بيـع الكـلام .. حرفــة العصــر !
كما قيل قديماً : بين البائع والشاري يفتح الله , كن صاحب مبدأ فيما تشتري , فإن وجدت تلك البضاعة يمكن تصديقها فهي لك , وإن راودتك الحيرة بشأن جودة صدقها فهي مُزيفة وقد بيعت لأحد غيرك قبلك !!
نشر في 21 ماي 2018 .
وكأن حرف الحياة قد إنتهت ولم تتبقى إلا تلك الحرفة ! , وكأن الكون قد ضاق على البشر فلم يتخذوا من الحرف إلا تلك الحرفة ليُتقنوها أشد الإتقان ومن لم يُتقنها فهو أكثر الناس في طلب تعلمها والإقبال عليها ! , وكأن البشر قد وجدوا فيها مُتعتهم ولذتهم دوناً عن غيرها من الحرف التي تُفيد البشرية ولكنهم إستساغوها وعزموا وعقدوا النية على التفنن فيها وتحقيق " تارجت " عالي بها , غريب أمرهم وغريب أمر من أمرنا على مُزاولتها من الأساس !!
منذ متى قد بدأ البشر في ممارستها ؟ , فلتقل منذ بداية الخليقة ! , مؤلمة هي تلك الحقيقة أليس كذلك ؟ , نعم ولكن الحقيقة الأشد إيلاماً منها هو علمنا بأنها حرفة لن تُفيدنا بشئ على الإطلاق بل ستجعلنا نفقد إنسانيتنا تدريجياً مع كل لحظة تمر علينا ونحن نؤديها بتمكن وإقتدار ومع كل ذلك لا نقوى على تقديم طلب إستقالة أبدية منها أو حتى بلوغ سن المعاش حتى وإن كان معاشاً مبكراً , المهم أن نتخلص منها مهما كلفنا الأمر أشُده , لن نقوى على ذلك ؟ تعتقد أننا نحن البشـــر بكامل قوانا " الإرادية " وبمنتهى عزم إصرارنا على التخلص من أي شئ يضُرنا حتى وإن كان أبسط وأتفه الأمور لا نقوى على التخلص والقضاء على مجرد " حرفة " ؟! , وكيف ذلك ونحن البشــر من سماتنا هو حب الراحة والإسترخاء والفرار من مواقيت العمل الرسمية لنأخذ بعض القيلولة في منزلنا المُتواضع حتى وإن تراكمت على رؤوسنا كل الأعمال ولم يتركنا رب عملنا لحظة دون أن يُشعرنا بمدى ضغط الوقت وحتمية إنجاز كل الشغل في وقت قياسي , كأننا سندخل موسوعة جينيس من أوسع أبوابها مثلاً ؟! , قد نفعل أي شئ من أجل اخذ إجازة من العمل بأي عذر كان , قد نُقدم عذر مرضي لإصابتنا بأكثر الأمراض نُدرة في العالم وإحتمالية الشفاء منها سالب 1 فقط لمجرد إجازة حتى وإن كانت ليوم , حب الراحة والإسترخاء يا عزيزي كما قُلنا قد يدفعنا لإلقاء أنفسنا في التهلكة !! وهو المعهود على البشر كما نعلم جميعاً ..
فقل لي الآن .. كل هذه المُخاطرات والمُغامرات لن تكفي للفرار من عملنا المذكور اليوم ؟ , حقاً هي لن تعود عليك بالكسب الذي لطالما طمحت أن تكسبه من عرق جبينك يوماً , عكس التوقعات : هي ستسلب منك رأس مالك من الإنسانية رويداً رويداً , فتضع يدك في جيوب كيانك لتجد أنه أصبح فارغاً ولا يوجد به حتى ما تدفعه لتعود به إلى محل إقامتك في منزل الحياة من جديد !! , كم هي حرفة مؤلمة يا سادة ..
بيع الكلام , وشراء الندم ..
من باع الكلام فهو خاسر الصدق الوحيد , و من صدق الكلام المُباع فهو فاقد للعقل الرشيد !! , فكيف لعقل مُيز بالتعقل والإدراك والفكر العالي المُستنير أن يجد الكذب واضحاً جلياً ولا يستطيع أن يضربه بقبضة من حديد ؟! العقل .. الذي إذا وجد ما لا يُمكن له أن يُصدق عليه يُهرول نحوه في إشارة لخطر وجوده على بوابات الوعي ويبدأ في إستجماع قوته من جديد , فيُحاربه ويلفظه خارجه ويضع إسمه ضمن قوائم الممنوعين من الدخول ضمن مملكة التعقل والإدراك والفهم و الذي عليه تتسارع الأفكار بالتأييد .. حقاً إنها لفوضى عارمة ولغطاً شديد !!
فإن وجدت من يتسارع في بيع الكلام لك دون أن يطلب منك مقابلاً لذلك البيع فكن حذراً من جودة ما يبيعه لك , فكما إعتدنا نحن البشر لا نثق فيما يُشترى دون أن ندفع فيه مقابلاً ونعتبر أن ما يُباع هذا يريد صاحبه التخلص منه بأي طريقه وكنت أنت المُشتري الذهبي له , فقد وقعت في حفرة الشراء دون أن تُعاين بضاعته أشد وأقسى المُعاينة , فلما لا تسأل نفسك سؤالاً بسيطاً : هل تلك البضاعة قد باعها صاحبها لبشر أخرين قبلي أم أنها لم ولن تكن لأحد سواي ؟ , وإن كانت لي فقط لما لا ينتظر عليها مقابلاً ؟ , كلها أسأله تستحق التريُث قليلاً قبل أن تندفع وتتسرع وتقع في حُفرته الخداعة , فكم من كلام قد بيع لغيرك ولك وحسبته لم يمسسه إلاك , وتلك هي المكيدة الكبرى التي أخشى عليك الوقوع فيها ..
ونصيحة مشتري قد وقع في ذلك الفخ أرسلها إليك مُحتواها : عاين بضاعة من يتفنن في تلك الحرفة من بيع الكلام , فتستطيع التمييز بين البضاعة الأصلية والبضاعة " المضروبة " المُزيفة !! ..
التعليقات
على الرغم أننا كـ عرب نمتلك الكثير من الشعر والنثر والأدب، إلا أنني لن أخجل أن أقولها نعم بالفعل مارسنا حرفة بيع الكلمات وقبضنا الثمن لنملئ بطوننا به.
ولكنني لن أقنط وأيأس أبدََا من سرد رواءع اللغة وما نملك من أدب وسأتجاهل تمامََا تلك المأساة. كي نعود أذواقنا ألا ترى سوى الجمال في كل شئ فعين الكاتب كـ عين النحلة تنتقي الرحيق والزهور وتتلمس مواطن الجمال فقط وتبتعد بإستماتة عن كل منابر القبح.
جعلك ربي من الرائدات في مجال الأدب وزادكِ فقهََا وحكمة وتألق كاتبتنا الراقية.
والحل الامثل ما طرحته يا نورا يا ويتلخص في...
عاين البضاعة( اي اعقل ...و اوزن ... و تتدبر كل كلام يقال لك .. فكل كلام يؤخذ منه .. ويرد...) حتى ..تستطيع التمييز بين البضاعة الأصلية والبضاعة " المضروبة " المُزيفة !!
والله مقال هام وهادف لنا جميعا.. حتى لا نتعرض لهذا الصنف من الناس ممن يبيعون الكلام ... اعاذنا الله من تلك الصفة البغيضة..
ونصيحة صغيرة احسني الظن ... لكن بحدود ...