"مدح و تمجيد" المثقف التونسي المعاصر! مواطن العالم د. محمد كشكار - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

"مدح و تمجيد" المثقف التونسي المعاصر! مواطن العالم د. محمد كشكار

"مدح و تمجيد" المثقف التونسي المعاصر!

  نشر في 30 غشت 2014 .

"مدح و تمجيد" المثقف التونسي المعاصر! مواطن العالم د. محمد كشكار

تعريف المثقف المعاصر:

- هؤلاء التوالي ليسوا بالضرورة مثقفين و ليسوا بالضرورة غير مثقفين: الدكتور، المُجاز، العامل غير اليدوي، موظف الدولة بالقلم، المدرّس، الممرّض، الطبيب، المهندس، المحامي، القاضي، المفتي، العالِم (حسب سارتر: أصبح عالِم الذرّة ألبير أينشتاين مثقفا عندما خرج من سجن مخبره و نقَدَ الاستعمال العسكري للنووي، و المثقف - حسب نفس الفيلسوف - يعيش على هامش المجتمع أو لا يكون)، إلخ.

- موظف المكتب هو عامل يدوي و أداة عمله الحاسوب عوض المطرقة أو المِنجل.

- في الدول المتخلفة، يُعتبر كل صاحب شهادة مثقف، و هذا التصنيف ليس خاليا من الحقيقة و في الريف التونسي يُعتبر طالب الجامعة مثقف.

- حسب اجتهادي: كل مَن لا يقرأ و لا يطالع و لايكتب و لا ينشر (نحمد الله و نصلي لأجل العلماء الغربيين الإنسانيين - حتى و لو كانوا من غير المسلمين - و ندعو الرحمان الرحيم أن يتغمدهم برحمته الواسعة و يسكنهم فراديس جنانه و يجعلهم من العِلّيين كالنبيّين)، هو شخص غير مثقف حتى و لو كان دكتورا في اختصاصه الضيق بالضرورة (La science est réductrice).

- يُعتبر مثقف كل شاب تونسي طالب بفرنسا لأنه يأخذ مواقف نقدية من بلده مثل ما فعل بورقيبة و صالح بن يوسف و جماعة "برسبكتيف" اليسارية من أمثال جيلبار النقاش و محمد الشرفي وزير التربية السابق في عهد بن علي، و الطالب اليمني أو الإفريقي في تونس يُعتبر في بلده الأصلي مثقف.

- الفلاسفة و الكُتاب و المبدعون عموما هم بالضرورة مثقفون، ما لم يوظفهم رأس المال أو الحاكم الظالم لخدمته.

- المثقف ليس بالضرورة معارضا للسلطة و الدين إلا في فرنسا و البلدان الفرنكوفونية كتونس لأن جل مثقفيهم يساريون ورثاء الثورة الفرنسية و أبناء فلاسفة الأنوار، و هذا ليس حال مثقفي بريطانيا الذين لم يجدوا أنفسهم في صراع دائم، لا مع الكنيسة و لا مع الطبقة الحاكمة.

- قبل ثورة 14 جانفي 2011 بتونس، لم يجد مئات الآلاف من حاملي الشهادات العليا المعطلين عن العمل، لم يجدوا لهم مخرجا آخر من تعاستهم غير الثورة و إسقاط بن علي، و بإنجازهم العظيم هذا، يبدو لي أنهم افتكوا عن جدارة و استحقاق صفة المثقف.

- قد تصنع الشركات الرأسمالية الخاصة مثقفين كُتابا و فلاسفة و إعلاميين مشهورين بأقلامهم المبدعة، لكنهم سوف يبقون مثقفين دون روح.

- قد يتحمل المثقفون القمع و الاضطهاد، لكنهم لن يستطيعوا تحمل اللامبالاة!

- تشيد فرنسا بمثقفيها و هم في المقابل يتقيؤونها و يلفظونها، أما أمريكا فهي لا ترحم مثقفيها الذين هم على العكس يمجّدونها.

"مدح و تمجيد" المثقف التونسي المعاصر:

- هو شخص سطحي أساسا و صاحب ادعاءات فكرية كاذبة، يكون عادة موظفا عموميا أو مدرسا أو طبيب صحة عمومية أو مهندس أشغال عامة أو عاملا يدويا مسؤولا نقابيا أو كاتبا أو شاعرا مبتدئا يبيع كتبه لأصدقائه غصبا: يساري انتهازي متسلق معلَّق في حبال الرأسمالية، ثوري في شعاراته و خطاباته، محافظ في علاقاته و تصرفاته اليومية و قراراته المصيرية، بورجوازي صغير فقير معارض مهمّش منبت محقور مقموع. بالغ الحساسية و التخنث عند مواجهته لأي مشكل مهما كان هذا المشكل يبدو عند غير المثقفين بسيطا. يستغفله التاجر و المقاول و البنّاء و المناول و النجّار و الحداد و ميكانيكي السيارات. أما "الخليقة" فيمسح به البلاط و لا تتحرك فيه شعرة سيدنا عليّ. يطأطئ انحناءً للأقوياء و يستقوي غطرسة على الضعفاء من طلبته أو تلامذته أو منظوريه في المصلحة الإدارية. مشمئز و مقزز، مغترٌّ بنفسه، محتقِرٌ لتجارب العقلاء و الناجحين من غير المثقفين. أساسا هو شخص غامض و مشوّش في طريقة تفكيره و تعبيره، متعال غارق في خليط من العاطفية و التبشير الإيديولوجي العنيف. مريد عقائدي متعصب عموما للإيديولوجيا الماركسية الأرتدوكسية أو القومية الشوفينية الفاشية، و بشكل مفارق و متناقض صارخ، هو في الوقت نفسه عاشق للحرية و الليبرالية الفكرية و الأخلاقية، لديه حساسية مرضية عالية ضد النقد، عدو للتعددية الفكرية و خاصة الدينية منها، مجتث لكل نفس ديني أو ديمقراطي عَلماني. سجين "براديجم" الحل الأوحد و نهاية التاريخ، "سي السيد" في الدار و نصير المرأة في الملتقيات و الندوات، مربي في المدرسة و بيّاع علم بالقطعة في الدروس الخصوصية. معتدّ متباه بنفسه، واثق من معارفه، يقلّب المسائل من كل زواياها إلى درجة استهلاك مخه و تبذير جهده، قليلا فيما يعني و كثيرا فيما لا يعني. جسم رقيق عليل و رخو جالس فوق الربوة بطيء الحركة لا يقوى على القفز و الجري، فريسة سمينة سهلة المصيد في غابة من الوحوش متبلّدي الإحساس و الذوق جهلاء أجلاف قساة القلوب مفتولي العضلات كالبغال. قلب فقير بالدم، لكنه ينزف! شر، لكنه شر لا بدّ منه!

- أحزاب المثقفين اليساريين و اليمينيين تشبه البنوك، البنوك يَملؤها عمال الفكر و الساعد بكثرة مرتباتهم المتدنية و مدخراتهم الضعيفة و يُفرغها الأغنياء بقروض كبيرة انتقائية دون ضمانات، أما الأحزاب فيستعملها المثقفون البورجوازيون الصغار كمطية للصعود الطبقي باستغلال أصوات نفس العمال بالفكر و الساعد (نائب في البرلمان، سفير، وزير، رئيس مدير عام بشركة عمومية، ممثل بمنظمة أممية، إلخ.). يدافع "المثقف العضوي" عن العمال و المستضعفين جهارا و يحتقرهم سرا، يشمئز من مجالستهم في الحانات و المقاهي و يتقزز من رائحتهم في الحافلات، يغنّي لهم "شيّدْ قصورَك في المزارع من كدِّنا و عرق إيدِينا" و بعد الحفل أو السهرة يعود هو إلى قصره المشيّد من عرقهم و يعودوا هم إلى بيوتهم المتواضعة، في الانتخابات يعدهم كاذبا و يحلف لهم حانثا و يتاجر بدينهم و أحلامهم و أوهامهم و يتودد لهم لسرقة أصواتهم في ريفهم و قراهم و أماكن عملهم ثم يغادرهم دون زيارة و لو مرة واحدة في السنة ليستقر نهائيا في أرقى النزل و الأحياء بالعاصمة و يهجر مقاهيهم و مطاعمهم و شطآنهم، و للحفاظ على شعرة معاوية بينه و بينهم فقد "يشرّفهم" في أفراحهم و يذرف دموع التماسيح في أتراحهم. يا له من كذاب دجال منافق!

- كزملائه في العالم، يدعي أنه أكفأ من الإنسان غير المثقف و هو في الواقع أقل منه نجاعة، تنقصه الذكورية و الرجولية (رجلا كان أو امرأة) و يهاب و يتردد في اتخاذ القرار، و من كثرة تفلسفه في الموضوع يتيه في الجزئيات التافهة و تضيع عنه الحلقة الرئيسية فيصبح عاجزا عن الفعل، حائرا جبانا أمام الصعاب، منهكا قبل البدء، فاشلا قبل التجربة، متقزِّما صغيرا جنب العوائق الكبرى و الصغرى، متأزما بلا أزمة.

- و آخر ما فعله المثقفون التونسيون هو أنهم ارتكبوا الكبائر و ذهب في ظنهم أنها صغائر و نسوا أن كبائرهم ليست كاللّمم: يأكلون لحم زملائهم نميمة و وشاية و تحطيما و احتقارا و عدم اعتراف. هم فصيلة حيوانية تستبيح نهش عرض و شرف بني جنسها. وديعو المظهر، عنيفو اللفظ، يعُدّون المجاملة و اللطف و اللياقة و اللباقة و الأدب و التسامح و السلمية، رِجس من عمل الشيطان. يُقصون و يُعادون كل مَن يخالفهم الرأي و يسعون بكل ما أوتوا من خبث ثقافي أن يحطّموا محاوريهم في ذواتهم الشخصية عوض أن يصبّوا جهدهم و يوظّفوا ذكاءهم لتفنيد وجهة نظر مخالفيهم. و الأغرب فيهم أنك كلما نقدت ظاهرة، يتكالبون عليك مطالبين بتقديم البديل، يحسَبون الناس مثلهم يرددون بديلا جاهزا قديما مستوردا، و من عَماهُم عن المنطق يجهلون أو يتجاهلون أن النقد فرديٌّ أو لا يكون أن البديلَ جماعيٌّ أو لا يكون، و لا يعون أن البديل لا يُهدى و لا يُستورد بل يُصنع بالتشاور و الحوار بين المعنيين به.

ملاحظة للأمانة العلمية:

فكرة المقال الأساسية مستوحاة من ريمون آرون ("أفيون المثقفين"، 2010)، لكنني قمت بتحيينها و تنقيحها و تكييفها و الإضافة إليها.

إمضاء م. ع. د. م. ك.

يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، السبت 30 أوت 2014.



   نشر في 30 غشت 2014 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا