الخادم والإنسانية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الخادم والإنسانية

الخادم من منظور إسلامي

  نشر في 26 يناير 2023 .



     شاهدت فيديو من خطبة في مقاطع الريلز يقول الخطيب فيه: 

إن من واجب الزوج أن يأتي لزوجته بخادمة، وإن واجب المرأة فقط هو واجبها تجاه زوجها وتربية الأولاد.

مع كل احترامي لذاك الخطيب وكلامه الذي أنصف فيه المرأة، ولكني لم أقتنع به، وأراه من وجهة نظري غير مواكب للواقع الذي نحن فيه، وتعليل ذلك بعدة نقاط:


أولاً:

العلاقة الحميمية بين الزوجين ليست واجباً على المرأة، ولا حتى هي واجب على الرجل، بل هي علاقة إنسانية وحاجة غريزية يتشارك فيها الطرفان وليست من ضمن الواجبات.


ثانياً: 

تربية الأبناء ليس واجب المرأة فقط، الرجل والمرأة كلاهما مشتركان في التربية، ويختصر هذا الآية الكريمة :

"وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً" 

ركزوا على كلمة (ربياني) .


ثالثاً: 

المرأة اليوم تعين الرجل في الأعباء المالية، والذي جعل النساء يدخلن سوق العمل هو الواقع الذي فرض هذا قبل الفكر الذي يدعو إليه، وذلك بتوفر الفرص التي تمكنت المرأة من خلالها العمل، والظروف الاقتصادية التي جعلت الأسر بحاجة للمال ولم يعد الرجل بمفرده أن يوفره.

ومع هذا هنالك نساء آثرن البقاء في البيت، وهناك رجال تمكنوا من تحمل الأعباء المادية بمفردهم، وفي كلا الحالتين المرأة تحتاج من يعينها على تحمل أعباء البيت والأولاد، خاصة إن كانت تعمل خارج البيت، وكل امرأة ستسمع كلام الخطيب ذاك وستقتنع به، عندما تتعب ستتضجر وتقول لزوجها : أنا لست خادمة عندك، وأنا لست مجبرة في بيتك، ائتني بخادمة، وهذا شرع الله وهذا حقي ..إلخ 

والحقيقة ليس بإمكان الغالب من الرجال أن يأتوا لزوجاتهم بخادمة، فمرتباتهم بالكاد تكفي للسكن وما يلحق به من كهرباء وماء ونفط، وللسيارة والطعام والملابس ومصاريف الأولاد والمدارس ...إلخ


ثم ماذا عن الخادمة، أليست هي امرأة ؟ وواجبها فقط هو واجب زوجها وتربية أولادها حسب رأي الخطيب؟!! 


رابعاً والأهم:

 أنا أتحدث من منطق الإنسانية، فوجود خادمة في البيت منافٍ للإنسانية، فهو تقليل من شأن أناس ورفع من شأن آخرين، وكذلك قتل روح الإنسان من الداخل عندما يعتمد على غيره في خدمته، فروح الإنسان وجوهره هو العمل، وأقل العمل وأهمه هو خدمة الإنسان نفسه بنفسه.

نحن نريد تقليل المسافات الطبقية في المجتمع، فلماذا التشجيع على الخدم وربطه بالدين، ومن أهم المبادئ التي جاء بها ديننا هو إلغاء الطبقية؟!

أجد في حديث الرسول محمد ﷺ عندما سألته ابنته فاطمة طالبة منه أن يأتيها بخادم قال لها :

" ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك؟ تسبحين ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، أحدها أربعاً وثلاثين "

أنه لم يرفض أن ياتيها بخادم لأنه لا يستطيع ذلك لقلة ماله، إذ لو كان كذلك لما طلبت منه أصلاً، فوجود خادم في البيت كان شائعاً في وقتهم منذ الجاهلية، ولكني أرى رفضه رفضاً للطبقية خاصة أنها ابنة نبي ومن المحتمل الكبير أن يقلدنها النساء في زمنها وفيما بعده، وأرى رفض النبي محمد ﷺ لطلبها عملاً بالقرآن الذي يشجع على إلغاء الطبقية قدر المستطاع، ونبذ الكسل والتشجيع على العمل والإعتماد على النفس.

لكن السؤال الذي قد يتراود في الذهن، ماذا ستفعل لها تلك الكلمات من تسبيح وتحميد وتكبير، هل ستعينها حقاً؟ 

أرى الجواب - وعن تجربة شخصية- أن الإنسان عندما يعمل ويشغل تفكيره بشيء آخر غير العمل الذي بيده، ينجزه دون أن يشعر بالتعب أو بطول الوقت.

ومع هذا كان النبي محمد ﷺ يساعد أهله في بيته ويعتمد على نفسه، ومساعدة أهل البيت في شؤونهم من سنته، والكلام عن هذا معروف لا داعي لأن أطيل فيه .

وقد يتساءل سائل : 

وماذا يعني؟ 

هل تظل المرأة تعاني من أعباء البيت ومشاغله والأولاد؟ فالرجل ليس موجوداً في البيت طيلة الوقت، وماذا لو جاء لها بخادمة إن كانت هي قد رضيت وتبحث عن عمل وستأخذ أجرها؟

الجواب : المرأة حقاً تحتاج من يعينها، وهناك من النساء والرجال مستعدون للعمل أياً كان ما دام يوفر لهم لقمة عيشهم، ولا يهمهم الطبقات المجتمعية، هم يرضون بالخدمة. لكننا نريد مجتمعاً أقل طبقية، ونريد قدر الإمكان ألا تمس كرامة الإنسان، فخادم أو خادمة في بيوت الناس يقلل من كرامتهم، ولولا الإضطرار لما لجأ إلى هذا العمل أحد.

ويمكن أن نخفف عن المرأة من تعب البيت بشراء الأجهزة الحديثة، من غسالة الصحون وغسالة الملابس التوماتيك وآلات المطبخ التي تعينها على الطبخ، ويمكن كذلك شراء الخبز من المخابز، وشراء الطعام الجاهز من المطاعم ومن السوق، وبهذا سيُخَفف عن المرأة التعب دون أن يُمتهن بشر، وستُوَفر فرصة عمل كريمة تمسح ماء وجه المحتاجين إن انضموا للعمل في المخابز والمطاعم، فالطلب على ذلك يزيد من الحاجة لليد العاملة وبهذا نقلل الطبقية في المجتمع ونضمن العمل للجميع دون امتهان.

لكن في مجتمعنا نجد الكثير من المطاعم والمخابز والأفران بكادر رجالي (ونحن نتحدث هنا عن المرأة التي تحتاج العمل وليس المرأة التي تحتاج خادمة) وبالكاد نسمع مخبزاً بكادر نسائي، فلا زلنا نسمع فلانة الخبازة في ذاك الحي، ماذا لو اجتمعن النساء المتقنات لصناعة الخبز في مخبز، والمتقنات لصناعة الطبخ في مطعم (كما في مبادرة مطبخ مذاق الموصل لصناعة الأكلات المحلية بكادر نسائي) فهذا نادر مقارنة بأفران ومطاعم الرجال في السوق، أن تنتمي النساء لمصنع ينتج الطعام أو الخبز، أو كادر يعمل على التنظيف (كما في مبادرة محفوغة لتنظيف السجاد) يوفر لهن الكرامة قبل لقمة العيش، فاسمها منتمية لمصنع الخبز (المخبز) أو المطعم أو كادر للتنظيف خير لها ألف مرة من الخدمة في البيوت.

المزيد من هذه المبادرات ترتقي بالمجتمع من حيث إنها تقلل من الفوارق الطبقية، وتوفر فرص عمل للكثيرين والكثيرات. وكذلك لا تلغي دور المرأة نهائياً في خدمة نفسها، فهي تعينها على أعباء بيتها دون أن تلغي إنسانيتها بالإعتماد على الخادمة حتى لو كانت تملك المال.

 العمل جوهر الإنسان وروحه والطاقة التي تجعل للحياة معنى، وهو يرتقي بالأخلاق، فكلما اتكل الإنسان على غيره واتسع وقت فراغه وراحته ساء خلقه، وبالتعاون مع الزوج والأولاد تصير الحياة أجمل ويصير لها معنى.


  • 1

   نشر في 26 يناير 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا