ما رأيك لو أن تعيش في اللاشيء، وتتصرف كما لو كنت في أجازة طويلة، حصلت عليها بعد تخبطات عدة أيضاً في اللاشيء؟! أعلم إنها سخافة، لكنها مقنعة، حيث يمكن أن تعتنقها كحيلة لمسايرة الضغوطات والتكتلات النفسية التي تسحبك لأسفل كلما واجهتها بجدية.
ظاهرياً أنت تتفاعل مع عالمك بشكل طبيعي، أما في الباطن فروحك صماء، الإيماءات التي يصدرها وجهك أو جسدك تبدو أحياناً أنها خارجة من جسد آخر، وفي اللحظة التي ستدرك فيها مدى جمودك سوف تزداد حزناً، لأن شيئاً ما بداخلك يريد أن يصرخ، أن يفجر صمتك ولو لثوان، لكن أيا من هذا لن يحدث، حتى أصابع يدك ستصاب بالشلل إن حاولت التعبير بالكلمات، كما لو أن سكون العالم كله يقيم في أعماق نفسك.
ذات مرة كنت أشاهد فيلماً مع عائلتي، والفيلم لا يعجبني، في الواقع لم يكن من مفضلاتي، تابعته فقط لأنني لم أكن أعرف ماذا علي فعله! ولأنني مدركة لذلك الغباء، زدت من تعذيب نفسي، لماذا لا أقرأ شيئا أحبه؟ لماذا لا أكتب.. إلخ. كنت أدور وحسب حول نفسي دون أن أصل لشيء واضح، تشابكات عدة سقطت فيها، لم أخرج منها بنتيجة واحدة، لا التدوين استطعت إنهائه، ولا التواصل مع الأصدقاء قدرت عليه، حتى لحظة تركيز واحدة لم أستطع القبض عليها، سكون.. فكآبة.. فأرق.. فكافيين وهلم جرا...
وأثناء تلك الضجة عبرت فوق رأسي فكرة التدوين، عبرت كما لو كانت غيمة شاردة من شتاء غابر، تنفست بعدها براحة لم أعهدها منذ مدة، وقلت لها: ليكن!
واللاشيء لمن يحسبه منزلق خطر، فأنا أؤكد أنه ليس كذلك، حقيقة هو سبب تدويني هذا، فلحظاتنا وأيامنا التي نحسبها ضائعة هي ليست كذلك، سواء كنت تضحك فيها أو تبكي فأنت تتعلم شيئا، وها أنا تعلمتُ أن لا أزيد من إدراكي، أعيش وحسب دون تفكير، تماماً مثل فزاعة الحقل واقفة في شموخ، ناظرة صوب الأمام غير عابئة لشيء، بينما كل ما حولها يخاف الاقتراب منها!
-
Walaa Atallahكاتبة ومدونة مصرية.