فن الإقناع(1-4).. مفتاح الإقناع وشرطه. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

فن الإقناع(1-4).. مفتاح الإقناع وشرطه.

في سلسلة من المقالات قررت أن أقدم لكم أخوتي القراء خلاصة مقررين علميين عن أساليب الإقناع وطرقه.. أحدهما تقدمه جامعة واشنطن، والأخر تقدمه جامعة سنغافورة. بالإضافة إلى بعض الفوائد التي حصلتها من المشاهدات والقراءات المتنوعة، فالله أسأل السداد والتوفيق.

  نشر في 08 ديسمبر 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

هناك أمر قد شغلني لفترة من الزمن، وأحسبه يشغل الكثير أيضا. فكيف أقنع أحدهم بأمر ما؟ أنا أقرأ وأبحث، ثم أجدني غير قادر علي عرض أفكاري... قد أكون غير مستوعب لما أقرأ، ولهذا فأنا غير قادر على عرضه، هذا أمر بديهي معروف؛ فأنت لا تحسن العبارة عما لا تفهم، ولكن هل يُعقل أن يكون هذا هو الحال الدائم؟! بالطبع لا فأسلوب العرض أحيانا يكون أهم من المحتوي ذاته، فلكم أقنع المحرفين والكذبة عوام الناس بأفكارهم، ومحتواها فيه من الباطل ما فيه، إلا أنه كان لديهم طريقتهم الخاصة في الإقناع.

وعلى كل فقد أمعنت النظر في هذا الشأن، فتعلمت ونهلت منه ما استطعت، وأعلم بل أوقن بأنني لست بمفكر يسطر علما، ولا أرقي أن أكون كاتبًا لبعضه حتى، ولكن قلت انشر ما علمت؛ فثواب العلم نشره، وأنت باق ما دمت تتعلم، وما دام هناك من ينتفع بما تعلمت.

وفي سلسلة من المقالات قررت أن أقدم لكم أخوتي القراء خلاصة مقررين علميين عن أساليب الإقناع وطرقه... أحدهما تقدمه جامعة واشنطن، والأخر تقدمه جامعة سنغافورة. بالإضافة إلى بعض الفوائد التي حصلتها من المشاهدات والقراءات المتنوعة، فالله أسأل السداد والتوفيق.

مفتاح الإقناع


هل لك أن تتخيل أن نبي الله محمد، صلي الله عليه وسلم، كان يتحدث الإنجليزية؟! تخيل وكأن العرب جالسون في ناديهم، ثم يمر عليهم، عليه السلام، داعيًا إياهم بالإنجليزية! هل تعتقد أنه كان من الممكن أن يصدق أو يؤمن به أحد؟ بالطبع لا؛ فهم لن يفهمونه أصلا ولن يستوعبوا حديثه، فهؤلاء لا يفهمون إلا العربية بل والفصيح منها فقط.

هل تعلم أن معجزة عيسى، عليه السلام كانت الطب؛ فتجده يشفي المرضي، ويحسن معالجتهم بسهولة ويسر... لماذا؟ لأن عصره كان مشتهرًا بالطب، وكذلك موسي عليه السلام، كانت معجزته الأعمال الخارقة للطبيعة، حيث كانت مصر تشتهر بدواهيها من السحرة والمشعوذين في ذلك الزمان.

يقول الله تعالي " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ". إن دعوة الأنبياء دعوة تحتاج إلى عزم وجلد؛ فهم دعاة الأفكار العظيمة التي تزيل المعتقدات وتزلزلها، وتغيير المعتقدات يعد من أصعب أنواع عمليات الإقناع التي قد ينتهجها شخص ما... فما كانت وسيلة الرسل في ذلك؟ لقد كانت الحديث بنفس لغة وعالم أفكار القوم الذين بُعثوا فيهم، فرسول الإسلام كانت معجزته القرأن حيث الفصاحة والبيان، وكانت معجزة عيسى، عليه السلام، العلاج والشفاء حيث الطب والتمريض.

الأن أكون قد قدمت لأمر أساسي أري وجوب توافره في أي خطاب إقناعي وهو التكلم بنفس لغة وعالم أفكار المستمع لك؛ فهذا هو شرط القبول، ومفتاح الاقتناع بفكرتك من قبل مستمعيك؛ فإنك إن استهدفت قومًا بأسلوب ولغة لا يفهمونها، فلن يعيرونك انتباههم. وأولى النصائح التي كان لزامًا أن أبدأ بها مقالي هي كالاتي: كن وسط الناس، وصغ حديثك وأفكارك وفقًا لعالم أفكارهم، ولغتهم التي يفهمونها وسيقتنعون.

وقد يتساءل سائل الأن، وله الحق في ذلك، كيف إذن أقوم بفهم لغة وعالم أفكار من أحدث؟ وما الذي سيعود عليَ من ذلك؟ حسنا الأمر بسيط فكل ما عليك هو أن تطرح سؤالين إثنين، وفي الواقع هم مجموعة من الأسئلة وليسوا إثنين فقط، ولكن عزيزي القارئ أنت لا تريد حتمًا أن تصدع نفسك بالتحاليل الديموغرافية، والمعرفية، وتفهم نزعات المستمع ودراستها... أقول لك اختصارًا كل ما عليك هو أن تطرح السؤالين التاليين: من سأحدث؟ وما مدي معرفته عن فكرتي؟

إن الإجابة هنا مصيرية لأنها ستفرض عليك أمرين، أمر اللغة التي ستستخدمها، والوسيلة المتبعة في قولبة كلامك أو خطابك... فرسالة لصديقك المقرب تدعوه إلى إحدى وجبات عم عبده الملوثة، ليست كتلك التي ترسلها لمديرك في العمل، لأجل مصلحة ترغب فيها من وراءه لا حبًا فيه بالطبع، تدعوه إلى عشاء فاخر في إحدى المطاعم على النيل، فالأولي ستكون لغتها ركيكة وغير رسمية، وربما رسالة عامية عير الفيس بوك كفيلة بإقناعه، وهو سيفرح لا شك أصلاً. أما الثانية فهي بحاجة إلى لغة رسمية، منمقة مليئة بعبارات التمجيد والحمد الثناء، وبالطبع رسالة الفيس بوك هنا لن تكون الوسيلة لذلك، فلربما خطاب رسمي يكون هو الحل.

الإقناع... تعريفه، ومكوناته

عملية الإقناع هي عبارة عن خطاب يهدف إلى إقناع شخص، أو مجموعة من الناس، بضرورة انتهاج فكرة معينة، والإيمان بها وتأييدها... أي أنك تبذل قصارى الجهد، في عرض أفكارك في أسلوب سلس، وسهل جذاب لأجل أقناع الأخرين، وجذب انتباههم وأسر تأييدهم دونما ممارسة إجبار أو ضغط على أحد منهم، مع إبقاء مساحة واسعة وقوية للاعتراض والمقاومة.

وطالما تحدثت عن الإقناع تعريفًا، فيجدر بي أن أذكر أعمدته الرئيسية قبل ذكر مكوناته؛ فوفقا لأرسطو الحكيم تتكون عملية الإقناع من ثلاث أعمدة وهي القدرة على أن تبدو صادقًا أثناء حديثك (ethos) والقدرة على إثارة مشاعر المستمع إليك، وأسر عواطفه (pathos) والثالثة الأخيرة هي إيرادك للأدلة والحقائق بصورة سليمة ومنطقية (logos)، ويقوم على تلك الأعمدة أي خطاب إقناعي بمكوناته المختلفة التى تعرضها لكم الصورة التالية:

يبعث المتحدث برسالة مشفرة بلغة ما، والمستقبل يلغى هذا التشفير ويفكه، فيستلم الرسالة ويستمع إليها، بعد أن تكون قد وصلت إليه بالوسيلة التي حددها المتحدث، ونلاحظ أن الرسالة قد تتأثر ببعض الضوضاء، التي قد تشوش عليها، وتمنعها من الوصول إلى المستمع كاملة.

والتشفير هنا يعني اللغة التي تتحدث بها إلى المستمعين... المصطلحات، والعناوين، والكلمات المفتاحية لموضوعك... إلخ. وشرط زوال التشفير وفكه من قبل المستمعين هو أن تفهم عالم أفكارهم ومن ثم تخاطبهم بها، وهذه، والحمد لله، قد بينتها في مقدمة المقال.

أما عن باقي المكونات الأخرى فستكون موضوع مقالاتي القادمة إن شاء الله؛ فالرسالة نفسها تحتاج إلى قولبة محددة وفقًا للموقف الذي ستقال فيه؛ فكما أنه لكل مقام مقال، فلكل رسالة قالبها الخاص بها.

والضوضاء أسبابها كثيرة ومتشعبة؛ فأحيانا تخص الضوضاء الوسيلة وأحيانًا أخري تخص الرسالة، والثانية، أي تلك الضوضاء المتعلقة بالرسالة، هي الأهم؛ لأنها ترتبط بالمتحدث، ويكون أمرها في يده، وفي المجمل فأنا أقصد بها ضوضاء المغالطات المنطقية التي يقع فيها الكثير من المتحدثين من حيث لا دراية.

كما أن المتحدث ذاته ينبغي أن يكون جزلاً في أسلوبه بليغًا في بيانه، قوي الحجة واضح المنطق، وقادرا على إظهار صدقه، وإلهاب مشاعر الحضور من حوله... وتلك أعمدة الإقناع الرئيسية التي وضحها أرسطو من قبل.

بذلك أخوتي الكرام أكون قد وضعت شرط ومفتاح عملية الإقناع الرئيسي، وهو التكلم بنفس لغة وعالم أفكار من تخاطب. ثم أوردت بعد ذلك تعريفًا للإقناع نفسه، وبينت أعمدته الرئيسية. وفي النهاية قمت بكشف الستار عن خطة المقالات القادمة والتي سيلي فيها التفصيل المستفيض للخطاب الإقناعي ومكوناته إن شاء الله.

المصادر:

https://www.coursera.org/learn/persuasive-communication/home

https://www.coursera.org/learn/public-speaking/home/welcome 


  • 2

  • مصطفى صقر
    أعيش بمصر، وأعيش للإسلام ولأجلها. درست هندسة البترول والتعدين، وأدرس علم العقيدة بمعهد الآفاق، والجدل الإلحادي المعاصر عبر منصة صناعة المحاور.
   نشر في 08 ديسمبر 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا