بالأمس ، كان حقا علينا جميعا أن ننهار في لحظة واحدة ، أجيال تربت على أفكاره ، كتاباته التي كانت لنا الونيس في ليالٍ لم نجد فيها شخصا يفهمنا فكان هو بنور ضئيل امتد عمقه في قلوبنا حتى أصبح كشمسٍ صغيرة الكاتب الأوحد الذي استطاع بكل بساطة وسلاسة أن يحتل في أعماقنا مكاناً لم يستطع غيره الوصول إليه ، أن يكون الموت حياً إلى هذه الدرجة ، أن يتوزع الألم على كل خلية من خلايا الروح اعترافاً بهول الفقد ، كل ذلك القول كان يمكن أن أختصره في جملة واحدة "مات الدكتور أحمد خالد توفيق " ولكني لا أستطيع تصديق هذا أبدا ، أجلد ذاتي بقسوة ، كيف لم أره ؟! كيف لم أرَ ذلك الصديق الحميم ؟! ربما لأني لم أتوقع يوما فقده، كنت أظن أنه سيبقى خالداً كما هو خالد في نفوسنا إلى هذه اللحظة وما بعدها وما بعد بعدها ..
أبي العزيز،صديقي الصدوق الذي لم أره ، لم يفجعني شيء بقدر ما أفجعني رحيلك عنا ، صديقي الذي يسري في أفكاري ، صديقي العزيز الراسخ في قلبي ،كنت دوما صديقي وقت أن تخلى عني أشباه الأصدقاء ،عندما هربت من ظروفي وهمومي الى ذلك النفق المظلم ، وجدتك تقف عند آخر ذلك النفق بجوارك الجميل بقبحه المكتمل بنقصه ، رفيقي الدكتور رفعت إسماعيل ، تنظر لي في أبوة وينظر هو لي في لا مبالاة ، كدت أسمعك وأنت توصيه بي وتخبره عني "تلك صديقة جديدة " وسرت معك ومع رفعت إسماعيل ، سنوات وتقلبات وأنتما صديقاي ، حتى إذا نضج عقلي أسررت لي بسر يوتوبيا ، قلت لنا همسا "هذا الواقع ، هذا مستقبل مظلم فحاولوا أن تتجنبوه " رأيت في عينيك الكثير من الخوف ، الكثير من الشفقة والرثاء لحالنا ، وكأنك كنت تعلم يا صديقي أننا سنتوه في ممر الفئران ، وأن تلكم الجرذان الشرسة ستأكل لحومنا ، وتطحن عظامنا وتمتص نخاعنا ..
نحن أبناؤك نحفظ كل جملة حزينة تمتلئ بالشجن صدرت من قلبك الجميل ، كل جملة ساخرة عرفتنا حقيقة الواقع المرير ، نحن من بعدك نمتلئ بالمسؤولية التي لا نستطيع أن نجزم أننا سنتحملها ، ولكن الإرث العظيم الذي تركته لنا سيذكرني ويذكرنا جميعا بما يجب علينا أن نفعله وما يجب علينا أن نكونه وما يجب علينا أن نشعره ..
دكتور أحمد ،صديقي الصدوق ، صديقي الصدوق العزيز الجميل العظيم الذي لم أره ، سلام الله على روحك الطاهرة ، ولك منا صلوات لانهائية ، جعلك الله في أعلى الدرجات ..
صديقي الصدوق الذي لم أره ،يعز علي أن أقولها ، وداعا يا صديقي ، بل إلى لقاءٍ قريب .
-
آلاء عبد السلاميا قارئي لا ترج مني الهمس لا ترج الطرب .. هذا عذابي ، ضربة في الرمل طائشة وأخرى في السحب .. (محمود درويش)