أمس رسمت أحلاماً بلون الطين بعدما زرعت نفسي في الأوهام, كانت تنمو سنابلٌ صفراء على مساحات رأسي, وغربان الذاكرة تطير بلا سماء.
الغربان تنقر رأسي و تيقظني من نعاس الملائكة, ريشتها تخدعني كل حين.
الأسود والأبيض يلونان الحياة بالرمادي, للرمادي احتمالات لا تنتهي... رمادي أخضر, رمادي أزرق, رمادي أحمر, التبغ يحترق والحياة تنساب رغوتها من جانبي الكون.
للرماد طعمٌ مرٌ بالعادة, نألفهُ ثم ندمنهُ كالوحدة, يعتقد البعض أنه لحظة انتقال الفرد إلى الوحدة فهو يعبر الى التوازن.
قد تكون الوحدة هي خط الحقيقة التي تمتد عبر الزمن لتفسر الرؤى التي استنبطناها من خلال تعاملنا مع الأحداث الصادمة. إلا أنها في نظري حاجةٌ لا تقل قيمتها عن الحاجة للطعام والشراب من أجل النجاة.
- النجاة؟ مم؟
أتحدث على الدوام مع صديقي الخيالي, لكني فقدت مؤخراً الرغبة بالحديث عن أي شيء, لم تعد رغبتي حارقة في الحصول على أي جواب.
- كيف هو الحال في العالم الاخر؟
- أين أهرب من تلك الغيابات المؤلمة؟
- خذ بيدي إلى النهر, خذني بعينيكَ. (إفادة, رغبة انتهاؤها مشكوك بأمره)
عند بداية الأمور نرى الوجود بعيون مشرقة, البؤس يأتي لاحقاً على هيئة صدمات لم تكن في حسباننا.
- أندم, يأكلني الذنب.
في قلبي زجاج يتهشم أسمع صوته فيُدمي عيناي و أرتجف خوفاً, نيازكٌ تتحطم, عوالمٌ تتهاوى, وعلى شرف هذه المناسبات أتكئ على طاولة نباتاتي بيد وبيدي الأخرى كأسٌ أرفعها نخباً لرخاوتك وزهوك بنفسك وجفاؤك الذي لا ينتهي.
- أصبح شوبان يبكيني.
لم يأتي في حسباني يوماً أن رقة الأشياء قد تملك السلطة كي تقسمنا نصفين عندما تشاء, نصفٌ يتحلل مع معطيات الزمن الذي بسط سلتطه علينا و اختار مكاننا وتصنيفاتنا, ونصفٌٌ يتآكل تدريجياً ويتحلل مع دخان السجائر أو ضباب المزارع.
إلا أن ما دار في اعتباري مال لإظهار نفسه بنفسه.
خطر لي أن أحدق في عينيك بتمعن, رأيت جزراً لن أطأ يابستها أبداً, رأيت مجرات تستغرق سنين ضوئية للوصول اليها أي جزء من عمر بشري كامل, رأيت هواءً يهبُ من جهة البحر, يقتلع أشجار الآمال والأحلام, وأعمدة ضوء كانت من الممكن أن تنير ظلام روحي الأزلي.
فقط عندها ترسخ يقيني بأن الحياة كلها عبارة عن استعارة لحقيقة غير موجودة, رفرفت بجناحي وبدأت بعدها بالتهيؤ لسفر الخروج, عندها بدأ جسدي بالاضمحلال إلى حد اللامرئي, ومقطوعة Nocturne OP.9 تصدح في الأفق.
-
ولاءطالبة علم اجتماع، مهتمة بعلوم الأحياء والفيزياء الكمية، أيضا بالأعمال الأدبية العربية عن طريق دمجها بالمسرح مع الأعمال الأوروبية.