على فتح أبواب الهجرة اليهودية على مصراعيها إلى فلسطين أمام يهود العالم. ففي خمس سنوات دخل فلسطين حوالي خمسين ألفاً منهم، واللافت للنظرهو أن آخرالحكام العسكريين البريطانيين كتب يقول: "إن حاخام اليهود الأكبر في فلسطين "إبراهيم اسحقكوك" ومجلس الربانيين اليهود أن اليهود قد تسلموا جمعية المسجد الأقصى .

أرسلت لجنة أمريكية من أجل التحقيق في مدى قبول أو رفض السكان الفلسطينيين لوعد بلفور والتي كشفت النقاب عن رفض العرب لوعد بلفور جملةً وتفصيلاً، ورفعت النتيجة إلى عصبة الأمم التي اعتبرت ذلك باطلاً، لكن بريطانيا لم تهتم بتقرير اللجنة واستمرت في تنفيذ مخططها " رغم اعترافها بأن البريطانيين في فلسطين يواجهون مواطنين محليين يُهيمِنُ عليهم السخط الشديد بدافع الشعور بالغبن .

نشطت الحركات السياسية والوطنية والشعبية الفلسطينية في المقاومة للاستعمار البريطاني الذي يمهد لاستعمار صهيوني يهودي على أرض فلسطين، وقد قمعت بريطانيا هذه الثورات بوسائل عدة، ومن أشهر تلك الثورات، ثورة القدس1919، ثورة يافا 1920، ثورة عام 1929 البراق، ثورة عام 1933، وثورة عام 1935-1936 ، وهذه الثورات كانت تهدف إلى افشال مخططات الاستعمار في البلاد ولا سيما القدس والمقدسات الاسلامية الرامية اسرائيل إلى تهويدها وما زالت تقوم بذلك .

نتيجة لتلك التطورات أصدرت عصبة الأمم قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، أحداهما عربية والأخرى يهودية وتكون القدس دولية، وهذا القرار لم يقبل به الأردن ومصر وسوريا والجامعة العربية. هذا القرار من أول محاولات الأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية، ويتبنّى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة .

بينما طبقت إسرائيل القرار فسارعت إلى احتلال للجزء الذي خصصه القرار لها، وبهذا نشبت حرب عام 1948 التي كانت نتيجتها هزيمة الجيوش العربية وتشريد الفلسطينيين عن أرضهم. ومن هنا وفي عام 1948 وبعد انتهاء صك الانتداب البريطاني على فلسطين، وفي اللحظة التي قرر الانتداب البريطاني ترك فلسطين، قامت إسرائيل بإعلان دولتها على الارض الفلسطينية وبدأت حلقات الصراع تتمحور على أرض فلسطين بين الصهاينة وبين الفلسطينيين .

1.2 ظروف نشأة منظمة التحرير الفلسطينية والتطورات اللاحقة

إن التطورات التي عصفت بالواقع الفلسطيني لاحقاً وأدت الى تشتت وتقسيم الأرض الفلسطينية وأصبحت مستباحة للأطراف العربية المجاورة، حيث تم اعلان ضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية للأردن والذي أصبح يعرف باسم الضفة الغربية لنهر الاردن عام 1951، وكذلك وضع الجزء المتبقي الآخر من الأرض الفلسطينية تحت الوصاية المصرية والذي أصبح يعرف بقطاع غزة في عام 1953.

في هذا الواقع الجديد ظهرت بعض الحركات التحررية الفلسطينية مثل "أبطال العودة" و"جيل الثأر" كتعبير عن الواقع الجديد واستجابة لضرورات النضال الوطني، إضافة للدور الكبير الذي سطّره الشيوعيون الذين تشتتوا كما أرضهم وقضيتهم في تلك البقاع، والذين أشعلوا فتيل المواجهة مع كافة أطراف الصراع التي استهدفت القضية الفلسطينية. ولاحقاً، بدأت تتبلور فكرة قيام منظمة او تنظيم يجمع كافة الحركات النضالية الفلسطينية في إطار موحد للانطلاق نحو أهداف النضال والتحرر. وبهذا تم التوافق على إعلان إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 حيث كان أحمد الشقيري أول رئيساً لها، وبهذا الانبعاث الجديد بدأت الرجعية العربية بالمحاولات الجادة للسيطرة على تلك المنظمة، الا أن القوى الوطنية المشاركة بها ومن خارجها أيضا عملت على كسر محاولات الهيمنة تلك. وما حرب إلـ 1967 أي ما سميت بالنكسة الا أحد أعمدة التغيير، فزادت المقاومة المسلحة والتوجهات نحو مرحلة جديدة للنضال الفلسطيني. حيث عزمت الانظمة العربية للهيمنة على المنظمة من خلال التدخل المباشر بكيفية التمويل المالي والشروط التي وضعتها تحت مسمى دعم القضية الفلسطينية، لكن هدفها هو احتوائها وتوجيهها نحو اهدافها الفعلية غير الداعمة للقضية الفلسطينية، ولا زالت تلك الانظمة حتى يومنا هذا تعمل على إجهاض كل الوسائل التي تهدف الى تحرر الشعب الفلسطيني واستقلاله التام.

تتميز الفترة الواقعة بين 1967-1987، ببروز الهوية الوطنية الفلسطينية، أي: الاعتماد على النفس واخذ زمام الأمور من الدول العربية وظهور منظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني بشكل رسمي وبقيادة الفصائل الفلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية وبنجاح المنظمة في تحقيق الاعتراف بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وتحصيل مقعد كمراقب في الأمم المتحدة ، وهي فترة تتميز أيضا بتراجع البعد العربي للقضية الفلسطينية وأغلاق حدود دول الطوق في وجه العمل الفدائي الفلسطيني وانتهاء حقبة الحروب العربية الرسمية مع إسرائيل ودخول مصر في تسوية سلمية مع "اسرائيل" وترافق خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن وغرقها في مستنقع الحرب الأهلية في لبنان ثم اخراجها من لبنان سنة 1982 مع ميول متزايدة لدى القيادة الفلسطينية للعمل السياسي والحلول المرحلية وإقامة الدولة الفلسطينية على أي جزء يتم تحريره من فلسطين.

وفي الوقت نفسه شهدت هذه الفترة تصاعد التيار الإسلامي الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، حيث أصبح يشكل قوة شعبية لا يستهان بها، وظهرت معالمها في المساجد والمدارس والجامعات والنقابات ومؤسسات العمل الخيري، كما ظهرت النواة الأولى للعمل العسكري الاسلامي المقاوم.

احدثت حرب 1967 جرحاً غائراً في الكرامة العربية، فحاولت الأنظمة العربية استيعاب الصدمة واستعادة ثقة الجماهير بها، واجتمع الزعماء العرب في الخرطوم ما بين 29/8 و 1/9/1967 والذي أسمي بمؤتمر أو قمة اللاءات الثلاث، معلنين أن لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بالكيان الإسرائيلي، وتعهدت الدول العربية بدعم دول الطوق لإعادة بناء قواتها المسلحة، ودخلت مصر وسورية في حرب استنزاف مع إسرائيل خصوصاً في فترة أب/ أغسطس 1968 إلى أب/ أغسطس 1970، أسهمت إلى حد ما في إعادة الثقة ورفع المعنويات لدى الجيشين المصري والسوري. واضطرت الانظمة العربية تفادياً لموجات السخط الشعبي وتجاوزاً لحالة الاحباط الناتجة عن حرب 1967 إلى افساح المجال للعمل الفدائي الفلسطيني الذي استطاع أن يبني له قواعد قوية وواسعة بالأردن ولبنان واستطاعت التنظيمات الفدائية الفلسطينية الوصول الى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي اصبحت برئاسة ياسر عرفات منذ شباط/ فبراير، وبرز خط الكفاح الشعبي المسلح وحرب العصابات واكتسبت الشخصية الوطنية الفلسطينية زخماً كبيراً وتمكنت منظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر الزعماء العرب في الرباط في تشرين الأول أكتوبر 1974 من الحصول من الدول العربية على الاعتراف بها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني. وفي الشهر التالي حققت انتصاراً سياسيًا عندما دعي ياسر عرفات لإلقاء خطابه في مقر الأمم المتحدة التي تتعامل مع قضية فلسطين كقضية لاجئين فقط، كما حدث طوال العشرين سنة الماضية وأخذت دول عالمية ومنذ 10/12/1969 تعترف بوجود الشعب الفلسطيني واصدرت قرارات في السبعينات تؤيد حق شعب فلسطين في تقرير مصيره، بل واتخاذ كافة السبل المشروعة لنيل حقوقه ومنها الكفاح المسلح .

فخلال فترة السبعينات حقق النضال الوطني الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير مزيداً من التضامن العالمي واتسعت الحملات الكفاحية الجماهيرية داخل وخارج الارض المحتلة وحملات التضامن العربي والعالمي مع القضية الفلسطينية، وتحققت الكثير من الانجازات مثل: رسوخ القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني، زيادة الوحدة الجماهيرية النضالية حول أهداف النضال الوطني في دحر الاحتلال وإقامة الدولة وحقوق اللاجئين، الاجماع الشعبي حول مكانة المنظمة على كافة الاصعدة وعزلة اسرائيل وفضح جوهرها الصهيوني العدواني، القناعة بترسيخ النهوض الشعبي لدحر كافة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، الانعتاق من كافة الضغوطات والوصايات والاملاءات على القضية الوطنية بإعتبارها قضية شعب يسعى للتحرر والاستقلال. ففي الاردن حيث التجمع الكبير للاجئين الفلسطينيين انطلقت مراكز العسكرة والتنظيمات الفلسطينية بهدف النضال لتحرير بلادهم من الاحتلال واستعادة اراضيهم التي هجروا منها، لكن النظام بالاردن عمل بكل الوسائل لإخراج المقاومة الفلسطينية من الاردن وتهجيرها الى لبنان بعد مجازر دامية حصلت بالاردن ما بين المقاومين والجيش الاردني. وفي لبنان وبعد تركز المقاومة وانتشارهها وتعاطف اللبنانيين معها، عمدت بعض القوى الرجعية اللبنانية الى محاربة المنظمة والمقاومة ولاحقا ادى ذلك الى إخراجها من لبنان وانهاء دورها النضالي حيث تم تهجيرهم الى تونس.

وبرغم السعي لتحييد واستبعاد الدور الواضح للشيوعيين في النضال الوطني بخاصة افتقارهم لحزبهم الموحد حيث كانوا مؤطرين بعدة مواقع نضالية شيوعية، الا ان دورهم في كافة الهبّات الشعبية الفلسطينية وتنظيم الجماهير وقيادتها كان واضحاً، وبخاصة في مواجهة العدوان الثلاثي على مصر والقطاع وفي أحداث السمّوع وضد حلف بغداد وكذلك دورهم في إنجاح قيام لجنة التوجيه الوطني والجبهة الوطنية وقيادتهما مع باقي القوى الوطنية والتي خاضت الانتخابات ضد مرشحي الاحتلال من روابط القرى العميلة، وكان لنجاح مرشحي الجبهة الوطنية التي تمثل منظمة التحرير ألاثر الكبير على الشارع الوطني الشعبي وتعزز دورها ومشروعيتها. بفضل هذا الدور للشيوعيين تصاعدت الروح المعنوية الجماهيرية وتشكلت لجان الدفاع عن الاراضي ولجان مناهضة الاستيطان ولجان عدة عملية في الشارع الوطني الشعبي الفلسطيني.

ولاحقا، ونتيجة لتراكم الضغوطات الاسرائيلية وأساليب القمع والاذلال والتركيع التي اتبعتها اسرائيل ضد الفلسطينيين ، اندلعت انتفاضة الحجارة عام 1987م ، حيث تميزت المرحلة الأولى من الانتفاضة بالمواجهات الشعبية الواسعة والاضرابات والمظاهرات ومقاطعة الإدارة المدنية الصهيونية وتنظيف المجتمع من العملاء ومروجي الفساد والمخدرات، وبعد نحو أربع سنوات أخذت تبرز المرحلة الثانية التي شهدت تنامي العمليات المسلحة ضد الاحتلال الاسرائيلي مع تراجع الانشطة الجماهيرية الواسعة، وقد عقدت حركة فتح وحلفاؤها في منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو (ايلول/ سبتمبر 1993) نهاية للانتفاضة فأوقفت فاعليتها، أما الجهات الأخرى وخصوصاً حركة حماس والجهاد الاسلامي فقد استمرتا في فعالياتهما بل وصعّدتا من عملياتهما الجهادية، غير أن تشكيل السلطة الفلسطينية في الأرض المحتلة (أيار/ مايو 1994), أفقد الانتفاضة كثيراً من وهجها كما أفقدها المشاركة الشعبية الجماهيرية اليومية فاقتصر الأمر بشكل أكبر على أعضاء الحركات والتنظيمات.

ملخص

منذ قيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، أصبحت هي الممثل الشرعـــي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي صاحبة القرار الفلسطيني ، وبذلك أصبح لها دور الدفاع عنه، وقد تجسدت بشكل واضح في اعلان الاستقلال في المنفى عام 1988 في الجزائر في 15 تشرين الثاني من عام 1988، وبهذا أصبحت هناك دولة في المنفى تمثلها منظمة التحرير وهي صاحبة القرار الفلسطيني، ولا تقبل الاملاءات أو من يقرر عن الشعب الفلسطيني خاصة بعد فك الارتباط السياسي والاقتصادي بين فلسطين والأردن. وأدى هذا الاعلان الى اعتراف ما يزيد عن 105 دول بالدولة الفلسطينية المعلنة في الجزائر وتم نشر 70 سفيرًا فلسطينيًا في عدد من الدول المعترفة بها.

1.3 نشأة حركة فتح ونشاطاتها

جاءت هزيمة 1948 لتشكل ضربة قاسية للحركة الوطنية الفلسطينية، فقد نتج عن هذه الهزيمة انحلال كافة هذه الحركات، وشتات عدد كبير من الشعب الفلسطيني في البلدان العربية المجاورة وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن الشعب الفلسطيني سرعان ما لملم جراحه وعمل على بعث حركة التحرر الوطنية في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، مستفيدا من التصاعد المستمر في المشاركة الفلسطينية في الحياة السياسية في قطاع غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان ومصر وبقية البلدان العربية، هذه المشاركة أدت إلى ظهور خلايا العمل الفدائي مثل أبطال العودة وجيل الثأر وغيرهما من منظمات سياسية تم دمجها معاً عند تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني–حركة فتح .

وكانت هذه المرحلة بداية نشوء لنظام سياسي فلسطيني، ومن أهم المُعضِلات التي كانت أمام هذه المرحلة هي عملية التحرر الوطني والديمقراطية في مؤسسات المنظمة، إذ كانت بداية المشاركة الفلسطينية في تكوين نظام سياسي له قيادة ومؤسسات ورئيس للجنة التنفيذية والمجلس المركزي والمجلس الوطني الفلسطيني والقضاء الثوري ومؤسسات أخرى منها القوات المسلحة، حيث كانت تمثل الفلسطينيين عامة في الداخل والخارج والاتحادات الشعبية آنذاك .

لم يكن لدى غالبية الفلسطينيين أية ثقة في الأنظمة العربية بعد حرب عام 1948، وكانوا يعتبرون أن هذه الأنظمة كانت تسعى للسيطرة على القرار الفلسطيني، وأنه لا بد من اعتماد الفلسطينيين على أنفسهم من أجل استعادة حقوقهم، وهذا السبب كان من أهم الأسباب التي أدت إلى نشوء حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، إذ كان الإيمان بأن الحكومات العربية تسعى متعمدة للقضاء على الهوية الفلسطينية، يحتل حيزاً مركزياً في تفكير حركة فتح .

في فترة ما بعد النكبة ظهرت حركات ثورية من بينها جيل الثأر وأبطال العودة ومجموعات الحزام الأسود كان من البارزين من قياداتها كل من مصطفى الأسمر ومحمود أبو بكر وأبو علي إياد. لكن عندما اشتد الضغط والعداء ضد العصابات الصهيونية اليهودية تدخل القنصل البريطاني آنذاك في الكويت وطلب من ياسر عرفات حيث كان يعمل كرجل اعمال في الكويت، بأن يعمل على تجميع تلك المجموعات لتشكيل تنظيم يوحدهم وكان الهدف من ذلك مراقبة عمل الجميع وتخفيف الضغط على العصابات اليهودية وليبقوا تحت الرقابة في حركتهم.

يرجع أساس فكرة إنشاء حركة فتح إلى تجربة "جبهة المقاومة الشعبية" والعلاقة التي جمعت الإخوان المسلمين مع الناصريين فيما عرف بكتيبة الفدائيين خلال الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث ظهرت قيادات مثل خليل الوزير وصلاح خلف وياسر عرفات حيث تم تشكيل النواة الأولى لحركة فتح.

تم اعتبار تأسيس حركة فتح في اليوم الأول من كانون الثاني من العام 1965، وهو اليوم الذي نفذ فيه فدائيوها أول عملية عسكرية ضد اسرائيل وتم اعتباره تاريخاً لانطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة .

بدأت حركة فتح بفكرة بسيطة في ظاهرها، في حين تم اعتبارها كحركة تحرر وطني شهد العالم العديد مثلها في دول العالم الثالث، وإذا نظرنا إليها من العمق نجد أنها فكرة تهدف إلى ما يشبه المستحيل، ليس فقط لطبيعة العدو الذي يحتل الأرض وقوته وتشعب وامتداد علاقاته الخارجية، بل لواقع العالم العربي الذي يفترض أن يشكل حاضنة للشعب الفلسطيني، هذا الواقع لم يكن يرغب أو يرحب بالوافد الجديد - حركة فتح. حركة فتح بدأت بفكرة لعدة أشخاص ثم فكرة وفكر لتنظيم ثم مشروع وطني متكامل، وتم إقرار الريادية لحركة فتح من غالبية الشعب الفلسطيني .

تشير الدلائل إلى أن هناك قيادات من حركة فتح نشأت في البداية في أحضان حركة الإخوان المسلمين وفي مقدمتهم ياسر عرفات، ولكن المبادرة بإنشاء هذه الحركة لم تكن بقرار من قيادة الإخوان المسلمين، فقد قام خليل الوزير بتقديم تصور إلى زعيم الإخوان في قطاع غزة هاني بسيسو يقضي بإنشاء تنظيم لا يحمل لوناً إسلامياً في مظهره، ويركز على تحرير فلسطين من خلال الكفاح المسلح، ولكن قيادة الإخوان لم تستجب لهذا التصور، وأهملته نتيجة لسياسة الحذر الأمني والتركيز على التربية حفاظاً على الجماعة من ملاحقة النظام في زمن جمال عبدالناصر لها، ولكن عدداً من الإخوان ممن اقتنعوا بتصور خليل الوزير من أمثال سعيد المزيّن وغالب الوزير ، قاموا بالدعوة للانضمام للحرك.

شكلت نشأة حركة فتح منعطفا في مسيرة الشعب الفلسطيني، ففي الوقت الذي كان النظام الرسمي العربي يعمل على فرض وصايته على القضية الفلسطينية، تجسد ذلك في إنشاء منظمة التحرير عام 1964 بقرار رسمي عربي في إطار المحاولة لفرض السيطرة والهيمنة على القضية الفلسطينية، برزت حركة فتح لتعبر عن شخصية فلسطينية بملامح وطنية مستقلة.

برزت حركة فتح لتعبر عن شخصية فلسطينية بملامح وطنية مستقلة، وتشكل بروز المشروع الوطني الفلسطيني في شكله المعاصر، وبفكر يخالف التيار القومي السائد القائل بأن الوحدة هي سبيل التحرير، حيث أكدت حركة فتح أن التحرير هو طريق الوحدة. وكان التفكير في إنشاء حركة فتح مرتبطاً بأزمة الخيارات داخل التيار الإسلامي الفلسطيني، وخصوصا الإخوان المسلمين في مرحلة المدّ القومي الناصري، إذ بدأت خلايا فتح الأولى في التكوّن، واعية للمفاهيم التي حملتها جبهة التحرير الوطني الجزائرية المتمثلة في الالتقاء نحو هدف وليس حول مفاهيم أيديولوجية، ودعت حركة فتح إلى ضرورة التقاء الفلسطينيين حول أهدافهم الوطنية في التحرير والعودة، بغض النظر عن الخلفيات الفكرية والأيديولوجية، كما ودعت أيضا إلى البدء بالكفاح المسلح كطريق لإنهاض الوضع العربي وتحقيق وحدته لا العكس مخالفة بذلك القرار الرسمي العربي .

وفي أعقاب حرب حزيران / يونيو 1967 شكل الدور النضالي النشط الذي قادته ونفذته منظمة التحرير الفلسطينية من خلال فصائلها في أعقاب حرب 1967، قاعدة لخلق وترسيخ ارتباط عضوي مصيري بين الداخل والخارج الفلسطيني، علاوة على أن النواة الصدامية لمنظمة التحرير الفلسطينية داخل الوطن المحتل والمتمثلة بحركة فتح، كانت جاهزة للقيام بمهمات تفجير عفوي وتحديد أهداف مرحلية وتأكيد على الأهداف التاريخية، كما تم تجسيد هذا المفهوم في انتفاضتي الحجارة 1987 والأقصى 2000 حيث لعبت منظمة التحرير دوراً في الحفاظ على ديناميكية الانتفاضة وتطويرها ودفعها باتجاه تحقيق الأماني المنشودة.

تناقضت طروحات حركة فتح الداعية إلى الحفاظ على الهوية الفلسطينية، وتركيزها على البعد الفلسطيني بقوة، مع المعتقدات القومية لكل من حركة القوميين العرب وحزب البعث، حيث اعتبرت حركة القوميين العرب حركة فتح أنها تحمل تهديدًا مباشرا لعبد الناصر ، وبلَغت أعضاءها أن فتح حركة مشبوهة مرتبطة بحلف) السنتو(، الذي يهدف إلى توريط عبدالناصر في معركة هو غير مستعداً لها، الأمر الذي سيؤدي إلى هزيمته.

فقد اعتبرت الحركة القومية، أن فتح تحمل فكراً قُطريًا، يتعارض ويتناقض مع طروحاتها، وكان لذلك أثرٌ واضح في تكوين فكر خاص لدى حركة فتح، أدى إلى إعطائها شخصية مستقلة، ميَّزتها عن معظم الحركات العربية التي كانت فاعلة في تلك الفترة. حيث أن حركة القوميين العرب كانت تنادي بضرورة الوحدة العربية كطريق وحيد لتحرير فلسطين. وعندما جاءت فتح، تبنَّت فكرة أن تحرير فلسطين هي طريق الوحدة العربية.

قد قامت المنظمة بالإقرار بشرعية التعددية السياسية والاستقلال في القرارات التنظيمية والفكرية والمالية، إلا أن مسألة الديمقراطية بقيت محصورة لاعتبارات عديدة، وانحصرت التعددية فيما عرف بنظام الحصة.

ارتكز التصوّر النظري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" أو بالأحرى نواتها الأولى في البدء، على مبدأ رئيسي يتمثّل في "العنف الثوري"، فباعتبارها حركة وطنية ضمّت مُناضلين من كل منشأ، فقد ارتكزت على بعض المبادئ التي صاغتها لجنة قبل تأسيس الحركة، يُمكن إيجازها في:

- العنف الثوري هو السبيل الوحيد لتحرير الوطن؛

- هذا العنف يجب أن تُمارسه الجماهيرالشعبية؛

- هدف هذا العنف هو تصفية الهوية الصهيونية بجميع أشكالها السياسية والاقتصادية والعسكرية؛

- يجب أن يبقى هذا العمل الثوري الفلسطيني غيرمُرتبط برقابة أحزاب ودول أيّ كانت، بل بثوب وقرار فلسطيني مستقل بعيداً عن التجاذبات العربية والاقليمية.

- بهذا فإن الثورة ستكون فلسطينية في الأصل وعربية في تطورها.

ولم تُحدِث هزيمة العام 1967 أو نتائجها، تغييراً على موقف الرفض الحازم بالنسبة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" لكل "أنصاف الحلول " ومختلف أشكال " التسويات السياسية"، وكانت حول ظاهرة العمل الفدائي في أعقاب الحرب إلى حركة مقاومة مسلحة جماهيرية قد زاد من تصميم فصائل الحركة على إحباط ومُقاومة أي حل سياسي للصراع، وذلك على اعتبار أنّ مثل هذا الحل السياسي سيعني تصفية الكفاح المسلح ومنع الشعب الفلسطيني من الاستمرار في كفاحه حتى يُحرّر كامل التراب الفلسطيني .وكان المنطق الذي استندت إليه حركة "فتح" من أجل تزكية موقفها الرافض لمختلف الحلول السلمية هو أنّ هذه الحلول ستُحطم آمال الشعب الفلسطيني في تحريركامل فلسطين، فالحلول السلمية تتجاهل أنّ القضية هي قضية تحرير الأرض كلها وليست إزالة آثارالعدوان، وتتجاهل كذلك الثورة الفلسطينية كان ذلك ما عبّر عنه الرئيس ياسرعرفات الناطق الرسمي باسم الحركة عبرإذاعة صوت العاصفة .

وقد وضعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني خطة تدريجية تهدف للتغلغل داخل صُفوف منظمة التحرير الفلسطينية والهيمنة عليها، وبالتالي تُصبح هي الممثّل الشرعي للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية. ويبدو أّنها قد بدأت تنفيذ خطتها بعد هزيمة العام 1967 مباشرة، حيث استثمرت أجواء الهزيمة في النُظم العربية المؤيدة لمنظمة التحرير، وكذلك الأمر داخل المنظمة نفسها، حيث بدأت فتح والتي تربطها علاقات داعمة من بعض الانظمة تأخذ دورها في اختراق صفوف المنظمة للهيمنة عليها وذلك بمساعدة التمويل من تلك الانظمة حتى تصبح المنظمة تحت سيطرة وأنظار الانظمة الرجعية وتصبح المنظمة تحت قبضتهم وسيطرتهم سياسيا واقتصاديا، فبدأت بدفع عناصر من حركة "فتح" داخل اللجان المختلفة، ثمّ عملت على تحريك اللجان نفسها بهدف إظهار ضعف القيادة. وعلى الرغم من أنّ "فتح" لم تكُن التنظيم الوحيد المقاتل على الساحة الفلسطينية، لكنها كانت أسبقها وأكثرها تنظيماً، وكان لها معارك مشهودة كمعركة الكرامة في آذار من العام 1968وأكسبها ذلك شرعية من خلال الكفاح المسلح الذي تميّزت به مقارنةً بغيرها، وأصبحت حركة "فتح" منذ ذلك العام التنظيم الأهم في منظمة التحرير، واستحوذت على القسم الأكبر من عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة .

في 1969 انضمت حركة فتح وغيرها من التنظيمات الفلسطينية لمنظمة التحرير، وسيطرت فتح بشكل خاص على المنظمة بوصفها كبرى فصائلها، كما انتخب المجلس الوطني الفلسطيني ياسر عرفات رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير .

في 1970اندلع القتال بين الجيش الأردني ومقاتلي فتح فيما بات يعرف فلسطينيا بأيلول الأسود، وأردنيا بأحداث أيلول وعلى إثر تلك المواجهات المسلحة انسحبت الفصائل الفلسطينية ومن بينها حركة فتح من الأردن، إلى سوريا ولبنان.

في 1973حركة فتح تشارك في معارك حرب أكتوبر 1973 على الجبهة المصرية والسورية.

في 1974دخول مقاتلو حركة فتح في مستنقع الحرب الأهلية اللبنانية.

في 1982 تم ترحيل ياسر عرفات وكوادر فتح ومسلحيها من لبنان نحو تونس، تحت الحماية الدولية. في 1987 اندلعت الانتفاضة الأولى، وكان لحركة فتح دور كبير في قيادة المظاهرات والمواجهات في غزة والضفة الغربية.

وفي 1988 ألقى ياسر عرفات خطابا شهيرا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول، أعلن فيه اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود.

في شهر أب/ أغسطس 1989عقد المؤتمر العام الخامس لحركة "فتح" في العاصمة التونسية، بحضور أكثر من 1000 عضو، وفيه أكد المؤتمر على تصعيد الكفاح المسلح، وعلى تواصل العمل السياسي كخيار استراتيجي وقد تميزت هذه المرحلة من تاريخ فتح بتحولها من حركة مقاومة إلى حزب سلطة، وفي هذه الفترة نمت أجنحة فتح وتكاثرت وسيطرة على منظمة التحرير سيطرة كاملة وفي عام 1991 شاركت حركة فتح ضمن الوفد العربي في مؤتمر مدريد للسلام. ولا بد من ذكر أن للانتفاضة الاولى واستمراريتها كان له الأثر الكبير في اضطرار قيادة المنظمة لتغيير اتجاهها السياسي وقبولها بقرارات الامم المتحدة بنبذها للإرهاب والالتزام بالقرارات الدولية، وفي حال استمرار الانتفاضة كان من المؤكد فقدان المنظمة لسيطرتها على الجماهير الفلسطينية، لهذا عمدت على اعتماد الطريق الجديد، وبالإمكان اعتبار ذلك ايضا بمثابة احتواء للنضال الجماهيري وامتصاص نقمته ولاحقا تجسيده باتفاق اوسلو واتفاقات اخرى ادت الى اجهاض الحركات الجماهيرية المناهضة للاحتلال وإخماد جذوة النهوض الجماهيري.

في 1993 وقع ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين اتفاق أوسلو الشهير، والذي تمخض عن قيام السلطة الوطنية الفلسطينية.

وتنفرد حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" بالسيطرة على الهيئات والمؤسسات المتخصّصة التابعة للسلطة مثل: هيئة الإذاعة والتلفاز، دائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية، هيئة الرقابة العامة، وسلطة النقد؛ إلا أنّ الأهم يكمُن في سيطرتها على أجهزة الأمن والشرطة، بحيث يتشكّل مُعظم كادرها من "فتح"، وخصوصاً من نشيطي الانتفاضة والعائدين من جيش التحرير . كما وتُسيطر حركة "فتح" على الأجهزة التنفيذية والتشريعية وعلى تعيين القضاة، وهي تسيطر على المجلس الوطني الفلسطيني سيطرة تامة، وتجسّد ذلك في الدورة 21 والدورة الاستثنائية لتعديل الميثاق الوطني في نيسان من العام1996 بعد أن تولّى أحد الأعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح رئاسة المجلس خلفاً للشيخ عبد الحميد السائح)شخصية مُستقلة (، وزيادة عضوية المجلس الكلي إلى 730 عضواً مُعظمهم من حركة "فتح" . إضافة إلى كل ذلك فحركة "فتح" تُسيطر بشكل تام على عملية التفاوض مع دولة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي ولجانها المتعددة وتتولى إدارة العلاقات الفلسطينية مع الدول العربية والأجنبية والمؤسسات الإقليمية والدولية.

فمنذ انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" ودخولها في منظمة التحرير الفلسطينية وترؤس ياسر عرفات للجنتها التنفيذية، فإنّ مركز القرار في صُنعه وإنضاجه متمحور في قلب حركة "فتح" التي شكّلت منذ تلك اللحظة مؤثر الإنضاج الكلي في صُنع القرار الفلسطيني .

وقد شهد دور اللجنة التنفيذية الإشرافي تدهوراً ملموساً منذ العام 1993، سواء كان ذلك في عهد الرئيس ياسر عرفات أو الرئيس محمود عباس. كما كان لانتقال اللجنة التنفيذية من تونس إلى فلسطين في العام 1994 أثر بالغ في سير المفاوضات، حيث منح دولة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي أدوات ضغط شخصية مباشرة على أعضاء اللجنة التنفيذية، بمن فيهم رئيسها، ووضعوا قيوداً على حُريتهم في التنقّل من مكان لآخر، وقامت السلطات الإسرائيلية بممارسة التحذير والعقاب على مواقف أو تحركات مُحتملة أو فعلية لهم. كما واختفى الدور الرقابي للمجلس الوطني على اللجنة التنفيذية، ولم يعد للمجلس منذ بداية التسعينيات من القرن العشرين، يُمثّل القوى السياسية الفلسطينية كافة .وبذا، فمع ضعف دوراللجنة التنفيذية وغياب دور المجلس الوطني وغياب المجلس التشريعي، إنحصرالقرار التفاوضي بشكل أكبر من قبل في شخص رئيس اللجنة التنفيذية، ويتم مُمارسة الضغوط الخارجية المكثفة عليه، وخاصة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية .

وإنّ أحد أهم مظاهر الخلل داخل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية تتعلّق في آلية صُنع القرار واتخاذه، وبالتالي فإنّ ذلك يتيح المجال للشك في الكثير من المواقف والقرارات المتعلّقة في الشأن الفلسطيني على أكثر من صعيد، فاتسمت هذه القرارات إلى حد بعيد بالتفرُّد وفرض رؤية مُحدّدة انعكست بشكل سلبي على مسيرة المنظمة وعلى مُجمل حياة الشعب الفلسطيني وقد أشار إلى هذا الأمر الدكتور جورج حبش، الأمين العام السابق للجبهة الشعبية، واعتبر بأنّ قيادة الرئيس ياسر عرفات اتسمت بالفردية، بحيث لم يكُن الموضوع يتعلّق بتحالف طبقات أو قوى على أساس علمي وواضح، وبالتالي دمّرت القيادة الفردية كل شيء يتعلّق بالثورة الفلسطينية ومنجزاتها.

خاتمة

على الرغم من أنّ "فتح" لم تكُن التنظيم الوحيد المقاتل على الساحة الفلسطينية، لكنها كانت أسبقها وأكثرها تنظيماً، وكان لها معارك مشهودة كمعركة الكرامة في آذار من العام 1968وأكسبها ذلك شرعية من خلال الكفاح المسلح الذي تميّزت به مقارنةً بغيرها، وأصبحت حركة "فتح" منذ ذلك العام التنظيم الأهم في منظمة التحرير، واستحوذت على القسم الأكبر من عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة

لقد استطاعت حركة فتح السيطرة على النظام السياسي الفلسطيني استنادًا إلى برنامجها الوطني والسياسي وكونها الفصيل الأكبر، إضافة إلى امتلاكها موارد مالية، وبذلك أصبحت الفصيل المقرر والمسيطر.

أحدث انخراط حركة فتح عبر منظمة التحرير الفلسطينية في عملية السلام) منذ مباحثات مدريد والاتفاقيات الفلسطينية-الإسرائيلية 1995-1993) ) تحولا هاما في البنية الفكرية والخطاب السياسي لحركة فتح ومواقفها من الصراع مع إسرائيل بمستوياته المختلفة؛ حيث اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها حركة فتح بقرارات الأمم المتحدة 194 و 242 و 338 وبحق إسرائيل في الوجود ونبذت العنف والمطالبة بإقامة دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 في حين بقيت مبادئ الحركة وأهدافها المنصوص عليها في النظام الأساسي للحركة المتبناة منذ نشأة حركة فتح عام1965 والداعية إلى تصفية الكيان الصهيوني وتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، واعتبار الكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، كما هي دون تغيير .

وتشير استطلاعات الرأي التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بين أعضاء حركة فتح وكوادرها إلى رغبة عالية بإجراء تعديلات على مواد النظام الأساسي المتعلقة بالمبادئ والأهداف والأسلوب، حيث أيده % 74 من أعضاء ومناصري حركة فتح الذين شاركوا في الانتخابات الداخلية" البرايمرز " لاختيار مرشحي الحركة في الانتخابات التشريعية بينما عارض التعديل %24 وأيد إجراء التعديل %64 من كوادر وقيادات حركة فتح الذين شاركوا في مؤتمرات الأقاليم التي جرت في الضفة الغربية العام 2007 فيما عارضه %.33.

الفصل الثاني

نشأة حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وأيديولوجيتها والخلافات بين حركتي فتح وحماس

2.1 . نشأة حركة حماس أيديولوجيتها ونشاطاتها

حركة المقاومة الإسلامية المعروفة باسم "حماس" أسسها الشيخ أحمد ياسين، مع بعض عناصر الإخوان المسلمين العاملين في الساحة الفلسطينية، مثل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والدكتور محمود الزهار وغيرهما في قطاع غزة.

وكان الإعلان الأول لحركة حماس عام 1987 اثناء اندلاع الانتفاضة الأولى، حماس تعتبر نفسها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928, وقبل إعلان الحركة عن نفسها عام 1987 كانت تعمل على الساحة الفلسطينية تحت اسم "المرابطون على أرض الإسراء" و"حركة الكفاح الإسلامي, وكان لها دور في ادارة وتوجيه الانتفاضة الاولي عام 1987 والثانية عام 2000, وما تزال لها دورها وحضورها في المشروع الوطني الفلسطيني, رغم الانقسام عن القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية.

الاعلان عن انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عام 1987م ارتبط وثيقاً بالانتفاضة الاولى انتفاضة الحجارة لم يكن مجرد صدفه بل كان نتيجة لتخطيط مسبق من قبل قادة حماس, ولادة حماس جاءت نتيجة لتراجع التأييد للحركات الوطنية, وفشلها في نظر البعض وبشكل خاص في الضفة وغزة, وذلك لعدت عوامل من اهمها تهميش دور القيادة المحلية ومركزية القرار الفلسطيني في يد فتح تونس وباقي الحركات الوطنية, الانتفاضة اتت من داخل الاراضي المحتلة عام 1967 (الضفة وقطاع غزة) الاغلبية الساحقة من قادة حماس كانت متواجدة في الاراضي المحتلة .

انطلاقاً من الاسم الذي تحمله الحركة وهو حركة المقاومة الإسلامية، أي أنَّها بالدرجة الأولى حركة إسلامية بل إنَّ جذورها تمتد إلى حركة الإخوان المسلمين التي أسَّسها المرشد العام للجماعة حسن ألبنا في مصر، والتي أصبحت فيما بعد حركة عالمية لتصبح حماس هي الجناح للجماعة في فلسطين، كما جاء في الميثاق التأسيسي لحماس وفي مادته الثانية: "حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة حركة الإخوان المسلمين بفلسطين، وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث.

ولعل المتفحِّص في الميثاق التأسيسي لحركة حماس، يرى أّنه تضمنَ الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والشعارات الدينية، والذي يدل على مدى التصاقه بالدين والأخذ به كمنهج في الدين والسياسة، وبما أن حماس وكما أسلفنا هي أحد أجنحة الإخوان المسلمين، وهي الحركة التي أخذت الإسلام منهجاً لها، فقد جاء في نصوص ميثاق الحركة في المادة الثانية والثلاثين من ميثاق حماس: "ويوم تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الإسلام كمنهج حياة، فنحن جنودها ووقود نارها التي تحرق الأعداء" كما وأن ميثاق حماس وفي مادته الثانية: "حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين، وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث". حماس معتمدة في نهجها على حديث المرشد المؤسس لحركة الإخوان حسن ألبنا حين قال: "نحن مسلمون وكفى، ومنهاجنا منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى ، وعقيدتنا مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله وكفى". كما كان قد تبنى المؤتمر الثالث للجماعة آذار 1935 الذي جاء فيه: "أعتقد أن الأمر كله لله، وأنَّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم رسلنا للناس كافة، وأنَّ الجزاء حق وأنَّ القرآن كتاب الله وأنَّ الإسلام قانون شامل لنظام الدنيا والآخرة".

انطلاقًا من الاسم الذي تحمله الحركة وهو حركة المقاومة الإسلامية, أي أنَّها بالدرجة الأولى حركة إسلامية بل إنَّ جذورها تمتد إلى حركة الإخوان المسلمين التي أسَّسها المرشد العام للجماعة حسن ألبنا في مصر, والتي أصبحت فيما بعد حركة عالمية لتصبح حماس هي الجناح للجماعة في فلسطين, كما جاء في الميثاق التأسيسي لحماس وفي مادته الثانية : "حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة حركة الإخوان المسلمين بفلسطين, وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي, وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، ولعل المتفحِّص في الميثاق التأسيسي لحركة حماس, يرى أّنه تضمنَ الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والشعارات الدينية, والذي يدل على مدى التصاقه بالدين والأخذ به كمنهج في الدين والسياسة, وبما أن حماس وكما أسلفنا هي أحد أجنحة الإخوان المسلمين, وهي الحركة التي أخذت الإسلام منهجًا لها كما تبنى المؤتمر الثالث للجماعة آذار 1935, فقد جاء فيه: "أعتقد أن الأمر كله لله، وأنَّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم رسلنا للناس كافة, وأنَّ الجزاء حق وأنَّ القرآن كتاب الله وأنَّ الإسلام قانون شامل لنظام الدنيا والآخرة".

وهذا ما يدلِّل عليه ما جاء في المادة الخامسة من ميثاق حماس حيث تستطرد في تعريف البُعد الزماني للحركة بأنَّه: " بُعد حركة المقاومة الإسلامية الزماني, باتخاذها الإسلام منهج حياة لها يمتد إلى مولد الرسالة الإسلامية والسلف الصالح, فالله غايتها والرسول قدوتها والقرآن دستورها, وبعدها المكاني حيثما تواجد المسلمون".

إن حركة حماس التي تأسست في فلسطين في 1987, تعتبر امتدادًا للإخوان المسلمين باعتبار أن أهدافها لم تبتعد عن أهداف الإخوان،, حيت تم تأكيد ذلك في ميثاق الحركة الذي صدر في 1988, ويقول إن حركة المقاومة الإسلامية هي حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزو الصهيوني تتصل وترتبط بانطلاقة الشهيد عز الدين القسام وإخوانه المجاهدين من الإخوان المسلمين.... فإن حركة المقاومة الإسلامية تتطلع لتحقيق وعد الله مهما طال الزمن.

إن حركة (حماس) حركة مقاومة إسلامية تتخذ من الإسلام منهجا, ومنه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها عن الكون والحياة والإنسان, والحركة بذلك تحتكم إلى جملة من المبادئ والثوابت التي تشكل وفقا لها أهداف الحركة وبرامجها , حيث اعتبرت هدفها الاستراتيجي تحرير فلسطين انطلاقاً من رؤيتها الفكرية التي تنبع من العقيدة الإسلامية, وأن قضية التحرير يشترك فيها الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية،, ويعتبر ذلك واجباً عليهم جميعاً من منطلق أن قتال الأعداء بهدف التحرير هو فرض عين على كل المسلمين, كما يتضح ذلك من المادة (32) من ميثاق الحركة والتي تعتبر فيها حركة حماس نفسها رأس حربة أو خطوة على الطريق.

تطرَّق ميثاق حماس إلى الصهيونية ومحاربتها وسبل تحرير الأرض الفلسطينية, كما جاء في المادة الرابعة عشرة "قضية فلسطين تتعلق بدوائر ثلاث: الدائرة الفلسطينية, والدائرة العربية, والدائرة الإسلامية, وكل دائرة من هذه الدوائر الثلاث لها دورها في الصراع مع الصهيونية...ففلسطين أرض إسلامية...ولما كان الأمر كذلك فتحريرها فرض عين على كل مسلم حيثما كان وعلى هذا الأساس يجب أن يُنظر إلى القضية ويجب أن يدرك ذلك كل مسلم.

كما كانت حماس تؤمن بفكرة القضاء على الصهيونية بالكامل وعدم التفريط بأي جزء من فلسطين, وعلى أساس أنَّها أرض وقف إسلامي كما جاء في مادة ميثاقها الحادية عشرة, "تعتقد حركة المقاومة الإسلامية أنَّ أرض فلسطين هي أرض وقف إسلامي", لا يصح التفريط بها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها, أي أنه يمكننا القول أن حماس تؤمن باستعادة الأرض التاريخية لفلسطين قبل عام 1948, وقد نظرت حماس إلى القضية الفلسطينية على أساس أنه ليس هناك من حل سوى الجهاد والكفاح،, كما خلصت المادة الثالثة عشرة من الميثاق "ولا حل للقضية الفلسطينية إلا بالجهاد", أما المبادرات والأطروحات والمؤتمرات الدولية فمضيعة للوقت وعبث من العبث.

بعد قيام حركة حماس بوضع استراتيجيتها وثوابتها, قامت بتبني أهداف تكتيكية من أجل خدمة الأهداف الاستراتيجية والاتجاه نحو المرونة بالتعامل مع المتغيرات المختلفة, وعدم حصر أنفسهم في اعتماد أسلوب أو خيار جامد, بل يحاولون أن يسيروا على نهج الإخوان المسلمين باعتبار حركة حماس جناحًا من أجنحتها, حيث اعتمدت حركة حماس في عملها على التكتيك المرحلي بما يخدم بقاءها في الساحة السياسية, وعدم عزلتها وخروجها عن ثوابتها وأهدافها الإستراتيجية, وقد رفضت حركة حماس اتفاقيات أوسلو, وما نتج عنها وحاولت عدم التصادم مع السلطة واعتماد أسلوب الحوار لحل المشاكل من أجل عدم جر الشعب الفلسطيني إلى حالة من الاقتتال وتشتيت طاقاته, التي يجب أن تحشد ضد الاحتلال بالدرجة الأولى.

ولكن في نفس الوقت لم يتضمن ميثاق حماس أي ذكر للإمبريالية الأمريكية, السند الرئيسي في مختلف الميادين لإسرائيل, واكتفت بوصف الصهيونية على أنها منبع الشر في العالم, كما جاء في مادة الميثاق الثانية والعشرين "ولا تدور حرب هنا أو هناك إلا وأصابعهم في إشارة للصهيونية تلعب من خلفها...", ولكن كيف يكون هذا والامبريالية والحركات الاستعمارية وُلِدَت قبل مولد الصهيونية, التي ما هي إلا نتاج لهذه الحركات وأداة لتحقيق مآربها؟ ومن هنا تكمن المفارقة.

ولكن هنا تتضح لنا المفارقة على ارض الواقع وحدوث تغيرات في فكر حماس حتى لو لم تعلن ذلك, حيث إن الممارسة على أرض الواقع حالياً وتصريحات قادة الحركة, أصبحت أكثر برغماتية من أي وقت مضى وخاصة بعد مشاركتها بالانتخابات البلدية والتشريعية الأخيرة عام 2006, والتي أجريت بناء على اتفاقيات أوسلو الذي عارضته بشده إضافة إلى أن حماس لم تعد تشدد على برنامجها الاستراتيجي بتحرير كامل فلسطين التاريخية في وتكتفي في المرحلة الحالية بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 .

عملت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على وثيقة سياسية لأكثر من أربعة أعوام ، تُبيّن الوثيقة وتعكس تطور الحركة وتراكم الخبرة السياسية فيها، أصدرت الوثيقة بتاريخ الأول من مايو (أيّار) 2017، أُعلن عن تجهيزها سابقًا وتم إشهارها في ذلك اليوم من الدوحة وغزة بخطابٍ لرئيس الحركة خالد مشعل. كانت الوثيقة تحت عنوان «وثيقة المبادئ والسياسات العامة.

بدء العمل على الوثيقة منذ بداية الدورة الجديدة لقيادة حماس، في 2013، غذّى الوثيقة أعضاء حماس في داخل فلسطين وخارجها وعملوا على تعديلها الوثيقة حاملة لفكر الحركة وتراكم خبرتها السياسية، وهي تعبيرًا عن انفتاح العقل السياسي لحماس وتجدده، وتمسكت حماس بعدم الاعتراف "بشرعية الكيان الصهيوني"، وبعدم "التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال"، لكنها اعتبرت أن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 "صيغة توافقية وطنية مشتركة لجميع الأحزاب والحركات الفلسطينية وتتوافق مع القرارات الدولية بشان القضية الفلسطينية.

وصلت دعوة الإخوان المسلمين إلى فلسطين منذ ثلاثينيات القرن الماضي, وافتُتِحَتْ أول شعبة للإخوان المسلمين في القدس عام 1945م, وشارك الإخوان المسلمون من الأقطارِ العربية المجاورة, كمتطوعين في الدفاع عن فلسطين في حرب عام 1948م.

وبعد حرب 48 أصبح الإخوان المسلمون في الضفة يتبعون تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن, فيما تبِع إخوان غزة التنظيم في مِصر, إلا أَنَّه جرى لاحقًا توحيد تنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين, تحت قيادة مكتب إداريّ واحد يجمع الضفة وغزة وصار إخوان فلسطين جزءاً من تنظيم الإخوان المسلمين في بلاد الشام والذي أَسَس في عام 1983م جهاز فلسطين المكون من الإخوان الفلسطينيين في الداخل والخارج, لدعم الإخوان في الداخل من أجل تأسيس (حركة مقاومة إسلامية).

من خلال ما سبق تبين أن حركة حماس لم تكن تياراً سياسياً أو حزبياً منفصلاً, وانما كانت امتداد للحركة الإسلامية التي كانت تسمى بحركة الاخوان المسلمين في مصر وبلاد الشام, ولم تكن تتبنى فكراً أو أيديولوجية خاصة بها, فهي تطبق البرنامج السياسي الذي رسمه لها التنظيم الإسلامي الإخواني.

لقد كان دور الحركة الإسلامية تحديدا الإخوان المسلمين بعد عامي 1975-1967, يقوم على الإعداد البنيوي للشباب والتعبئة في المساجد للجيل الجديد وتوجيهه, وقد برز الدور بشكل أكبر من خلال الجامعات والمعاهد والاتحادات النقابية للأطباء والمهندسين, حيث أصبح التنافس بين الإخوان المسلمين والقائمة الوطنية أحيانًا تكون في مقدمة الكتل, وخاصة في جامعات غزة والقدس والخليل, حيث يعتبر تأسيس المجّمع الإسلامي في عام 1973م أولى الخطوات العملية, التي ساعدت على تطور الحركة الإسلامية الذي اعتبر كواجهة علنية لجماعة (الإخوان المسلمين).

يعتبر تأسيس الجامعة الإسلامية في غزة عام 1979 البداية الأولى لظهور التنافس بين أفراد الإخوان المسلمين وبين أفراد الحركة الوطنية, وفي مقدمتهم حركة فتح وأي جهة كانت تعارضهم حيث برز هذا التنافس والخلاف على رئاسة الجامعة الإسلامية بعد توسيعها من قبل الشيخ محمد عواد, وعدد من الوجهاء وبعض الوجهاء احمد حسن الشوا , يوسف الهندي, سليمان الأسطل, راغب مرتجى, سيد بكر , وقد تم تسلم رئاسة الجامعة في البداية للدكتور يوسف عبد الحق, وفي أواخر عام 1980 تم تعيين رياض الأغا بعد التوصية عليه من قبل الشيخ خير الآغا, أحد أقطاب الإخوان المسلمين على المستوى العالمي الذي يعتبر قريب للدكتور رياض الأغا, وبعد حصوله على إجازة الدكتوراه رغم انه لم يكن من مناصري الإخوان المسلمين.

وفي ظل هذه التطورات كان المجمع الإسلامي له نفوذ واسع على الجامعة الإسلامية وخصوصا الشيخ أحمد ياسين, والذي كان عملياً يتحكم بإدارة الجامعة, وبعد قيام الدكتور رياض الآغا ببعض الممارسات التي لم تكن مقبولة من قادة المجمع الإسلامي, وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين وحصلت حينها الخلافات بعد أن حاول الإخوان المسلمين التخلص من رياض الآغا, وإن استلامه منصب رئيس الجامعة اعتبر خطأً, وزاد على ذلك قيام رياض الآغا بالاستعانة ببعض عناصر الجهاد الإسلامي لاحقا, الذين انشقوا عن الإخوان المسلمين ومنهم الدكتور فتحي الشقاقي , رمضان شلح , عبد العزيز عودة , والذي اعتبر جريمة وخطراً على الإخوان المسلمين.

لقد كانت المحطات السابقة لظهور التيارات لإسلامية ونشاطها بشكل ملحوظ مقدمة لولادة حركة حماس, ولعل الحادث المعروف والذي كان أحد الأسباب في اندلاع الانتفاضة الأولى وساهم في انطلاق حركة حماس, والذي تمثل في قيام سيارة شحن كبيرة إسرائيلية بصدم سيارة أخرى كانت تقل عدد من العمال الفلسطينيين, مما أدى إلى استشهاد سبعة منهم على الفور وذلك في 8/12/1987م, وبعد تشييع جنازات الشهداء في مخيم جباليا, قامت الجماهير الغاضبة بمهاجمة مركز للجيش الإسرائيلي مما أدى لحدوث العديد من الإصابات, وتوالت الأحداث عند قيام أحد الشبان بضرب زجاجة حارقة على إحدى الدوريات العسكرية, وقام جنود الاحتلال بإطلاق النار عليه وسقوطه شهيداً حيث اعتبر حاتم السيسي أول شهيد للانتفاضة في9/12/1987م, والذي أصبح الذكرى الأولى للانتفاضة, ويتم الاحتفال به من كافة الفصائل الوطنية والإسلامية, وتوالت الأحداث وسقوط الشهَداء في خان يونس ومخيم بلاطة وبذلك كان اندلاع شرارة الانتفاضة الأولى في عام 1987.

بعد استمرار وتوالي الأحداث قامت الحركة الإسلامية بإصدار بيانا بتوقيع حركة المقاومة الإسلامية حماس الذي كان ردًا على استشهاد حاتم السيسي, وكان تاريخ البيان في1987/12/15 والذي اعتبر فيما بعد تاريخ انطلاقة الحركة, وقد حصلت الاجتماعات الداخلية بين أفراد الحركة على مستوى قطاع غزة, حيث كان الرأي السائد بضرورة الإحجام عن المشاركة الميدانية حتى لا تتعرض الحركة لمثل ما حدث في عام 1984, حيث تم كشف مجموعة من العسكريين التابعين لحركة الإخوان المسلمين, المجاهدين الفلسطينيين التي أدت إلى اعتقالهم وعلى رأسهم الشيخ احمد ياسين وتم كشف الجهاز الأمني والعسكري.

وقد توالت الأحداث بشكل متقطع إلى أن قررت الحركة في إنزال بيان آخر باسم حركة المقاومة الإسلامية, ولكن بدون رقم للحث على الانتفاضة, وان حماس يشير إلى اختصار حركة المقاومة الإسلامي حماس والذي أصبح فيما بعد حماس (ح م ا س) اختصارًا له, في حين قامت فصائل من منظمة التحرير الفلسطينية, وعلى رأسهم حركة فتح بإصدار بيانات عن هذا الحدث وقد نجحت في تشكيل ما عرف بالقيادة الوطنية الفلسطينية الموحدة.

2.2 الموقف من التسوية السلمية للقضية الفلسطينية

ومع التحولات الحادثة على الساحة الفلسطينية بعد توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993, وما تلاها وإنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994م, فإنه يمكن اعتماد السلطة الفلسطينية بوصفها النظام السياسي الفلسطيني القائم والمهيمن هنا خاصة مع تشكيل الحكومة الأولى لإدارة الحكم الذاتي ووجود رئيس للسلطة, وانتخاب أول مجلس تشريعي فلسطيني على الأرض الفلسطينية عام 1996م, ولاحقاً استحداث منصب رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية, وما نتج عن ذلك من تشكيلات إدارية ووظائف حكومية وأجهزة أمنية وقرارات وأنظمة داخلية كالنظام أو القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية, أو مجموعات القوانين والتشريعات التي أقرها المجلس التشريعي الفلسطيني, وغيرها من الأمور ذات العلاقة والتي توحي بوجود نظام فلسطيني معين موجود على بقعة معينة من الوطن (أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة), ويحتكم إليه جزء من الشعب الفلسطيني (أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة), وهنا يمكن القول أيضاً أنه ومنذ نشأة السلطة فإن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لم تكن جزءاً من هذا النظام بحكم معارضتها أصلاً لاتفاقية أوسلو, وما تلاها من اتفاقيات نتج عنها إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994م, كما أن الحركة رفضت الدعوات التي وجهت إليها في تلك الفترة للمشاركة في السلطة كما رفضت المشاركة في الانتخابات التشريعية الأولى عام 1996م, ورفضت بالتالي أية محاولة لإدراجها ضمن ذلك النظام السياسي, وهنا أيضاً يمكن تصنيف الحركة بأنها "معارضة من خارج النظام السياسي", وعليه يمكن القول أن الحركة كانت ومنذ نشأتها عام 1987م, وحتى إعلانها الموافقة على المشاركة في الانتخابات المحلية التي أجريت نهاية العام 2004م, وبداية ومنتصف العام 2005م, ولاحقاً المشاركة في الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006 م كانت تعارض من خارج النظام السياسي الفلسطيني القائم, سواء كان ذلك النظام ممثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية أو ما مثلته السلطة الفلسطينية فيما بعد.

والأمر الذي يزيد من حالة (حماس) وعلاقتها بالنظام السياسي الفلسطيني تعقيداً والتباساً أنه ومع إنشاء السلطة الفلسطينية, واستمرار وجود الاحتلال في مناطق نفوذ السلطة, كانت الحركة تعارض الطرفين معاً, فهي من جهة بقيت في حالة مقاومة للاحتلال ترفض وجوده أصلاً, وتصعد من عملياتها العسكرية ضده سواء داخل أراضي نفوذ السلطة الفلسطينية أو في إسرائيل, ومن جهة أخرى عارضت السلطة الفلسطينية وتوجهاتها وأفكارها وممارساتها, على خلفية معارضتها لاتفاق أوسلو والاتفاقات المكملة له وما نشأ عنه, ومعارضتها لعملية التسوية عبر المفاوضات مع إسرائيل من جهة أخرى, وبالتالي نشأ عن هذا الموقف من الحركة مجموعة من الإشكاليات في العلاقة بينها وبين السلطة, التي كانت ترى في ممارسات حماس وتحديداً عملها العسكري المسلح ضد الاحتلال, نوعاً من التحدي للسلطة الفلسطينية وخروجاً عن الخط الذي تنتهجه المنظمة وفصائلها, وهو الأمر الذي دفع السلطة إلى الإعلان عن حماس كمنظمة خارجة عن القانون عام 1996م, وهو ما كان وسيله لشن أوسع حملة اعتقالات في صفوف الحركة, وإغلاق العديد من المؤسسات والجمعيات التابعة لها وتجميد أرصدتها, وامتد الأمر إلى اعتقال العديد من قيادتها وتعرضهم للتعذيب, بل تعدى ذلك إلى فرض الإقامة الجبرية على مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين عام 1998م, وهو ما جعل العلاقة بين السلطة والحركة تأخذ دائماً منحى التصعيد والتوتر والخلاف ووصل إلى حد المواجهة في مرحلة ما.

شاركت حركة حماس كغيرها من التنظيمات الفلسطينية في أحداث انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000, وقد كانت حركة حماس تدعو إلى الاستمرار في انتفاضة الأقصى, وكان الهدف واضحاً ومعلناً من خلال القادة في حركة حماس, الذين أكدوا دوماً وراهنوا على افشال المخطط الصهيوني في فرض الشروط الصهيونية على السلطة, وأن حماس هي بالأساس تعارض هذا المشروع , فقد دعت إلى مشاركة عسكرية من قبل الأشقاء العرب والمسلمين وطلبت الدعم لكي تستمر في مشروعها المقاوم ضد الاحتلال, فالفكر الحمساوي كان يدعو إلى التوسع في فعاليات وأحداث الانتفاضة, وكان الرد الاسرائيلي جاهزاً باستمرار الذي تمثل في اغتيال قادة الحركة وهم أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وغيرهم الكثيرين, وهو الأمر الذي جعل حماس تشد على ايدي المقاومة وتعمق عملياتها الاستشهادية ضد الكيان الاسرائيلي المحتل للراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

عند النظر والدراسة لواقع القضية الفلسطينية، وخاصة فيما يخص التسوية السلمية التي شهدتها المنطقة منذ عقد التسعينيات من القرن العشرين، نجد أن هناك العديد من المقالات والدراسات والابحاث التي تناولت موضوع طبيعة العلاقة بين حركة حماس وعملية التسوية السلمية ، وبالرغم من هذه المحاولات العديدة التي بنيت على قاعدة تأصيل الدور الذي يمكن أن تلعبه حركة حماس في العملية السلمية ، أو مدى إمكانية أن تكون حماس لاعباً فاعلاً في عملية السلام، أو ما اصطلح عليه ، أيجاد غرفة لحماس في عملية السلام ، إلا أن أغلب هذه الدراسات كانت بشكل أو بآخر موجهة أو كان يعوزها دقة المنهجية ، وأن المتتبع لتلك الدراسات كان دوما يلمح أن هذه الدراسات ركزت بالدرجة الأولى على السؤال المهم وهو: لماذا لا تكون حماس جزءًا من العملية السلمية، وما هي العقبات والموانع التي تمنع حماس من الدخول في تلك العملية .

علاوة على ذلك هناك بعض الدراسات لا تكاد تخلوا من الأدبيات التي تشير إلى الجانب الترويجي للحركة، وقدرتها على الانخراط في العملية السلمية ، وتم التغاضي بالكامل عن طبيعة الحركة وطبيعة العملية السلمية وخصوصية كل منهما ، وجرى البناء على بعض المحطات والمشاهد الواقعية التي تشير إلى مدى اقتراب الحركة من العملية السلمية ، وهذا النوع من الأدبيات تجاهل كذلك مسيرة العملية السلمية، سواء أكان ذلك متعلقاً بمنهجيتها أم بمخرجاتها أم حتى بطبيعة التطورات التي طرأت عليها، وكأن العملية السلمية هي الثابت، وحماس هي المتغير أو أن حماس هي التي يجب عليها أن تتغير لتكون جزء من العملية السلمية.

جاءت هذه السطور للتعرف على موقف حماس من العملية السلمية، وتبعات هذا الموقف من خلال التعرف على الأسباب والعوامل وراء عدم انخراطها أو معارضتها للعملية السلمية في الشرق الأوسط برمتها، وهل هذا الموقف كان نابعاً من ضمن مبادئها أم أنه جاء وليد الصدفة ومن قبيل المعارضة للإشهار الذاتي.

حماس كما عبرت عن نفسها في ميثاقها "حركة جهادية شعبية تسعى إلى تحرير فلسطين كاملة من البحر إلى النهر، تستند في فكرها وسياساتها ومواقفها إلى تعاليم الإسلام وتراثه الفقهي، وتضم في صفوفها كل من آمن بفكرها ومطلقاتها، واستعد لتحمل تبعات الجهاد والكفاح من أجل تحرير فلسطين، وإقامة دولة إسلامية مستقلة فيها، وهي بذلك تنظيم حزبي اسلامي وليس كما تزعم بانها حركة شعبية واسعة وقد تأسست على يد احد الدعاة الإسلاميين آنذاك وهو الشيخ أحمد ياسين وكان ذلك خلال الانتفاضة الاولى عام 1987، حيث اتفق الشيخ أحمد ياسين مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي الذين يعتنقون أفكار الإخوان المسلمين في قطاع غزة على تكوين تنظيم إسلامي لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي بغية تحرير فلسطين أطلقوا عليه اسم "حركة المقاومة الإسلامية" المعروفة اختصاراً باسم "حماس"، وكان له دور في الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت آنذاك والتي اشتهرت بانتفاضة الحجارة ، ومنذ ذلك الوقت والشيخ ياسين يعتبر الزعيم الروحي لتلك الحركة. وتعتقد حماس أنها تملك تصورات ومواقف وسياسات هي إضافة جوهرية ونوعية لفصائل العمل الوطني، وهي تؤمن بأنها بديلاً لكل الفصائل العاملة على الساحة الوطنية الفلسطينية وتفتخر بكونها تتبع لحركة الاخوان المسلمين العالمية، ولا أحد ينكر وضوح فكرتها من ناحيه دينية ولكن من ناحيه سياسية حماس تجاهلت العالم بأسره وتجاهلت قرارات مجلس الامن رقم 194,242,338 واعتراف الغالبية من دول العالم بتلك القرارات ومن ضمنها الدول العربية ، وبذلك يمكن القول أن حركة "حماس" حركة دينية جهاديه بالمعنى الواسع لمفهوم الجهاد وهي جزء من حركة النهضة الإسلامية، تؤمن أن هذه النهضة هي المدخل الأساسي لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وهي حركة دينية حزبيه وليست شعبية إذ أنها تعبير عملي عن تيار من الشعب الفلسطيني يرى في العقيدة والمنطلقات الإسلامية أساساً ثابتاً للعمل ضد اسرائيل وضد السلطة الوطنية الفلسطينية يحمل منطلقات عقائدية ومشروعاً مضاداً لكل مشاريع النهوض في الأمة، ويشير الباحث (معتز سمير الدبس في بحثه) أن التركيز تاريخيا على المنظور الايديولوجي في الحكم على منظمة التحرير والقول بأن الموقف الشرعي الاسلامي لا يبيح للاسلاميين الانخراط فيها كان مرده بشكل أساسي غياب الدور الاسلامي عن ساحة الجهاد والكفاح الوطني الفلسطيني منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، فكان وصم منظمة التحرير بأنها علمانية مخالفة للاسلام ترياقا يريح "الضمير الاسلامي" الغائب عن ميدان الفعل ومبررا للابتعاد عن ساحة الجهاد والمقاومة.

بل ربما كانت حماس أشبه بجبهة تضم عدا عناصر الإخوان المسلمين متطوعين إسلاميين ارتأوا العمل ضد الاحتلال تحت رايتها. وتضم حركة "حماس" في صفوفها كل المؤمنين بأفكارها ومبادئها المستعدين لتحمل تبعات الصراع ومواجهة المشروع الصهيوني.

اتفاقية أو معاهدة أوسلو هو اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية تمت في مدينة واشنطن الأمريكية في 13 سبتمبر 1993، وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرية في عام 1991 أفرزت هذا الاتفاق فيما عرف بمؤتمر مدريد. وتعتبر اتفاقية أوسلو، التي تم توقيعها في 13 سبتمبر /أيلول 1993 ، أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس ، ورغم أن التفاوض بشأن الاتفاقية تم في أوسلو، إلا أن التوقيع تم في واشنطن، بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون .

إن الحركة ترفض أي حلول سياسية مطروحة منذ عام 1947 م ، لان أي اتفاق يتم، فإنه قائم علي الظلم ،لان هذه الحلول تعطي شرعية للدولة المغتصبة، كما ترفض أي حلول، وكل القرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن الدولي، والتي تعترف بوجود" إسرائيل " ، لأن"المبادرات وما يسمى بالحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية تتعارض مع عقيدة حركة المقاومة الإسلامية حماس.

فالتفريط في أي جزء من فلسطين تفريط في جزء من الدين" فقد رفضت حركة حماس جميع مشاريع التسوية السلمية والمعاهدات ومنها كامب ديفيد ومشروع الحكم الذاتي ومشاريع شولتز وبيكر وغيرها ، في معظم بياناتها ، فالمؤتمرات ومشاريع التسوية في رأي الشيخ أحمد ياسين "سراب يحسبه الظمآن ماء ،حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً" ، وتري حركة حماس، أن مبدأ التسوية السياسية وأيا كان مصدره أو كان بنوده فهو تسليم للعدو الصهيوني بحق وجوده في فلسطين ، وهذا يؤدي إلي حرمان الشعب الفلسطيني من حق العودة، وتقرير المصير ، فلا يجوز القبول بأي اتفاق سلمي حتى لو أعطى الحد الأدنى من المطالب فأرض فلسطين لا يجوز التفريط بها فهي إسلامية مباركة ،اغتصبها الصهاينة عنوة ، ومن واجب المسلمين الجهاد من أجل استرجاعها ،وطرد المحتل منها .

وتعتقد حركة حماس أن أخطر هذه المشاريع التي طرحت هي مشروع اتفاق غزة أريحا أولا ، والذي تم توقيعه في واشنطن في 13 سبتمبر 1993 م ، بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وما تلاها من اتفاقيات حملت أسماء منها : القاهرة وطابا وشرم الشيخ وجنيف ، وخارطة الطريق، فتأتي خطورة هذه الاتفاقيات من وجهة نظر حركة حماس أنها تحمل الاعتراف بإسرائيل وان المنظمة لا تمثل كافة الشعب الفلسطيني من وجه نظر حماس ويقول احمد ياسين في هذا الصدد : " لاشك أن شعبنا الفلسطيني اليوم في حالة من الانزعاج وعدم الرضا والحزن والألم ، وأن هذه الاتفاقية لم تحقق آمال الشعب الفلسطيني وأهدافه وتجاهلت القضايا الأساسية : كقضية القدس ، والمستوطنات وحق العودة ، والحدود ....الخ ، ولكن ليس هنالك ما يحقق الأهداف النهائية للشعب الفلسطيني في هذه الاتفاقية ،ثم أحب أن أقول : إن فلسطين أرض وقف إسلامي ولا يملك رئيس ولا جيل من الأجيال التنازل عنها ، لأنها ملك لأجيال المسلمين .

من خلال الاطلاع على الفكر الحمساوي الذي رفض بمجرد التفكير في الموافقة على اتفاق أوسلو قد نبع هذا الموقف الرافض لحماس للمسيرة السلمية من القناعات، والإيمان بأن أرض فلسطين أرض وقف إسلامي ، فقد عارضت حركة حماس العملية السلمية والمفاوضات وبينت في بيان تلو البيان أن هذه العملية بأساسها ومسارها ومآلها مرفوضة بالكامل إن حركة حماس كحركة فاعلة سياسيَاً ودينيا ليس من السهل عليها أن توقع علي أي اتفاق مع الكيان الإسرائيلي، وإذا حصل ذلك فانه يكون تحت ضغوط خارجية وداخلية ودولية تواجه الحركة ، فقد واجهت الحركة هذا التحدي بعد فوزها بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 م وحصولها علي الأغلبية في المجلس التشريعي.

إن مرحلة التفاوض التي قامت بها السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية مرحلة طويلة لأكثر من عشرين عاماً من المفاوضات والتي لم تحقق أي من المطالب الفلسطينية أو قضية من قضايا الحل النهائي مثل اللاجئين، والمعتقلين الفلسطينيين أو حق العودة أو القدس أو المياه أو الحدود، فهل حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية 2006 م سوف تدخل هذه المفاوضات؟ وهل ستتفاوض حركة حماس مع الإسرائيليين مباشرة أم سيكون هناك طرف وسيط؟ - لم تدخل المفاوضات حتى عام 2009 م ولقد ورد على ألسنة قيادة حماس أن الاحتلال الصهيوني قد تفاوض معه مَن سبقنا من أبناء شعبنا الفلسطيني فماذا كانت النتيجة ؟ وهل حركة حماس سوف تجرب المُجَرَّب أم تبدأ مرحلة جديدة لمفاوضات غير مباشرة مثال ذلك عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان لم يكن عبر مفاوضات بل كانت عبر فوهة البندقية، والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة لم يكن بالاتفاق المسبق بين الطرفين أو باتفاقية بل كان انسحاب من طرف واحد. وهذا يؤكد ما ورد على لسان المهندس إسماعيل الأشقر يتساءل هل إن التفاوض مع إسرائيل يمكن حدوثه مـن قبـل الحركة؟" فيجيب: لن نتنازل عن ثوابتنا ولا عن أفكارنا ولا عن تصوراتنا، ولا عن أي شيء مـن هذا الأمر ولكن نقول: " إن لغة السياسة ولغة المفاوضات ومشاريع التسوية، وما إلى ذلك لن تنفعنا ولن تنفع شعبنا الفلسطيني، هذا من جانب، أما الجانب الآخر فنحن في حركة حماس وما نراه من إذلال للمفاوض الفلسطيني ورفض إعطائه حقوقه أو الحد الأدنى من حقوقه، وسياسة التعنت والمماطلـة التـي تـستخدمها إسـرائيل ضـد الفلسطينيين. وفي تصريح لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يقول: " نحن الآن لن نفاوض إسرائيل، فسياسة حركة حماس عدم التفاوض مع إسرائيل، لأن التفاوض في الوقت الحاضر قد جرب، فعلى إسرائيل أن تسلّم بحقوقنا أولاً مستشهداً بقولة تعالى (وان جنحوا للسلم فاجنح لها)، وهكذا فإن إسرائيل وحتى الآن لم تجنح للسلم .

عملية التفاوض هي عملية تآكل للحق الفلسطيني والعربي، وأحالت قضيتنا إلي تفاصيل وكسور عشرية، وبدلاً من أن نتحدث عن القدس وعن حق العودة أصبحنا نتحدث عن إعادة الانتشار ورفع الحواجز... الخ، إن إسرائيل تحترمنا عندما نكون أقوياء ولذلك مع انتفاضة الأقصى عام 2000م أعطتنا ما لم تعطنا أوسلو، وهو الانسحاب من غزة ".أما الدكتور محمود الزهار فيقول: "أن المفاوضات وسيلة ويمكن تقديم طرف ثالث للتفاوض، وأن يكون وسيطاً بينهم في بعض القضايا مثل إطلاق سـراح المعتقلـين، وعـرض الدكتور محمود الزهار مثال على ذلك، دخول وسطاء ألمان بين إسرائيل وحـزب االله لإطـلاق سـراح الأسـرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، ولكن هل الحرية السياسية هي أن تجلس مع الإسـرائيليين وتخـرج بابتـسامة وتقول أن هناك تقدم في العملية السلمية على خلاف ما تم في المفاوضات.؟

إذن الفكر الحمساوي يردد دائماً لا تفاوض مع العدو الصهيوني بدون الحصول على فلسطين كاملة، وتكون المفاوضات عبر وسيط دولي وليس مباشرة، لأن الفكر الحمساوي يرفض الجلوس مع اليهود على طاولة واحدة للتباحث والتفاوض معهم على أي قضية وحتى لو كانت هذه القضية جزئية من جزئيات الاتفاقيات أو صفقة من الصفقات بين الكيان الصهيوني وحماس. لقد ارتكزت حماس في رفضها ومعارضتها للتسوية السلمية على مجموعة من المرتكزات وهي:

أولاً: المرتكز الديني: تعتبر حركة حماس أن أرض فلسطين كلها أرض إسلامية، فهي أرض

الإسراء وأولى القبلتين وثاني المسجدين، وثالث الحرمين فهي أرض مباركة ولا يمكن التنازل عنها أو عن شبر واحد من فلسطين، ولا تملك أي جهة حق التفريط سواء كانت فلسطينية أو عربية1.

وكما جاء في ميثاق حركة حماس أن "أرض فلسطين وقف إسلامي على جميع أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، ولا يصح التفريط بها أو بجزء منها، أو التنازل عنها، أو عن جزء منها، ولا تملك ذلك دولة عربية أو كل الدول العربية، ولا يملك أي رئيس أو كل الملوك والرؤساء ولا تملك ذلك منظمة أو كل المنظمات، سواء كانت فلسطينية أو عربية، وأي تصرف مخالف لشريعة الإسلام هذه بالنسبة لفلسطين، هو تصرف باطل ومردود على أصحابه2 " .

وبذلك يمكن القول أن فلسطين ارض تاريخية وما زالت أرض وقف إسلامي، ولكن الظروف الراهنة لا تسمح بتحريرها وبالتالي يجوز أن تتعاطى حركة حماس مع حقائق الواقع

دون الاعتراف بالاحتلال، بمعنى أنها تريد أن تتخلص من حالة الضغط التي تتعرض لها حماس من قبل المجتمع الدولي، فلا تستطيع حماس أن تعترف الآن بالاحتلال على سبيل المثال، دون النظر إلى تطورات الحالة، لذلك لقد اشتركت حماس في القواسم المشتركة للفصائل الفلسطينية الأخرى كحل مبدأي وبأن تكون دولة في حدود 1967 م مرحلياً، بحيث تكون دولة فلسطينية خالية من الاستيطان وكذلك دون الاعتراف بإسرائيل وذلك غير ممكن حماس تعلم ان هنالك اعتراف متبادل من اسرائيل بمنظمة التحرير بانها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني واعتراف منظمة التحرير بدولة اسرائيل وبحقها في العيش بسلام وامان داخل حدود الخط الاخضر ولقد تم الاعتراف بدعم من الدول العظمى .

ثانيا: المرتكز التاريخي: تؤكد حركة حماس أن فلسطين هي أرض للفلسطينيين فهي طيلة أكثر من ألفي عام وهي عربية إسلامية، ولم يكن لليهود شيء فيها، كما أن فلسطين كاملة " لا يتجزأ

______

1) ثابت محمود العمور: مستقبل المقاومة الإسلامية في فلسطين حركة حماس نموذجاً ، ص216

2 ) ثابت محمود العمور: مستقبل المصدر نفسه

شمالها وجنوبها، ومن ساحلها وشجرها ونهرها كلٌ متكامل ذات منزلة باركها الله " ومن موقع فلسطين الاستراتيجي والمتميز فهي حلقة وصل بين القارات الثلاث )أوروبا، أفريقيا، آسيا ) وملتقى البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، فهي مهد الرسالات السماوية وممر للقوافل التجارية ولذلك فهي دائماً عرضة للغزوات الأجنبية التي كانت مصيرها الاندحار والفشل على مرّ الزمن، والتي إن طال أمدها على ارض فلسطين فنهايتها الزوال.

فالهجرة الصهيونية أو الغزو الإسرائيلي لفلسطين مثله كأي غزاة آخرين والتي وإن طال الأمد مصيره الزوال والاندحار، كما جاء في المادة الثالثة من ميثاق الحركة " وتنظر حركة المقاومة الإسلامية إلى هزيمة الغزاة على يد صلاح الدين الأيوبي واستخلاص فلسطين منهم، وكذلك هزيمة التتار في عين جالوت على يد قطز وبيبرس، نظرة جادة تستلهم منها الدروس والعبر. فكما واجه المسلمون تلك الغزوات يمكنهم أن يواجهوا الغزو الصهيوني ويهزموه" ، وحركة حماس تتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي على أنه غزو وسوف يأتي اليوم ليهزم هذا الغازي ويعود أدراجه من حيث أتى.

ثالثا: المرتكزات القانونية : تؤكد حركة حماس أن الدولة الصهيونية لا تستند في قيامها إلى الحق والعدل، فهي حفنة من المهاجرين الذين جاءوا من جميع البلدان غزاة محتلين فقد طردوا أهل البلاد الأصليين بالقوة والإرهاب حيث "اختلت الموازين وتبدلت القيم، وساد الظلم واغتصبت الأوطان، وغابت دولة الحق وقامت دولة الباطل"، وأن الوجود اليهودي في فلسطين يتعامل معهم الفلسطينيين كأهل ذمة وأصحاب ديانة، ولكن وجود اليهودي كمحتل على أي جزء من أرضنا الفلسطينية سواء احتل عام 1948م أو عام 1967م، هو وجود باطل ومرفوض، وأن كل القرارات الدولية أو التنازلات السياسية لن تغير الحقيقة، وبهذا فإن حركة حماس تسايس مجريات الأمور للتهرب من الضغوط عليها وان طالبت بهدنة أو دولة بحدود حزيران /يونيو 1967 م. هذا ما ورد على لسان الباحث (معتز سمير الدبس) حول التطورات الداخلية واثرها على حركة المقاومة الاسلامية حماس.

من خلال العرض السابق تم التوصل إلى أن حركة حماس هي حركة دينية سياسية قائمة على الدين كمنهج حياة ودستور لها، وعلى البرنامج السياسي الرافض لفكرة التفاوض مع الأعداء أو اجراء تسوية سلمية معهم مهما كلف الأمر، ومن هنا جاءت فكرة الرفض للدخول في عمليات سلمية ان مفاوضات من أجل حل القضية الفلسطينية بالطرق السلمية، فهي تعتبر نفسها مسؤولة عن الدفاع عن أرض فلسطين، وهي وباعتبارها حركة دينية تعتبر نفسها الوصي الشرعي للحرب مع الأعداء من أجل تخليص الحق لأهله وإعادة فلسطين لأهلها ، وبهذا لا تقبل أنصاف الحلول مع إسرائيل ، كما لم تقبل التفاوض مع الإسرائيليين والجلوس معهم على طاولة المفاوضات ، كذلك رفضت فكرة المشاريع السلمية التي تم طرحها لحل القضية الفلسطينية منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا.

كما تبين من خلال العرض السابق أن حماس وعلى الرغم من هذا الفكر المتشدد في مجال التفاوض أو اجراء عمليات سلمية مع اليهود، إلا أن مواقفها قد تبدلت نحو التفاوض مع الإسرائيليين وقبوله لكن ضمن شروط أهمها عدم التنازل عن فلسطين أو أي جزء منها، وكذلك تتم المفاوضات من خلال وسيط دولي ولا تجلس الحركة مع اليهود على نفس الطاولة للتباحث في أي أمر.

وفي ميدان أسباب الرفض التي ابدتها الحركة مع إسرائيل ارتكزت إلى مرتكزات تتلخص في:

المرتكز الديني الذي من خلاله تعتبر نفسها وصية على أرض فلسطين باعتبارها وقف إسلامي لا يجوز التفاوض بشأنها،

ومرتكز تاريخي يقول بأحقية العرب الفلسطينيين فيها وأن اليهود ليس لهم أي شبر وإنما تدفقوا إلى فلسطين عبر الهجرات اليهودية واستوطنوا فيها وطردوا السكان الفلسطينيين منها، وقد أشارت إلى أـن اليهود ليس لهم ارث تاريخي أو حضاري فيها وانما هم دخلاء على أرض فلسطين.

لقد ترجمت حماس باستمرار رفضها لعملية السلام من خلال العمليات الاستشهادية التي كانت تقوم بها ضد إسرائيل لعرقلة التوصل لأي اتفاق سلام بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى استمرار العمل العسكري ضد الاسرائيليين تعبيراً عن الرفض لتلك العملية السلمية التي كانت تسميها عملية منقوصة لا تستند إلى الثوابت الوطنية والدينية .

ولعل هذا الرفض لاتفاق أوسلو أو العملية السلمية زاد من تعقيد الأمور بين حماس والسلطة الفلسطينية، الأمر الذي يزيد من حالة (حماس) وعلاقتها بالنظام السياسي الفلسطيني تعقيداً والتباساً أنه ومع إنشاء السلطة الفلسطينية واستمرار وجود الاحتلال في مناطق نفوذ السلطة، كانت الحركة تعارض الطرفين معاً، فهي من جهة بقيت في حالة مقاومة للاحتلال ترفض وجوده أصلاً، وتصعد من عملياتها العسكرية ضده سواء داخل أراضي نفوذ السلطة الفلسطينية أو في إسرائيل، ومن جهة أخرى عارضت السلطة الفلسطينية وتوجهاتها وأفكارها وممارساتها، على خلفية معارضتها لاتفاق أوسلو والاتفاقات المكملة له وما نشأ عنه، ومعارضتها لعملية التسوية عبر المفاوضات مع إسرائيل من جهة أخرى، وبالتالي نشأ عن هذا الموقف من الحركة مجموعة من الإشكاليات في العلاقة بينها وبين السلطة، التي كانت ترى في ممارسات حماس وتحديداً عملها العسكري المسلح ضد الاحتلال، نوعاً من التحدي للسلطة الفلسطينية وخروجاً عن الخط الذي تنتهجه المنظمة وفصائلها، وهو الأمر الذي دفع السلطة إلى الإعلان عن حماس كمنظمة خارجة عن القانون عام 1996م، وقامت بشن أوسع حملة اعتقالات في صفوف الحركة، وإغلاق العديد من المؤسسات والجمعيات التابعة لها وتجميد أرصدتها، وامتد الأمر الى اعتقال العديد من قياداتها، بل تعدى ذلك الى فرض الإقامة الجبرية على مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين عام 1998م، وهو ما جعل العلاقة بين السلطة والحركة تأخذ دائماً منحى التصعيد والتوتر والخلاف ووصل إلى حد المواجهة المسلحة في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية عام 2006 ومن ثم الى الانقسام الفلسطيني واقامة حكم حماس في قطاع غزة وانهاء مشروع الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

إن الإسلام السياسي الذي تحكمه في علاقته الجدلية بحركة التحرر العربية علاقة التناسب العكسي، أي ينتعش حين تضعف، والعكس بالعكس، سيصل إن آجلا أو عاجلا إلى الطريق المسدود، وحينها، سيضطر القائمون عليه إلى التخلي عن فهمهم للسلطة وآليات الوصول إليها، ويتوصلون إلى النتيجة المنطقية، وهي أن الإصلاح الديني، الذي تأخروا عنه قرونا، وكان عنصرا حاسما لنهضة أوروبا، يشكل مدخلا رئيسيا لنهوض الشعوب العربية من كبوَتها والانطلاق للحاق بركب الحضارة الذي تجاوزخك بعيدا، وسيكون الملمح الرئيسي لهذا الإصلاح هو إنقاذ الدين من تحويله إلى وسيلة لفئات اجتماعية معينة تتطلع للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها باسم الدين، والارتفاع به - أي الدين، إلى المكان اللائق به باعتباره قضية ضمير شخصي، يجب عدم النزول به إلى سوق السياسة .

فالإيمان الديني شيء، والإسلام السياسي شيء آخر، وفي الوضع الفلسطيني الملموس ينبغي أن يمتزج الأول مع الوطنية الفلسطينية ويغدو أحد مضامينها الفاعلة لطرد الاحتلال، بينما الثاني هو مشروع للوصول إلى السلطة من فئة اجتماعية تتخذ من الدين غطاءًا لذلك . لهذا فقد برز مفهوم التطرف السياسي الاسلامي بينما تمايز ما بين حركتي الجهاد وحماس. حماس اتخذت طريق الوصول للسلطة وحتى التفاوض مع المحتل ولكن الجهاد الاسلامي بقي على مفهومه المتطرف ولم ينظر للسلطة كأساس في تحركه.

ما حصل ويحصل في الساحة العربية أجبر حركتي حماس وفتح على الاسراع بتوقيع أكثر من ورقة مصالحة، وأعتقد ليس بقناعاتهما بما تحتويه تلك الأوراق والاتفاقات بشهادة عدد من الدول العربية، إنما خوفاً من أيّ تذمّر أو حراك فلسطيني شعبي ضدهما. وبرغم التوقيع على تلك "المصالحات" التي لم يتم تنفيذها، إلا أن ذلك دفع حماس للتمترس بالقطاع والعمل على محاولة الحفاظ على امتيازاتها، ومراهنتها على السيطرة على مجمل النظام السياسي الفلسطيني، خاصة حينما تخلخل الوضع الأمني في سيناء، وسمح بوجود الجماعات المسلحة الارهابية هناك وتراكم كميات هائلة من الاسلحة وفُتِحَت الانفاق والخطوط مع حماس بغزة وتشعّبت الحالة والأوهام نحو النيّة ببناء إمارة اسلامية في غزة وجزء من سيناء، كما واشتد الصراع داخل حركة فتح وتمترسها للسيطرة على سدّة الحكم في الضفة. هذا الوضع أعطى الفرصة لإسرائيل لتصعيد وتيرة الاستيطان في الضفة وعمليات التهويد بالقدس والتهرّب من مسألة الجلوس لطاولة، المفاوضات بخاصة أن اسرائيل اصبحت مطمئنة للعلاقة ما بين امريكا وحركات الاسلام السياسي المتطرف والصمت العربي على هذا الوضع.

وبسبب الصراعات الداخلية لحماس وعمليات التغيير الحاصلة والتجاذبات التي تجري تجاهها عربيا ودوليا، أعلنت عن بيان سياسي مؤخراً، وضع الجميع أمام حالة تساؤلية نحو هذه الخطوة الغريبة. فحماس لم تُلغِ ولم تشطب ميثاقها بل أضافت اليه إفرازات سياسية للتغطية على الصراع الداخلي للحركة بخاصة إثر التغيّرات الأخيرة التي جرت بتنظيمها والذي هو بأمسّ الحاجة لتعديل أو تغيير الميثاق نتيجة إصداره بطريقة كشفت ألاعيب مخيفة للوصول الى نسف المشروع الوطني وما تبقى من منظمة التحرير والولوج بالجميع نحو صفقات عقدت سرّاً بإشراف خارجي مع اسرائيل وبتوجيه أخواني مبرمج. وللتنويه بأن ميثاقها السابق وضعها بمواقف محرجة لغرابته بالمرحلة التي صدر بها. وعدم توافقه مع التطورات حينها، ووضع الحركة تحت وطأة النصوص ولاحقاً "التمرّد" الإجباري عليها.

فحركة حماس لم تتحدث سابقاً بأنها جزء من الحركة الوطنية الفلسطينية لكنها بالاعلان بالوثيقة الجديدة إذ تُعَرّف عن ذاتها بأنها "حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية اسلامية" . والتعديل هذا يعني الدمج ما بين وظيفتها الدعوية والمقاومة، هذا يتطلب أن تعمد حماس على صياغة برنامجها السياسي المقاوم بشكل يتوافق وواقع القضية الفلسطينية، ومن ناحية أخرى تعمد على صياغة برنامج إجتماعي شعبي.

والجديد المعلن من أنها تحدد هدفها بتحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني بدل إعلان "دولة الاسلام" برغم تأكيدها على مرجعيتها السابقة، هذا يعني أنها عمدت على المزاوجة السلوكية الدينية والوطنية. الملفت أن الوثيقة السابقة ركزت على ذكر علاقة حماس وأصولها الأخوانية لأكثر من مرة، ولم يُلاحَظ بالوثيقة أو الإعلان الجديد ذلك، كما وأن الحديث الاعلامي للبعض أن حركة حماس فكَّت الارتباط بالحركة الأمّ– الاخوان المسلمين – عارٍ عن الصحة، وهذا يؤكد البقاء على عهدها بنفس العلاقة، إنما التغيير والمعالجة حصلت على الحشوات التجميلية في النص الجديد، ويعني كذلك التزام حماس بالحركة الأم بلا منازع.

فحماس بإعلانها الجديد الصادر بالأول من نيسان 2017، تحاول التماهي بالنصوص مع ميثاق منظمة التحرير ومع مقررات المجالس الوطنية ببعض المصطلحات الإسمية والتعريفية. وحتى لا يتم فهم إعلان حماس هذا أنه تعديل لميثاقها المعلن عام 1988، أظهرت له عنوان "وثيقة المباديء والسياسات العامة"، وهنا تبين حماس بإعلان واضح، المعالم الجديدة من خلال طرح مرحلي بحدود 1967. حماس توصلت لهذا الموقف بالتماهي مع منظمة التحرير الى حد ما وكأنها سَلَقَتْ مراحل طويلة مرت بها المنظمة الى أن وصلت لفكرة سلطة على جزء من الأرض.

إن فكرة إحلال المشروع الديني الاسلامي مكان المشروع القومي العربي سيغيّر اشكال وأطراف الصراع في المنطقة، خاصة الحركات الاسلامية المتمركزة في الغرب والتي هي في حقيقتها تعتبر حليف لواشنطن ومهامها تتمركز للحفاظ على مستقبل المصالح الاسرائيلية. وهذا الأمر يجعل من الحالة الفلسطينية الولوج لأكثر حالات الصعوبة إن لم تتحيّن الفرص لرأب الصدع الداخلي بخاصة ما بين حركتي فتح وحماس والاحتكام للأنظمة والقوانين والمصلحة الوطنية وإنهاء حالة الصراع الداخلي خاصة بعد التحرك الحمساوي الأخير سياسياً، حتى يستطيعوا إعادة الحالة الفلسطينية الصدامية مع الاحتلال على أولى بنود الاجندات المحلية والعربية والدولية، والعمل على إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني كمشروع تحرري وطني مستقل عن كل الاجندات التي عصفت بالساحة الفلسطينية عبر السنين الماضية.

2.3. الخلافات بين فتح وحماس والصراع بينهما

تعتمد حركة فتح في فكرها السياسي على الطابع الوطني للصراع مع إسرائيل، فلم تتبينّ أي اتجاهات إيديولوجية، معتبرة نفسها حركة وطنية شاملة لكل الفلسطينيين، الأمر الذي أكسب الحركة صفة المرونة التي مكنتها من إحداث العديد من التغيرات تبعاً لمراحل الصراع والظروف المحيطة بالقضية الفلسطينية. ويبدو ذلك واضحاً من خلال مقارنة مبادئ وبرامج الحركة ما قبل اتفاق أوسلو مع برنامجها الذي أقرّته في المؤتمر السادس الذي انعقد في العام 2009 .

بينما تعتمد حركة حماس في تكوين فكرها السياسي على مرتكزات دينية واضحة في ميثاق الحركة . فاعتمدت في تعريفها لأرض فلسطين على عبارات ذات صبغة دينية بحتة، فنصَّ ميثاق الحركة على أنها "أرض وقف إسلامي لا يجوز التنازل أو التفريط بأي جزء منه ولا يحق لأحد ذلك وعملت حماس على دعم رؤيتها للصراع وتحليلها له بأحداث تاريخية، فترى بأن ما يحدث في فلسطين هو امتداد للحملات الصليبية على الأرض الإسلامية ، ولا بد من ربط الأحداث ببعضها. واستناداً لهذه المرتكزات وضعت الحركة برامجها وصاغت مواقفها، فرفضت الاعتراف بإسرائيل وبقراري مجلس الأمن 242 و338، وتمسكت بالمقاومة، وامتنعت عن المشاركة في عملية التفاوض، معتبرةً حسب الميثاق "إن الحلول السلمية والمؤتمرات الدولية الساعية لحل القضية الفلسطينية تتعارض مع عقيدة المقاومة الإسلامية ولن تأتي بنتاج لمصلحة الشعب الفلسطيني، ويرى بعض اقطاب حماس ان المفاوضات تضييع للوقت وتصب في مصلحة اسرائيل .

تعددت مظاهر الخلافات بين حركة فتح وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين حتى قبل إنشاء حركة حماس التي تعدّ امتداداً لجماعة الإخوان ولا تنفصل عنها. ففي ظل محاولات منظمة التحرير الفلسطينية ترسيخ سيطرتها على المؤسسات الفلسطينية ، سعت المنظمة عام 1985 إلى تشكيل مجلس أمناء للجامعة الإسلامية، معقل جماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت، مرشحة (حيدر عبد الشافي) لرئاسة المجلس، وهو ما قوبل بالرفض من قبل المجمع الإسلامي واجهة جماعة الإخوان العلنية في قطاع غزة، وخروج مسيرة رافضة من الجامعة الإسلامية الأمر الذي عكس الحضور الجماهيري لجماعة الإخوان المسلمين في الشارع. ومع انطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987، حرصت منظمة التحرير الفلسطينية على ترسيخ قيادتها للأحداث بمشاركة كافة الفصائل، فأنشأت القيادة الوطنية الموحدة لإدارة العمل الميداني للانتفاضة وسعت لضم حركة حماس في محاولةٍ لاحتوائها تحت قيادتها، إلا أن حركة حماس رفضت الانضمام وفضّلت العمل بشكل منفصل، محاولة الظهور كمنافس قوي للمنظمة في ميدان الكفاح الفلسطيني، وتقديم تيار جديد يطرح مشروعاً مقابلاً لما تطرحه المنظمة .

وكانت حركة حماس قد أعلنت عن انطلاقتها في نفس العام الذي تفجرت خلاله الانتفاضة، اي بعد حوالي ثمانية اشهر من بداية الانتفاضة. بقيت العلاقة بين حركتي فتح وحماس خلال فترة الانتفاضة محصورة ضمن مظاهر المنافسة على قيادة وتوجيه الأحداث الميدانية للانتفاضة، وفرض البرنامج الخاص لكل حركة، والتي شكلت الإضرابات أحد أبرز مظاهرها، وصلت أحياناً إلى مصادمات محدودة، أجبرت الحركتين على الحوار وتنسيق الفعاليات، وتوزيع أيام الإضراب بين القيادة الموحدة وحماس، بما شكل اقراراً بمكانة حركة حماس في رسم الأحداث وترسيخ مكانة الحركة في الشارع الفلسطيني.

تصاعدت حدة التوتر بين حركتي فتح وحماس، ووصلت حد الصدام، بعد قبول منظمة التحرير قراري مجلس الأمن 242 و338 في وثيقة الاستقلال عام 1988، الأمر الذي اعتبرته حركة حماس انحرافاً عن المسار الوطني. فالخلاف بين الحركتين هذه المرة اقترب ليلامس ثوابت حماس ومرتكزاتها الفكرية في حل الصراع، الأمر الذي يعني تحولاً في البرامج والأهداف بين كلتيهما. فتطورت طبيعة الخلاف بين الفصيلين عن الإطار التنافسي الذي ميزها في الفترة السابقة، إلى خلاف جوهري حول حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. تم توقيع وثيقة شرف صدرت في يوليو من عام 1992، تضمنت وضع أسس للعلاقة بين الفريقين، والتشديد على حق كل فصيل في الاجتهاد الفكري والسياسي واعتماد الحوار البنًاء لفض المنازعات بين حماس وفتح . وفي بداية عام 1993 انعقدت جلسة للحوار بين قيادتي المنظمة وحركة حماس في الخرطوم برعاية (حسن الترابي)، جاءت خلال فترة مفاوضات مدريد العلنية، ولقاءات أوسلو السرية، في محاولة من المنظمة لتأكيد تمثيلها لمختلف الفصائل الفلسطينية، إلا أن هذا الحوار لم يفضِ إلى نتائج تذكر، وطالبت خلاله حركة حماس من المنظمة الانسحاب من مؤتمر مدريد، وتأمين حصولها على 40% من مقاعد المجلس الوطني، وإحداث تغييرات جوهرية في برامج منظمة التحرير الفلسطينية فظهر الخلاف واضحاً بين الحركتين حول تمثيلها في المنظمة . رفضت حركة حماس القبول باتفاقية أوسلو الموقعه عام 1993، واعتبرتها تنازلاً عن الحقوق الفلسطينية، ورفضت الإقرار بتمثيل منظمة التحرير واعتبرته لا يعكس الواقع الفلسطيني، إلا أن الحركة تبنت مبدأ التعايش مع السلطة الفلسطينية التي نشأت على أساس اتفاقية أوسلو، ورسخت خطاباً إعلامياً يطعن بشرعية السلطة ويظهرها كمشروع يقوّض الحقوق الفلسطينية، وصعّدت وتيرة العمل العسكري ضد إسرائيل. في حين تولت حركة فتح قيادة السلطة الفلسطينية واعتمدت ممارسة مستويات معينة من الضغط على حركة حماس، وترك هامش محدود لنشاطها، بما يسمح باستخدامها كورقة تكتيكية خلال المفاوضات مع إسرائيل. من ناحيتها تبنت حركة حماس سياستها السابقة في تعاملها مع السلطة الفلسطينية انطلاقاً من الخوف على مستقبلها في ظل ما يمكن أن يتوفر للسلطة الفلسطينية من إمكانيات تعزز قدرتها السياسية والاقتصادية والتأييد من اغلبية الدول العربية ودول العالم، ومراهنتها على محدودية عُمر السلطة وفشل مشروع اتفاقية أوسلو.

بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد (1999_2000) واندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وتصعيد الاحتلال الإسرائيلي ممارساته لقمعها، اقتربت سياسة الطرفين حماس وفتح، وتناسى كل منهما خلافاته مع الاخر، فتوحدت أهداف الحركتين لمواجهة الاحتلال . إلا أن تلك الأجواء مهدت الطريق أمام الضغط على القيادة الفلسطينية للانخراط في مفاوضات خطة خارطة الطريق عام 2003، والتي كانت تهدف في الأساس إلى القضاء على المقاومة الفلسطينية. وشكّل غياب الرئيس الفلسطيني (ياسرعرفات) نقطةً تحول في إدارة العلاقات بين الفصائل الفلسطينية، التي كانت تختلف معه ولكن لا تختلف عليه،(8) عمل الرئيس الراحل ياسر عرفات على توظيف الخلاف السياسي مع حركة حماس في تعزيز موقف منظمة التحرير التفاوضي، فتفادى التصادم بين البرامج السياسية لحركتي فتح وحماس، بينما جاء موقف الرئيس محمود عباس أكثر وضوحاً وحسماً تجاه تبنّي الوسائل السلمية ورفض العمل العسكري في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. ورغم توجه الرئيس أبو مازن لدمج حركة حماس ضمن النظام السياسي ومؤسسات السلطة الفلسطينية، إلا أنه لم يتوصل إلى اتفاق وسط معها حول البرامج السياسية، الأمر الذي عكس الخلافات بين الحركتين، بعد انخراط حركة حماس لاحقاً في النظام السياسي الفلسطيني إثر فوزها في الانتخابات التشريعية.

أعلنت حركة حماس عن قرارها المشاركة في الانتخابات التشريعية، بعد شهرين فقط من فوز أبو مازن في الانتخابات الرئاسية التي جرت مطلع عام 2005، حيث دعا خلال حملته الانتخابية القوى والفصائل للمشاركة في صياغة القرار الفلسطيني ضمن أطر منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ، بحيث تكون هناك سلطة واحدة وسلاح شرعي واحد.

في حين اعتبرت حركة حماس الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة في سبتمبر عام ٢٠٠٥، دليلاً على قدرة المقاومة على الإنجاز، وأكدت تمسكها بسلاح المقاومة وحماية جهازها العسكري المعروف بكتائب القسام. وبالتزامن مع تولي محمود عباس منصب الرئاسة أعلنت حركة حماس نيتها المشاركة في الانتخابات المحلية والبلدية والتشريعية، ووجهت مصر دعوةً إلى حوار وطني يضم مختلف الفصائل الفلسطينية، تمخض عنه إعلان القاهرة الذي أكد على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، والالتزام بالتهدئة المتبادلة مع الجانب الإسرائيلي، وتفعيل منظمة التحرير لتضم مختلف الفصائل، والتأكيد على أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة للتعامل بين كافة القوى والحركات الفلسطينية .

بعد فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي، في الخامس والعشرين من يناير 2006، بحصولها على 76 مقعداً من مجموع مقاعد الـمجلس الـ 132، مقابل 43 مقعد لحركة فتح، شكّلت الحكومة وحيدة بعدما رفضت حركة فتح وبقية الفصائل التقاسم معها في حكومة وحدة وطنية. وبدا الخلاف واضحاً عندما طالب الرئيس أبو مازن حركة حماس بأن يتضمن البيان الحكومي اعترافاً بمرجعية منظمة التحرير والالتزام بكافة الاتفاقات التي وقعتها، في حين شددت حركة حماس على ضرورة إعادة بناء المنظمة وتفعيلها لتضم مختلف القوى الفلسطينية. ورفضت حركة حماس الإقرار بشروط الرباعية والاعتراف باتفاق أوسلو والاعتراف بإسرائيل، ففرضت إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي حصاراً مالياً على حكومتها.

الحصار المفروض على حكومة حماس ادى لأزمة مالية خانقة، وقفت حائلاً أمام دفع رواتب الموظفين المحسوبين في غالبيتهم على حركة فتح. رفض عدد من الموظفين وقيادات مؤسسات السلطة الفلسطينية، وبشكل خاص الأمنية منها، التعاون مع حكومة حماس . تشكيل حركة حماس القوة التنفيذية التي ينتمي أفرادها للحركة. وأظهرت هذه المظاهر إشكالية في العلاقة بين السلطات الثلاث في النظام السياسي الفلسطيني، بسبب الغموض في النصوص وعدم الوضوح في تحديد الصلاحيات. وجاء الإعلان عن وثيقة الأسرى للوفاق الوطني في مايو عام 2006، في سبيل وضع حد للتوتر الذي تشهده الساحة الفلسطينية، عبر الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة كافة الكتل البرلمانية، وضرورة التعاون بين الحكومة ومؤسسة الرئاسة، وإصلاح الأجهزة الأمنية، وحصر صلاحية إدارة المفاوضات على المنظمة ورئيس السلطة، كما دعت الوثيقة إلى الوحدة الشعبية لمواجهة الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة وإسرائيل. إلا أن وثيقة الأسرى التي باتت تُعرف بوثيقة الوفاق الوطني بعد التعديلات التي أدخلت عليها، لم تنجح في تحقيق المصالحة، لكنها رسخت مبدأ حكومة الوحدة الوطنية. وفي ظل غياب رؤية مشتركة بين الرئاسة والحكومة تتيح التعاون بما يواكب المتطلبات الدولية لرفع الحصار، ورفضت حركة حماس طرح الرئيس أبو مازن الاعتراف بمبادرة السلام العربية كمخرج من الإقرار بشروط الرباعية، وكذلك رفضت دعوته لانتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، فتصاعدت الخلافات الميدانية على الأرض.

وفي الثامن من يناير لعام 2007، وقّعت حركتا فتح وحماس في مكة اتفاقاً يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية، كلّف على إثره الرئيس أبو مازن مجدداً إسماعيل هنية بتشكيل حكومة وحدة وطنية والشروع في اتخاذ الإجراءات الدستورية لتكريسها، وتأكيد مبدأ الشراكة السياسية على أساس القوانين المعمول بها في السلطة الوطنية الفلسطينية، وكذلك احترام الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير، وإجراءات تطويرها وإصلاحها وتسريع عمل اللجنة التحضيرية لذلك وفق خطوات متفق عليها، بالاضافة الى ذلك أكد اتفاق مكة على حرمة الدم الفلسطيني واتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات التي تحول دون الاقتتال. ووزعت الحقائب الوزارية وتم تسمية الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية المتفق على تشكيلها.

وعلى الرغم من أن اتفاق مكة وضع تفاصيل إضافية عن الاتفاقات السابقة لتشكيل حكومة الوحدة، إلا أن المعضلة الرئيسية بقيت في برنامجها السياسي وعدم تلبيته لمتطلبات المجتمع الدولي، الأمر الذي كان يعني استمرار الحصار الظالم على قطاع غزه . أخطأت حماس في موقفها الرافض للقرارات الدولية وقرارات مجلس الأمن 242 و 338 . وعلى الرغم من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية حسب اتفاق مكة، إلا أن الاشتباكات الميدانية تطورت لتشمل كافة مناطق قطاع غزة، وتدخّل الوفد الأمني المصري عدة مرات للتوصل لاتفاقات هدنة، إلى أن فرضت حركة حماس سيطرتها المطلقة على قطاع غزة، وحددت مهلة لعناصر الأجهزة الأمنية حتى مساء الجمعة في الخامس عشر من يونيو لعام 2007 لتسليم أسلحتهم. حيث أعلن الرئيس أبو مازن حالة الطوارئ وأصدر مرسوماً بإقالة حكومة الوحدة الوطنية، وشكّل حكومة جديدة في الضفة الغربية برئاسة سلام فياض، بينما رفضت حركة حماس الاعتراف بقرار الرئيس.

أنعشت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أواخر عام 2008 الحوار الوطني، بعد انقطاع بين حركتي فتح وحماس دام أكثر من عام، خصوصاً في ظل توقف المفاوضات وعدم تحقيقها أية نتائج تذكر منذ انطلاق مؤتمر أنابوليس عام 2007. وعقدت الفصائل الفلسطينية اجتماعاً في القاهرة تحت رعاية مصرية في السادس والعشرين من فبراير لعام 2009، اتفقت خلاله على تشكيل خمس لجان تناقش قضايا الأمن والانتخابات ومنظمة التحرير والحكومة الانتقالية والمصالحة المجتمعية. وركزت حركة فتح خلال جولات الحوار على ضرورة تشكيل حكومة تستطيع التعامل مع المتطلبات الدولية لضمان فك الحصار عنها، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، بينما ركزت حركة حماس على أن يكون اتفاق المصالحة شاملاً يعالج الملفات الخمسة وتنفيذ ما يتم التوافق بشأنه كرزمة واحدة، وإطلاق سراح معتقليها لدى السلطة، ورفض الضغوط الخارجية المتمثلة بشروط اللجنة الرباعية.

عرضت الورقة المصرية في الخامس عشر من أكتوبر لعام 2009 تفصيلات لم تكن قد تضمنتها أي من اتفاقات الحوار السابقة، مما جعلها تعتبر خطوةً متقدمة عن الاتفاقات السابقة لما شملته من تفصيلات حول إجراءات تنفيذ المبادئ العامة التي تم التوافق حولها، وتعالج معظم القضايا الخلافية بين الحركتين، وذلك في ست مواد رئيسية، مطالبة الحركتين حماس وفتح بتوقيعها كما هي ودون أي تعديل. تناولت مادتها الأولى تفعيل وتطوير المنظمة. والثانية إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بحيث تكون متزامنة وتُجرى انتخابات المجلس الوطني على أساس التمثيل النسبي الكامل في الوطن والخارج حيثما أمكن، بينما تجرى الانتخابات التشريعية على أساس النظام المختلط بنسبة 75% للقوائم و25% للدوائر. وتحدثت المادة الثالثة عن الأمن من خلال مجموعة من المبادئ العامة لتكون الأجهزة الأمنية مهنية غير فصائلية وتحديد مهام واختصاصات هذه الأجهزة. أما المادة الرابعة فتعالج موضوع المصالحة الوطنية من حيث الأهداف وآليات تحقيقها. فيما تناولت المادة الخامسة تشكيل لجنة مشتركة لتنفيذ اتفاقية الوفاق الوطني، وتوحيد مؤسسات السلطة في الضفة والقطاع. وأكدت المادة السادسة تحريم الاعتقال على خلفية الانتماء السياسي، وتضمنت آليات لحل موضوع المعتقلين لدى الجانبين.

تحفظات حركة حماس على الورقة عطلت توقيعها، فنظمت مصر جولة حوار جديدة لمناقشة تحفظات حماس، وعقدت أولى جلساتها في دمشق في الرابع والعشرين من سبتمبر لعام 2010، اتفق خلالها على تشكيل لجنة الانتخابات ومحكمة الانتخابات بالتوافق، وتشكيل إطار قيادي مؤقت لحين إعادة بناء منظمة التحرير، بينما بقي موضوع الأجهزة الأمنية واللجنة المكلفة بإعادة هيكلتها عالقاً دون اتفاق، حتى في لقاء دمشق التالي. وأنتجت سلسلة اللقاءات التالية خلال شهري مارس وإبريل عام 2011، توقيع الطرفين حماس وفتح على الورقة المصرية، لكن بقي الخلاف الرئيسي على البرنامج السياسي لحكومة الوحدة. شكّل توجّه السلطة لطلب عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر لعام 2011، وإنجاز حركة حماس صفقة تبادل الأسرى، أجواءً إيجابية لاستئناف الحوار، فعُقد لقاء في القاهرة في الثالث والعشرين من نوفمبر ضم الرئيس أبو مازن وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أعلن خلاله الطرفان عن العمل كشركاء، كما اتفقت الحركتان خلال اجتماع لاحق في القاهرة على تشكيل لجنة الانتخابات المركزية.

واجتمعت لجنتان أحداهما في الضفة الغربية والثانية في قطاع غزة في فبراير من عام 2012 لمعالجة قضايا الحريات العامة وبناء الثقة، وتفعيل المجلس التشريعي. لكن الخلاف حول برنامج الحكومة بقي معطلاً للمصالحة، الأمر الذي دعا أمير قطر لعقد لقاء جمع الرئيس أبو مازن وخالد مشعل في الدوحة، أسفر عنه توقيع اتفاقٍ نصَّ على تشكيلة حكومة توافق وطني يرأسها الرئيس أبو مازن كمخرج من أزمة التوافق حول البرنامج السياسي ، إلا ان تلك الحكومة لم تر النور أيضاً.

ومما ساعد على توقيع اتفاقية الشاطيء هو خسارة حركة حماس أهم حليفين لها شكّلا لسنوات طويلة مصدر دعمها الرئيسي. بعد رفض حركة حماس دعم النظام السوري خلال الأزمة السورية، وغادرت قيادة حركة حماس الأراضي السورية وأغلق مقرها. كذلك بعد سقوط نظام حركة الإخوان في مصر في يونيو عام 2013، اتخذت السلطات المصرية الجديدة إجراءات قاسية ضد حركة حماس، وشددت الحصار على قطاع غزة، وذلك لموقف حماس الداعم للاخوان المسلمين في مصر الأمر الذي تسبب للحركة بأزمة خانقة. وتعزيز الاتجاه المعتدل والداعم للمصالحة في صفوف حماس، بعد أن أعاد مجلس الشورى لحركة حماس مطلع شهر إبريل 2013 انتخاب خالد مشعل رئيساً للمكتب السياسي للحركة لأربع سنوات جديدة. كما ولم تحقق جولات المفاوضات التي جاءت برعاية جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، ولمدة تسعة أشهر، أية نتائج تذكر، ورفضت إسرائيل الإفراج عن الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى.

قررت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في نهاية شهر مارس من عام 2014 تشكيل وفد للقاء إسماعيل هنية، وسمحت مصر لـموسى أبو مرزوق مسؤول ملف المصالحة في حركة حماس بالدخول إلى قطاع غزة عبر معبر رفح للمشاركة في جلسات المصالحة، رغم تراجع العلاقات بينها وبين الحركة. وتم الإعلان عن اتفاق الشاطئ وبدء تنفيذ المصالحة ، وسط ترحيب شعبي وفصائلي كبيرين. وأهم ما اتفق عليه في اتفاق الشاطئ : التأكيد على ما جاء في اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة. بدء الرئيس مشاورات تشكيل حكومة التوافق الوطني والإعلان عنها خلال خمسة أسابيع. التأكيد على تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني على أن يتم إجراؤها بعد ستة شهور على الأقل من تشكيل الحكومة. الاتفاق على عقد لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير في غضون خمسة أسابيع، مع التأكيد على دورية وتواصل اجتماعاتها بعد ذلك. استئناف عمل لجنة المصالحة المجتمعية، ودعوة لجنة الحريات العامة في الضفة والقطاع لاستئناف عملها وتنفيذ قراراتها. تفعيل المجلس التشريعي للقيام بمهامه. بدأت الخطوات الفعلية لتنفيذ اتفاق الشاطئ، فبدأ الرئيس أبو مازن بمشاوراته لتشكيل الحكومة المتفق حولها، وأعلن موسى أبو مرزوق أن حماس لن تعارض وجود شخصية توافقية لرئاسة الحكومة في حال قرر الرئيس ذلك، في إشارة لرئيس الوزراء رامي الحمد الله. والذي كلفه الرئيس لاحقاً بتشكيل الحكومة.(17) وتم الإعلان عن حكومة التوافق الوطني في الثاني من يونيو، 2014 والتأكيد على إنهاء الانقسام واستعادة وحدة الوطن. في حين هاجمت إسرائيل الاتفاق، وأعلنت نيتها اتخاذ إجراءات عقابية ضد السلطة، أكدت الإدارة الأمريكية مواصلة تقديم المساعدات لحكومة التوافق الفلسطينية.

على الرغم من تشكيل حكومة التوافق الوطني المتفق عليها فلا زالت العقبات تواجه المصالحة بسبب غياب الثقة صراع المصالح أدى لتفسيرات متناقضة لبنود الاتفاق. وبقي الخلاف الرئيسي والملازم لمختلف مراحل الانقسام حول البرنامج السياسي للحكومة. فموقف حركة فتح يتبنى ضرورة التزام أي حكومة فلسطينية بالاتفاقيات والتعهدات التي وقعتها منظمة التحرير، في ظل سيطرة إسرائيل على المعابر وتحكّمها بجباية العائدات الجمركية التي تمثل الجزء الأكبر من إيرادات السلطة. بينما ترفض حركة حماس الاعتراف بإسرائيل، وتعتبر هذا الموقف جزءاً من التزام الحركة بميثاقها وقناعاتها الفكرية والعقائدية، رغم أن الحركة تعتبر قبولها بدولة فلسطينية في حدود عام 1967 نقطة التقاء وبرنامج مشترك مع حركة فتح وفصائل منظمة التحرير.

ويعتبر الملف الأمني بتشعباته أحد أهم أسباب فشل اتفاقات المصالحة السابقة، فالورقة المصرية للمصالحة نصت على تشكيل لجنة عربية وفلسطينية تشرف على إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ما بعد تشكيل الحكومة. وتتشعب المعضلة الأمنية في عدد من القضايا أهمها: تحديد مرجعية الأجهزة الأمنية ومسؤولياتها. وعدم وضوح الكيفية التي سيتم فيها إدارة أجهزة الأمن. ففي قطاع غزة أجهزة الأمن تحت سيطرة حركة حماس، وفي ظل حكومة تحمل برنامج أبو مازن. وفي الضفة الغربية أجهزة الأمن تحت سيطرة حركة فتح وتحظى بصلاحيات واسعة وتتقيّد بالتعهدات التي تفرضها الاتفاقيات مع إسرائيل. أما بخصوص مستقبل الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية، فقد طالب الرئيس أبو مازن بحل الكتائب العسكرية والتشكيلات المسلحة للفصائل ومن بينها كتائب القسام، بينما تصر حركة حماس على بقائها مستقلة وذلك يتنافى مع الاتفاقيات والتعهدات الدولية. أما مستقبل التنسيق الأمني بين السلطة مع إسرائيل، والذي ترفضه حركة حماس . كذلك مستقبل العاملين في الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، فهناك الآلاف من أفراد تلك الأجهزة التابعة للسلطة ولحركة فتح، ترفض حركة حماس عودتهم إلى أجهزتهم التي توقفت عن العمل عقب الانقسام.

وتعتبر قضية الموظفين الجدد في غزة معضلة من المعضلات التي لا تزال عالقة حتى في اتفاق الشاطئ الأخير. وكانت حركة حماس قد وظّفت ما يزيد عن خمسين ألف موظف في الأجهزة الأمنية والمدنية بعد الانقسام وترفض الحركة استبعادهم، وتطالب بضمهم إلى ديوان الموظفين التابع للسلطة الفلسطينية، ولم تقدم حركة فتح تعهداً بذلك خلال حوارات الشاطئ. وترى حركة حماس في ذلك نوع من التعويض عن سنوات طويلة من التهميش لأبناء الحركة من قبل السلطة الفلسطينية وحرمانهم من الوظائف الحكومية تحت مسمى "السلامة الأمنية". وتدفع حركة حماس رواتب هؤلاء الموظفين من ميزانية حكومة حماس، بما يشكّل العبء المالي الأكبر فيها.(22)وتعاني السلطة الفلسطينية عجزاً في الميزانية وتتخوف من عدم قدرتها على دفع رواتب موظفيها، في حال رفض إسرائيل تحويل عائدات الضرائب.

وتؤكد حركة حماس على ضرورة إجراء انتخابات المجلس الوطني بالتزامن مع الانتخابات التشريعية والرئاسية، خشيةً من إعادة تكرار تجربة الانقسام، بسبب سيطرة حركة فتح على منظمة التحرير والقرار الفلسطيني. وأثار قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير اعتماد مشروع قانون انتخابات المجلس الوطني، خلافاً بين حركتي فتح وحماس، فاعتبرته حركة حماس مخالفاً للاتفاقيات التي وقعتها الفصائل في القاهرة برعاية مصرية، وأن اعتماد القانون ليس من صلاحيات اللجنة التنفيذية، وإنما من اختصاصات الإطار القيادي المؤقت المتّفَق على تشكيله، والذي ي1ضم الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية.

2.4. فرص المصالحة بين حركتي فتح وحماس ومستقبل تسوية الصراع الفلسطيني

لعبت العديد من العوامل الإقليمية والدولية دوراً واضحاً في تغذية الانقسام الفلسطيني وإطالة أمده، بما انعكس سلباً على مستقبل القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. فالمصالحة هي الخيار الوحيد للفلسطينيين لإعادة القضية إلى مسارها الصحيح. وليس من المتوقع أن يتم تحقيق مصالحة حقيقية بين حركتي فتح وحماس، إلا في حالة الاتفاق على الخطوط العريضة للبرنامج السياسي الفلسطيني، بما يسمح بحل جميع الملفات العالقة كملف الأمن ومنظمة التحرير والانتخابات بتفرعاتها. ويبقى نجاح اتفاق الشاطئ في تحقيق إنجاز لجنة الحريات لعدد من القضايا مجرد مبادرات حسن نوايا. فقد نجح الاتفاق في السماح بتبادل إدخال الصحف الفلسطينية التي كانت ممنوعة بسبب الانقسام، وحل مشكلة جوازات السفر، والسماح بحرية تنقل كوادر حركة فتح الذين منعوا من دخول القطاع بعد الانقسام. كما جرى الاتفاق على إطلاق سراح تسعة عشر معتقلا سياسيا من سجون قطاع غزة، وواحد وأربعين معتقلا سياسيا من سجون الضفة الغربية، بعد تشكيل الحكومة، وتم اعتماد ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد الانقسام كشهداء.

وكانت قد توافقت الفصائل الفلسطينية خلال اجتماعها في القاهرة عام 2011 على تشكيل لجان لمتابعة قضايا الحريات والمصالحة المجتمعية، وتشكلت لجنتان تحت إشراف مصري في الضفة الغربية وقطاع غزة لمتابعة قضايا الحريات وبناء الثقة، إلا أنها توقفت عن عقد اجتماعاتها بعد عدة جلسات، وأعيد تفعيلها عقب توقيع اتفاق الشاطئ. ويتابع ملف المصالحة المجتمعية حل أزمة العائلات التي فقدت أبناءها خلال عمليات الاقتتال الداخلي، قبل سيطرة حركة حماس على القطاع، ونال اهتماماً بحلّه منذ انطلاق جلسات الحوار في القاهرة، عبر رصد مبالغ مالية لتدفع على شكل "دية" للمتضررين، وتم تفعيل اللجنة بعد اتفاق الشاطئ، وإنشاء صندوق للتعويضات بقيمة ستين مليون دولار، وأبدت قطر استعدادها لدعم الصندوق بخمسة ملايين دولار.

الملخص

حسب طرح كل طرف رأيه ومواقفه من قضايا الاختلاف برغم اتفاقيات المصالحة التي تم التوقيع عليها والجلسات الحوارية في مكة والقاهرة ودمشق والدوحة واليمن، يمكن حصر تلك الخلافات وحسب آرائهما كالتالي:

- الصراع الفلسطيني أعمق بكثير من مجرد صراع ايديولوجي فكري على كيفية التعامل مع الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. حماس هي حركة دينية سياسية قائمة على الدين كمنهج حياة ودستور لها، وعلى البرنامج السياسي الرافض لفكرة التفاوض مع الأعداء أو اجراء تسوية سلمية معهم مهما كلف الأمر، ومن هنا جاءت فكرة الرفض للدخول في عمليات سلمية ان مفاوضات من أجل حل القضية الفلسطينية بالطرق السلمية، فهي تعتبر نفسها مسؤولة عن الدفاع عن أرض فلسطين،

- حسب الوثائق المعلنة التي تعتمدها حماس بأنها لا تؤمن بالحل السلمي مع اسرائيل وهي تؤمن بمقاومة الاحتلال عسكريا وترفض الاعتراف باسرائيل، بينما حركة فتح ترى بأنه بالامكان الاعتماد على الحل السلمي والمقاومة الشعبية السلمية والتفاوض مع اسرائيل لإقامة دولة على حدود 1967.

- ترى حماس انه بتشكيل حكومة توافقية وطنية برئاسة عباس وتحقيق المصالحة وانهاء مسألة الاعتقال السياسي وافشاء الحريات في كافة مناطق السلطة بشكل متكامل ومتزامن في حي ترى فتح ان اجراء الانتخابات قبل تنفيذ بقية البنود وهذا ما ترفضه حماس.

- التنسيق الامني بين السلطة واسرائيل بما يتعلق بمنع اي مظاهر مسلحة ضد اسرائيل وتبادل المعلومات الامنية وملاحقة كل من يدعم المقاومة ضد الاحتلال فإن موقف حماس ضد هذا الاجراء وتطالب بانهائه وتطالب بتوفير الدعم للمقاومة بينما ترى فتح بأن التنسيق هو جزء من اتفاق اوسلو ولا يمكن ايقافه وهو ملزم لها حسب الاتفاق مع الطرف الاسرائيلي.

- الاعتقال السياسي: وهي الاعتقالات التي تمارسها سلطة فتح بالضفة ضد عناصر حماس وتمارسها حماس في غزة ضد عناصر فتح. وادعاءات اي طرف منهما يُبعِد الحوار عن اساسه في هذا الامر.

- الحريات: حماس تطالب باشاعة الحريات بالضفة بالتوافق مع تنفيذ اتفاقات المصالحة وعدم الاعتراض على نشاطها السياسي وافتتاح مؤسساتها الاجتماعية المغلبة وعدم ملاحقة عناصرها وترك الحرية للجميع للتعبيرعن ارائهم، وهذا ما تطالب به فتح كذلك لكن النيّة بم تتوفر لدى الطرفين.

- فتح تعتبر نفسها العمود الفقرى للمنظمة وان المنظمة بدأ دورها ينحسر منذ تأسيس السلطة حيث ان السلطة تعتبر مزيج فتحاوي من الداخل والخارج اوجده اتفاق اوسلو. بينما حركة حماس فان طريقها لم تكن سهلة من حيث ان عقبات العمل لتحقيق برنامجها السياسي وطموحها للوصول للسلطة برغم ذلك فازت بانتخابات التشريعي وشكلت الحكومة. باقي تشكيلات منظمة التحرير لم يكن تأثيرها واضحا بل كان تابعا خلف فتح نتيجة للهاث خلف المصالح الضيقة.

- من المعروف بأن فتح وحماس تقدمان برنامجين مختلفين أحدهما برنامج فتح ويستند أساساً إلى خطة التسوية، والآخر برنامج حماس ويستند أساساً إلى خط المقاومة. والخلاف بينهما هو في حقيقته تعبيرٌ عن عملية إدارة كلّ منهما لبرنامجه ضمن الظروف المتاحة. وبما انه تم تحييد دور المنظمة وهي التي يجب ان تكون الاساس في الصراع برمته، تم تعويم الدور السياسي الأهم وطنيا وشعبيا وتم تجيير الصراع وتحويله الى ذاتي والى حد كبير الى صراع غير وطني بل مصلحي. لهذا فان الادوار اختلطت بين الجميع.

الفصل الثالث

الرأي الاجتماعي السياسي الفلسطيني حول القضايا داخل فلسطين ومستقبل الدولة الفلسطينية

3.1. الأنظمة الفلسطينية الاجتماعية السياسية وموقفها إزاء العلاقات بين فتح وحماس

لم يبق عرب اسرائيل " عرب الداخل" مكتوفي الايدي أمام متغيرات ومجريات السياسة، بل سارعوا إلى تشكيل الأحزاب السياسية المتعددة، والتي من بينها:

أولاً: الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة، والتي تأسست عام 1977م، وهي ذات توجه اشتراكي يساري، حيث يعتبر الحزب الشيوعي الإسرائيلي ركيزة الجبهة وعمودها الفقري غير أنها تضم أعضاء من كافة أطياف المجتمع وغير المنتمين للحزب الشيوعي كما تضم ناشطين عرب ويهود، غير أن ثقلها الأساسي موجود في المناطق العربية.

يتكون برنامج الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة من النقاط الآتية:

* سلام إسرائيلي– فلسطيني، إسرائيلي– عربي عادل وشامل وثابت.

* الدفاع عن قضايا وحقوق العمال.

* المساواة للجماهير العربية.

* إلغاء التمييز الطائفي في جميع المجالات، والدفاع عن مصالح سكان أحياء الفقر وبلدات التطوير.

* الدفاع عن الحريات الدمقراطية وتصفية العنصرية. والنضال ضد خطر الفاشية ولإلغاء كل أشكال الإكراه الديني وضمان حرية التعبير.

* ضمان مساواة حقوق المرأة في كل المجالات.

* العمل من أجل الحفاظ على البيئة.

* حظر أسلحة الدمار الشامل.

اعتبرت الجبهة الديمقراطية قضية السلام القضية المركزية – استمرارًا لموقف الحزب الشيوعي (العمود الفقري في الجبهه) وكانت أول من طالب من اليهود والعرب داخل إسرائيل بالحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني وانسحاب إسرائيل من جميع المناطق التي احتلتها عام 67 واعتبار حرب حزيران حرباً عدوانية ودعت وناضلت من أجل قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس العربية إلى جانب دولة إسرائيل.

على الصعيد السياسي، تطالب الجبهة بوقف عمليات الاستيطان وإخلاء المستوطنات، كما تطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية المحتلة بعد عام 1967 وتأسيس دولة فلسطينية عليها، إلى جانب دعمها لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين أو إيجاد حل عادل لقضيتهم.

ترى الجبهة وجوب اعتراف إسرائيل بالعرب على أراضيهم على أنهم أقلية قومية مستقلة ذات حقوق جمعية، وتدعو إلى تحسين ظروفهم وشروط عيشهم، تمتلك الجبهة الآن 5 أعضاء في الكنيست .

ثانياً: التجمع الوطني الديمقراطي: ويعتبر التجمع الوطني الديمقراطي من أبرز التشكيلات الممثلة للعرب في إسرائيل، وقد تأسس عام 1995 بتحالف من عدة قوى ذات توجه قومي أهمها: حركة أبناء البلد والحركة التقدمية وحركة ميثاق المساواة.

يعرّف التجمع نفسه على موقعه الإلكتروني بأنه “حزب ديمقراطي يمثل المواطنين العرب في إسرائيل، حزب قومي عربي وطني فلسطيني، يعمل على الربط بين الهوية القومية ومبادئ الديمقراطية، ويسعى إلى تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية يضم الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.”

ويرى التجمع أن إسرائيل “دولة شديدة التمسك بهوتيها اليهودية، تتعارض فيها المساواة الكاملة مع أيديولوجيتها الرسمية، أي الصهيونية،” يؤكد التجمع على ضرورة “الحفاظ على الهوية القومية للمجتمع العربي في إسرائيل.”

وينتقد التجمع الطروحات الداعية لإخراج من تبقى من الفلسطينيين في إسرائيل من أراضيهم، ويتهم تل أبيب بـِ و"تطبيق قواعد الحكم العسكري تجاه الأقلية الفلسطينية" والنظر إليها على أنها “مشكلة ديموغرافية.”

أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فيدعو التجمع إلى إيجاد حل دائم لها، وهو يتهم إسرائيل بعدم الرغبة بالتفاوض حول الثوابت الفلسطينية حيال القدس والمستوطنات.

ارتبط اسم التجمع باسم النائب السابق عزمي بشارة، الذي استقال من الكنيست في أبريل/نيسان 2007 بعد أسابيع من مغادرته إسرائيل وبدء الشرطة تحقيقات انتهت باتهامه بـ"الخيانة العظمى" والتجسس لصالح حزب الله. ويمتلك التجمع حالياً ثلاثة نواب، وتضم قائمته خمسة مرشحين، ويرأسها النائب جمال زحالقة رئيس كتلة التجمع البرلمانية. قررت اللجنة الانتخابية الإسرائيلية منع التجمع من المشاركة في الانتخابات، واتهمته بعدم الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ورد التجمع بالطعن لدى المحكمة العليا التي رفضت قرار اللجنة الانتخابية .

ثالثاً: القائمة الموحدة والعربية للتغيير التي تأسست عام 1996، وهو ذو توجه قومي اسلامي، تشكلت القائمة بتحالف من قوى تمثل العرب في إسرائيل، وعلى رأسها الحركة الإسلامية والحزب العربي الديمقراطي والحزب القومي العربي، تحت اسم “القائمة العربية الموحدة.”

تعرضت القائمة لانتكاسة في دورة عام 2003، حيث خسرت ثلاثة مقاعد من أصل خمسة، ما أدى إلى تشكيل لجان تحقيق بين القوى المنخرطة فيها، غير أنها عادت لتحسين موقعها بانتخابات 2006، بعد تحالفها مع الحركة العربية للتغيير بزعامة النائب أحمد الطيبي.

بصرف النظر عن بعض الاختلافات بحسب الطبيعة السياسية للقوميين والإسلاميين في القائمة، فإن أهدافها السياسية تتشابه وأهداف سائر التشكيلات السياسية للعرب في إسرائيل لجهة دعم مسيرة السلام وإقامة دوله فلسطينية مستقلة وحل مشكلة اللاجئين.

كما تطالب القائمة برفع ودعم وتغيير المكانة القانونية والمدنية للعرب في إسرائيل و"تقليص الفجوة" القائمة بين الوسطين اليهودي والعربي والتأكيد على الهوية الثقافية والوطنية الفلسطينية للعرب في إسرائيل.

3.2. أسباب وجذور الخلافات السياسية بين حماس وفتح والفصائل الفلسطينية

جاءت العلاقات بين الحركتين على نقيض الفكر، فحماس ذات فكر وايدولوجيا دينية ، بينما فتح على أساس قومي وطني ، وهذا الاختلاف في الفكر قاد إلى الاختلاف في أساليب المقاومة، وكذلك إلى العلاقات الفلسطينية مع دول الجوار، وكذلك إسرائيل ، باعتبار أن فتح تمثل التيار القومي العربي، بينما حماس تمثل التيار الديني المعاصر وتتزعمه، وهذا جعل الرؤية تجاه عملية السلام والسلطة الفلسطينية متناقض بين حماس وفتح وجعل الحركتين سياسياً في خلافات مستمرة تعود إلى البدايات الأولى التي نشأت فيها حماس وهي انتفاضة الحجارة عام 1987، والأمر الذي عمق الخلاف استبعاد حماس عن سدة الحكم وعدم تمكينها من الوصول إلى مراكز مرموقة في السلطة، وخاصة بعدما فازت عام 2006 في الانتخابات بأغلبية المجلس التشريعي.

لن يقف فلسطينيو الداخل مكتوفي الايدي أمام أي شيء يُؤرّق مستقبل الشعب الفلسطيني بصفتهم قسم من هذا الشعب ولهم مواقف واضحة وصريحة من الانقسام واقامة الدولة الفلسطينية ولهم مصالح تختلف عن فلسطينيي الضفة وغزه فلسطينيو الداخل موطنين في دولة اسرائيل ولهم كافة الحقوق المدنية استمروا بالحفاظ على بقائهم على أرضهم رغم المحاولات لتفريغهم من وطنهم. ففي كافة مراحل تطور القضية الفلسطينية كان لهذا الجزء من الشعب الدور الريادي الواضح بالرأي والموقف والفعل تجاه اي تطور يحصل.

3.3 موقف القيادات السياسية للعرب الفلسطينيين في اسرائيل من الاتفاقيات

لا يوجد بعد بحث طويل في المكتبات العامة والكتب والابحاث والتصريحات السياسية لقادة الاحزاب والهيئات الرسمية لعرب الداخل ولا يوجد موقف واضح وصريح من الانقسام، لم يتطرق أو يتحدث أحد عن موضوع الانقسام. ولذلك قمت بإجراء مقابلات مع قيادات سياسية وتمثيلية وبالأخص رئيس لجنة المتابعة العليا، التي تضم الاحزاب السياسية والحركات الدينية ومستقلون آخرون، وكذلك مقابلات مع أكاديميين وباحثين من عرب الداخل. وهم:

عصام مخول - نحن كحزب شيوعي لم نوقع اتفاقية اوسلو ولم يكن هذا مشروعنا، مشروعنا كان مؤتمر جنيف الدولي، هذا المشروع البعد الاساسي فيه هو إجبار اسرائيل على احترام القرارات الدولية. الان حدثت تحولات في الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينات واعتقدوا ان هنالك امكانية للحل عن طريق التفاهم في واقع جديد وبالمقابل جرى اتفاق اوسلو، نحن من اللحظة الاولى كان لنا تحفظ من هذا الموقف. فأوسلو كان فيه شيء ايجابي وهو الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وانسحاب الاستيطان وما الى ذلك. ونحن قمنا بدورنا بتنبيه منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات ان هنالك ثغرات، مثلا قضية الاستيطان غير محددة، موقفنا الاساسي يقول ان تحدد الهدف الاساسي لأين سيصل هذا الاتفاق. لقد كان لنا على طول الطريق خطوة الى الخلف لأننا غير مقتنعين باتفاق اوسلو لأنه ممكن ان يتطور الى موقف يقود نحو حل ولكن فيه ما يكفي من الثغرات لمنع تطوره وتحويله الى اداة في يد العدو وهو ما نراه الان".

القضية لم تبدأ بالانقسام فجذورها موجودة في مكان آخر مرتبط بموقف حماس من النضال الوطني الفلسطيني. يجب ان نعود للانتفاضة الاولى التي اندلعت وامتدت على طول الارض وفي وقت متأخر انضمت اليها حركة المقاومة حماس، والانتفاضة الثانية كان نشاط حماس داخل الضفة ولكن في قطاع غزة لم تكن داعم لمنظمة التحرير الفلسطينية وانما كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية ولم تحدد في طروحاتها ماذا تريد. كان يوحى الى ان حماس ليست موجودة لإنهاء الاحتلال في منطقة عام 67 واقامة دولة فلسطين المستقلة مكان الاحتلال. وفي مرحلة معينة اصبح اقامة امارة إسلامية موطيء قدم أينما امكن. هي جزء من حركة الاخوان المسلمين هذه هي جذورها والواقع الفلسطيني فرض عليها التعامل مع القضية الفلسطينية ولكن في خلفية هذا الدور الذي قامت به المقاومة فالطابع الاساسي لها هو إسلامياً وليس وطنياً. حماس قامت تحت العين المفتوحة لدى الاحتلال الاسرائيلي واسرائيل حين كانت تشدد الخناق على الحركة الوطنية الفلسطينية بفصائلها المختلفة، كانت حينها تغض الطرف عن حماس، فالعدو الاساسي لإسرائيل كان منظمة التحرير. واعتبرت استمرار حركة اسلامية ممتدة من الاخوان المسلمين قد تحد من انتشار منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها. بالرغم من ذلك فان القضية الوطنية تفرض نفسها على حماس. بالنسبة لإسرائيل فهي معنية بحماس قوية وقادرة على ان تخلق هذا الانقسام.

اولا هنالك تراجع في مكانة القضية الفلسطينية بعد الانقسام، وتعمّقت العدوانية والعنف الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني، واثار التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني بخاصة في غزة والحصار ومسألة الانسحاب من غزة والتي كانت جزء من الاحكام على القطاع وليس التخلي عنه، كلها ادت إلى تحييد قوى كانت داعمة للقضية الفلسطينية او ساعد اسرائيل ان تلعب على التناقضات. فاسرائيل ليست معنية بالقضاء على حماس لا سياسياً ولا عسكرياً. اسرائيل كانت تستخدم حماس لكي تُخضع الشعب الفلسطيني ليقتنعوا بأن يتخلوا عن حلمهم بالاستقلال، ولكي تخلق اجيال جديدة من الناس الذين لا يعرفون غير اطلاق الصواريخ، وبحجة هذه الصواريخ فاسرائيل تغسل يديها يومياً من الحل السياسي ومن أي حل لتنفيذ القرارات الدولية. انقسام واستقلال حماس في غزة، رافقه تخلي عن الثوابت ضد السلطة الفلسطينية. من جهة حماس انشقت، ومن جهة السلطة الفلسطينية من اجل ان تحفظ مكانتها ازاء الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل والعالم الغربي قدمت تنازلات وقبلت بسياسات لا تليق مع المعركة الوطنية الاساسية وخصوصا في القضية الامنية. وفُرضَت العزلة التي جلبتها حماس والتراجعات السياسية التي قدمتها السلطة الفلسطينية. هذا أضعَف القضية الفلسطينية بالرغم من كل التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب الفلسطيني. القضية الفلسطينية ارتمت بأحضان الرجعية العربية، من الجامعة العربية والسعودية ومصر ودول الخليج وغيرها. قطر كانت متمسكة اكثر بحماس، تركيا تبنت حماس وتبنت الاخوان المسلمين في مصر، ولذلك فما حاولت القضية الفلسطينية ان تمنعه خلال عقود، وان لا تكون لقمة سائغه في لهذا النظام او ذاك، اصبحت فرصة للانقضاض على القضية الفلسطينية من قبل كل من يريد ان يؤثر في المنطقة، ويستغل القضية الفلسطينية من اجل ذلك. بهذا المعنى أصبح للاعداء واسرائيل في مقدمتهم ورعاتها (الدول الغربية)، فكان بالنسبة لهم وضع مريح واستطاعت ان تناور فيه بين الغضب على غزة ومسايرة السلطة الفلسطينية لتبرير العدوانية الاسرائيلية على غزة، لكن الذي دفع الثمن في النهاية الشعب الفلسطيني.

عايدة توما - لا اوافق ان اتفاق اوسلو لغى القرارات الدولية ولم ينهي ولم يحسم باتفاق اوسلو وهذا الخطأ القائم لمراحل المفاوضات القائمة (حق العودة واللاجئين والقدس والمستوطنات والمياه)، حدود الدولة – هي جوهر الحل رحّلوهُ الى ما بعد توجه الحكومة الاسرائيلية والمراوغة لكسب الوقت لفرض الوقائع على الارض وحل النقاط الخمسة التي ذكرتها بالأعلى، لم يجمع قضية الحدود لذا لم ينقض قرار الدولة الفلسطينية.

اعتقد ان ردة فعل العالم كعدم تقبل الانتخابات بغض النظر عن الضغط الذي مورس عالميا، عمّق الشرخ الذي كان بالأساس فكري عقائدي حزبي داخل المجتمع الفلسطيني، وكان يمكن تداركه مع الضغط الدولي القائم. ومن هنا اتت الضغوطات الاوروبية على الشارع الفلسطيني واستعملت فتح وحماس هذا السلوك بالانقسام.

اكيد لها تأثير، ومن الخطأ ان ننظر للعالم بنفس الطريقة وان نفصل ونميّز بين الذين يفهموا (امتدادات حماس وفتح)، وبين العالم الذي يريد ان يجيز تمرير الاهداف الصهيونية والامبريالية. الطرف الاول: (مناصر)، حيث شعر بالخذلان والانتكاسة الكبيرة وضُرِبَ بالعمق، فأهداف النضال الفلسطيني والجرائم التي حيكت ضد الشعب ضربت طموحاته وأعطى للحكومات الاسرائيلية فرصة لتنفيذ مخططاتها. أما الطرف الثاني: فيجب كشف حقيقة حماس وعلاقاتها مع اسرائيل فهي ليست حركة مقاومة ولا يمكن قراءة الانقسام بدون اخذ آخر التطورات في الخمس سنوات الأخيرة.

فالانقسام جُذّر بطريقة التصريحات الامريكية وعدم الاعتراف بحماس كقائدة للسلطة، وبسبب التشكيلة وطريقة الانتخابات وما تم الاتفاق عليه بزيادة الانتخابات مع ان حماس هي المسيطرة، هذه النتيجة لو كانت بفارق صوت افرزت فرق في الشارع الفلسطيني، ومن هنا اتت الضغوطات الأوروبية على الشارع الفلسطيني، لأنها لم تكن تريد أو تتوقع هكذا قيادة ، وقد استغلت فتح وحماس هذا الموقف بالانقسام. وارى انه لا يمكن أن يحدث انقسام من طرف واحد.

الصحيح ان يكون هناك موقفاً وطنياً موحداً على اسس وحدوية وطنية، لكن عندما وافقت حماس على حل الدولتين، كانت كل الوقت تتصرف عكس ما تعهدت به. واعتقد ان جزء من الارباك الذي حصل سببه نقل الموقع والصراع الفكري والسياسي لأروقة السلطة الفلسطينية، التي أصبحت اداة تنفيذية في قطاع غزة والضفة الغربية، بينما القرار السياسي بإنهاء الاحتلال والاتفاق السياسي هو شأن منظمة التحرير.

محمد بركة - حسب رأيي هنالك احاديث كثيره بالأساس تصدر من اسرائيل وغيرها مفادها التراجع عن الثوابت، فما هي الثوابت " قضية القدس قضية اللاجئين قضية حدود 67"هذه القضايا لم نسمع أي موقف فلسطيني أعلن التنازل عنها، لكن مكانة السلطة ومكانة المنظمة تراجعت بفعل التعنت الاسرائيلي. عندما جرى توقيع اتفاقية اوسلو تحدثوا عن فترة انتقالية لمدة خمس سنوات، مرت اربع وعشرون سنه ولم يتغير شيء، هذا طبعا لا يعزز بالضرورة العملية السياسية ولا يعزز الثقة بمن ينادي بالعملية السياسية. ذلك اعطى ارضية لحماس لإقتناص الفرص وهنا استطيع ان اقول: فوز حماس في الانتخابات هو ليس فوز لحماس بقدر ما هو خسارة لفتح.

هنالك اختلاف حقيقي موجود على الساحة الفلسطينية بين تيارات مختلفة، تيارات سياسية تحمل طابعا ايديولوجيا لكن بذور الانقسام زرعت في اليوم الذي اعلن فيه شارون عن خطة الانسحاب، فقد كان يعرف ماذا يريد، لم يشأ أن ينسحب من غزة او يفكك المستوطنات من خلال الاتفاق مع السلطة الوطنية الفلسطينية انما الانسحاب لخلق حالة من الفوضى. هنالك زرعت بذور الانقسام للأسف الشديد وهنالك اجندات عند بعض الفلسطينيين شعرت انها تستطيع ان تستفيد من حالة الفوضى واللايقين وبالذات حركة حماس التي كانت تعترض عن اقامة المشروع الوطني الفلسطيني وتريد ان تقيم لنفسها مشروعها الخاص. الى جانب ذلك وبعد انتخابات المجلس التشريعي التي فازت بها حماس بالأغلبية عام 2005 تساءل الكثيرون هل يمكن للرئاسة الفلسطينية تسليم الحكم؟ في الحقيقة انهم وضعوا خطوط عريضة للحكومة فحماس لن توافق على الخطوط العريضة التي حددها الرئيس ابو مازن رغم ان الرئيس منتخب وايضا لديه صلاحياته، وبالرغم من ذلك فقد اعطى الرئيس الفرصة لحماس بأن تشكل الحكومة حتى بدون الموافقة على المرجعية السياسية للسلطة الوطنية الفلسطينية التي على أساسها اقيمت السلطة الفلسطينية وعلى اساسها جرت الانتخابات للمجلس التشريعي الذي فازت به حماس. بمعنى انه كان من غير الممكن ان تخوض الانتخابات للمؤسسة من اجل ان تنقلب على الاساس الذي تقف علية. في اعتقادي ان هذا الامر كان مرهوناً بالتناقض بين مهام السلطتين رئاسة وحكومة. هذا يقول انا انتخبت بشكل ديمقراطي وذاك يقول انا انتخبت بشكل ديمقراطي، علماً بأن المرجعية الاساسية هي منظمة التحرير وليست السلطة بكل ما يتعلق بالاتفاق السياسي. الانقسام هو ثمرة عدد من العوامل الفكرية والسياسية وبمساهمة اسرائيلية كبيرة في زرع بذور الانقسام والنزاع على السلطة ومحاولة لإقامه جسر مع حركة الاخوان المسلمين.

النظرة العالمية للفلسطينيين تغيرت بشكل كارثي بعد الانقسام، حين كنت نائب سابق في الكنيست وكنت اواجه هذا النقاش دائما، كان البعض يحاول ان يشمت بنا فيقول مع أي قيادة فلسطينية تريد ان نتحاور حماس غزة او مع رام الله فتح. اسرائيل كان لها دور كبير في الانقسام والترويج الدولي للاستفادة منه. بدون ادنى شك القضية الفلسطينية في وضع واهن وضعيف بعد الانقسام دولياً. فحركة التضامن الشعبية مع الشعب الفلسطيني بالعالم تراجعت بعد اوسلو بالأساس. بعد اوسلو اعتقد البعض ان الدولة الفلسطينية ستقوم فقط بالمفاوضات، وان قضية التفاوض سائرة بشكل جيد ولا حاجة للتضامن الدولي. لكن سبب الإنحسار للحركة التضامنية هو الانقسام، عندما لم يعد هنالك وضوح في المرجعية الفلسطينية، مثال وجود سلطتين وحكومتين. هذا الامر انسحب على الجاليات الفلسطينية في الخارج حيث انقسمت فيما بينها في مختلف الدول الاوروبية بين الولاء للمنظمة والولاء لحماس او التعامل مع فصائل اليسار لوحدها، هذا ايضا لم يُضِفْ للتعاون الدولي الجاد والموحد مع القضية الفلسطينية وانعكس على الفلسطينيين في الشتات.

اولا هنالك وضع مشوّه للحالة الفلسطينية لأن هناك اكثر من مرجعية واحدة، اسرائيل عكفت على مدار عشرات السنوات على تحطيم منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد، فجاء الانقسام ليقول أن هنالك مرجعية اخرى كمرجعيات منظمة التحرير أو بديلاً عنها. ايضا بالجانب الاقتصادي فالانقسام وسلطة حماس كانت ذريعة لإسرائيل لكي تمارس حصارا مجنونا وحصارا وحشيا ومجرما على الشعب الفلسطيني، وغياب الوحدة على الساحة الفلسطينية، ربما اشعر اسرائيل ان يدها طليقة بكل ما يخص الانقسام، بمعنى ان الانقسام لم يجعل قطاع غزة اقوى ولم يجعل الضفة اقوى، انما جعل كلاهما اضعف اقتصاديا وسياسيا.

جمال زحالقة - اتفاقية اوسلو كانت كارثة للشعب الفلسطيني، لان هذا الاتفاق اولا بسياقه عبارة عن مفاوضات ثنائية بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية كأضعف فترة كانت فيها، نرى انه لا يوجد توازن بين الطرفين وإن منطق اتفاقية اوسلو مبني على توازن قوى، الاقوى يفرض شروطه وكان دائما الحديث عند وجود مفاوضات على الساحة الدولية، حيث هنالك مكانة ووزن للشرعية الدولية ولقرارات الامم المتحدة وللمؤسسات الدولية، يمكن ان يكون هنالك تعديل للتوازن على مصالح وحقوق وليس فقط توازن قوى. اسرائيل هنا غيرت الواقع ولا احد يحاسبها، اسرائيل فرضت على القيادة الفلسطينية ان تلتزم بالالتزامات الفلسطينية، لكنها جردت نفسها من كل بنود الاتفاق، وليس فقط انه اتفاق غير عادل، لهذا السبب هذا الاتفاق جائر، لكن حين طبق جاءت المصيبة الكبرى ان اسرائيل لم تطبق أي شيء في معظم التزاماتها والان العالم لا يطالب اسرائيل بأي التزام. فمثلاً إسرائيل لم تنسحب حسب الاتفاق من مراكز معينة جاءت بالاتفاق، اسرائيل لم تلتزم بالاتفاقيات، اسرائيل استغلت الهدوء النسبي في توسيع الاستيطان واقامة مستوطنات جديدة، ارى من هنا ان اتفاقية اوسلو جاءت بالمصائب، والمصيبة الاكبر انه لا توجد مُطالِب لإسرائيل بالالتزام باتفاقية اوسلو. اعتقد انه يجب التحرر من اتفاقيات اوسلو والتحرر من منطق السلطة والعودة الى منطق التحرر الوطني، لأن قضية فلسطين هي قضية تحرر وطني، وعلى هذا الاساس يجب العمل على تجنيد الشعب الفلسطيني على المستوى العربي والعالمي وهذه الابعاد الثلاث التي يمكن ان تجبر اسرائيل على انهاء الاحتلال.

بالتأكيد ان الانقسام ادى الى اضعاف الموقف الفلسطيني بالأخص في المجتمع المدني الاوروبي او الامريكي فكان طعن في شرعية السلطة الفلسطينية، واسرائيل تستغل ذلك بان ابو مازن لا يمثل الفلسطينيين، لان هنالك انقسام، ولكن حين نقترب لحل الانقسام فإسرائيل تكون ضد لأنها المستفيد الوحيد من الانقسام وهذه الدعاية تلقى اذاناً صاغية. فالانقسام موجود حتى بالاحتلال الاسرائيلي حول احتلال فلسطين، ففكرة الانقسام يجب ان لا تمس حقوق الشعب. الامر الثاني بالنسبة للانقسام فهو جزء من استراتيجية اسرائيل ضد الفلسطينين وتقسيمهم وتجزئتهم والسيطرة على كل شيء.

لا شك ان الانقسام اضعف الموقف الفلسطيني وتغييب للرؤية نحو العالم من بتقديم برنامج وطني جامع. هذا الانقسام عطّل استمرارية النضال الشعبي ضد الاحتلال واصبح من الصعب تجميع الشعب الفلسطيني على مبدأ ورأي واحد، فالانقسام شجع اسرائيل بالعدوان على غزه، ونتائج الانقسام كانت نتائج كارثية بالمجمل على الشعب الفلسطيني.

ابراهيم ابو جابر - ان اتفاق اوسلو جعل الفصائل الفلسطينية تنزل عن الشجرة كاملة، يعني الامور التي طرحت في المشروع القومي والوطني الفلسطيني، واكدت على ثوابت معينة فهذه الثوابت تم التنازل عنها تماماً.

حتى زمن كلينتون تم في غزة حذف بعض المواد وعلى رأسها تحرير فلسطين من النهر الى البحر والاكتفاء بحدود عام 67، لا شك ان هذا تراجع كبير جدا في الحركة الوطنية الفلسطينية، واقصد بالذات منظمة التحرير الفلسطينية، حتى أن منظمة التحرير اعترفت بإسرائيل واسرائيل اعترفت شكلياً ومصلحياً بمنظمة التحرير.

اظن هنا انه يوجد جانب قانوني، اذن هذا الامر يضمن لإسرائيل الحياة والبقاء، وهذا مُنافي للمواثيق الفلسطينية وعلى رأسها الميثاق الوطني الفلسطيني. إن ذلك ازعج عرب الـ48 ، لأن عرب الـ48 اعتبروا أن منظمة التحرير تخلت عنهم من ناحية ومن ناحية اخرى ازعج اصحاب الثوابت والمبادئ وبالذات التيارات الإسلامية، وهذا ادى الى الخيانات من جميع الاطر المختلفة.

لا شك ان السبب الرئيسي الذي ادى الى الانقسام هو موضوع اتفاق اوسلو والاختلاف الايديولوجي ما بين فتح وحماس وايضا مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا الامر له تداعيات علىالمستوى العربي. فهناك منظمة التحرير والتي تدعمها الدول العربية ودعمت ما يعرف بالتسوية السلمية، وحركة حماس لديها ارتباطات دينية وعقائدية مع حركة الاخوان المسلمين، ولهذا السبب فان النهج الديني لحركة حماس نهج ايديولوجي يختلف عن النهج والايديولوجيا التي تتبعها فتح او منظمة التحرير.

هذا الموضوع تطور وانعكس سلباً على المستوى الداخلي الفلسطيني او على البيت الفلسطيني وارتبط ايضا ببعض القضايا الداخلية، التي بأسلوب او بآخر ساعدت على التسريع بموضوع الانقسام. ومن جملة هذه الاسباب موضوع الفساد الذي كان موجوداً في السلطة الفلسطينية، وتحديدًا في قطاع غزه من خلال المحسوبية والفساد المالي، والاخطر من ذلك الفساد الاخلاقي كما علمنا في وسائل الاعلام، حتى عملية الحسم العسكري وضبط بعض الملفات التي تتعلق بالفساد، إضافة الى تطور هذا نحو قيام السلطة الفلسطينية بإعتقال قيادات من حماس والزج بهم في السجون والاعتداء على بعضهم في المساجد أو في الأماكن العامة. كل هذه الأمور أدت الى نشوء شرخ في النسيج الفلسطيني، وتطور الموضوع بإستخدام الأسلحة والحسم العسكري وسيطرة حماس فعليا على قطاع غزة بعد انتخابات عام 2006 أي في بدايات عام 2007، الأمر الذي أدى لوجود كيانين أحدهما في قطاع غزة بقيادة حركة حماس، وآخر بالضفة بقيادة منظمة التحرير تقوده حركة فتح.

محمد نفاع - موقف عرب الداخل مُرَكّبْ، هنالك أسباب غير مباشرة واسباب مباشرة، لان قضية الاحتلال عام 67 عملت منذ سنوات عديدة لفصل قطاع غزه عن الضفة الغربية أي أن غزه تكون لمصر والضفة تتبع الاردن وقد وجد من يغذي هذا الانقسام، واسرائيل قامت بالعدوان على غزه.

ان السلطة الفلسطينية وفتح خاصة لم يكن لها رد فعل على العدوان الاسرائيلي. لقد التقت قوى مع موقف حماس في البداية وهي ايران وحزب الله وغيرها... ساهموا في تسليح قطاع غزة ضد جرائم الاحتلال بينما غزه أي حماس قامت بالمقاومة أكثر من الضفة الغربية وغزة كانت مستهدفه أكثر من الضفة، واسرائيل بدورها استغلت موقف حماس وانقسامها، فهي تتحمل مسؤولية وفتح ايضاً تتحمل المسؤولية نفسها. فالانقسام كان مبرمجاً من قوى معادية للشعب الفلسطيني ولم تنتبه لخطورة هذا الموقف.

مسعود غنايم - بطبيعة الحال فإن تضارب المصالح بين الحركتين وتضارب الأيديولوجيات بالأساس والافكار ورؤيتهم للقضية الفلسطينية ومن عملية السلام وعدم الإقرار من أي طرف من الطرفين بشرعية الآخر، كان السبب الأساس لهذا الانقسام الذي لا زلنا نعيشه. صحيح ان فتح وحماس مع الفصائل الفلسطينية الأخرى مساهمين في الانتفاضة وضد الاحتلال الاسرائيلي، لكن الصراع الذي احتدم بينهما خدم الاحتلال واصبح من الأولويات، الهدف الأساس كان السيطرة على الشارع الفلسطيني ويحاول كل طرف فرض اجندته على الآخرين. وبالتالي عدم اعتراف كل طرف بالآخر وبشرعية وجوده وعدم البحث عن الية للتعاون والتفاهم بينما. ناهيك عن غياب الرئيس الراحل ياسر عرفات والشيخ احمد ياسين، فهؤلاء كانا شخصيتان وازنتان بحيث تستطيع ان تشكل صمام امان على الرغم من كل الاختلافات.

باعتقادي الانقسام هو عملية تراكمية يعني هي لم تبدأ بمسالة معينة وعينية وبزمن معين، وتمت بهذا الشكل السريع. برأيي تراكم الاسباب ادى للانقسام بالشارع الفلسطيني بين فتح وحماس. بطبيعة الحال تضارب المصالح بين الحركتين وايضا تضارب الايديولوجيات بالأساس والافكار ورؤيتهم للقضية الفلسطينية وطريق حلها ومن عملية السلام.

أسعد غانم - كان لإسرائيل دور في الانقسام حيث يخدم مصالحها من ناحية ومن ناحية اخرى هي ليست بحاجه للانقسام لأنه ضد عملية السلام، فالبنية الوطنية الفلسطينية ضعيفة وكان ظاهراً بأن مصلحة الرئيس أبو مازن تتقاطع مع المصلحة الاسرائيلية كما وأن موقفه كان إرضاءاً لحركة فتح وطموحاته الذاتية، حال دعى الشعب لإنتخابات عامة، فيمكن حينها يستطيع إعادة بناء البنية الداخلية الوطنية، لكن بالوضع الحالي لا يمكن إجراء أي تغيير على الواقع السياسي الداخلي.

الانقسام هو ضربه تضر بالشعب الفلسطيني، اذ احدث شرخاً حقيقياً في جمهور الشعب الفلسطيني، تُضمِر بإمكانية ان نبني شعب لا يمكن أن يتحدى اسرائيل ودول الغرب. قوتنا أن يكون لدينا قدره على تماسك واحد لنخرج بالخطاب الواحد للجماهير العربية. هذا الانقسام أقام حالة من الثبات غير المنطقي – أي اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وهذا هو الحل برأيي، واعادة بناء المنظمة يعود على اساس سياق سياسي، وحل الدولتين لا يحل القضية الفلسطينية هذا ما يجب ان يفهمه ابو مازن.

اسرائيل كان لها دور واضح في الانقسام وهو أيضا يخدم مصالحها من ناحية حيث أن تشتيت الفلسطينيين يؤدي بالنهاية لخدمة مصالح وطموحات اسرائيل وبأن الوحدة والتكاتف يضرّ بمصالح اسرائيل ويعيق مخططاتها.

لشيخ رائد صلاح - يمكن ان نقسم الاسباب الى سببين رئيسيين الاول عامل خارجي، لا شك ان هناك بعض القوى وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، رفضت وجود أي خيار للديمقراطية في أوساط الشعب الفلسطيني رغم أن الانتخابات كانت نزيهة، الا ان هذه القوى التي ذكرتها رفضت هذه النتيجة واعتبرت ان الطرف الذي تم اختياره لا يجوز التعامل معه ووصفته بالارهاب.

لا شك ان هذا احدث نوع من الارباك العميق بالمسيرة الفلسطينية وكان بالإمكان ان لا يحدث وان تتبلور مع الايام ظاهرة النضوج السياسي لدى الشعب الفلسطيني وظاهرة الموافقة على نتائج الانتخابات وتبني القيادة الشرعية، ولكن للأسف هذا الرفض عطل مثل هذا الطموح لدى الشعب الفلسطيني. ولذلك كان المراقبون وأصحاب المصلحة الدوليون يودون نتائج مختلفة تعبيراً عن مصالحهم لدى الفلسطيني، بما معناه يريدون التحكم بضمير ورأي الشعب الفلسطيني. ولم يقف العامل الخارجي عند هذا الحد بل تعداه لاحقا لمحاولات فرض خيار واضح على السلطة، فما هي عليه الان مرهون بإما ان تُعرِض عن أي مصالحة فلسطينية او ان تتم عملية تضييع كل الامتيازات التي اعطيت لها. وقد عمدت فتح عدة خطوط منها فتح الباب للمفاوضات تحت شرط الموافقة على امتيازات تحصل عليها. ولذلك وحتى الان هذا الدور لم يلغى وبقي قائماً ويستشري يوماً بعد يوم.

وللأسف أن بعض الدول العربية اصبحت شريكاً بهذه اللعبة على حساب المصلحة الفلسطينية، على سبيل المثال الامارات الان لم تكتفِ بظاهرة الانقسام بحكومة غزه وبين السلطة بل يحاولون الان القيام بأحداث انقسام داخل حكومة ابو مازن، من خلال إبراز خط محمد دحلان ومروان البرغوثي وابو مازن. وتم دعم بروز مجموعات في فتح نفسها فبدأوا يخلقون انقسام لما هو منقسم وتزداد حدة الانقسام وتفتيت للمسيرة الفلسطينية.

ولا يمكن ان نعفي أحداً من ضرورة النقد الذاتي للمسيرة الفلسطينية، فهناك بعض القوى التي وقفت ولها ثوابت لا يمكن ان تتنازل عنها وبالمقابل يوجد قوى تبنت فلسفة الاستحقاقات السياسية للمرحلة التي تعيشها بداية من اتفاق اوسلو والخ.

في تصوري اذا وجدت هذه الامكانيات ونرى أن الوحدة الفلسطينية اصبحت شبه مستحيلة، ومن الممكن استمرار الحوار الفلسطيني لترتيب المواقف الفلسطينية ضد الممارسات الاحتلالية الاسرائيلية لأن الاحتلال يحاول ان يستفرد بالقطاعات الفلسطينية كل على حدة، وهذا يفسر كيف كانت جرأة الاحتلال للاعتداء على غزه وإعلان الحرب في الوقت الذي كانت فيه المواقف الرسمية لم ترتقِ للحدث اطلاقا، وكيف أصبح الاحتلال يستفرد بالقدس والاعتداءات الدائمة عليها، وارى ان السلطة الفلسطينية لم ترتقِ الى المستوى المطلوب بهذه القضية، وبتصوري لا يمكن فصل كل ما ذكرته عن الانقسام الفلسطيني.

محمود العالول – إن الاسلاميين يقولون بأن اسباب الخلافات هو اتفاق أوسلو، وأن منظمة التحرير تخلّت عن الثوابت. إن لم يكن الأساس هو وطني فهذا يشكل مشكلة، حتى الحديث عن المصالحة إنا لست متفائل لكن يجب أن نبذلك جهدنا، أما أنه يجب تحديد أين نحن قبل البدء بذلك. لا يمكن أن ننجح بخطواتنا قبل معرفة ان هؤلاء هم بأي حضن، مع ايران أم قطر أم تركيا أم الاخوان المسلمين أم الاسرائيليين بالخفاء كما نعرف بأن هناك حوارات سرية بينهم حول الميناء وغيره. الموضوع ليس موضوع أوسلو، هم جاهزون أن يكون سقفهم السياسي اكثر خطابياً من اوسلو، همّهم الأساس هو السلطة.

والسلطة التي ينتظرون للاستفراد بها بلا شركاء لأنهم لا يمكن قبول أي شريك معهم. هذا يمثل مواقف حركة الاخوان المسلمين في العالم. ففي فترة إغتيال النائب العام بمصر واتهامهم أنهم وراء إغتياله، صرح احد قياديي حماس انهم لا تربطهم أي رابطة مع الاخوان، الهدف تخفيف الضغط والصدام مع المصريين.

ملخص

رأي العيّنة المستهدفة يشير إلى مدى تخلي السلطة الفلسطينية وحركة حماس ذوي التوجهين المختلفين عن الثوابت الوطنية الفلسطينية التي تبنتها منظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها، واقرها مؤتمر الخرطوم في مؤتمر اللاءات الثلاث.

ومن خلال مناقشة الآراء حول اتفاق اوسلو تبين بأن։

- هو اتفاق مجحف بحق الفلسطينيين،

- قبول الفلسطينيين بالسلطة على حدود عام 1967 هو الخطأ المأساوي الكبير الذي أعطى فرصة للتراجع عن ثوابت كثيرة،

- كذلك بالإضافة إلى الحالة الفلسطينية التي وصلت اليها بعد اتفاق أوسلو حيث لم تلتزم إسرائيل بالتزاماتها التي وقعت عليها في اتفاق اوسلو،

- وكذلك موقفهم من أوسلو بأنه لم يعالج حق العودة وقضية اللاجئين الفلسطينيين،

- وكذلك العديد من القضايا التي اعتبرتها بعض الحركات الأخرى من الثوابت الفلسطينية التي تنازلت عنها منظمة التحرير بتوقيعها اتفاقية أوسلو.

من خلال الآراء السابقة حول الانقسام نجد أنها انقسمت إلى أربعة آراء رئيسية، وهي على النحو الآتي:

الأول: الرأي القائل بأن السبب هو الاختلاف الفكري والعقائدي والايديولوجي بين الحركتين، مما جعل عدم الاتفاق بينهما وما قاد إلى الصراع ومنذ بداية نشأة حماس، والذي أصبح واضح الملامح بعد انتخابات عام 2006.

الثاني: هو الاحتراب والاقتتال على السلطة، حيث ظهر بعد فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 وتنكّر السلطة لها.

الثالث: هو التدخلات الأجنبية والعربية التي لا تريد للديمقراطية الفلسطينية أن تتجلى، والتي تريد املاء سياساتها على السلطة الفلسطينية.

الرابع: هو اسلوب المقاومة الذي تتبناه الحركتين فتح وحماس، حيث ترى فتح في الأسلوب السلمي والتفاوض مع إسرائيل بينما حماس تريد استمرار القتال بالسلاح ضد الاحتلال.

لقد تبين من خلال الاراء، وأن كان فيها بعض التفاوت البسيط حول احداث غزة بعد الانتخابات والمواجهات المسلحة وأثرها على مجمل القضية، وتأثيرها على عملية السلام والمواقف الدولية، حيث أجابوا بأنها أثرت على الموقف الفلسطيني من خلال تراجع القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وكذلك النظرة السلبية التي اصبح ينظر اليها للفلسطينيين، وعلى العلاقات الفلسطينية والدول الخارجية، وأثرت على المشروع الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية وإضعاف الموقف الفلسطيني أمام إسرائيل.

كما وأن فرض الحصار وما نتج عنه من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة التي مر بها الشعب ولا سيما في قطاع غزة والذي تأثر بتلك السياسة الغاشمة في الحصار، اضافة للاقتتال الداخلي. فتركت تلك الأحداث على الشعب الفلسطيني آثاراً صعبة طالت كل فرد من افراد الشعب الفلسطيني واثرت في السياسات الدولية، وفي ممارسة إسرائيل الضغط على الشعب الفلسطيني وعلى قيادته السياسية في تطبيق سياساتها، وازدادت وتيرة الاستيطان والاستيلاء على الأرض الفلسطينية.

3.4 رؤية عرب الداخل حول حلول الصراعات الداخلية ومستقبل الدولة الفلسطينية.

محمد بركة – بالجانب الرسمي الكل ينادي بإنهاء الانقسام وكنا قبل ايام قد اتخذنا قرارات داخل لجنة المتابعة وبالاجماع من قبل الجميع، لكن بدون شك هنالك ميول في لجنة المتابعة الى الطريق الفكري والايديولوجي الذي ينتمي اليه الاسلاميين(حماس)، وغير الاسلاميين لمنظمة التحرير او احدى فصائلها، لكن موقفنا نحن كجزء من الشعب الفلسطيني وكمن يواجه الخطاب الاسرائيلي يوميا وبشكل مباشر، نحن موقفنا موحد ونحن الاكثر احراجاً في موضوع استمرار الانقسام.

لا بد من إقامة حكومة مؤلفة من مجموعة فصائل تحدد عملها بين ست لثمانية اشهر تكون مهمتها:

المهمة الاولى: البدء باعمار غزة بعد الكارثة التي حلت بجميع القطاع وعقب العدوان الاجرامي الاسرائيلي الاخير والعدوانيات التي سبقته.

والمهمة الثانية: اجراء انتخابات رئاسة وللمجلس التشريعي ومن يفوز يجب على الطرف الاخر ان يعترف به بدون قيد أو شرط.

بعد ذلك ممكن الحديث عن حكومة ائتلاف، لكن يجب احترام النتائج للرئاسة وللمجلس التشريعي. لذلك مفهوم المصالحة وكأنها مصالحة عشائرية، هذا امر غير حضاري وغير ديمقراطي فالمطلوب هو الاحتكام للمصلحة الوطنية والتأكيد على الثوابت واعمار غزة والتحضير لانتخابات وبعدها الاعتراف بالنتائج من كل الاطراف. أن البديل لحل الدولتين هو الدولة الواحدة، الدولة الواحدة قائمة بمعنى ان اسرائيل تفرض سيطرتها على كامل فلسطين التاريخية. اذا كانت اسرائيل والحركة الصهيونية غير مستعدة للانسحاب من مناطق 67 فهل يمكن ان تطلب من اسرائيل والصهاينة ان يتنازلوا عن وجودها وهل هذا يقودهم لإقامة دولة علمانية ديمقراطية؟ بالطبع لا.

انا ضد خلط الاوراق بهذه المرحلة، نحن نتحدث الان على دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين. ولذلك اعتقد ان المجلس الوطني الفلسطيني يجب ان ينتخب من خلال الاليات المتفق عليها بين الاطراف الفلسطينية، ويجب اجراء انتخابات في المجلس التشريعي والرئاسة الفلسطينية، فأنا لست متحمسا بمفهوم المصالحة، يعني ما هي المصالحة؟ هل هي المزاوجة بين ايديولوجيات، هذ امر غير ممكن، ولكن على الاقل الاتفاق على آلية ادارة الاختلاف، هذا هو المهم، بمعنى اننا الان ندعو لإقامة وحدة وطنية.

جمال زحالقة - لنا موقف في القيادة العربية ولكن الانقسام جاء للتناقض القائم ما بين مفهوم السلطة وبين مفهوم مقاومة الاحتلال. السلطة قائمة بناءاً على اتفاقية اوسلو للمنع وتحجيم المقاومة وعلى الحفاظ على الامن والاستقرار. هذا التوتر على الجهة السياسية كان له ابعاد كثيره منها الخلاف على موضوع حمل السلاح، فنرى الاختلاف الايديولوجي العميق. فحصل صراعين بشكل واسع، الصراع على السلطة والقوة والنفوذ والهيمنة والامر الثاني كان الخلاف على الموقف السياسي وعلى ادارة الصراع مع اسرائيل.

موقف الحركة الاسيرة يؤكد على انهاء الانقسام. واستطاع الأسرى التوصل بما يسمى بوثيقة الاسرى والتي تشمل قيادات حماس وفتح واليسار الشعبية والديمقراطية. وجرى تبني هذا الاتفاق من الخارج كأساس وكل ما جرى من مفاوضات جرى على اساس هذه الاتفاقية. من ناحيتها لعبت مصر دوراً في مرحلة معينة للتوصل الى اتفاق، لكن في بعض الاحيان تتراجع عن هذا الدور بحسب مصالحها. كما وأن هناك موقف واضح وحاسم ضد الانقسام ولأجل إنهائه.

يجري مؤخرًا في السنوات الثلاث الاخيرة بإحصاء بما يسمى تسجيل للشعب الفلسطيني بكافة اماكن تواجده بهدف انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني، انا أؤيد هذا الجهد وارى انها محاوله مهمه للتصدي لحالة التقسيم لأنه علينا ان لا نخضع لتقسيم شعبنا، بمعنى ان لا نقبل به قبل ان نتحدث عن الحل السياسي ويجب ان نتحدث عن وحدة الشعب الفلسطيني. تجزئة الشعب الفلسطيني تاريخياً، هو امر خطير جدا اخطر من الانقسام السياسي، لأننا لا نريد ان نكون بعد فتره عدة شعوب فلسطينية.

نحن نعيش في حاله تلعب فيها عوامل كثيره في المشروع الوطني الفلسطيني، فهذا المشروع اعتمد تاريخياً على ثوابت دولة فلسطينية مستقلة وانهاء الاحتلال وعودة اللاجئين، والان هنالك امرين الاول الانقسام وعلى ماذا نتفق؟ والامر الثاني هو حل الدولتين يقترب من الباب الموصد، بسبب التعنت الاسرائيلي والاستيطان، بسبب انه لا يوجد حل والبديل مفقود، حالياً حماس ابتدأت بتبني اقامة دولة فلسطينية وهي مع دولة فلسطينية في الضفة والقطاع.

احمد الطيبي – اولا الرؤية الذاتية كيف نرى انفسنا كفلسطينيين اصبحت اكثر حدّة واكثر احباطاً واكثر غضبا واكثر حزنا، انا اقول اننا لسنا ببعيدون عن هذا الانقسام في الداخل ولهذا اشعر بالإحباط والحزن والخجل مما يجري، المجتمع الدولي أصبح ينظر ويهتم بمواقف اسرائيل والتي استغلت هذا الانقسام وشجعته ولأنها هي المستفيد الاكبر منه. قبلها كنا فصائل موحدة بأهدافنا ومواقفنا أمام العالم، والان اسرائيل تُرَوّج بأنها لا تريد ان تتحاور لان هنالك فصائل تخريبة ارهابية لا يمكن التفاوض معها. بعد الانقسام بدأوا يقولون ان ابو مازن لا يمثل الا فتح أي نصف الشعب الفلسطيني، هذا دليل ان الجانب الاسرائيلي ليس شريكا لأي عمليات تسوية حقيقية، ولكن المجتمع الدولي ايضا شعر ان هذا اضعف الموقف الفلسطيني.

هناك ضرورة لبناء المشروع الوطني الفلسطيني وحتى الان بالرغم من ما يقال لم يتنازل احد عن الثوابت الفلسطينية، لكن هناك ضرورة لبناء المؤسسات الوطنية الفلسطينية كالمجلس الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية.

في السلطة الانتخابات تجري بالضفة وغزة والحسم الديمقراطي هو افضل دواء وافضل طريقة للحكم، انعدام الحسم الديمقراطي والانتخابات هي ايضا سبب في استمرار الانقسام، لو اجريت انتخابات كان الشعب قال رأية وانتهت القصة. لذلك انا اطالب بان تكون انتخابات رئاسية ونيابية أيضا.

براهيم ابو جابر – السبب الرئيسي الذي ادى الى الانقسام هو موضوع اتفاق اوسلو والاختلاف الايديولوجي ما بين فتح وحماس وايضا منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا الامر له تداعيات على المستوى العربي وهناك منظمة التحرير تدعمها الدول العربية ودعمت ما يعرف بالتسوية السلمية، وحركة حماس لديها ارتباطات دينية وعقائدية مع حركة الاخوان المسلمين، ولهذا السبب فان النهج الديني لحركة حماس نهج ايديولوجي يختلف عن نهج وايديولوجية فتح او منظمة التحرير بفصائلها. هذا الموضوع تطور وانعكس سلباً على المستوى الداخلي الفلسطيني او على البيت الفلسطيني وارتبط ايضا ببعض القضايا الداخلية التي بشكل او بآخر ساعدت على التسريع بموضوع الانقسام.

ربما كان المخرج وهذا مطلب فلسطيني فلسطيني بتفويض الشعب ويكون هو المرجعية بإجراء انتخابات في غزه والضفة الغربية وحتى في الشتات من اجل ان يقول الشعب كلمته.

في ظل الوضع الحالي ممكن اقامة دولة في مناطق السلطة الفلسطينية عبارة عن جيتوهات وهي المناطق الكبرى يعني منطقة A ، ومن ناحية سياسية ممكن ان نطلق عليها ادارة ذاتية، وليس حكم ذاتي A-، والذي هو اشبه ما يكون بالحكم المحلي. يجب ان تكون الدولة متواصلة وليست متقطعة الاوصال، عندها مقومات الحياة وعندها سيادة، اما الوضع الحالي فهي مناطق معزولة محاصرة من قبل الجيش الاسرائيلي، حتى مناطق A مخترقة امنياً من قبل إسرائيل".

مسعود غنايم - نعم اؤيد الانتخابات طبعا حسب الاكثرية، بمعنى انتخابات حرة ومباشرة ومراقبة يشترك فيها كل الفلسطينيين ويختارون قيادتهم. يجب ان تكون ضوابط انتخابية وتعهدات دولية بالتزام كل الاطراف فيها. " برأيي هناك موقف، بان لجنة المتابعة اعلنت مؤخرا اننا على مسافة واحدة من الجميع، فتح وحماس بالتالي نحن نريد اعادة السلم للبيت الفلسطيني، والمصالحة للبيت الفلسطيني، ولا نتحيز لطرف من الاطراف. الان يبدو ذلك صعباً لان الصورة سوداوية، واصبح الاستفادة من الانقسام اكثر وتعزز تكريسه بين غزة والضفة عند بعض الاطراف، وهذا يجعل الامر معقد اكثر بطبيعة الحال ورجوعه لما كان عليه بالسابق.

صحيح احيانا يبرز الى السطح طرح حل الدولة الواحدة للشعبين ، ولكن الناس ترى ان الحل الافضل حتى الان هو اقامة دولتين دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل، ولكن الواقع يُبعد هذا الحل بسبب سياسة الاستيطان وعدم وجود عملية سلام والانقسام فهذا الحل يتبخر تدريجيا.

أن الفلسطينيين في موقف لا يحسدون عليه يعني القرار الفلسطيني ومدى استقلاليته واشكاليته، ومحاولة التأثير عليه بدأ منذ اقامة منظمة التحرير الفلسطينية، هذه المحاولات تحولت بالتالي الى هدّامة اكثر للقضية الفلسطينية بسبب الانقسام.

إيلان بابيه - حل الدولتين بات غير واقعي، وذلك بسبب ممارسات اسرائيل من خلال فرض حقائق على الأرض في المناطق الفلسطينية المحتلة، وبأن انهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلييكمن في حل دولة ثنائية القومية مع ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وبشرط أن هذه الدولة تقوم على اساس ضمان حق المواطنة والمساواة التامة بين كافة المواطنين يهوداً وعرباً.

عصام مخول - يوجد امل، وهذا الامل مرهون اما بالانقلاب على كل البنية السياسية او تطويرها ولا يمكن الاستمرار في البنية الحالية، من دون تحرير طاقات الشعب الفلسطيني. لن يكون هناك حركة تحرر فلسطيني ولن يكون هناك مشروع وطني فلسطيني، لذلك فان المعركة هي على فتح الانسدادات في عروق الحراك الفلسطيني واطلاق طاقات الشعب الفلسطيني الكفاحية المكبلة حتى البنية السياسية من المعارضة غير قادرة. فعظمة الانتفاضة الاولى كانت انها كسرت قواعد اللعبة واذا لم تكسر قواعد اللعبة التي نشأت منذ 20 عاماً، بين العلاقة الفلسطينية الاسرائيلية والعلاقة الفلسطينية الداخلية وحررت طاقات الشعب الفلسطيني من الكبت الداخلي، ومن الجمود الداخلي والبنية السياسية الجامدة، فاستطاعت ان تخلق مناخاً آخر.

عايدة توما – اعتقد ان ردة فعل العالم كعدم تقبل الانتخابات بغض النظر عن الضغط الذي مورس عالميا، عمّق الشرخ الذي كان بالأساس فكري عقائدي حزبي داخل المجتمع الفلسطيني، وكان يمكن تداركه مع الضغط الدولي القائم. ومن هنا اتت الضغوطات الاوروبية على الشارع الفلسطيني واستعملت فتح وحماس هذا السلوك بالانقسام.

رسالتنا الاساسية يجب ان تكون اولا اعادة احياء الثوابت الفلسطينية وحق تقرير المصير، وأي إطار لا يخدم هذه المرجعية الفلسطينية يجب ان يتحمل مسؤولية ذلك، وإذا ما زال موقف حماس السعي لفكر وهدف الخلافة الاسلامية ، طبعا هذا ضرب للمشروع الفلسطيني ويجب ان تكون كل الأمور واضحة.

محمود العالول - لا مشكلة لدينا من اجراء الانتخابات لكل الشعب الفلسطيني ومؤسساته جميعها، لانتخاب مرجعية للشعب، إنه جزء من اتفاق المصالحة يقوم على بندين اساسيين: أولاً الذهاب الى حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وثانياً الذهاب الى انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني. أما فيما يتعلق بالمجلس الوطني فالذهاب الى انتخابات أينما أمكن ذلك.

عندما نريد محاكمة حدث ما يجب ان نعود لظروفه والزمن الذي حدث به، واذا تمت محاكمته ضمن ظروف مختلفة، سنخرج بحكم ظالم. نحاكم أوسلو حسب الظروف الذي حدث به. اوسلو لنا قراءات مختلفة له، لكن اصبح مساراً اجبارياً ليس لنا خيار غيره. سابقاً كانت تطرح امامنا كثير من المشاريع كمبادرات وكانت القيادة في حينها تناور لتوحي بأن هذه المشاريع إيجابية، وكانت الجماهير تثور ضدها".

إذن فإن كل شيء في هذه الحياة ميزان قوى، فأي مبادرة تطرح ضمن موازين القوى، فإنه يجب العمل على تغيير موازين القوى لصالح الحقوق ليعطي اتفاقات أفضل

سابقاً كانت تطرح امامنا كثير من المشاريع كمبادرات وكانت القيادة في حينها تناور لتوحي بأن هذه المشاريع إيجابية، وكانت الجماهير تثور ضدها.

رائد صلاح - إن ممارسات الاحتلال الاسرائيلي هدفها نسف أي حل للقضية الفلسطينية وفكرة دولتين لشعبين. فالاحتلال الاسرائيلي بممارساته على ارض الواقع نسف هذه الامكانية، حتى لو كانت دولة لشعبين فقد نسف حتى الامكانيات التي قامت عليها اوسلو، ونسف الحل المؤقت الذي اقترحه احمد ياسين عندما طالب بهدنة لعدة سنوات وعملية انسحاب الاحتلال، واخراج المستوطنات من الضفة، مقابل هدنة طويلة الأمد، كما ونسف اقتراح الرئيس ابو عمار والمبادرة العربية التي تقدمت بها الدول العربية في مؤتمر بيروت.

فالذي نطمح به من القيادة الفلسطينية هو الا يتم الاتصال بنا اتصال حزبي بل يجب ان يتواصلوا مع لجنة المتابعة، وعلى قاعدة التواصل وليس الوصاية عليها ليتم الاحترام والتنسيق بيننا.

الان نطمح ان لا يكون دورنا دورالمتفرج ولكن ان يكون لنا جزء نتحمله في مسيرة القضية الفلسطينية وكان هناك توجه، انه آن الاوان ان تجري انتخابات لكل الشعب الفلسطيني ويشاركها الداخل الفلسطيني.

لا شك يوجد هنالك مسؤولية يتحملها اكثر من طرف في الدور الذي نتواصل به الان وهو ليس مرضي اطلاقا. ارى ان الحلول على صعيد صفنا الداخلي انه يجب اجراء انتخابات لجنة متابعة رئاسة وعضوية في الداخل الفلسطيني وان يكون بشكل مباشر وليس على نظام رؤساء واحزاب بل يتاح للشارع الفلسطيني ان يقول كلمته الاخيرة. عندها سيكون لنا الاعتبار الشرعي على المستوى المحلي والعالمي والان الشعوب تحترم الانتخابات في العالم. الان لجنة المتابعة خطت خطوة بسيطة جدا بانتخاب رئيس لجنة المتابعة من قبل المجلس العام، وهذه خطوة بالاتجاه الصحيح ويجب ان ندعم نجاح مسيرة لجنة المتابعة بكل ما يحتاج الامر ويجب ان نهيئ الارضية الى جانب ذلك ونصل لمرحلة ان نصارح شعبنا في الداخل الفلسطيني انه آن الاوان ان يتم انتخاب مباشر للجنة المتابعة العليا عضوية ورئاسة. اذا نجحنا به، اذن فلا بد ان يكون لنا مشاركة في انتخابات منظمة التحرير كمرجعية تحافظ على الثوابت الفلسطينية وهي تكون الحكم لكل ممارسات الحكومات والفصائل الفلسطينية والاجتهادات الفلسطينية، كل اجتهاد يصطدم مع هذا السقف سيكون له حكم البطلان في مسيرة الشعب الفلسطيني.

هل هنالك امل في بناء المشروع الوطني الفلسطيني، حتما سيكون، لان الشارع الفلسطيني لا يمكن ان يستسلم لأي معوقات سواءً كانت من الخارج او من الداخل والدليل على ذلك انتفاضة الاقصى فلو استسلم الشعب لما كانت انتفاضة القدس

ملخص

نخلص من خلال تحليل الآراء أن الكل قد أجمع على ضآلة الدور السياسي لعرب الداخل الفلسطيني الذين وقفوا موقف المتفرج رغم رغبتهم وخطاباتهم السياسية التي تشير إلى أنهم يريدون المساعدة في انهاء الانقسام الفلسطيني، لكن لم يكن هناك أية مشاريع عملية رسمية أو شعبية تسهم في تقريب وجهات النظر بين الفريقين أصحاب الانقسام، والتوصل معهم على نقاط يتفق عليها طرفي النزاع وبذلك ينتهي الانقسام. وأشار الجميع إلى أن القضية أكبر من قضية انقسام بين حركتين تتزعمان المشروع السياسي الفلسطيني، ولهما قاعدة جماهيرية عريضة في طرفي الوطن عزة والضفة، وكذلك بين فلسطينيي المهجر، وأن إسرائيل ومن يساندها من القوى الغربية وأمريكا تغذي الانقسام، لذلك جميع المشاريع تُعَدّ فاشلة لأن هناك قوى عربية وأجنبية وحتى فلسطينية تسهم في زيادة الشرخ بين الفلسطينيين .

ملخص الفصل الثالث

إسرائيل لم تسمح بإقامة دولة، ولن تسمح باستقلالية القرار السياسي الفلسطيني، هادفة إلى جعل القرار السياسي الفلسطيني تابعا للقرار الإسرائيلي في ظل ضعف الدول العربية ومن يمثلهم وسياجهم السياسي والقومي وهي جامعة الدول العربية، وضربت بعرض الحائط الإرادة الشرعية، وكل ما من شأنه أن يحقق الاستقلال الفلسطيني.

ولعل التجربة الديمقراطية الفلسطينية التي سبقت إقامة السلطة، اشارت إلى احتكار العمل السياسي من قبل القوى السياسية واستثني منها الجمهور مما شكل بعدا في محاسبة هذه القوى، لكن مع وجود السلطة تقلصت هذه المسافة لأنه بات التعامل بين السلطة والشعب على أسس واضحة. وهذا تطلب أن تعمل القوى الوطنية والسلطة على رفع مستوى العمل الديمقراطي الفلسطيني وعلى القضاء على الفساد وزيادة شفافية الحكومة واعتماد نظام المساءلة والمحاسبة بشكل فعلي والبحث عن النخب الوطنية لإدارة الصراع والنضال وكان من أساس العمل هو ان تتشكل سلطة موحدة غير الذي اتبعته تتمتع بدعم أغلبية الشعب حتى تستطيع النجاح في قيادة الحركة السياسية الاقتصادية الاجتماعية الوطنية.

فلكي تتحقق المصالحة بين حركتي فتح وحماس لم يعد ضرورياً إنتاج مزيد من المبادرات، فهناك مبادرات كثيرة يمكن البناء عليها رغم أنه ينقصها الكثير، لكن النقص الأكبر لا يتعلق بالمبادرات وإنما بغياب الرغبة الحقيقية لدى الطرفين في إنهاء الانقسام . في حين أن تحقيق التصالح الحقيقي بين فتح وحماس يستلزم صياغة عقد اجتماعي -سياسي فلسطيني، يُحدّد أساسيات المسألة الوطنية وخطوطها العريضة، يُلزم جميع الأطراف ويكون محصّناً من الفئوية والاستئثار ومن إغراءات السلطة والحكم في كل من رام الله وغزة.

في نطاق ذلك فقط يمكن للطرفين أن يتعايش كل منهما مع الآخر، لكن ليس قبل ولوج كل منهما بمصالحتين، الأولى مع المشروع الوطني لترميم علاقته به والأخرى مع ذاته لكبح ما تختزنه من نرجسية ونزعات إقصائية تحول دون تعايشه مع الآخرين. ولذلك إقتراحات:

أولاً- إعادة تعريف الأهداف الفلسطينية المرحلية والاستراتيجية، انطلاقاً من أساسيات المشروع الوطني بحدوده الجغرافية والديموغرافية. وما دام حل الدولتين قد تلاشى بسبب أوسلو، ولأن حل الدولة الواحدة ما زال يفتقد الواقعية بعد جنوح المجتمع الإسرائيلي نحو مزيد من العنصرية، يصبح من اللازم على الفلسطينيين تحديد ما يريدون: دولةً أم حقوقاً وكيفية تحقيق ذلك.

ثانياً- تقييم الواقع الفلسطيني الحالي في ظل فشل استراتيجيتي التفاوض والمقاومة، وما تمخض عنهما من نتائج في العقدين السابقين، ما يجعل من الضروري طرح التساؤل التالي: هل الفلسطينيين اليوم بصدد تحرير وطن مُحتل أم إدارة سلطة تحت الاحتلال؟ إن كان الهدف تحرير وطن، كيف يمكن لذلك أن يتحقق في ظل التمسك بسلطة يقود التشبث بها إلى إضاعة أن تكون " المقاومة " شروط تحررهم؟ وبموازاة ذلك من الضروري أيضاً البحث في كيف يمكن ما دامت تتم خارج التوافق الوطني وتأتي في نطاق انقسام عميق والمستفيد الأول منه إسرائيل؟ الخروج من هذين المأزقين أمر مُلِح ويتطلب تحديد الموقف من جدوى السلطة القائمة، لكن ليس انطلاقاً مما تقدمه من خدمات للفلسطينيين، وإنما مما يُلحقه بقاؤها من ضرر على المشروع الوطني. كما من الضروري أيضاً إعادة النظر باستراتيجية المقاومة، ليس انطلاقاً مما تُكسِبه من نقاط لهذا الطرف أو ذاك، وإنما انطلاقاً مما يتركه المضي بها انفرادياً من نتائج تُبدّد الشروط المطلوبة لتحقيق المشروع الوطني.

ثالثاً- هيْكلة كل من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بصيغة تعزز التكاملية والتخصصية بينهما خدمةً للمشروع الوطني ولتطوير الأدوات الأنسب لتحقيقه، ويكون ذلك على أساس إعادة السلطة الفلسطينية للمنظمة لكن بعد تأهيل الأخيرة وإعادتها إلى مكانتها، الأمر الذي يمكن أن ينتج عنه ما تُحافظ على ما تم إنجازه مدنياً في العقدين السابقين، " سلطة تحرير فلسطينية" يمكن تسميته لكن ليس على حساب الحقوق الوطنية.

رابعاً- إنعاش الحياة الديمقراطية داخل الحركات السياسية الفلسطينية لتجديد بنيتها وبرامجها، عبر إجراء الانتخابات وعبر تبنّي صيغ فعالة للمراجعة والتقييم والمساءلة السياسية، لإكسابها الدينامية المطلوبة لحمل الوزن الثقيل لعملية التحرر والاستقلال.

الفصل الرابع

قضية القدس والمواقف والقرارات العربية والدولية والحوار داخل فلسطين

4.1 خصوصية القدس والسياسة الاميركية تجاهها:

باعتبار القدس لها خصوصيتها التاريخية والدينية والجغرافية والسياسية فقضيتها هي من أهم القضايا في الصراع الفلسطيني والعربي الاسرائيلي. فإسرائيل أقدمت على احتلال مدينة القدس الشرقية في العام 1967 وتعمل على تثبيت واقع ان القدس هي عاصمة لها، في حين موقف الفلسطينيين واضح من المدينة المقدسة بمطالبتهم باعتبارها عاصمة لدولتهم العتيدة.

كما وتنص اتفاقيات أوسلو الموقعة في العام 1993 على التفاوض بخصوص وضع مدينة القدس في آخر المسارات التفاوضية بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني. لكن تُعتَبَر القدس بالنسبة لعموم الشعب الفلسطيني بأنها خط أحمر وغير قابلة للنقاش بالنسبة لهم ولا يجوز التفاوض عليها. وبخصوص المدينة فإن المجتمع الدولي لا يعترف بالسيادة الاسرائيلية عليها، حيث تحتفظ تلك الدول بسفاراتها في تل أبيب وليس في القدس، بما فيهم أمريكا حليفة اسرائيل. اسرائيل تغلغلت في القدس الشرقية وضواحيها واستطاعت بناء العشرات من المستوطنات على أراضيها حيث بلغ تعداد المستوطنين هناك قُرَيْب الربع مليون مستوطن يهودي، لكن المجتمع الدولي بمواقفه يعتبر أن هذه المستوطنات والتغييرات الديموغرافية غير قانونية حسب القانون الدولي، إلا أن اسرائيل تضرب بعرض الحائط كافة القوانين والمواثيق والمواقف الدولية دون رادع أو موقف عملي دولي بخصوص ممارساتها الخطيرة.

فما الذي دفع ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل في هذا التوقيت؟ "الحقيقة إن هذا الموضوع يدفعنا إلى عدة خيوط من أجل الوصول إلى أصل موضوع الاعتراف، من ضمن تلك الخيوط تدنّي شعبية ترامب في الفترة الأخيرة بعد فشله في تحقيق أي من وعوده للشعب الأميركي ومنها إلغاء الاتفاق النووي مع إيران في حينه، وبناء سور المكسيك الجارة المزعجة للأميركيين.

كان الاعتراف نوعاً من العمل على إعادة شعبيته التي فقدها في بدايات حكمه في البيت الأبيض. فضلاً عن ذلك ترى أوساط سياسية أميركية أن ترامب تعرّض إلى ضغط واسع النطاق من اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة، وكذلك أثناء زيارته لتل ابيب في أيار الماضي وخلالها وعد ترامب بنيامين نتانياهو بأن قضية الاعتراف بالقدس لها أولوية، وتبقى قضية التدخُّل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عاملاً مهماً من عوامل دفع ترامب للاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل لصرف الأنظار داخل الأوساط الرسمية الأميركية عن هذه القضية التي أخذت حيزاً كبيراً من مناقشات الأوساط السياسية وتحوّلت إلى قضية رأي عام" .

4.2 الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية والقرارات التي اتخذت بها

وبالعودة لتاريخ المواقف الاميركية تجاه القضية الفلسطينية، فإن "الولايات المتحدة في عهد الرئيس هاري ترومان (1884- 1972) ضغطت بقوة لمصلحة مشروع التقسيم بين العرب واليهود ووضعت المدينة المقدسة تحت الوصاية الدولية، غير إن الحرب بين الطرفين عام 1948 واحتلال اليهود للقدس الغربية فرضت متغيرات جديدة على الأرض الفلسطينية جعلت إدارة ترومان تغض النظر عن قرار وضع المدينة تحت الوصاية الدولية، فدعمت مساعي إسرائيل إلى نقل مؤسساتها إلى القدس الغربية في تلك الفترة."

"وإثر حرب حزيران 1967 واحتلال إسرائيل القدس الشرقية (التي تضم المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة وحائط البراق" حائط المبكى عند اليهود") أكد الرئيس الأميركي ليندون جونسون (1908- 1973) على ضرورة اعتراف الدول العربية بإسرائيل وعلى حقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة وأن تكــون القدس مفتوحة لكل الأديان، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو VETO ضد قراري مجلس الأمن الدولي (2253) و(2254) اللذين طالبا إسرائيل بالانسحاب من القدس الشرقية وإلغاء الإجراءات والسياسات المتبعة كافة التي تهدف إلى تغيير وضعها، وعلّلت إدارة جونسون ذلك بأن الإجراءات الإسرائيلية موقتة وأنها لا تحدد الوضع النهائي لمدينة القدس." "

في عهد الرئيس الأميركي ريتشارد نكسون (1913- 1994) لم يتغير الموقف الأميركي، بل أصبح يركّز على ضرورة أن تكون القدس موحدة لإعطاء الشرعية للكيان الإسرائيلي لاحتلال المدينة وسحب البساط من الدول العربية التي تطالب بانسحاب إسرائيل من القدس الشرقية كونها تمثل أهمية دينية وروحية لدى المسلمين، ففي 3 تموز 1969 صوتت الولايات المتحدة لمصلحة مشروع القرار الذي يدعو إسرائيل إلى إلغاء الإجراءات كافة بما فيها إقامة المستوطنات وكل الإجراءات التي تهدف إلى تغيير وضع مدينة القدس. غير أن الإدارة الأميركية ما لبثت أن التفّت على القرار بطرح مشروع في 9 كانون الأول 1969 اعتبرت فيه أن مدينة القدس موحّدة لجميع الديانات وأكدت دور إسرائيل في الحياة المدنية والدينية والاقتصادية للمدينة". "وهذا ما ركّزت عليه كذلك إدارتا جيرالد فورد (1913- 2006) وجيمي كارتر (1924-) على اعتبار القدس موحدة من أجل شرعنة الإجراءات الإسرائيلية في المدينة ولقطع الطريق على أي دعوة لانسحاب إسرائيل من القدس الشرقية، وفي عهد كارتر ومع اتفاقيات كامب ديفيد (1978- 1979) تعمّدت الولايات المتحدة وباتفاق مع إسرائيل على إبعاد كل الفقرات الخاصة بالقدس من جدول الاتفاقية".

"وفي 30 حزيران 1980 امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 476 والقاضي بشجب إصرار إسرائيل على تغيير الطبيعة المادية والسكانية لمدينة القدس، وقد حظي القرار بموافقة جميع الأعضاء الدائمين في المجلس باستثناء الولايات المتحدة. وفي تحدٍّ علني وواضح، أعلن الرئيس رونالد ريغان (1911- 2004) في عام 1980 بأن القدس الموحّدة تعني السيادة الإسرائيلية على المدينة مؤكداً شرعية الإجراءات الإسرائيلية بخصوص المستوطنات التي تقوم ببنائها في المدينة.

أما عهد الرئيس جورج بوش الأب (1924-) فكان أكثر قرباً وتحيُّزاً لإسرائيل، لكنه لم يعلن موقفه هذا حرصاً على عدم توتر العلاقات الأميركية- العربية في فترة الاستعداد لاحتواء العراق فاندلعت حرب الخليج الثانية 1990- 1991. أما في عهد بيل كلينتون (1946- ) فقد أكد الرئيس أثناء حملاته الانتخابية أنه يؤمن بأن القدس هي العاصمة الموحدة، وأنه يتمنّى نقل السفارة الأميركية إليها، غير أن عامل التوقيت يبقى المعيق لتنفيذ السياسات الأميركية في هذا الاتجاه.

وجاء جورج بوش الابن (1946 -) الذي وقّع في 30 أيلول 2002 على مشروع قرار للكونغرس باعتبار القدس الموحّدة العاصمة الأبدية لإسرائيل. غير أنه أشار بعد ذلك بأن توقيعه على القرار لا يعني تغيُّراً في سياسة بلاده تجاه القدس التي رأى بأن الحل النهائي لها يتم عبر مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين".

أما في عهد باراك أوباما (1961-) فقد كان في برنامج انتخابه بند خاص للقدس والعمل على الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، غير أن الحزب الديموقراطي حذف هذا البند خشية توتُّر العلاقات الأميركية العربية في عهده". وقد شهد حكمه نشاطاً مكثفاً وضغوطاً مارسها أعضاء في الكونغرس للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ففي 6 آب 2009 قدّم أعضاء في الكونغرس مذكرة إلى أوباما مطالبين بضرورة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس بحلول عام 2012 وإلغاء سلطة الرئيس الأميركي بتأجيل نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

4.3. قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعقبه

وما خشي منه أوباما، عمل على تطبيقه دونالد ترامب (1946-) الذي أعلن في 6 كانون الأول 2017 اعتراف بلاده بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل وبدء الإجراءات لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

ترامب وعد في حملته الانتخابية ناخبيه أنه جادٌ بموقفه الذي يقضي بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل وبأنه سيعمل على نقل سفارة بلاده من تل أبيب للقدس، ولكن حاشية ترامب التي تعلن بأن ترامب من الممكن تأجيل نقل السفارة للقدس حتى يتم استيفاء وانتهاء البناء لها في القدس! لكن من المعلوم بأن الرؤساء الأمريكان السابقون كانوا قد وقعوا على أمر تأجيل تنفيذ قانون صادر في العام 1995 القاضي بنقل السفارة الى القدس، ليُظهِروا بأن أمريكا حيادية في مفاوضات السلام في الشرق الاوسط، لكن ترامب تجرّأ واتخذ قراره بهذا الخصوص. حقيقة بعد التدقيق مليـّاً في قرار ترامب ، فهل هناك دوافع خفيّة وراء هذا القرار؟ خطاب ترامب المختصر في البيت الأبيض يدل على ان هناك تحوّل كبير في السياسة الخارجية الامريكية تجاه الصراع في الشرق الاوسط بخاصة القضية الفلسطينية، وتباهي ترامب الفاضح بأن الرؤساء السابقين لأمريكا قد جعلوا مسألة القدس وعداً ضمن حملاتهم الانتخابية لكنهم لم ينفذوا وعدهم. ولكنه ميّزَ نفسه عنهم بأنه وعد وسيوفي بوعده حيث اشار في خطابه الى القانون الذي أقره الكونغرس في الثالث والعشرين من عام 1995 بشأن السفارة الاميركية ونقلها للقدس. وهذا القانون ينصّ على أن القدس ستظل مدينة موحدة يتم فيها حماية الحقوق لكل المجموعات العرقية والدينية، والاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة اسرائيل، وبأنه ينبغي بناء السفارة الامريكية ونقلها للقدس قبل تاريخ الحادي والثلاثين من أيار من العام 1999. ويشير ترامب أيضا الى أن الرؤساء السابقين بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما كانوا قد وقعوا قرارات متتالية كل ستة أشهر لتأجيل تنفيذ القانون، وبأنه أي ترامب كان قد وقع أيضاً مرغماً على تأجيل لتنفيذ هذا القرار بعد أن أقنعه صهره والمهندس المُحتمَل لاحقاً لمبادرة سلام جديدة جاريد كوشنر، بأن نقل السفارة الى القدس قد يقوّض جهود المبادرة الجديدة قبل ان تقيم حكومة ترامب علاقات جيدة في المنطقة.(1)

نشرت اللجنة اليهودية للوبي الصهيوني بأمريكا في مجلة نيويورك تايمز صورة لترامب بعد خطابه يظهر بها وهو يصلي عند حائط البراق بالقدس وكتبت في أعلى صفحة كاملة بالمجلة: "وعدتَ ووفيتَ بالوعد.. شكراً على الاعتراف الشجاع بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل". ترامب اكثر إثارة للجدل والأكثر تقلبّاً في الشرق الأوسط فمن بين أكثر من 282 وعداً أعلنها اثناء حملته الانتخابية، أطلق بذلك شعلة نار على القضية الأكثر قابلية للانفجار وقرر المضي بخطته برغم مشورة وزير خارجيته ريكس تيلرسون ووزير دفاعه جيم ماتيس، بعدم تغيير وضع القدس حالياً، حيث يساور هذين المسؤولين من حول ترامب القلق المتزايد بشأن تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة ورد الفعل المحتمل ليس على الدبلوماسيين الاميركيين فحسب بل وأيضا على الجنود الاميركيين المرابطين في الخارج.

هذا، فقد أبلغ المبعوث الدولي الى عملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملاد نوف، مجلس الامن بأن القدس ربما هي الموضوع الأكثر إثارة للمشاعر والأكثر صعوبة ضمن قضايا الوضع النهائي في النزاع الفلسطيني الاسرائيلي. ويلاحظ مراقبون سياسيون آخرون بأن ترامب يتجه حالياً نحو تطبيق استراتيجيته للتدمير الدولي في اكثر المناطق الملتهبة من الناحية الجيوسياسية في العالم. لكن القرارات السياسية لم تتوقف عند حد الشؤون المحلية بل تدخل للعلاقات الشخصية في خضَم ما يجري، حيث أن المليونير اليهودي الاميركي صاحب نوادي القمار والمتبرع للحزب الجمهوري شلدون أدلسون اجتمع مع ترامب في احدى بناياته في نيويورك قبل عشرة أيام من حفل التنصيب وأبلغ رئيس المنظمة الصهيونية في اميركا مورتن كلين بتصميم ترامب نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، وبأن هذا سيظل اولوية قصوى وقضية يتعلق بها قلبه وروحه!!

وفي مقال مفصل يفسّر مارك لاندلر كيف أن جمعية عمل سياسية مؤيدة لترشيح ترامب للرئاسة تلقت تبرعاً بعشرين مليون دولار من أدلسون وزوجته، وانهما تبرعا أيضاً بمبلغ مليون ونصف دولار للجنة التي نظمت المؤتمر القومي للحزب الجمهوري في صيف 2016. لهذا بقي وضع القدس للمرشح والرئيس ترامب ضرورة سياسية أكثر من مشكلة دبلوماسية.

من ناحية اخرى قرر ترامب الوقوف في صف مؤيديه الرئيسيين، لكن فريقه لشؤون الامن القومي قدموا خيارات بشأن قضية القدس وطلب منهم تحديد حلول أكثر ابتكاراً، فقدموا اقتراحين: توقيع قرار تأجيل نقل السفارة مجدداً او توقيع قرار نقل السفارة ولكن مع تأجيل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتحديد خطة لنقل السفارة. هناك سبب آخر لسلوك ترامب هو اجتماعاته المتكررة مع ممثلي الجماعات الأنغليكانية المسيحية الذين دأبوا على حثه على المضي قدماً بنقل السفارة الاميركية للقدس، من هؤلاء توني بيركينز وكيف عبّر الأنغليكانيون والمسيحيون المتمسكون بالإنجيل والأقرب للمسيحية الصهيونية، عن رغبتهم لترامب بشكل واضح في ربط علاقات خاصة مع اسرائيل، غير ان هذا المسعى باعتبار القدس عاصمة الدولة اليهودية يأخذ منحى مغايراً لرؤية المسيحية أصلاً ويتعارض مع احكام القانون الدولي، حيث عبّر البابا فرانسيس عن قلقه البالغ وناشد بشدة الجميع لاحترام الوضع الراهن للقدس بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة.

فقد ذكر في كتابه بعنوان "التفكير في الأمور الكبيرة أنا أعشق تحقيق الاهداف الكبرى والتوصل الى الصفقة الكبرى، أعشق أيضاً سحق الطرف الآخر وجني ثمار الصفقة، وهذا أعظم من الفوز بالرئاسة.!

وكرئيس مثل ترامب الذي يدرك ان سلوكه لا يعود سياسياً على بلاده وعلى حكمه بخصوص موقفه من القدس، والذي يحرص على تكريس صفقاته حيث حضر قمة الرياض في أيار من العام الماضي وحصل على حوالي نصف تريليون دولار من الاستثمارات الخليجية، وتحوّل كرجل شرس بالمفاوضات الى رجل الصفقات. حيث أن ترامب اعتمد سياسة تعبر عن التعامل بفوقية وعجرفة سياسية متماديا في الوصول لإعلان مواقف أكثر خطورة في الارتماء في احضان اللوبي الصهيوني وتنفيذ مآربه منحازاً لإسرائيل بكل شيء ومحاربته لكل القيم الحقوقية والانسانية للشعوب بما فيها الشعب الفلسطيني. يقول توماس فريدمان الذي تابع تطورات السياسة الخارجية الاميركية منذ ثلاثين عاماً بأن ترامب اصبح مصدر للصفقات المُغامرة لأنه لا يرى بنفسه رئيساً للولايات المتحدة. ويعتبر نفسه رئيساً لقاعدته الانتخابية، حيث انها اصبحت مصدر التأييد الوحيد أو ما تبقى له. وأصبح ترامب مدركاً بأنه يجب ان يقدم لقاعدته الوعود غير المدروسة وغير القائمة على تصورات سليمة عندما أطلقها، او جزءاً منها التي وعدها اثناء حملته الانتخابية، إنه قد تخلى عن الكثير مقابل المردود القليل.

الكاتبان ستيفان والت و جون ميرشايمر كتبا قبل حوالي عشرة أعوام أنه من الصعب تحديد حدود اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة، وأنه يشمل ائتلافاً رخواً من الافراد والمنظمات التي يسعون حثيثاً لتحويل بوصلة السياسة الخارجية الاميركية نحو الوجهة المؤيدة لمصلحة اسرائيل، وقد نجحت عائلة أدلسون والاثرياء اليهود الأمريكان في اقناع ترامب بالتحرك في هذا الاتجاه. كما وأن العلاقة الشخصية والسياسية بين أدلسون وترامب ونتنياهو تجاوزت منطق التوازن بين مراكز القوة ضمن آليات السياسة الاميركية. وتظهر أيضاً كيف أن اللوبي الاسرائيلي يترك مفعولاً سلبياً ليس على المصالح الاميركية فحسب، بل ويمتد تأثيره الى الحاق الضرر بشكل غير مقصود بمصالح اسرائيل أيضاً ويتضاءل الرأسمال السياسي للولايات المتحدة في الشرق الاوسط ومناطق اخرى، وهذا يعطي انطباعين سلبيين أولهما، ان الولايات المتحدة لم تكن وسيطاً نزيهاً في عملية السلام وثانيهما عبثية التلويح باتفاق السلام من خلال تفادي الحسم في الوضع النهائي للقدس وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وعدم امكانية حل الدولتين. هذا يؤدي بالنهاية بأن إعلان ترامب بشأن القدس قد يدفع الفلسطينيين عُنوَةً نحو الوحدة القسرية.

كثيراً ما تعهد ترامب بأن يكون صديقاً حقيقياً لإسرائيل، وبأن على الولايات المتحدة التعاون كثيرا مع اسرائيل وهذا الالتزام للمنظمات اليهودية الاميركية بدعم المصالح الاستراتيجية الاسرائيلية ساعد في نمو قناعته بأنه رئيس متمسك بمبادئه أحياناً فيما يقترب أحياناً من تبني ميكا فيلية جديدة في التعامل مع قضايا أقل تعقيداً. وقبل إلقائه خطابه حول القدس كان قد تحدث ترامب مع نتنياهو ثلاث مرات وتم التنسيق بين بعثتي اسرائيل وامريكا في الامم المتحدة وبذل جهودهما لتقويض امكانية صدور قرار على خلاف ما يريدون من مجلس الأمن، غير أن ثماني دول بما فيها بريطانيا وايطاليا وفرنسا من أصل خمس عشرة دولة اعضاء في مجلس الأمن طالبت بجلسة طارئة فيما شدد الفلسطينيون والاتراك على ان اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ينتهك القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

إن جلستا مجلس الامن قد جسدتا انقساماً واضحاً حول مستقبل عملية السلام بين معسكري الولايات المتحدة واسرائيل من جهة مقابل المجتمع الدولي من جهة أخرى. وحاولت السفيرة الاميركية نيكي هيلي دخول معركة الدبلوماسية بنظرية أن أفضل استراتيجية للدفاع هي الهجوم، فانتقدت الامم المتحدة بأنها فعلت الكثير في الحاق الضرر بمستقبل عملية السلام بدءاً من تعزيز فرصها في المستقبل. كما اتهمت المنظمة العالمية بأنها واحدة من اشرس المراكز في العالم عدائية نحو اسرائيل. ولتبديد الانتقادات للاعتبارات غير القانونية والاخلاقية في قرار ترامب، تركز خطاب هيلي على اعتبار اسرائيل ضحية حيث قالت بأنه لن ولا ينبغي ان تتعرض اسرائيل لسوء المعاملة والضغط من خلال اي اتفاق تتوصل اليه الامم المتحدة او اية مجموعة من الدول التي ثبت تجاهلها لأمن اسرائيل. وكان قد اعتبر السفير الاسرائيلي داني دانون قرار ترامب بأنه خطوة عملاقة لإسرائيل وللسلام والعالم. https://ara.reuters.com

إن السياسة الأمريكية المنحازة للاحتلال الاسرائيلي والتي هي مؤخراً وبعد اعلان ترامب الأخير في السادس من كانون الأول 2017 بخصوص اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونيّته نقل سفارته من تل أبيب الى القدس ودعمه لتوسيع الاستيطان وهجومه على شعوب العالم ونعتها بالحثالة بخاصة شعوب افريقيا، لن تؤدي الا الى تسعير الصراع وعدم الاستقرار في العالم اجمع. تلك السياسة والتي ينتهجها ترامب تؤكد بأن امريكا هي جزء من المشكلة باعتبارها داعمة للاحتلال وهذا يعني انها جزء من الاحتلال للأراضي الفلسطينية، ويؤكد ذلك بأنه لا حل لهذا الصراع الا بإنهاء الاحتلال وأن يمارس الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على أراضيه في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وطرح حل قضية اللاجئين حسب القرار الدولي رقم 194.

إعلان ترامب بصفته رئيساً للولايات المتحدة الاميركية إذ يتنكر كلياً ويتعارض مع كافة القرارات الدولية وقرارات مجلس الأمن ويخالف القانون والاجماع الدولي الذي يعتبر القدس الشرقية أرضاً محتلة والقرارات التي أعلنتها عشرات الدول بدعمها لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا يدعو العالم أجمع العمل على عزل سياسة امريكا ومواجهتها ومنع تمرير هذا القرار.

المسؤولون في إدارة ترامب يعتبرون ويروِّجون بأن الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل هو بمثابة اعتراف بالواقع! لكن هذا الأمر يحتاج لتحديد حدود المدينة في اتفاق نهائي خاص بشأن القدس والذي من شأنه لا يؤثر على الأماكن المقدسة، برغم الحفريات والتغيير الديموغرافي لطابع المدينة من أبنية وحضارة وشكل وقوانين عليها وعلى سكانها أو تغيير بأسماء المواقع وبالثقافة والتعليم والمراكز المتعددة للفلسطينيين والتي تتهدد بالإغلاق يوماً بعد يوم في عدة مجالات.

اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم الأربعاء 6 كانون الأول 2017، بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل وأعلانه عن خطط لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى المدينة، أنهت هذه الخطوة تقاليد السياسة الخارجية الأميركية التي امتدت لعقود وكانت تتجنب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل في غياب اتفاق سلام إسرائيلي- فلسطيني. سيكسر القرار توافق الآراء الدولي حول القدس ويسهم في الحكم مسبقًا على مسألة كان من المفترض أن تُترك للمفاوضات النهائية بين الجانبين، مع إمكانية أن تؤجج مزيدًا من التوترات في المنطقة.

4.4 الموقف الفلسطيني من قرار ترامب

على إثر هذا الاعلان بشأن نقل سفارة امريكا من تل ابيب للقدس، تصاعدت ردود الافعال الفلسطينية والعالمية حيث صرّح الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس في حينه بأن نقل السفارة الامريكية للقدس سيكون "مرفوضاً" لدى الفلسطينيين، كما وأعرب السيد نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية بأنه إذا حدث ما أعلنه ترامب فإن الوضع سيتعقد وسيضع العراقيل أمام عملية السلام وربما ستكون نهاية لعملية السلام بحد ذاتها. ومن ناحيته فقد أعلن مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدبلوماسية السيد ماجد الخالدي في تصريح له لوكالة اسوشيتيد برس للأنباء بأن اعلان ترامب ربما ينهي دور واشنطن كوسيط للسلام في الشرق الأوسط، وهذا سيعني أن الأمريكان قد قرروا من تلقاء أنفسهم النأي عن جهود ارساء السلام. من ناحيته تحدث رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد اسماعيل هنية بأن الشعب الفلسطيني لن يسمح بتمرير هذه المؤامرة وبأن خيارات الفلسطينيين مفتوحة في الدفاع عن حقوقه وأماكنه المقدسة.

وكان قرار الفلسطينيين إيقاف اتصالاتهم مع حكومة ترامب ورفضهم استقبال نائبه مايك بنس خلال زيارته للمنطقة، يعتبر هذا تطوراً بمواقفهم ورسالة للأمريكان بأن دورهم انتهى في عملية السلام، وهذا يتطلب من الفلسطينيين البحث عن وسيط جديد من العرب وكذلك من المجتمع الدولي، يستطيع المساعدة في التوصل الى تحقيق حل الدولتين.

وزير الخارجية الفلسطينية رياض المالكي قال ان القرار الامريكي لن يؤثر على وضع ومكانة المدينة المقدسة بأي شكل من الاشكال، بل يؤثر على مكانة الولايات المتحدة الامريكية كوسيط للسلام، وتساءل عَمَّن يخدم هذا القرار سوى قوى التطرف والحكومة الاسرائيلية في تنفيذ أجندتها، وتساءل كيف يكون هناك خطة سلام تُستَثنى منها القدس. وأشار إلى ان الولايات المتحدة فشلت في اختبار القدس رغم تحذيراتنا وتحذيرات العالم اجمع من التهاون بهذا القرار والمساهمة بتحويل صراع سياسي قابل للحل الى حرب دينية لا حدود لها. وتساءل أيضاً هل للولايات المتحدة أن تسأل نفسها لماذا تقف معزولة في موقفها هذا ولماذا لم يستطع اقرب حلفاؤها غض النظر عن قرارها؟ الجواب كان لأن القدس هي بوابة السلام ومدينة القيامة والاقصى وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وهي عصيّة على التزوير والتشويه ولن تستسلم لأي حصار وهي مفتاح الحرب ومفتاح السلام في الشرق الأوسط والعالم أجمع .

فبعد قرار الرئيس الاميركي، دونالد ترامب، دخل الفلسطينيون في مفصل مهم من تاريخ قضيتهم، هناك مواقف وتوجهات اساسية في تاريخ القضية الفلسطينية تتعلق بتوقيف الكفاح المسلح ثم المفاوضات التي توقفت عمليـّاً منذ 30 آذار 2013 ولم يبق اي تفاوض حقيقي بين الفلسطينيين واسرائيل. فقررت القيادة الفلسطينية تدويل القضية بعرضها على المنظمات الدولية، وبإقامة اعترافات ثنائية مثلما حصل مع السويد والفاتيكان، فضلاً عن بعض البرلمانات التي اعترفت بالدولة الفلسطينية دون أن تعترف دول تلك البرلمانات بها. لهذا، فإن ما قام به ترامب، حسب الدكتور محمد اشتية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، " ليس سوى تناغم مع ما عمله نتانياهو الذي ضرب بعرض الحائط كل الاتفاقيات مع الفلسطينيين. كما أن الرئيس الأميركي قضى على مستقبل التفاوض وما يتعلق بقضايا الحل النهائي كالقدس والحدود والمياه واللاجئين." كما أنه "تحدى النظام الدولي" .

من المعروف بأن المجلس الوطني الفلسطيني هو صاحب الولاية ومنظمة التحرير الفلسطينية والمجلس هما من أسَّس السلطة، وهذا يتطلب مراجعة جدية وحقيقية من قبل هذه المؤسسات لكل التطورات من خلال عقد اجتماعاتها ومؤتمراتها، ويقع على عاتق المؤسسات الرسمية هذه الوقوف مليـّاً عند مسألة المصالحة الداخلية وانجازها للوصول الى ائتلاف دولي لإنهاء الاحتلال.

4.5. مواقف دول المنطقة من قرار ترامب

الملك سلمان بن عبد العزيز ملك السعودية وعبر الهاتف– حسب وكالة الانباء السعودية الرسمية، أبلغ دونالد ترامب: "أن أي اعلان حول وضع القدس قبل التوصل الى تسوية نهائية سيضر بعملية السلام وسيزيد من التوتر في المنطقة" .

أما رئيس الوزراء التركي يلدرم فأعلن في أكثر من مكان بأن قضية القدس حساسة للغاية ويتوقع بأن لا تتخذ اي خطوات بشأنها، حيث ان سياسة الأمر الواقع من شأنها ان تؤدي الى تداعيات لا يمكن احتواؤها، في حين الرئيس التركي أوردغان قد وصف القدس بأنها خط أحمر بالنسبة للمسلمين .

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حذر من تعقيد الوضع في المنطقة بسبب اعلان ترامب لأنه يقوّض فرص السلام في منطقة الشرق الاوسط. وفي اعلان للجامعة العربية وصفت قرار ترامب بأنه اجراء خطير من شأنه يضع علامات استفهام حول مستقبل دور الولايات المتحدة كوسيط موثوق فيه في محادثات السلام بالشرق الاوسط. في حين دعا الملك عبد الله ملك الاردن الى بذل جهود مشتركة للتعامل مع تداعيات قرار ترامب ومواجهة اي تصرف يقضي على تطلعات الشعب الفلسطيني إزاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس. من جهته المرشد الأعلى للثورة الاسلامية في إيران علي خامنئي قال بأنه من منطلق اليأس والعجز يريدون ان يعلنوا القدس عاصمة للكيان الصهيوني وهم تجاه قضية القدس يقفون مكتوفي الايدي وعاجزين عن تحقيق اهدافهم، وهذا الحديث يعني به الأمريكان والاسرائيليون .

أيمن الصفدي وزير الخارجية الاردني وفي مؤتمر صحفي عقده مع الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط، قال بأن بلاده رفضت وأدانت هذا القرار وكان رأيهم بأنه لا شرعية له وأن الدول العربية ستعمل على الحد من تبعاته وبأن القدس قضية لا تتقدم عليها اي قضية اخرى في العالمين العربي والاسلامي وكذلك المسيحي، وبأن أول موقف يجب ان يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967 ويجب الاستمرار باتخاذ الاجراءات السياسية والقانونية للحد من التبعات السلبية للقرار الامريكي ولمواجهة جميع الاجراءات الاسرائيلية غير القانونية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. وأشار إلى أن ما تم اتخاذه من قرار في الكنيست الاسرائيلي بخصوص توحيد القدس لن يتم الاعتراف به لأنه مخالف للقانون الدولي وبأن الحزب الحاكم في اسرائيل يحاول فرض السيادة على الضفة الغربية عبر محاولته إقرار شرعنه المستوطنات لأن مثل هذا القرار مُدان ومرفوض ويخرق كافة القوانين والاتفاقات الدولية. فإجراءات اسرائيل أحادية لجانب تُقوّض فرص السلام بالمنطقة وتهدد الأمن والسلم الدوليين .

4.6. الموقف الإسرائيلي من قرار ترامب

إعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الهوية التاريخية والقومية لليهود ستحظى بالاعتراف لا سيما بعد اعلان ترامب، وحسب وزير التعليم الاسرائيلي نفتالي بينيت بأن الولايات المتحدة تضع حجراً آخر في جدران القدس وفي ركيزة الأمة اليهودية، ودعا الدول الاخرى على حذو اعلان ترامب. في حين شنّ مندوب اسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون هجوماً عنيفاً على الأمم المتحدة واصفاً مَن يعترضون على قرار ترامب وامريكا بأنهم ليسوا إلا دُمى تحرّكها القيادة الفلسطينية، وتحدث في كلمته امام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن الجمعية العامة منافقة وقال من المخجل بأن يحصل ما حصل ومن المخجل ان يعقد مثل هذا الاجتماع وبأنه لا يمكن لأي قرار في الامم المتحدة أن يبعد اسرائيل عن القدس!!

اتبعت إسرائيل أساليب شتى لتحقيق هدفها المعلن: تهويد القدس، لعل أبرزها كان الاستيطان الذي ساهم في إنجاح الهدف الإسرائيلي إلى حد كبير، ومع ذلك لم يكن الأداة الوحيدة التي لجأ الاحتلال إليها، فإلى جانب زرع الأحياء الاستيطانية الالتفافية حول مدينة القدس بهدف تطويقها وعزلها وزيادة عدد المستوطنين اليهود، تقوم إسرائيل بالتضييق على البناء العربي، وتعمل على تقليص عدد المواطنين الفلسطينيين بشتى السبل. فمسألة القدس واحدة من أبرز المسائل التي أرجئ البحث فيها بموجب اتفاقات أوسلو إلى ما سمي بمفاوضات الحل النهائي، لكن الحكومات الإسرائيلية بسياساتها الرامية إلى تهويد القدس سعت لاستباق تلك المفاوضات لحسم الموقف لمصلحتها من جانب واحد، وبذلك كانت مسالة القدس هي معضلة عملية التفاوض في كامب ديفيد الثانية حول الوضع النهائي. بعد نشوب حرب عام 1967 أتيحت الفرصة الملائمة لإسرائيل لاحتلال ما تبقى من مدينة القدس وهو ذلك الجزء الذي تم احتلاله من قبل الأردن إبان حرب 1948، ففي السابع من حزيران1967 بادر مناحيم بيغن الوزير في الحكومة الإسرائيلية آنذاك باقتحام مدينة القدس، حيث تم الاستيلاء عليها في اليوم نفسه، وعقب ذلك أقيمت إدارة عسكرية للضفة الغربية ترأسها الجنرال حاييم هيرتسوغ الذي اتخذ من فندق إمباسادور في القدس الشرقية مقراً لقيادته، "وتم تعيين إدارة عسكرية للمدينة تتألف من شلومو لاهط حاكماً عسكرياً ويعقوب سلمان نائباً له، ووضعت تحت قيادتها قوات كبيرة تألفت من لواء مظلي وكتيبتي مشاه وكتيبة حرس حدود وكتيبتي هندسة وكتيبتي مدفعية لإحكام السيطرة على المدينة". وقامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بدمج شطري المدينة من خلال إزالة بوابة مندلباوم التي شكلت بوابة العبور بين شطري المدينة الشرقي والغربي بين عامي 1949 ـ 1967، بالإضافة إلى خطوط وقف إطلاق النار، كما تم العمل على توحيد شبكات البنى التحتية والطرق والمواصلات وغيرها.

وحسب ما نشرته صحيفة "اسرائيل اليوم" بأن وزارة الخارجية الإسرائيلية بدأت جهودا استثنائية لإقناع دول أخرى بنقل السفارات إلى القدس"، مشيرة إلى أن "الجهد الدبلوماسي الإسرائيلي يعمل بجد لإقناع باقي دول العالم للاقتداء بقرار الرئيس الأمريكي". كما وأشارت بأن بنيامين نتنياهو قد صرح بأنه "بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ستؤدي هذه الخطوة إلى نقل العديد من الدول سفاراتها إلى القدس" .

وبعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس المحتلة عاصمة إسرائيل، خططت الحكومة الاسرائيلية للمصادقة على بناء 14 وحدة استيطانية في مدينة القدس المحتلة. وحسب ما أذاعته القناة إلـ12 الاسرائيلية بأن وزير البناء والإسكان يؤآف جالانت، أعد خطة لبناء ألف وحدة استيطانية في مستوطنة "بسغات زئيف" و 3 آلاف في مستوطنة "كتمون" و 5 آلاف وحدة في سلسلة جبال "لوفن" داخل حدود القدس، بالإضافة لبناء 5 آلاف وحدة استيطانية في مستوطنة "عطاروت". وهذه الخطة حظيت بموافقة غالبية أعضاء المجلس الوزاري المصغـّر "الكابينيت"، حيث كان رأي اعضاء هذا المجلس بأنه لا يوجد وقت افضل من هذا الوقت لتوسيع المدينة على حدّ تعبيرهم. حننال دورني، تحدث بأنه "يجب العمل وعدم الانتظار لأجل إعداد خطط استيطانية موازية والنهوض الإسرائيلي في هذا المجال"، لافتا إلى أن القيود السياسية لا تهمه في جهوده لتعزيز الاستيطان وتوسيعه. جاء هذا في مقابلة متلفزة مع القناة العبرية السابعة حيث كشف عن ضغوط سياسية ضد رئيس حكومة الاحتلال لوقف سياسة الاستيطان، معربا عن رفضه في الوقت ذاته لاستجابة نتنياهو لهذه الضغوط. وطالب بضرورة مضاعفة التصريحات الصادرة من الحكومة الإسرائيلية لتسريع وتيرة البناء الاستيطاني في مدن الضفة الغربية المحتلة، لافتا إلى أنه سيواصل المفاوضات مع الجهات المختصة لإعداد وتقديم خطط استيطانية جديدة. وبرأيه فإن الهدف من مضاعفة خطط بناء المستوطنات في الضفة الغربية، هو زيادة أعداد المستوطنين لتصل إلى مليون نسمة، منوها إلى أن خطة ترامب حول المفاوضات الدبلوماسية مع الفلسطينيين، يجب ألا تقف حاجزا أمام المشاريع الاستيطانية. كما ونوّه دورني بأن "مهمة مجلس الاستيطان هي تعزيز التصور الذي يؤكد أن حل الدولتين فكرة غير واقعية، وقد ولدت من اليأس من اليسار الإسرائيلي، ولا يوجد مكان لهذا الحل وسنواصل الكفاح ضده". .

4.7. المواقف الدولية من قرار ترامب

موقف ترامب يكشف عن جوهر الرأسمالية العالمية الاحتكارية ذات الطابع الشرس التي تتعامل مع الآخرين من منظار مالي اقتصادي احتكاري باعتمادها على القوة العسكرية والنفوذ، وبهذا تضرّ بالديمقراطية وحقوق الانسان لتمرر مصالحها عبر الكثير من البوابات الدولية والتحالفية، مثل الاتفاقات الاقتصادية والعسكرية مع كثير من بلدان أوروبا وبخاصة حلف الناتو، لكن سياسة ترامب قد مسَّت بالعلاقات مع دول الاتحاد الاوروبي حيث تنعتها بالقارة العجوز وبأن الترسانة الاميركية هي التي تحمي تلك البلدان وبأنهم يجب أن يدفعوا مقابل تلك الحماية الكثير. والموقف الأوروبي كان واضحاً من خلال تصويت بعض دول الاتحاد الاوروبي ضد قرار ترامب بخصوص القضية الفلسطينية والقدس وحول قرار نقل السفارة الاميركية للقدس، الذين طالبوا ترامب بالعدول عن موقفه تجاه ذلك والالتزام بالشرعية

المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك للصحفيين صرح بأن الامم المتحدة تعتبر دائماً القدس مسألة من مسائل الوضع النهائي التي يجب ان تحل خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين استناداً الى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. في حين قال البابا فرانسيس أنه لا يمكنه إخفاء مخاوفه البالغة بشأن الوضع الذي لاح في الايام الاخيرة، وناشد بقوة الجميع احترام الوضع الراهن للمدينة بما يتفق مع قرارات الامم المتحدة ذات الصلة. أما الاتحاد الاوروبي فقد دعا الى استئناف عملية سلام هادفة في اتجاه حل الدولتين وهذا الطريق لا بد من التوصل اليه عبر المفاوضات لحل وضع مدينة القدس كعاصمة مستقبلية لكلا الدولتين حتى يمكـّن من تحقيق تطلعات كلا الطرفين. أما الصين وروسيا فأعربا عن مخاوفهما من أن تؤدي خطوة ترامب الى تصاعد التوتر في المنطقة. بريطانيا من جهتها أعربت من خلال وزير خارجيتها بوريس جونسون بأنها تراقب بقلق التقارير التي تصدر بهذا الشأن وبأن بريطانيا تعتقد أن القدس يجب ان تكون بوضوح جزءاً من التسوية النهائية بين الاسرائيليين والفلسطينيين من خلال المفاوضات.

في المقابل، أبدى سفراء الدول دائمة وغير دائمة العضوية في مجلس الأمن إجماعاً بشأن عدم حصافة ترامب. وعبّر سفير السويد أولوف سكوغ عن معارضة بلاده وشدد على ان الخطوة الاميركية تتناقض مع القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة وبأنها تتعارض أيضاً مع نداء عدد من اصدقاء الولايات المتحدة واسرائيل. وجاءت المعارضة الأكثر حدة ضمن خطاب سفير بوليفيا سيرجيو لورانتز سوليز الذي أبدى قلقه من مغبة أن يتحول مجلس الامن الى ارض محتلة. وعقب الجلسة الطارئة في المجلس أصدر سفراء بريطانيا وفرنسا والسويد والمانيا وايطاليا بياناً مشتركاً نددوا فيه بالموقف الامريكي الذي اعتبروه متناقضاً مع قرارات مجلس الامن وغير مساهم باتجاه تحقيق السلام في المنطقة. وبعد ذلك بعشرة ايام بادرت الولايات المتحدة باستخدام حق النقض في وجه مشروع قرار قدمته مصر باسم السلطة الفلسطينية لكنه حظي بتأييد الدول الاخرى الاربعة عشر في المجلس، وظل الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس متمسكاً بأن لا بديل عن حل الدولتين وليست هناك خطة أخرى في هذه المرحلة.

وفي نفس الوقت عارض الاتحاد بناء جدار الفصل العنصري داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتدمير البيوت ومصادرة الأراضي، ولذلك أيدت أوروبا قرار المحكمة الدولية عام2004م القاضي بعدم شرعية جدار الفصل العنصري، واعتبرت الأعمال العدوانية الإسرائيلية منافية لاتفاقية جينيف الرابعة، وترى أنه يزيد الكراهية بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ويقلل من ثقة الفلسطينيين بخطة خارطة الطريق 2، وأن سياسة فرض الأمر الواقع التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية تعيق الجهود والمساعي الهادفة للوصول إلى حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

عندما أعلنت حركة حماس رغبتها المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أجريت عام 2006 م، اتخذ مجلس النواب الأمريكي في 15 ديسمبر/كانون الأول 2005 م قراراً بأغلبية كبيرة يحذر فيه من هذه المشاركة وأكد أنها "سوف تقوض العلاقات مع واشنطن"، داعيا الرئيس محمود عباس إلى حل المنظمات الإرهابية، في إشارة واضحة إلى حماس، وقبل صدور قرار مجلس النواب بأيام وصف الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية حماس بأنها حركه" ذات مواقف متناقضة، فهي منظمة إرهابيه، غير أنها تسعى إلى المشاركة في العملية السلمية( ).

4.8 بهدف تبيين آراء الشخصيات السياسية حول قرار ترامب عن نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس قمت بإجراء مقابلات شخصية مع بعضهم في 2 من مايو.

عصام مخول لقاء 2/5/2019

الامر البارز ان الإجراءات والمواقف الفظة الاستفزازية التي يتبناها ترامب بشكل منهجي هي ليست مواقف ترامب بقدر ما هي تبني ترامب تبني اليمين المستوطن الإسرائيلي حركة الاستيطان الاسرائيلي والتطرف العنصري الصهيوني وترامب كما يتعامل عالميا هو ينحاز بشكل كبير وعلى المكشوف الى جانب العدوان الى جانب الاحتلال الى جانب الاستيطان بما في ذلك القدس بهذا المعنى هو يتبنى مشروع اليمين المتطرف في إسرائيل الرافض لاي حل سياسي هذه هي حقيقة ترامب الامر الثاني الذي يشكل خطر من موقف ترامب انه يلقي عرض الحائط القانون الدولي وقرارات المنظمات الدولية والقانون الدولي وحتى بقرارات الإدارات الامريكية المتتالية التي اعتبرت دائما القدس الشرقية هي جزء من المناطق المحتلة وان مصيرها يحسم بالتفاوض بين ممثلين الشعبين وليس من خلال املاء امريكي استعماري مستفز وسافر كما حدث ولذلك نحن نقول الجديد في تصرف ترامب هو ليس الموقف من القضية الفلسطينية والاسئلة الى الشعب الفلسطيني وانما هو موقف مستفز من القانون الدولي ومن النظام العالمي وكما يبدوا ان ترامب يحاول ان يعلن اغنه خارج النظام الدولي وخارج قواعد اللعبة في العلاقات الدولية هذا صحيح في قضية القدس هذا صحيح في قضية الجولان وهذا صحيح في قضية تعاملوا في الاقتصاد مع فرض الجمارك على مختلف الدول التي باتت تشكل منافسا للاقتصاد الأمريكي ولذلك الخطر هو اكبر من مجرد موقف من نقل العاصمة هو اعلان عقلية يريد ان يتحكم بالعالم من خلالها واعتقد انه سيفشل كما فشل في قضية القدس وكما سيفشل في قضية الجولان وكما سيفشل عالميا في الولايات المتحدة الامريكية يجب ان تتعلم انها تعيش الان في عالم متعدد الأقطاب وليس في عالم القطب الامبريالي الواحد

الدكتور ابراهيم ابو جابر

2/5/2019

قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس قرار غير قانوني ولا شرعي وإنما يعد تعديا على قواعد القانون الدولي العام .

ويأتي القرار الأمريكي هذا في سياق سياسة إدارة ترامب المنحازة كلية لاسرائيل وتماهيها مع طلبات اللوبي الصهيوني في امريكا الذي لعب دورا مهما في انتخاب ترامب في الانتخابات الرئاسية الاخيرة.

ان قرار نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس باطل ولن يغير واقع المدينة المحتلة وطبيعتها العربية والاسلامية و لا يعترف به الشعب الفلسطيني ويدعو إلى إلغائه وكل القوى الشريفة في العالم.

الكاتب محمد نفاع 2/5/2019

موقفي من نقل السفارة موقف مندد ومعارض لكل سياسة الولايات الأمريكية المتحدة وأتصور انها عبارة عن خطوات تظاهرية لن تؤثر أبدا على قضية الشعب العربي الفلسطيني وعلى الموقف الثابت وعلى حقه هذا الرئيس الأمريكي يتصرف بأعمال غير مسؤولة لكن بنفس الوقت هي مرفوضة ليس فقط فلسطينياً مرفوضة من كافة النواحي ولا شك أنها شك أنها جزء من صفقة القرن أيضا المرفوضة

مسعود غنايم لقاء 2/5/2019

قرار ترامب غير شرعي وباطل وكما قيل عن وعد بلفور يقال عن قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أعطاه من لا يملك لمن لا يستحق .

القدس الشرقية منطقة محتلة وعلى اسرائيل الإنسحاب منها وهي عاصمة دولة فلسطين المستقبلية وأي قرار يناقض ذلك هو قرار مرفوض يحوّل صاحبه إلى طرف منحاز بشكل واضح للموقف الإسرائيلي ولا يمكن قبوله كوسيط في أي محاثات سلام

خلاصة

إن تآكل الدور الامريكي في مفاوضات السلام قد أوصل العالم الى مفترق طرق، في الوقت نفسه فإن مواقف بعض الدول في الأمم المتحدة متمسكون بالقرارات الدولية بحل الدولتين في فلسطين على اساس القدس الغربية عاصمة لإسرائيل والقدس الشرقية في حدود 1967 عاصمة لفلسطين. إن ترامب أعلن انحيازه للوقوف مع اسرائيل، وهذا يعزز احتمالات أن يتجه الفلسطينيون نحو الاوروبيين لتولي قيادة محادثات السلام مستقبلاً.

لقد تصرّف ترامب بقراره وأوصل محادثات السلام وأوسلو لطريق مسدود بل وإنهاء هذه العملية بطريقة سلبية، ويعتبر ذلك مدخل للفلسطينيين للخلاص من تقييدات واتفاقات وتعهدات مع الاسرائيليين وهذا الأمر يتطلب من القيادة الفلسطينية إعادة النظر باستراتيجياتها ومواقفها اللاحقة داخلياً وخارجياً سواء من ناحية الخطط والتحالفات والبحث عن وسائل أخرى وأطراف أخرى لتغيير الخارطة السياسية اللاحقة بخصوص القضية الوطنية الفلسطينية، بخاصة في ظل المواقف الدولية سواء في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي في 8 كانون الأول 2017 أو في جلسة التصويت في الثامن عشر من نفس الشهر بخصوص نيّة ترامب "أي ما قبل قراره" بخصوص القدس، وهذا الأمر ضاعف من التباعد ما بين الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن الأربعة عشر التي عارضت لاحقاً القرار الامريكي هذا.

القرار الامريكي خاطئ ويتعارض مع القانون الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن. كل هذه المؤسسات اكدت ان الوضع القانوني للقدس يراها ارضاً محتلة، واعتبرت ان سلوكيات اسرائيل بالمدينة وتجاهها بعد ضمها واحتلالها في عام 1967 لاغية وباطلة من الناحية القانونية ومخالفة لأحكام القانون الدولي. كافة القرارات الدولية كانت الولايات المتحدة جزءاً منها، وصوتت لصالحها ولم تمارس حق الفيتو بحقها، كما وأن القانون الدولي لن يتغير ولن يتم التراجع عن قرارات مجلس الأمن، لأن واشنطن ليست من يقرر تغيير القانون الدولي او قرارات مجلس الأمن.

واشنطن ليست طرفاً مهمّاً في بعض الاتفاقيات الدولية مثل اتفاق روما الذي لم تصادق عليه والبروتوكولين الاضافيين لاتفاقية جنيف لعام 1977 واتفاقية لاهاي لعام 1899 التي اصبحت لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الاضافي الأول لعام 1977، رغم كل هذه المواثيق والمعاهدات هل بإمكان امريكا واسرائيل أن يغيّروا صفة الاحتلال للقدس؟ لا نعتقد ذلك.

وحسب القانون الدولي أن تقوم واشنطن باعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، كدولة محتلة تمارس أبشع الانتهاكات الجسيمة ضد الشعب الفلسطيني. فبدلاً من الاعتراف هذا لا بد من اتخاذ الاجراءات القانونية لسحب الاعتراف بإسرائيل بسبب انتهاكاتها لقرارات الامم المتحدة ومبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الانساني في كافة الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. بالتالي لا بدّ من تحميل اسرائيل المسؤولية القانونية الدولية جراء انتهاكاتها لحقوق السكان المدنيين في القدس، لا أن تُكافأ بالاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة لها!!

الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يعني الابقاء على الوضع الراهن القائم على الاحتلال، وتوحيد المدينة تحت السيادة الاسرائيلية تنفيذاً لقرار ضم المدينة الصادر عن الكنيست الاسرائيلي، والاقرار بضم الاراضي بالقوة، وهو أمر يناقض مبادئ جواز اكتساب الاقاليم عن طريق الحرب. إن ذلك يعزز ويدعم السيادة الاسرائيلية على القدس الشرقية والغربية وبناء على قرار الكنيست بضم المدينة بصفتها "العاصمة الابدية" لإسرائيل وفقاً لمقررات المؤتمرات الصهيونية العالمية، ويُشَرِّع ما اقامته اسرائيل من استعمار استيطاني في القدس، وخصوصاً ان هناك مباحثات بين امريكا واسرائيل بشأن اتفاقية ايجار بين الطرفين تتعلق بالسفارة الاميركية وهذا سيؤثر على املاك اللاجئين الفلسطينيين في المدينة. إن الاعتراف ونقل السفارة يناقضان الالتزامات والتأكيدات الصادرة عن جميع الادارات الاميركية السابقة.

الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل مخالف لمبدأ عدم الاعتراف بالأوضاع الاقليمية غير المشروعة، وهذا المبدأ يؤكد على جميع دول العالم عدم الاعتراف بأي تصرف مخالف لمبادئ القانون الدولي، وهو التزام على دول العالم بالامتناع عن الاعتراف بأي مكاسب اقليمية غير مشروعة. فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد اكدت في الاعلان المتعلق بالعلاقات الودية والتعامل بين الدول، والصادر عنها عام 1970 والذي جاء فيه أن أية مكاسب اقليمية تم الحصول عليها عن طريق استخدام القوة او التهديد باستخدامها لا يمكن الاعتراف بشرعيتها.

القرار الامريكي يخالف الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويحول دون تمكينه من حق تقرير المصير بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وهذا الموقف يعتبر حالة من حالات انتهاك قواعد القانون الدولي وينبغي أن تتكاتف جميع الجهود الدولية في الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية لوقفه. كما وأن هذا القرار يفتح الباب أمام دول العالم المساندة لإسرائيل باتخاذ قرارات مماثلة لما اتخذته الولايات المتحدة بخصوص القدس.

إن القرار المتعجل وغير المدروس، الذي صدر عن إدارة ترامب، لم يسهم فقط في تأزيم عملية السلام المتعثرة، ولم يصب الزيت على نار الصراعات الدينية والقومية المتأججة في المنطقة فحسب، بل وسيسهم كذلك في إنعاش حركات الإسلام السياسي، بما فيها الراديكالية منها، وقد يؤسس لموجة جديدة من ثقافة "الكراهية" للولايات المتحدة والغرب عموما، التي ستعمد حركات الإسلام الراديكالي إلى توظيفها لاستعادة حضورها وترميم ما خلفته الحرب على الإرهاب من جراحات وإصابات عميقة لحقت بالبنية الأساسية لهذه الحركات.

الاستنتاجات

أولاً – بعد اشتداد الاطماع الاستعمارية تجاه ارض فلسطين بخاصة قبيل الحرب العالمية الاولى وبعدها، ولجوء دول الاستعمار العالمي نحو التخطيط لتقسيم العالم، عقدوا الاتفاقات فيما بينهم لأجل ذلك وكان من ضمنها ارض فلسطين. بهذا فقد نشأت بعدها حركات وطنية ومقاومة حاولت مجابهة الاستعمار وهنا نتحدث عن فلسطين طبعاً، فكان منذ البدايات نشوء خلايا ماركسية ومجموعات مقاومة وطنية وغيرها تتجنّد لمجابهة الاستعمار البريطاني والمجموعات الصهيونية التي بدأت تنشط برعاية بريطانية للهجرة والتوطّن في فلسطين تحت الحماية البريطانية. نتيجة للتطورات صدر قرار تقسيم فلسطين عصبة الامم، كمحاولة أولى من قبل هيئة الامم المتحدة لحل القضية الفلسطينية، حيث يتبنى القرار التقسيمي لفلسطين بإنهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين الى ثلاثة كيانات جديدة. تم تطبيق الجزء الخاصة باسرائيل ولاحقاً نشبت حرب إلــ48 التي كانت نتيجتها تشريد الشعب الفلسطيني عن ارضه وجلاء القوات البريطانية عن فلسطين واعلان قيام دولة اسرائيل على الارض الفلسطينينة. هذا أدى الى الانتداب المصري على منطقة قطاع غزة وأما الاردن فبسطت نفوذها على ما أسمي لاحقاً بالضفة الغربية وأدى ذلك الى نتيجة عدم قيام دولة فلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من اقامة دولته على ارضه وتشرده. ولاحقاً ومع تطور القضية الفلسطينية بخاصة في العام 1964 تأسست منظمة التحرير الفلسطينية برعاية عربية ولاحقا وفي عام 1965 نشأت حركة فتح والتي ضمت في صفوفها العديد من التشكيلات من القوميين العرب والاخوان المسلمين وماركسين ومجموعات فدائية صغيرة. ومع هذا التطور وتغيّر الظروف وحصول الانتفاضات والحراكات للشعب الفلسطيني، نشأت حركة حماس والتي هي جزء من حركة الاخوان المسلمين وذلك في بدايات عام 1988، كان ذلك بسبب مركزية القرار الفلسطيني في تونس بيد حركة فتح واستئثارها بالقرار ومحاولات تهميش دور القوى الاخرى.

من هنا نستطيع الاستنتاج ومن خلال تسارع وتقلّب الاحداث والتطورات الى ان استهداف الانظمة العربية والاستعمار والقوى الرجعية لقوى التحرر بهدف إضعافها وتهميشها ادى الى خلق أطر سياسية وعسكرية جديدة كما حدث فعلاً وتحويل جزء من الصراع الى صراعات داخلية، فأصبح الصراع بادياً بخاصة بين طرفين اساسيين بالساحة الفلسطينية هما حركة فتح وحركة حماس. حيث ان فتح هي اصلاً جاءت من صلب الاخوان المسلمين، كما وأن حماس نشأت كذلك من صلب الاخوان المسلمين. لكن الصراع جاء وبرز على المفاهيم والمصالح ومن ثم على الاجندات الخارجية تجاه القضية الفلسطينية باستخدام اطراف الصراع للصالح الخارجي. وكانت النتيجة ان الصراع أضعف قوى منظمة التحرير كافة وأدى الى تفسيخ الساحة الفلسطينية، كما وأن حماس بسيطرتها على قطاع غزة أدى الى إضعاف القوى ذاتها وتشرذم قدراتها وأدى ذلك الى دخول المصالح العربية وغير العربية لتعزيز نفوذها بالساحة الفلسطينية والتي اصبحت مرتعاً للأطماع من جديد. وهذا ادى الى واقع صعب يعيشه الشعب الفلسطيني في ظل ظروف واستهدافات اوروبية وامريكية جديدة لانهاء القضية الفلسطينية، والاستحواذ على مستقبلها وعلى تذويب الهوية الفلسطينية وتحويل القضية الفلسطينية من قضية كيانية حقوقية الى قضية خدماتية وجانبية.

ثانيا – مع نشوء حركة حماس ومحاولاتها البروز على حساب منظمة التحرير وفصائلها وإظهار ذاتها على انها البديل لتمثيل الشعب الفلسطيني، بدأت تتبلور مظاهر الصراع خاصة ما بين فتح وحماس. وكان ذلك ظاهراً خلال الانتفاضات والصراع ضد الاحتلال. الا انه ومع اعلان حماس موافقتها على خوض الانتخابات التشريعية وكانت النتائج انها استطاعت الحصول على الاغلبية في الانتخابات، كان ذلك بسبب سلبيات سلوك فتح وتسلطها، تمنّعت فتح من تسليم مفاتيح السلطة لحماس وحصلت عرقلات كثيرة امام هذه النتائج، حيث عمدت لاحقاً حماس على السيطرة على قطاع غزة بقوة السلاح وأعلنت عن تلك المنطقة بأنها خارج سيطرة السلطة وتطورت الاحداث الى ان اصبح الامر اكثر سوءاً.

حصلت العديد من المحاولات من قبل بعض الانظمة العربية مثل مصر واليمن والاردن والسعودية والجزائر وغيرها لأجل رأب الصدع ما بين الطرفين، الا أن الامور اخذت سياسة المدّ والجزر واللعب بأوراق المصالح والاجندات الخارجية عربية واسلامية. وبرغم بروز الكثير من الاحداث التي استهدفت القضية الفلسطينية لانهائها والقضاء عليها، الا ان طرفي الصراع لم يتوصلا عملياً وواقعياً الى وضع حل لذلك لأجل تسوية النزاع الداخلي وللتفرغ لمواجهة الاخطار الخارجية. وهذا يعطينا تصور واضح، ألا وهوَ ان حركة حماس لها أبعاد ومصالح وارتباطات خارج الوطن تحت غطاء ديني اسلامي وهو في مضمونه مصالح خارجية وأصابع خارجية تستهدف القضية الفلسطينية، كما وأن حركة فتح بتفردها بالقرار الوطني على حساب باقي فصائل المنظمة ولأن هذه المنظمة اصبحت كوجود شكلي، وبأن فتح تريد الهيمنة على القرار الوطني وعلى المقدّرات للشعب الفلسطيني، ولهذا هي ايضاً تسعى لمصالح ضيقة ادت الى تسخير سياساتها تحت ظل اجندات عربية، وعربية مرتبطة بمصالح تسيء لقضية الشعب الفلسطيني ايضاً في معظم الاحوال.

والشيء الاخر ان القوى الفلسطينية الاخرى اصبحت إسماً بلا فعل أو تأثير امام مثل هذا التناقض والصراع. ان ذلك لا يمكن ان ينتهي الا بإقرار الجميع بالمصلحة الوطنية والخضوع لقانون عام يتم التوافق عليه وبانتخابات وطنية شاملة ووصول قوى حريصة لمصدر القرار لأجل المساعدة في وضع القضية الفلسطينية على سكة الحل العادل والمنصف للشعب الفلسطيني. إن تلك الخلافات أودت بالقضية الفلسطينية الى منعطفات خطرة، اصبح على عاتق الشعب الفلسطيني العمل على تغييير هذا الواقع ولجم كل المحاولات حتى الداخلية من إضعاف واقع القضية الوطنية وإعادتها الى مسارها الصحيح.

ثالثاً – ان الحالة الفلسطينية المتردية والتي حصلت خاصة بعد اتفاق اوسلو، وحصول الخلافات والانقسامات والتشتت والتباينات، يدل على ان اتفاق اوسلو كان اتفاقاً مجحفاً بحق الشعب الفلسطيني. وبأن تنازل السلطة عن بعض الثوابت الوطنية ادى الى قبولها بحدود عام 1967 وإرجاء قضايا كثيرة منها اللاجئين والحدود وحق العودة والقدس والمستوطنات وغيرها الى فترات لم تحسم. كما وأن اتفاق اوسلو والذي لم تلتزم به اسرائيل ولعبت بأوراقه وبما تم الاتفاق عليه، حيث لم يعالج قضية حق عودة اللاجئين ولم يثبّت الحدود لقيام الدولة الفلسطينية او لحدود دولة اسرائيل، بل اعطاها الكثير بالتوسع والاستيطان والاطماع والمصادر الطبيعية والمعابر على حساب مستقبل الشعب الفلسطيني. واستطاع الاحتلال استغلال الاوضاع في قطاع غزة وزرع الفتنة ما بين الاطرايف الفلسطينية واسقاط القيادة في مستنقع ووحل المصالح الانانية الاقتصادية ودخول الرأسمال المحلي مع الصهيوني بنشاطات مشتركة اقتصادية ادت الى تشرذم آفاق وخطط وآمال الشعب الفلسطيني، وتحويل الصراع او جزء منه الى مصالح وتحويل السلطة الى سلطة تنسيق أمني لصالح الاحتلال والى سلطة خدماتية تقوم بمهام الاحتلال او بديلاً عنه.

في النهاية وبوجود اختلافات فكرية وايديولوجية ما بين حركتي فتح وحماس، فبدل أن يذهبا للبحث عن قواسم توافقية مشتركة، يذهبان للبحث عما يزيد حدة الصراع بينهما. كما وأن آثار الاحتراب الذي حصل ما بعد الانتخابات عام 2006 وسيطرة حماس على غزة وتنكّر فتح لتسليم مقاليد السلطة لحماس التي فازت بالانتخابات، كما وأن التدخلات الاجنبية والعربية في الساحة الفلسطينية حيث لا يريدون ان تتجلى الديمقراطية الفلسطينية بل يريدون ان يُملوا سياساتهم على السلطة وسلوكها. كما وأن الاختلافات ما بين الطرفين في مفهوم المقاومة وتبني كل طرف للشكل الذي يسير فيه ولو شكلياً، ادى الى زيادة الهوّة ما بين طرفي الصراع.

حقيقة لم تستطع اطراف الحركة الوطنية من الاخذ بزمام الامور بسبب تزايد ضعفها نتيجة لتلك الصراعات الداخلية، الا ان الحالة ذهبت نحو التردي والتراجع ووقوع كافة الاطراف في فخ اوسلو وألاعيب الاحتلال والذي ومنذ البداية كان هدفه تحطيم اي تحرك وطني فلسطيني وتحويل القوى الى مسار تنفيذ الخدمات بديلاً عن الاحتلال والابقاء على مطامع الاحتلال في السيطرة والتوسع والهيمنة والنفاذ من خلال القضية الفلسطينية الى اقتحام اسوار الدول العربية المجاورة والسيطرة الاقتصادية والسياسية وبدعم امريكي واضح وخنوع عربي رسمي.

رابعاً – مواقف عرب الداخل من الانقسام ومن العملية السياسية وعملية السلام، فقد كان لعرب الداخل اربعة آراء حيث يقول احداها بأن الاختلافات الفكرية والعقائدية والايديولوجية ما بين حركتي فتح وحماس هوما اثر على عدم الاتفاق ما بينهما، ومنهم من رأى بأن الصراع ما بينهما هو صراع مصالح واحتراب على السلطة والمراكز والمصالح. منهم من عزى ذلك على التدخلات الاجنبية والعربية في الشأن الفلسطيني وأرادوا إملاء مصالحهم وآراؤهم على الموقف الفلسطيني، كما وأن هناك طرف كان رأيه بأن هناك اختلاف على أشكال النضال والمقاومة حيث ان فتح اعلنت ايمانها بالاسلوب السلمي والمفاوضات في حين حماس اعلنت ان اسلوبها هو استمرارية القتال بالسلاح ضد الاحتلال، برغم ان حماس خاضت الانتخابات ووصلت الى موقع متقدمة بالسلطة ضمن اتفاقات اوسلو وتحت سقفه، لكن كما قلنا ان المصالح وصراع المصالح كان له الاولوية في الصراع الداخلي.

كانت هناك محاولات من عرب الداخل لرأب الصدع ما بين طرفي الصراع، لكن للأسف تبين ان موقفهم كان هامشياً وليس حاسماً برغم محاولاتهم المساعدة بإيجاد حلول، الا انهم لم يستطيعوا إنهاء الانقسام. ومن ناحية اخرى، لم يكن لديهم اية مشاريع عملية رسمية او شعبية تسهم في حل النزاع والانقسام. كما وأن هناك قناعة لدى عرب الداخل بأن اسرائيل ودول اوروبية وامريكا وبعض الدول العربية وأطراف فلسطينية تعمل على تغذية الصراع والانقسام. هذا يؤكد بأن اسرائيل كانت تسعى دائماً لعدم الوصول لقيام دولة فلسطينية اولقرار سياسي فلسطيني مستقل، بل تابعاً لقراراتها ولمصالحها.

خامساً – ان المواقف العربية بخصوص الوضع الفلسطيني في حالة أوسلو ولاحقاً الانقسام نجد عدم فاعلية تلك المواقف بل كانت المواقف توحي احياناً انه يتم التهديد للفلسطينيين بالعقوبات في حال تقاربوا للتوصل لحلول مشتركة واتفاقات. نقول بأن للاجندات والمصالح الخارجية دور وتأثير اقتصادي على مجريات الوضع الفلسطيني.

ان انعكاس المصالح العربية والدولية على مجمل الصراع الفلسطيني والخلافات يترتب عليه صراع المصالح لكل دولة واطماعها وسياستها ونفوذها. فكان من نتائج ذلك هو تردي الوضع الاقتصادي الفلسطيني وانعدام الاستقرار السياسي. ادى كل ذلك الى الانعكاس اجتماعياً والضغوطات الحاصلة وخلخلة الوضع الأمني وعدم الاستقرار بالقوانين والتشريعات مما ادى الى تراجع القضية الفلسطينية على المحافل الدولية وشاهدنا كذلك زيادة وتيرة الاستيطان الصهيوني والاستيلاء على الارض الفلسطينية.

وللتأكيد على ذلك فإن تشرذم الوضع العربي وتخلخله والاصطفافات العربية التي حصلت، سواء تجاه امريكا واسرائيل او تجاه ايران او تركيا، ادى الى تصدّع المواقف تلك واثرت سلباً على الوضع الفلسطيني الذي وقع تحت تأثير هذا الطرف او ذاك اويخوض صراع المصالح مع هذا الطرف أو ذاك، وأوقع الطرف الفلسطيني تحت طائلة الضغوطات المالية او الخنق الاقتصادي تحت مبررات تعديل او تغيير المواقف والتنازلات، بالتأكيد للمصلحة الاسرائيلية الامريكية، بخاصة ان الوضع الامريكي او الاسرائيلي كان ولا يزال بحاجة للخروج من ازماته الداخلية وانعدام الاستقرار في السياسة الدولية والمحلية.

نتيجة ذلك فإن الموقف الرسمي العربي بدأ ينحو باتجاه الارتماء في أحضان السياسات الامريكية والاسرائيلية الى حد كبير، واصبحت القضية الفلسطينية مسألة ثانوية بالنسبة لهم وفقط كشعارات وليس كمسألة اساسية في سياساتهم وبرامجهم ومطالباتهم. هذا الموقف أضعف الوضع الفلسطيني واصبح داعماً بشكل او بآخر لسياسات الغطرسة الاستعمارية تحت تمرد امريكا واسرائيل على القوانين الدولية وعلى مقدرات الشعوب.

سادساً – أما بخصوص قرار ترامب، حيث أن خطته تمس جوهر القضية الفلسطينية اضافة الى امتداداتها عربيا وعالمياً، حيث ان الموقف الفلسطيني الرسمي والشعب كان معلناً وبشكل واضح وهو رفض خطة ترامب لأنها تنهي وجود القضية الفلسطينية وللأبد، كما وتعزز دور وجود اسرائيل واستمرارية احتلالها للأراضي الفلسطينية. صحيح ان الطرف الفلسطيني وقع تحت طائلة الضغوطات الدولية والعربية للقبول بخطة ومبادرة ترامب، الا ان الموقف الفلسطيني الحاسم ارتد عربياً نحو الاعلان رسميا عن رفض خطة ترامب برغم من بعض الانفلاتات العربية والاندلاق نحو اسرائيل للتعاطي معها كما حصل مع السعودية ودول الخليج والسودان وغيرها. كما وأن عدم وضوح الموقف الاردني تجاه خطة ترامب بشكل اكثر وبجدية عملية وانقسام الشارع الامريكي تجاه نفس الخطة، والارتدادات داخل اسرائيل تجاه نفس الموضوع، زاد الشرخ في المجتمعات وحدة الصراع وأظهر امكانية ظهور حركات واحلال جديدة على الساحات، لأن خطة ترامب كان هدفها اعادة رسم الخارطة الجغرافية السياسية في المنطقة وفرض امر واقع تكون نتيجته مصالح اسرائيل والتواجد والنفوذ الامريكي بالمنطقة. ان الهدف واضح هو النفوذ الاقتصادي والسيطرة على خيرات البلدان وزيادة إفقار الشعوب. ان الخنوع العربي الرسمي لصالح امريكيا يؤتي ثماره تجاه مصلحة اسرائيل وتوسع مصالحها ونفوذها عربياً. وهذا ما يؤثر سلباً على القضية الفلسطينية. لكن صلابة الموقف الفلسطيني ووحدة المواقف الداخلية بالتأكيد يكون له الاثر الاكبر نحوالتصدي لأي خطة تستهدف القضية الفلسطينية ووجود الشعب الفلسطيني ومستقبله. كما وأنه يتوجب على الحركة الوطنية الفلسطينية ان تجد طريقاً للوحدة الشعبية وبالمواقف للجميع لمجابهة تلك الخطة عملياً وتحويل الصراع باتجاه بدائل عملية وفعلية والبحث عن حلفاء يخدمون مستقبل القضية الوطنية لتحييد ومجابهة خطة ترامب ضمن سياسات دولية دبلوماسية على المستوى الدولي وكذلك خطوات عملية فلسطينية على الارض للمواطن ورفض اي انتقاص من وجود ومستقبل القضية. خلاصة الوضع ان الواقع الفلسطيني الشعبي يجابه ويتحدى المؤامرات لكن هناك ليونة من الموقف الفلسطيني الرسمي بسبب المصالح الضيقة للشرائح البرجوازية الحاكمة والتي تدير سدّ الحكم بالبلاد.




  • dr ali abozaid
    دكتوره تاريخ عالمي , باحث في مجال الصراع الاسرائيلي فلسطيني.
   نشر في 14 أبريل 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم











عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا