قرار ترامب وانعكاساته - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قرار ترامب وانعكاساته

  نشر في 17 فبراير 2018 .

قرار ترامب وانعكاساته

على الواقع الفلسطيني والعالم

بُعَيْد وصول ترامب لسدّة الحُكم في أمريكا، وجهه عدة رسائل غير مسؤولة ضد بعض الشعوب ومواقف عنصرية واضحة، ويصف تلك الشعوب بالحثالة بخاصة شعوب افريقيا. وعمل على تحويل استثماراته ومواقفه الابتزازية من طابع قانوني انساني الى مالي واستثماري اقتصادي ضارباً بعرض الحائط المؤسسات الدولية وقراراتها وقوانينها الداعية للسلم العالمي والتعاون بين الشعوب.

موقف ترامب يكشف عن جوهر الرأسمالية العالمية الاحتكارية ذات الطابع الشرس التي تتعامل مع الآخرين من منظار مالي اقتصادي احتكاري باعتمادها على القوة العسكرية والنفوذ، وبهذا تضرّ بالديمقراطية وحقوق الانسان لتمرر مصالحها عبر الكثير من البوابات الدولية والتحالفية، مثل الاتفاقات الاقتصادية والعسكرية مع كثير من بلدان أوروبا وبخاصة حلف الناتو، لكن سياسة ترامب قد مسَّت بالعلاقات مع دول الاتحاد الاوروبي حيث تنعتها بالقارة العجوز وبأن الترسانة العسكرية الاميركية هي التي تحمي تلك البلدان.

الموقف الأوروبي كان واضحاً من خلال تصويت بعض دول الاتحاد الاوروبي ضد قرار ترامب بخصوص القضية الفلسطينية والاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الاميركية للقدس، وطالبوا ترامب بالعدول عن موقفه تجاه ذلك والالتزام بالشرعية والقرارات الدولية بخصوص الأراضي الفلسطينية المحتلة من عام 1967 الضفة الغربية غزة والقدس الشرقية.

السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل كانت قبل ترامب وازدادت انحياز في عصر ترامب ولقد ظهر ذلك مؤخراً بعد اعلان ترامب الأخير في السادس من كانون الأول 2017 بخصوص اعترافه بالقدس بما فيها القدس الشرقية عاصمة لإسرائيل ونيّته نقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس ودعمه لتوسيع المستوطنات وهجومه على شعوب العالم ونعتها بالحثالة بخاصة شعوب افريقيا، لن تؤدي الا الى تسعير الصراع وعدم الاستقرار في العالم اجمع. تلك السياسة التي ينتهجها ترامب الآن تؤكد بأن امريكا هي جزء من المشكلة باعتبارها داعمة للاحتلال ، ويؤكد ذلك بأنه لا حل لهذا الصراع الا بإنهاء الاحتلال وأن يمارس الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على أراضيه في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وطرح حل قضية اللاجئين حسب القرار الدولي رقم 194.(1)

إعلان ترامب بصفته رئيساً للولايات المتحدة الاميركية إذ يتنكر كلياً ويتعارض مع كافة القرارات الدولية وقرارات مجلس الأمن ويخالف القانون والاجماع الدولي الذي يعتبر القدس الشرقية أرضاً محتلة والقرارات التي أعلنتها عشرات الدول بدعمها لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا يدعو العالم أجمع العمل على اجبار امريكا تغيير سياستها في الشرق الاوسط ومنع تمرير هذا القرار.

خصوصية القدس:

للقدس خصوصيتها التاريخية والدينية والسياسية وهي من أهم القضايا في الصراع الفلسطيني والعربي الاسرائيلي. فإسرائيل أقدمت على احتلال مدينة القدس الشرقية في العام 1967 وتعمل على تثبيت واقع ان القدس الموحدة هي عاصمة لها، في حين موقف الفلسطينيين واضح من المدينة المقدسة بمطالبتهم باعتبار القدس الشرقية عاصمة لدولتهم العتيدة. في حين تنص اتفاقيات أوسلو الموقعة في العام 1993 على التفاوض بخصوص وضع مدينة القدس في آخر المسارات التفاوضية بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني. تُعتَبَر القدس بالنسبة للشعب الفلسطيني خط أحمر وغير قابلة للنقاش بالنسبة لهم ولا يجوز التفاوض عليها. وبخصوص المدينة فإن المجتمع الدولي لا يعترف بالسيادة الاسرائيلية عليها، حيث تحتفظ تلك الدول بسفاراتها في تل أبيب بما فيهم أمريكا حليفة. اسرائيل تغلغلت في القدس الشرقية وضواحيها واستطاعت بناء العشرات من المستوطنات على أراضيها حيث بلغ تعداد المستوطنين هناك 250.000 مستوطن يهودي، لكن المجتمع الدولي بمواقفه يعتبر أن هذه المستوطنات والتغييرات الديموغرافية غير قانونية حسب القانون الدولي، إلا أن اسرائيل تضرب بعرض الحائط كافة القوانين والمواثيق الدولية دون رادع أو موقف عملي دولي بخصوص ممارساتها الخطيرة.

فلسطينياً:

على إثر هذا الاعلان فقد صرّح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن نقل السفارة الامريكية للقدس سيكون "مرفوضاً" لدى الفلسطينيين، كما وتحدث السيد نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية بأنه إذا حدث ما أعلنه ترامب فإن الوضع سيتعقد وسيضع العراقيل أمام عملية السلام وربما ستكون نهاية لعملية السلام بحد ذاتها. ومن ناحيته فقد أعلن مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدبلوماسية السيد ماجد الخالدي في تصريح له لوكالة اسوشيتيد برس للأنباء بأن اعلان ترامب ربما ينهي دور واشنطن كوسيط للسلام في الشرق الأوسط وهذا سيعني أن الأمريكان قد قرروا من تلقاء أنفسهم النأي عن جهود ارساء السلام في الشرق الاوسط. من ناحيته تحدث رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد اسماعيل هنية بأن الشعب الفلسطيني لن يسمح بتمرير هذه المؤامرة وبأن خيارات الفلسطينيين مفتوحة في الدفاع عن حقوقه وأماكنه المقدسة.

ونتيجة لذلك قرار الفلسطينيين إيقاف اتصالاتهم مع الحكومة الامريكية ورفضهم استقبال نائب الرئيس الامريكي مايك بنس خلال زيارته للمنطقة، ويعتبر هذا تطوراً بمواقفهم ورسالة للأمريكان بأن دورهم انتهى في عملية السلام، وهذا يتطلب من الفلسطينيين البحث عن وسيط جديد من المجتمع الدولي، يستطيع المساعدة في التوصل الى تحقيق حل الدولتين.

وزير الخارجية الفلسطينية رياض المالكي قال ان القرار الامريكي لن يؤثر على وضع ومكانة المدينة المقدسة بأي شكل من الاشكال، بل يؤثر على مكانة الولايات المتحدة الامريكية كوسيط للسلام، وتساءل عَمَّن يخدم هذا القرار سوى قوى التطرف الاسرائيلية في تنفيذ أجندتها وتساءل كيف يكون هناك خطة سلام تُستَثنى منها القدس. وأشار إلى ان الولايات المتحدة فشلت في اختبار القدس رغم تحذيراتنا وتحذيرات العالم اجمع من التهاون بهذا القرار والمساهمة بتحويل صراع سياسي قابل للحل الى صراع ديني وحرب دينية لا حدود لها. وتساءل أيضاً هل للولايات المتحدة أن تسأل نفسها لماذا تقف معزولة في موقفها هذا ولماذا لم يستطع اقرب حلفاؤها غض النظر عن قرارها؟ الجواب كان لأن القدس بوابة السلام ومدينة القيامة والاقصى وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وهي عصيّة على التزوير والتشويه ولن تستسلم لأي حصار وهي مفتاح الحرب والسلام في الشرق الأوسط (2).

إسرائيلياً:

من ناحية اخرى فقد أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الهوية التاريخية والقومية لليهود ستحظى بالاعتراف لا سيما بعد اعلان ترامب، فيما أشار وزير التعليم الاسرائيلي نفتالي بينيت بأن الولايات المتحدة تضع حجراً آخر في جدران القدس وفي ركيزة الأمة اليهودية وحث الدول الاخرى على حذو اعلان ترامب والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارات من تل ابيب الى القدس.

من ناحيته شن مندوب اسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون هجوماً عنيفاً على الأمم المتحدة واصفاً مَن يعترضون على قرار ترامب وامريكا بأنهم ليسوا إلا دُمى تحرّكها القيادة الفلسطينية، وتحدث في كلمته امام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن الجمعية العامة منافقة وقال من المخجل بأن يحصل ما حصل ومن المخجل ان يعقد مثل هذا الاجتماع وبأنه لا يمكن لأي قرار في الامم المتحدة أن يبعد اسرائيل عن القدس.

عربياً وإسلامياً:

من ناحية اخرى فقد أبلغ الملك سلمان بن عبد العزيز ملك السعودية عبر الهاتف– حسب وكالة الانباء السعودية الرسمية، الرئيس الامريكي دونالد ترامب: "أن أي اعلان حول وضع القدس قبل التوصل الى تسوية نهائية سيضر بعملية السلام وسيزيد من التوتر في المنطقة"(3) . أما رئيس الوزراء التركي فقد أعلن في أكثر من مكان بأن قضية القدس حساسة للغاية ويتوقع بأن لا تتخذ اي خطوات بشأنها، حيث ان سياسة الأمر الواقع من شأنها ان تؤدي الى تداعيات لا يمكن احتواؤها، في حين الرئيس التركي أوردغان قد وصف القدس بأنها خط أحمر بالنسبة للمسلمين. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حذر من تعقيد الوضع في المنطقة بسبب اعلان ترامب لأنه يقوّض فرص السلام في منطقة الشرق الاوسط. وفي اعلان للجامعة العربية وصفت قرار ترامب بأنه اجراء خطير ويضع علامات استفهام حول مستقبل دور الولايات المتحدة كوسيط موثوق فيه في محادثات السلام بالشرق الاوسط. في حين دعا الملك عبد الله ملك الاردن الى بذل جهود مشتركة للتعامل مع تداعيات قرار ترامب ومواجهة اي تصرف يقضي على تطلعات الشعب الفلسطيني إزاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس. من جهته قال المرشد الأعلى للثورة الاسلامية في إيران علي خامنئي بأنه من منطلق اليأس والعجز يريدون ان يعلنوا القدس عاصمة للكيان الصهيوني وهم تجاه قضية القدس يقفون مكتوفي الايدي وعاجزين عن تحقيق اهدافهم، وهذا الحديث يعني به الأمريكان والاسرائيليون.

أيمن الصفدي وزير الخارجية الاردني وفي مؤتمر صحفي عقده مع الامين العالم لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط، قال بأن بلاده رفضت وأدانت هذا القرار وكان رأيهم بأنه لا شرعية له وأن الدول العربية ستعمل على الحد من تبعاته وبأن القدس قضية لا تتقدم عليها اي قضية اخرى في العالمين العربي والاسلامي وكذلك المسيحي. وأكد الصفدي بأن أول موقف يجب ان يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967 ويجب الاستمرار باتخاذ الاجراءات السياسية والقانونية للحد من التبعات السلبية للقرار الامريكي ولمواجهة جميع الاجراءات الاسرائيلية غير القانونية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. وأشار الوزير إلى أن ما تم اتخاذه من قرارات في الكنيست الاسرائيلي بخصوص توحيد القدس لن يتم الاعتراف به لأنه مخالف للقانون الدولي وبأن الحزب الحاكم في اسرائيل يحاول فرض السيادة على الضفة الغربية عبر محاولته إقرار شرعنه المستوطنات لأن مثل هذا القرار مُدان ومرفوض ويخرق كافة القوانين والاتفاقات الدولية. فإجراءات اسرائيل أحادية الجانب تُقوّض فرص السلام بالمنطقة وتهدد الأمن والسلم الدوليين.

دولياً:

أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك للصحفيين بأن الامم المتحدة تعتبر دائماً موضوع القدس من اهم المواضيع الحساسة والتي يجب ان تحل خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين استناداً الى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. في حين قال البابا فرانسيس أنه لا يمكنه إخفاء مخاوفه البالغة بشأن الوضع في الشرق الأوسط ، وناشد الجميع احترام الوضع الراهن للمدينة بما يتفق مع قرارات الامم المتحدة بخصوص القدس وحل الدولتين. أما الاتحاد الاوروبي فقد دعا الى استئناف عملية السلام في اتجاه حل الدولتين وهذا الطريق لا بد من التوصل اليه عبر المفاوضات لحل وضع مدينة القدس كعاصمة مستقبلية لكلا الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية حتى يمكـّن من تحقيق تطلعات كلا الطرفين. أما الصين وروسيا فأعربا عن مخاوفهما من أن تؤدي خطوة ترامب الى تصاعد التوتر في المنطقة. بريطانيا من جهتها أعربت من خلال وزير خارجيتها بوريس جونسون بأنها تراقب بقلق التقارير التي تصدر بهذا الشأن وبأن بريطانيا تعتقد أن القدس يجب ان تكون بوضوح جزءاً من التسوية النهائية بين الاسرائيليين والفلسطينيين من خلال المفاوضات.(4)

في المقابل، أبدى سفراء الدول دائمة وغير دائمة العضوية في مجلس الأمن إجماعاً بشأن عدم حصافة ترامب. وعبّر سفير السويد أولوف سكوغ عن معارضة بلاده وشدد على ان الخطوة الاميركية تتناقض مع القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة وبأنها تتعارض أيضاً مع نداء عدد من اصدقاء الولايات المتحدة واسرائيل. وجاءت المعارضة الأكثر حدة ضمن خطاب سفير بوليفيا سيرجيو لورانتز سوليز الذي أبدى قلقه من مغبة أن يتحول مجلس الامن الى ارض محتلة. وعقب الجلسة الطارئة في المجلس أصدر سفراء بريطانيا وفرنسا والسويد والمانيا وايطاليا بياناً مشتركاً نددوا فيه بالموقف الامريكي الذي اعتبروه متناقضاً مع قرارات مجلس الامن وغير مساهم باتجاه تحقيق السلام في الشرق الأوسط .(5) وبعد ذلك بعشرة ايام بادرت الولايات المتحدة باستخدام حق النقض في وجه مشروع قرار قدمته مصر باسم السلطة الفلسطينية لكنه حظي بتأييد الدول الاخرى الاربع عشرة في المجلس، وظل الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس متمسكاً بأن لا بديل عن حل الدولتين.

القرار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي ترامب بخصوص القدس يُعتبَر أن امريكا هي اول دولة تعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل منذ تأسيسها عام 1948. حيث أن مسؤولون اسرائيليون يقولون بأن هذا الاعتراف هو اعتراف بالواقع! وتفيد الانباء بأن ترامب كان قد اتصل بأربعة زعماء عرب ورئيس الوزراء الاسرائيلي وبلغهم بقراره هذا حسب بيان البيت الابيض، واعتبر ترامب ان هذه العملية تدفع عملية السلام الى الأمام! ويقول بيان ترامب انه تم تبليغ الرئيس الفلسطيني والملك الاردني والملك السعودي والرئيس المصري بقراره مسبقاً بشأن القدس.

المعارضة الاوروبية لقرار ترامب اتسمت بنبرة غير مسبوقة في الرفض والتحدي مما يزيد في عمق الشرخ في الائتلاف التقليدي بين ضفتي الاطلسي. ومنذ فوز ترامب بالانتخابات، أبدت ألمانيا وفرنسا انتقادات متوالية لسياساته، وحثتا على تفاعل أقل مع منطلقة متقلب المزاج في تدبير وادارة الشؤون الدولية. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن بلادها لا توافق على قرار ترامب بشأن القدس وأكدت بأنها تتمسك بقرارات الأمم المتحدة التي توضح أنه يتعين التفاوض على وضع القدس ضمن مفاوضات حل الدولتين، ولهذا دعت إلى إعادة إحياء عملية السلام على هذا الاساس.(6) إلا أن الأكثر إثارة في ردّ فعل رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي التي وصفت قرار ترامب بأنه لا يساعد آفاق السلام بالمنطقة وبأن السفارة البريطانية ستبقى في تل أبيب. من ناحية اخرى فقد اعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي فديريكا موغيرني معارضتها وأن موقفها يحظى بتأييد جميع وزراء الخارجية في الدول الثماني والعشرين الأعضاء في الاتحاد’ وشددت على أن السياق العام هش للغاية وأن إعلان القرار ينطوي على احتمال العودة بالمنطقة الى حقبة اكثر ظلامية من قبل. حيث أبلغت مورغيني وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون خلال اجتماعهما في بروكسل عشية خطاب ترامب بأن الاتحاد الاوروبي يؤمن بأن الحل الواقعي الوحيد للنزاع بين اسرائيل وفلسطين يقوم على اساس وجود دولتين مع اعتبار القدس الشرقية عاصمة لفلسطين والقدس الغربية عاصمة لإسرائيل.

أمريكياً:

المسؤولون في إدارة ترامب يروِّجون بأن الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل هو بمثابة اعتراف بالواقع! لكن هذا الأمر يحتاج لتحديد حدود المدينة في اتفاق نهائي خاص بشأن القدس والذي من شأنه لا يؤثر على الأماكن المقدس، برغم الحفريات والتغيير الديموغرافي لطابع المدينة من أبنية وحضارة وشكل وقوانين عليها وعلى سكانها أو تغيير بأسماء المواقع وبالثقافة والتعليم والمراكز المتعددة للفلسطينيين والتي تتهدد بالإغلاق يوماً بعد يوم في عدة مجالات.

من ناحية أخرى فقد وعد ترامب في حملته الانتخابية ناخبيه أنه جادٌ بموقفه الذي يقضي بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل وبأنه سيعمل على نقل سفارة بلاده من تل أبيب للقدس، ولكن حاشية ترامب التي تعلن بأن من الممكن تأجيل نقل السفارة للقدس حتى يتم استيفاء وانتهاء البناء لها في القدس! لكن من المعلوم بأن الرؤساء الأمريكان السابقون كانوا قد وقعوا على أمر تأجيل تنفيذ قانون صادر في العام 1995 القاضي بنقل السفارة الى القدس، ليُظهِروا بأن أمريكا حيادية في مفاوضات السلام في الشرق الاوسط، لكن ترامب تجرّأ واتخذ قراره بهذا الخصوص.

وإذا دققنا مليّاً في قرار ترامب هذا، فهل هناك دوافع خفيّة وراء هذا القرار؟ إذا تابعنا خطاب ترامب المختصر في البيت الأبيض فإننا نجد ان هناك تحوّل كبير في السياسة الخارجية الامريكية تجاه الصراع في الشرق الاوسط بخاصة القضية الفلسطينية، وتباهي ترامب بأن الرؤساء السابقين لأمريكا قد جعلوا مسألة القدس وعداً ضمن حملاتهم الانتخابية لكنهم لم ينفذوا وعدهم. ولكنه ميّزَ نفسه عنهم بأنه وعد وسيوفي بوعده حيث اشار في خطابه الى القانون الذي أقره الكونغرس في الثالث والعشرين من عام 1995 بشأن السفارة الاميركية ونقلها للقدس. وهذا القانون ينصّ على أن القدس ستظل مدينة موحدة يتم فيها حماية الحقوق لكل المجموعات العرقية والدينية، والاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة اسرائيل، وبأنه ينبغي بناء السفارة الامريكية ونقلها للقدس قبل تاريخ الحادي والثلاثين من أيار من العام 1999. ويشير ترامب أيضا الى أن الرؤساء السابقين بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما كانوا قد وقعوا قرارات متتالية كل ستة أشهر لتأجيل تنفيذ القانون، وبأنه أي ترامب كان قد وقع أيضاً مرغماً على تأجيل لتنفيذ هذا القرار بعد أن أقنعه صهره وجاريد كوشنر، المهندس المُحتمَل لاحقاً لمبادرة سلام جديدة بأن نقل السفارة الى القدس قد يقوّض جهود المبادرة الجديدة قبل ان تقيم حكومة ترامب علاقات جيدة في المنطقة.(7)

ترامب وسياسة خلط الأوراق:

إن الغرور الذي يبديه ترامب في كل حركاته وسياساته واعتداده بنفسه وبأنه لن يخلف وعده لمنتخبيه وأنه اكثر جدية مما سبقه من رؤساء امريكيين، إذ يخفي الكثير من تخبطه الواضح وانعدام التوازن بكل ما يطبقه، ولكن الواضح أن ترامب بارتباطاته الذاتية مع الجماعات من اليمينيين والمحافظين، وميوله نحو الانعزال السياسي تحت شعار "امريكا أولاً"، يثير ولاؤه لتلك الأطراف التي ذكرناها آنفاً، خدمة لحليفته اسرائيل وإدارته للمخاطر التي تواجه سياسته في ظل الكثير من الأمور والتي تغلب على واقع الحروب الاهلية في بعض الدول العربية وتبعات وتأثير ما سمّيَت ثورات سنة 2011 في المنطقة العربية، وازدياد الأزمات وتصاعد التأثير الايراني المُنافِس في اليمن والعراق ولبنان والاقتتال الداخلي في ليبيا وتحديات كوريا الشمالية لأمريكا وتصاعد قوة كوريا النووية. ولكن ترامب يفكر بتبسيط كل الأمور بطريقة غير عقلانية وبأنه يجب أن يكون في مركز القيادة حتى وإن كانت لديه معادلة غير دبلوماسية وغير محسوبة استراتيجياً بشأن النزاع بين الفلسطينيين والاسرائيليين، مع ميوله الى التمحور حول الذات وأسلوبه الاستعراضي في ادارة الأمور السياسية، أظهر ترامب ثقافة رجل صفقات على استعداد للمغامرة بخلط الاوراق في مراكز الصراع والنفوذ بالعالم.(8)

سلوك ترامب غير الدبلوماسي وغير السياسي المُنحاز:

نشرت اللجنة اليهودية للوبي الصهيوني بأمريكا في مجلة نيويورك تايمز صورة لترامب بعد خطابه يظهر بها وهو يصلي عند حائط البراق بالقدس وكتبت في أعلى صفحة كاملة بالمجلة: "وعدتَ ووفيتَ بالوعد.. شكراً على الاعتراف الشجاع بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل". ترامب اكثر إثارة للجدل والأكثر تقلبّاً في الشرق الأوسط فمن بين أكثر من 282 وعداً أعلنها اثناء حملته الانتخابية، أطلق بذلك شعلة نار على القضية الأكثر قابلية للانفجار وقرر المضي بخطته برغم مشورة وزير خارجيته ريكس تيلرسون ووزير دفاعه جيم ماتيس، بعدم تغيير وضع القدس حالياً، حيث يساور هذين المسؤولين القلق المتزايد بشأن تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة ورد الفعل المحتمل ليس على الدبلوماسيين الاميركيين فحسب بل وأيضا على الجنود الاميركيين المرابطين في الخارج. هذا، فقد أبلغ المبعوث الدولي الى عملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملاد نوف، مجلس الامن بأن القدس ربما هي الموضوع الأكثر إثارة للمشاعر والأكثر صعوبة ضمن قضايا الوضع النهائي في النزاع الفلسطيني الاسرائيلي. ويلاحظ مراقبون سياسيون آخرون بأن ترامب يتجه حالياً نحو تطبيق استراتيجيته للتدمير الدولي في اكثر المناطق الملتهبة من الناحية الجيوسياسية في العالم. لكن القرارات السياسية لم تتوقف عند حد الشؤون المحلية بل تدخل للعلاقات الشخصية في خضَم ما يجري، حيث أن المليونير اليهودي الاميركي صاحب نوادي القمار والمتبرع للحزب الجمهوري شلدون أدلسون اجتمع مع ترامب في في نيويورك قبل عشرة أيام من حفل التنصيب وأبلغ رئيس المنظمة الصهيونية في اميركا مورتن كلين بتصميم ترامب نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، وبأن هذا سيظل اولوية قصوى وقضية يتعلق بها قلبه وروحه!!(9)

وفي مقال مفصل يفسّر مارك لاندلر كيف أن جمعية عمل سياسية مؤيدة لترشيح ترامب للرئاسة تلقت تبرعاً بعشرين مليون دولار من أدلسون وزوجته، وانهما تبرعا أيضاً بمبلغ مليون ونصف دولار للجنة التي نظمت المؤتمر القومي للحزب الجمهوري في صيف 2016. لهذا بقي وضع القدس للمرشح والرئيس ترامب ضرورة سياسية أكثر من مشكلة دبلوماسية. من ناحية اخرى قرر ترامب الوقوف في صف مؤيديه الرئيسيين، لكن فريقه لشؤون الامن القومي قدموا خيارات بشأن قضية القدس وطلب منهم تحديد حلول أكثر ابتكاراً، فقدموا اقتراحين: توقيع قرار تأجيل نقل السفارة مجدداً او توقيع قرار نقل السفارة ولكن مع تأجيل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتحديد خطة لنقل السفارة. هناك سبب آخر لسلوك ترامب هو اجتماعاته المتكررة مع ممثلي الجماعات الأنغليكانية المسيحية الذين دأبوا على حثه على المضي قدماً بنقل السفارة الاميركية للقدس، من هؤلاء توني بيركينز وكيف عبّر الأنغليكانيون والمسيحيون الأقرب للمسيحية الصهيونية، عن رغبتهم لترامب بشكل واضح في ربط علاقات خاصة مع اسرائيل، غير ان هذا المسعى باعتبار القدس عاصمة الدولة اليهودية يأخذ منحى مغايراً لرؤية المسيحية أصلاً ويتعارض مع احكام القانون الدولي، حيث عبّر البابا فرانسيس عن قلقه البالغ وناشد بشدة الجميع لاحترام الوضع الراهن للقدس بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة.(10)

ترامب المغامر وصاحب الصفقات المُغامرة:

الطريق الذي يسلكه ترامب يُقوّض من مصداقية امريكا دون عائد سياسي، ورغم عقليته بالصفقات وفي معادلة الربح والخسارة فإنه يتجاوز القواعد الأساسية في الواقعية السياسية وخدمة المصالح الذاتية الاميركية في فلسفة سياسة الحزب الجمهوري. وبالإمكان اعتبار موقفه من القدس خطة ذاتية بلا قيمة استراتيجية محددة لبلاده. فقد ذكر في كتابه بعنوان "التفكير في الأمور الكبيرة أنا أعشق تحقيق الاهداف الكبرى والتوصل الى الصفقة الكبرى، أعشق أيضاً سحق الطرف الآخر وجني ثمار الصفقة، وهذا أعظم من الفوز بالرئاسة.!(11) وكرئيس مثل ترامب الذي يدرك ان سلوكه لا يعود سياسياً على بلاده وعلى حكمه بخصوص موقفه من القدس، والذي يحرص على تكريس صفقاته حيث حضر قمة الرياض في أيار من العام الماضي وحصل على حوالي نصف تريليون دولار من الاستثمارات الخليجية، وتحوّل كرجل شرس بالمفاوضات الى رجل الصفقات. يقول توماس فريدمان الذي تابع تطورات السياسة الخارجية الاميركية منذ ثلاثين عاماً بأن ترامب اصبح مصدر للصفقات المُغامرة لأنه لا يرى بنفسه رئيساً للولايات المتحدة. ويعتبر نفسه رئيساً لقاعدته الانتخابية، حيث انها اصبحت مصدر التأييد الوحيد أو ما تبقى له. وأصبح ترامب مدركاً بأنه يجب ان يقدم لقاعدته الوعود غير المدروسة وغير القائمة على تصورات سليمة عندما أطلقها، او جزءاً منها التي وعدها اثناء حملته الانتخابية، إنه قد تخلى عن الكثير مقابل المردود القليل.(12)

الكاتبان ستيفان والت و جون ميرشايمر كتبا قبل حوالي عشرة أعوام أنه من الصعب تحديد حدود اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة، وأنه يشمل ائتلافاً رخواً من الافراد والمنظمات التي يسعون حثيثاً لتحويل بوصلة السياسة الخارجية الاميركية نحو الوجهة المؤيدة لمصلحة اسرائيل، وقد نجحت عائلة أدلسون والاثرياء اليهود الأمريكان في اقناع ترامب بالتحرك في هذا الاتجاه. كما وأن العلاقة الشخصية والسياسية بين أدلسون وترامب ونتنياهو تجاوزت منطق التوازن بين مراكز القوة ضمن آليات السياسة الاميركية. وتظهر أيضاً كيف أن اللوبي الاسرائيلي يترك مفعولاً سلبياً ليس على المصالح الاميركية فحسب، بل ويمتد تأثيره الى الحاق الضرر بشكل غير مقصود بمصالح اسرائيل أيضاً ويتضاءل الرأسمال السياسي للولايات المتحدة في الشرق الاوسط ومناطق اخرى(13)، وهذا يعطي انطباعين سلبيين أولهما، ان الولايات المتحدة لم تكن وسيطاً نزيهاً في عملية السلام وثانيهما عبثية التلويح باتفاق السلام من خلال تفادي الحسم في الوضع النهائي للقدس وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وعدم امكانية حل الدولتين. هذا يؤدي بالنهاية بأن إعلان ترامب بشأن القدس قد يدفع الفلسطينيين عُنوَةً نحو الوحدة القسرية.

ترامب في مواجهة العالم:

كثيراً ما تعهد ترامب بأن يكون صديقاً حقيقياً لإسرائيل، وبأن على الولايات المتحدة التعاون كثيرا مع اسرائيل وهذا الالتزام للمنظمات اليهودية الاميركية بدعم المصالح الاستراتيجية الاسرائيلية ساعد في نمو قناعته بأنه رئيس متمسك بمبادئه أحياناً فيما يقترب أحياناً من تبني ميكا فيلية جديدة في التعامل مع قضايا أقل تعقيداً(14). وقبل إلقائه خطابه حول القدس كان قد تحدث ترامب مع نتنياهو ثلاث مرات وتم التنسيق بين بعثتي اسرائيل وامريكا في الامم المتحدة وبذل جهودهما لتقويض امكانية صدور قرار على خلاف ما يريدون من مجلس الأمن، غير أن ثماني دول بما فيها بريطانيا وايطاليا وفرنسا من أصل خمس عشرة دولة اعضاء في مجلس الأمن(15) طالبت بجلس طارئة فيما شدد الفلسطينيون والاتراك على ان اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ينتهك القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.(16)

إن جلستا مجلس الامن قد جسدتا انقساماً واضحاً حول مستقبل عملية السلام بين معسكري الولايات المتحدة واسرائيل من جهة مقابل المجتمع الدولي من جهة أخرى. وحاولت السفيرة الاميركية نيكي هيلي دخول معركة الدبلوماسية بنظرية أن أفضل استراتيجية للدفاع هي الهجوم، فانتقدت الامم المتحدة بأنها فعلت الكثير في الحاق الضرر بمستقبل عملية السلام بدءاً من تعزيز فرصها في المستقبل. كما اتهمت المنظمة العالمية بأنها واحدة من اشرس المراكز في العالم عدائية نحو اسرائيل. ولتبديد الانتقادات للاعتبارات غير القانونية والاخلاقية في قرار ترامب، تركز خطاب هيلي على اعتبار اسرائيل ضحية حيث قالت بأنه لن ولا ينبغي ان تتعرض اسرائيل لسوء المعاملة والضغط من خلال اي اتفاق تتوصل اليه الامم المتحدة او اية مجموعة من الدول التي ثبت تجاهلها لأمن اسرائيل. وكان قد اعتبر السفير الاسرائيلي داني دانون قرار ترامب بأنه خطوة عملاقة لإسرائيل وللسلام والعالم.

إن تآكل الدور الامريكي في مفاوضات السلام قد أوصل العالم الى مفترق طرق، في الوقت نفسه فإن مواقف بعض الدول في الأمم المتحدة متمسكون بالقرارات الدولية بحل الدولتين في فلسطين على اساس القدس الغربية عاصمة لإسرائيل والقدس الشرقية في حدود 1967 عاصمة لفلسطين. إن ترامب أعلن انحيازه للوقوف مع اسرائيل، وهذا يعزز احتمالات أن يتجه الفلسطينيون نحو الاوروبيين لتولي قيادة محادثات السلام مستقبلاً. وبالعودة للغزو الامريكي للعراق عام 2003 فإنه سيكون من السهل لبعض الدول والتنظيمات السياسية مثل إيران وحزب الله وبعض الجماعات الدينية المتشددة ان تتبنى موقفاً معادياً لأمريكا واسرائيل وفي هذه الحالة يتنامى تيار العروبة وتيار اسلامي قومي جديد وبالنهاية سيصب كل هذا تحت مظلة عنوان القدس الى تشكيل جبهة تشمل العرب والفرس والمسلمين والمسيحيين والسنة والشيعة والمعتدلين والقوميين. وشعار لا للقدس عاصمة لإسرائيل سيتحول الى حركة مقاومة وتحدي، وهذا لا يمكن التقليل منه تحت عنوان رمزية القدس وابعادها السياسية والنفسية والدينية والثقافية الآن ومستقبلاً.

لهذا يتبين من المواقف الاميركية في عهد ترامب بأنه يصعد النزاع ويعمق البعد الديني بين الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين من جهة وبين يهود اسرائيل من جهة ثانية، وسيولد شعلة لأعمال العنف دفاعاً عن المواقع الدينية للطرفين ومن شأن ذلك إدخال ترامب في سِجل صراع الحضارات.

إن قرار ترامب هذا بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لن يعود بالفائدة على الولايات المتحدة الاميركية انما سيؤدي الى عزلها دولياً وعربياً واسلامياً وسيؤدي الى القضاء على فرصة امريكا في رعاية عملية السلام بالشرق الاوسط. فقرار ترامب قد دَعَّمَ خطط بنيامين نتنياهو وطموحاته وأضعف مصداقية بلاده دون الاستفادة سياسياً. فترامب بعقليته التجارية الاستثمارية قد أخطأ بتقديراته هذه ومغامراته وصفقاته وتجاوز الأسس والواقع السياسي التي لن تخدم مصالح بلاده ضمن فلسفة الحزب الجمهوري السياسية. وهذا يعتبر مغامرة ذاتية من قبله دون الوصول لقيمة استراتيجية معينة لأمريكا.

لقد تصرّف ترامب بقراره وأوصل محادثات السلام وأوسلو لطريق مسدود بل وإنهاء هذه العملية بطريقة سلبية، ويعتبر ذلك مدخل للفلسطينيين للخلاص من تقييدات واتفاقات وتعهدات مع الاسرائيليين وهذا الأمر يتطلب من القيادة الفلسطينية إعادة النظر باستراتيجياتها ومواقفها اللاحقة داخلياً وخارجياً سواء من ناحية الخطط والتحالفات والبحث عن وسائل أخرى وأطراف أخرى لتغيير الخارطة السياسية اللاحقة بخصوص القضية الوطنية الفلسطينية، بخاصة في ظل المواقف الدولية سواء في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي في 8 كانون الأول 2017 أو في جلسة التصويت في الثامن عشر من نفس الشهر بخصوص نيّة ترامب "أي ما قبل قراره" بخصوص القدس، وهذا الأمر ضاعف من التباعد ما بين الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن الأربعة عشر التي عارضت لاحقاً القرار الامريكي هذا.

ترامب وانتهاك القانون الدولي:

إن القرار الامريكي خاطئ ويتعارض مع القانون الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن. كل هذه المؤسسات اكدت ان الوضع القانوني للقدس يراها ارضاً محتلة، واعتبرت ان سلوكيات اسرائيل بالمدينة وتجاهها بعد ضمها واحتلالها في عام 1967 لاغية وباطلة من الناحية القانونية ومخالفة لأحكام القانون الدولي.

كافة القرارات الدولية كانت الولايات المتحدة جزءاً منها، وصوتت لصالحها ولم تمارس حق الفيتو بحقها، كما وأن القانون الدولي لن يتغير ولن يتم التراجع عن قرارات مجلس الأمن، لأن واشنطن ليست من يقرر تغيير القانون الدولي او قرارات مجلس الأمن. واشنطن ليست طرفاً مهمّاً في بعض الاتفاقيات الدولية مثل اتفاق روما الذي لم تصادق عليه والبروتوكولين الاضافيين لاتفاقية جنيف لعام 1977 واتفاقية لاهاي لعام 1899 التي اصبحت لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الاضافي الأول لعام 1977، رغم كل هذه المواثيق والمعاهدات هل بإمكان امريكا واسرائيل أن يغيّروا صفة الاحتلال للقدس؟ لا نعتقد ذلك. وبهذا فإن القرار الامريكي يعتبر مخالفاً للقرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن الارض المحتلة ومنها القدس، ومخالفاً لاتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل وبرعاية الرباعية بما فيها امريكا.

وبنتيجة تفاعل الحقوقيين والمختصين حول قرار ترامب الامريكي حول القدس، فقد كان الرأي بأن قرار ترامب بصفته رئيساً للولايات المتحدة الامريكية يعتبر تجسيداً وتكريساً للقانون الاسرائيلي القائل بأن القدس بشطريها الغربي والشرقي موحدة بصفتها عاصمة أبدية لإسرائيل، يعتبر ذلك انتهاكاً للقانون الدولي. واستناداً الى مبادئ وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الانساني، تحدث محمد شلالدةعن قرار نقل السفارة الامريكية من تل ابيب للقدس واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، بأن القرار الامريكي يعتبر مخالفاً لميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي، الذي يحرّم احتلال اراضي الغير بالقوة، بل ويحرّم مجرد التهديد باستخدام القومة في العلاقات الدولية. كما واعتبر القرار الامريكي مخالفاً لقرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 تشرين الثاني من عام 1947 والقاضي بقيام دولتين يهودية وعربية فلسطينية ومنح القدس وضعاً قانونياً خاصاً تحت وصاية الامم المتحدة(17). والخبير في القانون الدولي رزق شقير(18) قد أوضح بأن قرار الجمعية العامة عام 1967 رقم 2253 ينص على دعوة اسرائيل الى الغاء التدابير المتخذة لتغيير وضع مدينة القدس. القرار الامريكي المخالف للمواثيق الدولية ضرب بعرض الحائط العديد من القرارات التي تخص القدس كأرض عربية محتلة، والتي تنص ايضاً على تحرير وإبطال الاجراءات التي تتخذها اسرائيل بشأن القدس، ومن ضمن هذه القرارات قرار مجلس الأمن 25 أيلول لعام 1971 الذي يؤكد على أن كل الاجراءات التشريعية والدستورية التي تتخذها اسرائيل لتغيير معالم المدينة، بما في ذلك مصادرة الاراضي ونقل السكان واصدار التشريعات التي تؤدي الى ضم الجزء المحتل من المدينة الى اسرائيل، باطل ولا إثر له ولا يمكن أن يغيّر وضع المدينة. كذلك قرار رقم 22/50 الصادر بتاريخ 4 كانون الأول لعام 1995 عن الجمعية العامة والمتضمن شجب انتقال البعثات الدبلوماسية للقدس وإعادة تأكيد معاهدتي لاهاي وجنيف على الجولان السوري المحتل.

من ناحية اخرى، فإن قرار امريكا – ترامب، مخالف لاتفاقية اوسلو والمعاهدات العربية الاسرائيلية، ومخالف للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص الجدار والذي أكد انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. لهذا فإن اعتراف امريكا بالقدس كعاصمة لإسرائيل، يهدف الى تسهيل ممارسة السيادة الاسرائيلية على مدينة القدس المحتلة، وبهذا لا يجوز نقل السيادة على القدس المحتلة الى اسرائيل كدولة محتلة. ولا يجوز وحسب القانون الدولي أن تقوم واشنطن باعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، كدولة محتلة تمارس أبشع الانتهاكات الجسيمة ضد الشعب الفلسطيني. فبدلاً من الاعتراف هذا لا بد من اتخاذ الاجراءات القانونية لسحب الاعتراف بإسرائيل بسبب انتهاكاته لقرارات الامم المتحدة ومبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الانساني في كافة الارضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. بالتالي لا بدّ من تحميل اسرائيل المسؤولية القانونية الدولية من جراء انتهاكاتها لحقوق السكان المدنيين في القدس، لا أن تُكافأ بالاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة لها!!

إن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يعني الابقاء على الوضع الراهن القائم على الاحتلال، وتوحيد المدينة تحت السيادة الاسرائيلية تنفيذاً لقرار ضم المدينة الصادر عن الكنيست الاسرائيلي، والاقرار بضم الاراضي بالقوة، وهو أمر يناقض مبادئ جواز اكتساب الاقاليم عن طريق الحرب. إن ذلك يعزز ويدعم السيادة الاسرائيلية على القدس الشرقية والغربية وبناء على قرار الكنيست بضم المدينة بصفتها "العاصمة الابدية" لإسرائيل وفقاً لمقررات المؤتمرات الصهيونية العالمية، ويُشَرِّع ما اقامته اسرائيل من استعمار استيطاني في القدس، وخصوصاً ان هناك مباحثات بين امريكا واسرائيل بشأن اتفاقية ايجار بين الطرفين تتعلق بالسفارة الاميركية وهذا سيؤثر على املاك اللاجئين الفلسطينيين في المدينة. إن الاعتراف ونقل السفارة يناقضان الالتزامات والتأكيدات الصادرة عن جميع الادارات الاميركية السابقة.

الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل مخالف لمبدأ عدم الاعتراف بالأوضاع الاقليمية غير المشروعة، وهذا المبدأ يؤكد على جميع دول العالم عدم الاعتراف بأي تصرف مخالف لمبادئ القانون الدولي، وهو التزام على دول العالم بالامتناع عن الاعتراف بأي مكاسب اقليمية غير مشروعة. فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد اكدت في الاعلان المتعلق بالعلاقات الودية والتعامل بين الدول، والصادر عنها عام 1970 والذي جاء فيه أن أية مكاسب اقليمية تم الحصول عليها عن طريق استخدام القوة او التهديد باستخدامها لا يمكن الاعتراف بشرعيتها.

القرار الامريكي يخالف الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويحول دون تمكينه من حق تقرير المصير بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وهذا الموقف يعتبر حالة من حالات انتهاك قواعد القانون الدولي وينبغي أن تتكاتف جميع الجهود الدولية في الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية لوقفه. كما وأن هذا القرار يفتح الباب أمام دول العالم المساندة لإسرائيل باتخاذ قرارات مماثلة لما اتخذته الولايات المتحدة بخصوص القدس.

خلاصة، إن القرار المتعجل وغير المدروس، الذي صدر عن إدارة ترامب، لم يسهم فقط في تأزيم عملية السلام المتعثرة، ولم يصب الزيت على نار الصراعات الدينية والقومية المتأججة في المنطقة فحسب، بل وسيسهم كذلك في إنعاش حركات الإسلام السياسي، بما فيها الراديكالية منها، وقد يؤسس لموجة جديدة من ثقافة "الكراهية" للولايات المتحدة والغرب عموما، التي ستعمد حركات الإسلام الراديكالي إلى توظيفها لاستعادة حضورها وترميم ما خلفته الحرب على الإرهاب من جراحات وإصابات عميقة لحقت بالبنية الأساسية لهذه الحركات.

مقترحات ووجهة نظر:

1- دعوة الجمعية العامة ومجلس الأمن إلى اتخاذ قرار بعدم الاعتراف بالقرار الأميركي بكون القدس عاصمة لإسرائيل، ومنع الدول من نقل بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس.

2- دعوة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة دول عدم الانحياز وكافة المنظمات الإقليمية والدوليةإلى اتخاذ آليات قانونية وقرارات لإبطال القرار الأميركي.

3- دعوة البرلمانات العالمية للضغط على الولايات المتحدة لكي تلتزم بتعهداتها السابقة المتعلقة بمدينة القدس، وفق قرارات الشرعية الدولية.

4- دعوة الدول الأطراف السامية في اتفاقية جنيف الرابعة إلى إلزام إسرائيل باحترام هذه الاتفاقية، وتطبيقها على الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.

5- مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ قرار بعدم الاعتراف بالقرار الأميركي، والطلب من محكمة العدل الدولية تقديم رأي استشاري بشأن مدى قانونية اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل ونقل سفارتها إلى القدس.

المراجع:

1) www.alwatanvoice.com/arabic/news

2) www.arab48.com

3) http://www.bbc.com/arabic/middleeast-42251041

4) http://www.raialyoum.com/?p=799427

Rick Gladstone “U.S. Faces Blunt Criticism at U.N. Over Jerusalem Decree”, The New York Times, Dec. 8,(5 2017 http://abc30.com/news/analysis-in-jerusalem-gamble-trump-may-go-bust-/2748475/

Judith Mischke, “Mogherini: Trump’s Jerusalem decision ‘very worrying’”, POLITICO, Dec. 7, 2016(6

https://www.politico.eu/article/federica-mogherini-donald-trump-jerusalem-decision-very-worrying/

7) Mark Landler, “For Trump, an Embassy in Jerusalem Is a Political Decision, Not a Diplomatic One”, the New York Times, Dec. 6, 2017

https://www.nytimes.com/2017/12/06/us/politics/trump-embassy-jerusalem-israel.html?hp&action=click&pgtype=Homepage&clickSource=story-heading&module=first-column-region®ion=top-news&WT.nav=top-news

8) Rick Klein, “Analysis: In Jerusalem gamble, Trump may go bust “, ABC News, Dec. 6, 2017

http://abc30.com/news/analysis-in-jerusalem-gamble-trump-may-go-bust-/2748475/

Mark Landler, “For Trump, an Embassy in Jerusalem Is a Political Decision, Not a DiplomaticOne”, the(9 New York Times, Dec. 6, 2017

https://www.theguardian.com/commentisfree/2017/dec/06/donald-trump-jerusalem-statement-capital-israel-middle-east

Mark Landler, “For Trump, an Embassy in Jerusalem Is a Political Decision, Not a DiplomaticOne”, the(10 New York Times, Dec. 6, 2017

https://www.nytimes.com/2017/12/06/us/politics/trump-embassy-jerusalem-israel.html?hp&action=click&pgtype=Homepage&clickSource=story-heading&module=first-column-region®ion=top-news&WT.nav=top-news

Steven Watts, “What Donald Trump’s Books Say About Winning”, The Atlantic, Nov. 12, 2017 (11

https://www.theatlantic.com/entertainment/archive/2017/11/what-donald-trumps-books-say-about-winning/544661/

Thomas Friedman, “Trump, Israel and the Art of the Giveaway” the New York Times, Dec. 6, 2017(12

https://www.nytimes.com/2017/12/06/opinion/trump-foreign-policy-giveaway.html?action=click&pgtype=Homepage&clickSource=story-heading&module=opinion-c-col-left-region®ion=opinion-c-col-left-region&WT.nav=opinion-c-col-left-region

John J. Mearsheimer, and Stephen M. Walt, “The Israel Lobby and U.S. Foreign Policy”, Penguin, 2008p. 5,9 (13

Jenna Johnson, “’I will give you everything.’ Here are 282 of Donald Trump’s campaign promises.” The(14 Washington Post, November 28, 2016

https://www.washingtonpost.com/politics/i-will-give-you-everything-here-are-282-of-donald-trumps-campaign-promises/2016/11/24/01160678-b0f9-11e6-8616-52b15787add0_story.html?utm_term=.d8d209a35b2f

Noa Landau, “U.S. Envoy Nikki Haley Says UN Did More Damage Than Good to Mideast Peace,(15

” Haaretz, Dec. 8, 2017 https://www.haaretz.com/world-news/.premium-1.827766

Peter Beaumont, “Trump's recognition of Jerusalem as Israel capital sparks West Bank clashesthe(16

Guardian, December 7, 2017

https://www.theguardian.com/world/2017/dec/07/jerusalem-un-security-council-us-recognition-jerusalem-donald-trump-israel-capital

محمد شلالدة، استاذ القانون الدولي في جامعة القدس، ومحمد عبيدات، رام الله، العربي الجديد،7/12/2017.(17

المصدر السابق.(18)


  • 3

   نشر في 17 فبراير 2018 .

التعليقات

مقال جميل وممتع جزاك الله الف خير وفقك الله اخي
0
د. علي ابو زايد
تحياتي واحترامي
روحي لله أبثها
يشرفني ويسعدني اتك تقرا كتاباتي
Abdou Abdelgawad منذ 6 سنة
أكبر مشاكلنا كعرب هو عدم التوحد وحتى على مستوى الفلسطينين انفسهم أصحاب القضية والمتضرر الأول من الاحتلال فالعالم لايعترف الا بمنطق القوة والضعيف والمتشتت لايأخذ حقه مع الأسف فى عالمنا ، تحياتى على تحليلكم الجميل للقضية ونأمل ان يكون غدنا ومستقبلنا بفضل الله أفضل من يومنا وحاضرنا وكذلك ماضينا .. أرجو لكم التوفيق
2
د. علي ابو زايد
تحياتي وتقديري عزيزي
Salsabil Djaou منذ 6 سنة
الشاعر الفرنسي la fantaine يقول في احد اشعاره la raison du plus fort est toujours la meilleure,اي ان حجة القوي هي دائما الافضل ،وهذا ما نراه مع الذئبين ترامب و اسرائيل ،حيث ان قرار ترامب يفتقر الى المنطق والعدالة و الجميع يقف ضده منذ البداية و تصريحاته تفتقر الى الدبلوماسية المنتظرة من رئيس بل وتتعداها لتكون عنصرية وعدائية كما اشرت ،والعالم كله يقف في كفة واسرائيل وامريكا يقفان في كفة ،اخذين بعين الاعتبار وجود بعض التناقض في مواقف بعض الدول العربية وربما استثني الاردن لانه يبدو انه يتعرض لضغط بسبب وقوفه ضد قرار ترامب ،ورغم ان قرار ترامب لاقى رفضا رسميا عالميا ،الا ان ذلك لم يغير شيئا كبيرا في المعادلة ،فرغم اشهار الجميع بان سياسة امريكا واسرائيل عدائية ،الا ان واقع الفلسطينيين لم يتغير ،مستوطنات ،واعتقالات و شهداء يسقطون،و معاناة اجتماعية ومشاكل جسيمة في قطاع الصحة ،واقع مرير للشعب الفلسطيني،كنت ارجو ان يكون لقرار ترامب رد فعل اقوى خاصة من قبل الدول العربية باعتبار القدس من الاماكن المقدسة ،لكن للاسف ،مقال رائع ،جمع كما هاما من المعلومات ،ورغم طوله الا ان تقسيمه الى فقرات وعناوين جزئية سهل القراءة ،دام قلمك سيدي الكريم.
1
د. علي ابو زايد
تحياتي وتقديري الف شكر على التعليق
د. علي ابو زايد
تسلمي عزيزتي تعليق رائع

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم










عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا