إلى غابرييل ...الأخيرة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إلى غابرييل ...الأخيرة

رسالة أخرى..ربما الأخيرة..

  نشر في 07 يوليوز 2023  وآخر تعديل بتاريخ 07 يوليوز 2023 .

السابع من تموز 2023

الثانية ليلا ...

وصلتني حروفك النازفة الحارقة لتدخلني نفقا آخر من الماضي، وتحطم بقلبي أقفالا صدئت من الغياب .

لم أعد أخوض حروبا، أمامكِ تخلّيتُ عن دِرعي و سيفي و جِئتكِ مُسالما ألّوِحُ نحوك بعلم أبيض و قلب متعب أنهكه السهر.

غابرييل أيتها الغالية..

لم يعد حرفكِ مستفزا لأبارزك، أتفحّصُ حرفكِ مثل جندي يسعف آخر بالحرب، كنتُ أنا أحاول البحث عن ثقوب النزيف بكل مِلمترِ، بكل إنحناءة حاءٍ للحزن أو ميلان ألفٍ للألم.

جئتني هذا المساء كحمامة جريحة، مضرجة بالحزن، تحملين سهام الماضي و الذكرى بيدك، و تحملين قلبا مكسورا باليد الأخرى، و أنتِ التي لم تسقطي يوما أمامي، كنتِ تُرفرفين بعيدا و تعودين بأبهى حلتكِ دون أن تشكيني جرحا يؤلمكِ، فما قصة كل هاته السهام اليوم.

أنا الغصنُ المكسور الذي وقفتِ فوقه ذات يوم..

غصنُ الأمان الذي إتخذتِ منه بيتا و ملجأ و مهربا من أشباح الوحدة و الظلام و الليل و الغربة.

غابرييل يا عصفورتي..

بِربكِ، كيف لمنزل أن يتحول إلى مقبرة يَدفنُ بها أحِّباءهُ و كلّ من كانوا ذات يوم نوره و صّوته و دفأه و أعمدته و جدرانه و ذاكرتَه التي يستند عليها .

كيف يمكن للغصن الكسير أن يتحول إلى سهم أو سكين يخترق قلبا أحَبَه و حَمله لسنوات ..

كيف ذلك؟

سنوات من الجفاء، من الغياب و التمسك بحواف كل وهم.

ضل ذلك الغصن الأبله على حاله رغم إدراكه لحقيقة أنكِ لن تعودي، أبى أن يكبر، أو أن ينمو و يخضّر كباقي الأغصان..

بقي يحافظ على مكانكِ، و يُعِّده كل يوم كما لو أنه يوم عودتكِ، دون أن يسمح لأحد بإعتلاء مساحةٍ هي لك و قلبٍ ينبض بكِ.

جئتني اليوم تنزفين، بحرف حاد، ووجه تملؤه الدموع، توجهين نحوي سكاكينك، تضربينني أرضا و جوا و بحرا، فما الذي تنتظرين مني فعله ..؟

غير إحتضانك و ضمِّكِ إلى صدري بكل إنكساراتك و جنونك، وألمكِ، وغضبكِ وحزنكِ وحرفكِ وتطرفكِ، بكل صخبكِ وصمتكِ.

لن اغضب مهما قلتِ في حقي.

لن أبارزكِ، فهل هناك من يبارز روحه؟

لقد كنتُ دائما في نظرك ذلك الرجل الذي لا فائدة ترجى من حُبهِ أو إنتظارهِ، أدري..

كنت دائما ذلك المتأخر، المخيِّب لآمالك، رَجلُ الدقائق الأخيرة، و المحطات الخاطئة..

قولي ما تشائين، فلن أدافع أو أهاجم، أنتِ تعرفين كل ما مررتُ و أمُّر به، صارحتك بكل شيء و دافعت عني مسبقا بمحاكمك، و لكني بقيت دائما المذنب في نظركِ، المقصر في حقكِ، الأحمق، المجنون و الخجول والمهووس الذي حُكم عليه غيابيا بالحب المؤبد بمعتقلاتكِ.

لقد أحببتكِ رغما عني و عن جل الإختلافات بيننا والتقاليد والشرائع والفوارق.

بطريقة لا أدري كيف أصفها، أو أعبر لكِ عن عمقها و صدقها؟

أحببتكِ و وقعتِ بك في الأخير.

لم يكن هناك شيء لأوقفَ لُعَبكِ معي و اختباراتكِ العديدة لصبري وتجلدي، قلتُ لكِ دائما أني رجل لا يقف بين إثنين، و ينسحب دون تبرير، إن أحس للحظة أنه خيار بديل .

حتى و لو كنتِ أنتِ..

حتى و إن كان حُبكِ هو الثمن الذي سأضل أدفع فواتيره، و لكنكِ لم تكوني لتنصتي لكلامي وواصلتي لُعبكِ تلكَ، وواصل القدر لعبتَه معنا ..

و كانت النهاية قاسية علينا جدا، كل ما فعلناه طوال تلك الفترة، كان إبتكار طريقة جديدة لتحطيم القلوب و طهي المشاعر على نار الفراق الهادئة التي اشعلتِها بظُنونكِ

المتزايدة..

لماذا لم تصدقيني، حين قلتُ أني لا أعرف أخرى؟

لماذا مازلت تشَكِكّين في علاقة لا أساس لها؟

و تضعينني وفق إطار تبررين من خلاله لنفسك أنك لم تتسرعي، لم تخطئي في حقي، لماذا؟

لا مشكلة، واصلي أنت الهجوم، أما أنا فقد سَلمتكِ نفسي و روحي و قلبي، إزرعي بهم ما شئتي من ألغامك، فلم يعد هناك مشكلة في إنفجار أو إثنين إضافيين ...لا فرق...

أنتِ اليوم تعيشين ضمن عائلة تسعدك و زوج يفهمك، و ربما كانت قصتنا ملهمة كِفاية ليُعلن حبه و يتخذك زوجة..

أي صدفة و أي قدر و أي رجل هذا؟

في آخر ما دار بيننا من حديث قلتِ أَنكِ تُمضين وقتا رائعا بأرض الوطن، فما الشيء الذي يعبث بكِ هكذا، و يتلاعب بمشاعركِ على هذا النحو الغريب؟

لماذا تلومينني أنا ..؟

أنا الذي أحببتكِ، و سقطتُ كفراشة بين شِباككِ، انا الغصن المكسور الذي تركتِهِ خلفكِ، الغصن الذي مازال يُجّبِّر كسوره بقِطع من قماش الذكريات، بأغان قديمة، بصور لكِ، بتسجيلاتٍ صوتية لضحكتكِ لبحتكِ المميزة، وتلاوتكِ العطرة...

بكل شيء عنكِ و منكِ..

مازلتُ أحتفظ بحقيبة قلبي و أدراج ذاكرتي بكل التفاصيل التي ربما نسيتِها أنتِ..

أو ربما حذفتِها كالعادة..

غابرييل حبيبتي ..

كيف لك أن تدوسي عليّ بهاته الطريقة، وجريمتي وذنبي الوحيد أني مازلت أحبكِ.

هل من طريقة لأطردك؟

هل من آلةٍ نعيد بها الزمن للوراء و لا تقرئي لي و لا أكتب لك و لا أحبك و لا تحبينني و لا أتعلق بك ..؟

هل من طريقة لنعود للخلف و لا نلتقي...؟

صدقيني، لستِ الوحيدة التي تتألم ..

ماذا عني؟

وهل ألمي و شقائي بكِ، غير مهم بالنسبة لكِ؟

تائه وسط عديد التناقضات التي أرهقتني..

و لا أجد مهربا أو شيئا أقاوم به جل الحروب بداخلي إلى قلما أحمله في وجه كل شيء و أبارز به خيالاتكِ التي تلاحقني بكل زاوية و مكان جمعنا و كان شاهدا على كل ليلة أمضيتها قريبا منك، نعانق أصواتنا و نلغي كل مسافات البعد..

أعرف أني أتعبتكِ معي، أعرف أني لم أمنحك بنفس القدر من الرعاية و الإهتمام.

قُلتُ أن كل ما حدث أتى تدريجيا عكسكِ، أنتِ التي وجدتِ فيّ كل ما يعوضك عن غربتك، وحدتك، خساراتك..

أنتِ التي فاجأتني ..

كنت تلميذا بمدرستك حينها، تعلمينني النطق و أساسيات الإهتمام و الحب.

علمتني الكثير، و لكنك كمعلمةٍ لم تتعلمي الصبر..

أردتِ كل شيء و بسرعة، فتركتني مجرد شيء لا حياة له بَعدكِ.

غابرييل..

لست هنا لأبرر او أعاتب أو أقدم شيئا.

أنا هنا لأني بالمكان الذي يجب أن أكون بهِ دائما..

ما الذي سأفعله لأُسعدكِ؟

أُغادر؟!

أتوقف عن الكتابة..!

و أنت تعلمين أنها الشيء الوحيد الذي أفعله مؤخرا، لم أعد أجيدُ شيئا.

و هل موتي سيكون إكسير شفاء لدائك بي؟

لا أدري..

أرجوك أقتليني لترتاحي مني..

هل سأرتاح منك و من عبء حملكِ بقلبي و الركض نحوك بين أروقة ذاكرتي ؟

أرجوك إعذري ضعفي، إعذريني ..

كنت كلما سجدت بصلاتي أدعو من الله أن يطفيء الحرائق الموقدة بقلبي و أن يمنحني قليلا من السلام الداخلي و أن يمنحني الصبر على رحيلك..

ولكني على عكس ذلك كنت أزداد إشتعالا و شوقا إليكِ، مثل شمس محترقة، أتآكل شيئا فشيئا..

بعد رحيلك جربت كل شيء و لم يتغير شيء، و كأن هذا الحب اللعين مرض مستعص على العلاج..

لا أحدَ منا استطاع أن ينسى، رُبما أَفلحتِ في بعض المشاهد و تفوقتِ في تجاوز أخرى و لكنني لم اُفلح في شيء يا عزيزتي..

التذكر، و التذكر كل ما كنت أجيده حينها.

غابرييل، عزيزتي

أعرف أنك موجوعة، تتألمين، و لكن ماذا بوسعي أن أفعل..؟

ماذا بإمكان الغريق فعله بين مجموعة من الغرقى، يشاركهم نفس البحر و نفس الماء و يمر بنفس الظروف .

ربما أنتِ أفضل مني بالكثير من الأشياء،

تحظين بعائلة تسأل عنكِ تحيطكِ بالعناية و الحب، و هذا ما يُسعدني كلما تذكرتُ.

ماذا عني؟

ليتني استطعتُ إيجاد حل يليق بكِ، علني أتعذب لوحدي دون أن اراكِ تَشقَين معي..

أعرف أني السبب..

و لكن بربكِ ما هي الحلول؟

تتساءلين:

أي الرجال أنت؟

أنا الذي أحببتك يا صغيرتي، أنا الذي أمضيت أشهرا بل سنوات غارقا بأعماقك، دون أن تشعري بي، دون أن تسألي عن ذلك التلميذ المتهاون، الغبي، المتأخر، دون أن ترمي لي بحبل، أو ترميني طعما لأسماك النسيان .

كنت أتخبط طوال غيابكِ، أصعد إلى السطح و لا أدري لماذا؟

مجنون، لعين هو الحب .

قبلكِ لم أتذوق شيئا من هذا السم، معكِ فقط جَربتُ كل السموم.

معكِ جربت مذاق الحياة الطيب و المر معا.

جربت التحليق و السقوط الحر، الإختناق، والإحتراق و الموت البطيء بدونكِ.

لا حياة في غيابكِ، فكيف تَلومِينَني عن الحياة و انتِ التي تعيشينها..

كيف تطلبين مني الرحيل؟

و أنا الذي رحلتُ مرات و مرات.

أنا الميت منذ سنوات، الزومبي الذي تخلى عن المسارح و فر من مواقع التصوير ليعيش الواقع دون حاجة للتمثيل أو وضع المساحيق او أية إضافات .

حبك جعل مني روميو آخر، مجنون آخر و أشياء أخرى كثيرة مفزعة...

آسف يا زهرتي إن آذتك بعض الحروف أو كانت حادة و هي تمر على قلبك، و لكني أيضا أملك قلبا و أحس أيضا..

فلا داعي لإيقافي..

لم اعد أملك بعدُ شيئا إلا قلما مهووسا بالحديث عنكِ..

أحاول بكل طاقتي أن أبتعد عن صناديق رسائلك، أن لا أضايقك..

أفوز أحيانا و أخسر أمام القلم دائما ..

كيف حالك جدا جدا، فلا داعي للإنكار..

لا مجال لأن لا أودعك ..

ربما لن أكتب مجددا، و ستكون هاته آخر رسالة..

سأترككِ لتمضي بدوني، فقد اخترتِ طريقكِ منذ زمن..

و اتركيني أنا لللاطريق ...

أحبك، فدعيني و حبي لك و لا تحرميني من هاته الكلمة .

رجاءا لا تسلبيني حَرفي ...

إنها الرابعة صباحا و لم أنم بعد، أقول لك ما قالته جودي لصاحب الظل الطويل ..

عزيزي يا صاحب الظل الطويل :

سؤال يراودني مؤخرا، ويعجز قلبي عن الإجابة، لماذا من بين ألاف الوجوه التي تعبرنا، لا نسقط إلا في حب الوجه الذي لا نملك رؤيته إلا بشق الأنفس؟ لماذا من بين الأكتاف الملاصقة لنا، لا يسقط رأسنا إلا على الكتف الذي بيننا وبينه مسافة الأرض و العادات والمجتمع؟

لماذا دائما يا كتفي يأتي الحب متأخرا وقويا ومستحيلا إلى هذا الحد؟

أشتاقك يا صاحب الظل الطويل و أنتظرك..

و أقول أنا:

سأشتاقكِ، و أعلمي أني بكل بساطة أحبكِ دائما و أبدا..

إعتني بقلبكِ ..

آرثر


  • 2

  • Abdelghani moussaoui
    أنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي
   نشر في 07 يوليوز 2023  وآخر تعديل بتاريخ 07 يوليوز 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا