إني لأعجب أشد العجب من فكرة حمل صفة السوء والذميمية علي الحياة التي تقوم علي المصلحة ، والحق أن الوجود كله يقوم علي المصلحة -الوجود كله بلا استثناء - فالعلاقة بين الأشياء كلها في هذا الوجود تقوم علي المصلحة ، فالأشياء كلها يجب عليها أن تتوجه بالعبادة لله تعالي وحده لمصلحة وهي أن الله تعالي خلق جميع الأشياء وأعطي لكل شيء من الأشياء أو مخلوق من المخلوقات أو موجود من الموجودات امتيازات متباينة ، وقد كان هذا التباين لتتلائم مع بعضها البعض فتنتج مصلحة أخري إلي آخره ولذا كان علي جميع الخلائق والموجودات أن تتوجه إلي الله تعالي وحده بالعبادة دون أي شركاء ، فالله سبحانه وتعالي يخلقهم من أجل عبادته وحده ، وهم يعبدونه سبحانه من أجل هذه الامتيازات التي أعطاها لهم ، والعلاقة بين الله والأنبياء تقوم علي المصلحة ، إذ أن الله تعالي خلقهم وأرسلهم إلي الخلق ليدلوا الناس علي عبادته سبحانه وحده ، وهم يفعلون كذلك ويقومون بهذه المهمة لأن الله تعالي اصطفاهم من بين الخلق وأعطاهم امتيازات أفضل ، والعلاقة بين الإنسان والدواب تقوم علي المصلحة إذ أن الإنسان مصلحته تكمن في ركوب هذه الدواب ، والانتفاع من شحم بعضها ولحمه ....إلخ ،والدواب مصلحتها في الطعام والماء والدواء الذين يقدمهم لهم الإنسان ، والعلاقة بين الأب والأم ،والابن تقوم علي المصلحة ، إذ أن الأب والأم هما اللذان ينجبان الطفل ويربيانه ويصرفون عليه إلي أن يكبر ويشتد عوده حتي إذا ما أصابهما الكبر وأصبحا لا يستطيعان فعل شيء يكون لهما سندا وقتئذ ، وكثيرا ما نسمع عن لفظة " أخلف عيل يسندني " وهذه هي المصلحة ، لكن السيئ هو ألا تكون المصلحة متبادلة ، أي من طرف واحد ، كأن تصنع مصلحة لشخص أو أيا ما كان ولا يردها لك ، هذا هو الأمر الذي يجب أن يوصف بالسوء ، تسائل لماذا أشد ذنب عند الله هو الشرك به؟ ؛لأن المشرك لا يرد إلي الله حقه ومصلحته ، فمصلحة الله هو عبادته وحده ، لماذا يدخل الله تعالي كل من يخالفه أمره ويخرج عن طوعه النار لأن مصلحة الله سبحانه وتعالي تكمن في طاعته ، وفي هذا الوجود المصالح لا تكون إلا متناسبة مع بعضها متساوية ، فمثلا لماذا شرع الله عبادات علي الإنسان لم يشرعها علي أي كائن آخر ؛ لأن الله تعالي أعطي الإنسان امتيازات لم يعطها لأي كائن آخر وأهمها تكريمه بالعقل " ولقد كرمنا بني آدم في البر البحر ...وفضلناه علي كثير ممن خلقنا تفضيلا " لذا فرضت علي الإنسان فرائض زائدة لتتناسب مع ما فضل به من امتيازات ، تأمل لماذا فضل الله الأنبياء والمرسلين علي سائر المخلوقات لأنهم كانوا يدعون الناس لعبادته وحده سبحانه وهذه مصلحته سبحانه ، وقد أعطاهم امتيازات لم يعطها لأحد غيرهم وهذه مصلحة لهم ، وهذا كله يدل علي عدله سبحانه وحسن تدبيره ، وحسن تقسيمه وأنه لا يظلم أحدا.
-
محمد العويطيشاعر وأديب ومفكر وفيلسوف