لا حاجة لقتل رجل مات قلبه منذ زمن..فقد فارق قلبه الحياة في ذلك الفبراير الذي هو نفسه شهر مولده ،في ذلك اليوم الغائم البارد و على ذلك الرصيف المبلل بالمطر..طُعن قلبه بسلاح غير مرئي و بشدة مخلفا جرحا غائرا و غير مرئي للعالم و لكن لصاحبه كان مرئيا في أبهى تجليات الألم..جليا أكثر من الواقع نفسه؛ غطى الدم المتدفق من الجرح ثنايا و أرجاء الروح..عجز حتى المطر الغزير عن غسل أو إيقاف النزيف..غادر الناس و حل الليل و لكن بقي سجين ذلك الرصيف.
بعدها توالت الفصول و تساوت الأيام ، ففصل الصيف و بشمسه الحارقة تخثرت و تصلبت دماء الجرح، تلاه فصل الخريف برياحه فأسقط أوراق القلب و كشفها أمام العالم، ثم تلاه فصل الشتاء ببرودته و صقيعه الذي جمد ذلك القلب و زاده برودة ، ..أما الربيع فجاء و لم يجلب معه هذه المرّة النظارة الخضراء التي كان يرى القلب من خلالها الهشيم أخضرا و يرى التبن كالورود.
اليوم قلبه يضخ دما كباقي القلوب و لكن لم يعد يضخ الأحاسيس قط كما كان قبل فبراير و ما أقساه من فبراير.
و بعد مرور ستة عشر فصلا كاملا.. مرّ بنفس ذلك الرصيف و بنفس الشهر ففاض موج الذكريات، لكن هذه المرة وجد أمامه جلمودا و جدارا عاليا من الجليد..ضلت الذكريات تتخبط و تنادي لكن بدون جدوى و بدون مجيب...لقد مات فعلا.
-
عبد الكريم واكنيممهتم بعلوم الأحياء، مهتم بالأدب و الفلسفة و لا زلت كاتبا فاشلا ❤