منذ زمن قريب ..

لم تكن التكنولجيا و الحداثة اقتربت من ذروتها كما نعيش الآن  ، كانت وسائل الترفيه بين الاطفال قليلة و بسيطة للغاية لكنها كانت ممتعة علي رغم من قلتها كبعض الالعاب التي نعرفها جميعا و التجمعات العائلية فكانت حياة تلقائية في أنماطها و جميلة في بساطتها

و مما لا شك فيه أن رواية القصص و الحكايات للاطفال كانت من الاشياء التي ينتظرها الطفل و يطلب سماعها في مرحلة ما و عندما يزداد عنده الادراك يقرأها مسترجعا ً صور ذهنية رائعة تكونت من قبل أثناء سماعها ، خاصة قصص الانبياء حيث تكونت صورة ذهنية لكل قصة علي حدي

فارتبطت الصورة الذهنية لنا في قصة سيدنا يوسف بالجمال و الذئب و البئر و سيدنا موسي بالعصا و البحر و سيدنا ابراهيم بالنار و السكين الذي فقد خاصية الذبح امام ولده اسماعيل عليهم جميعا و علي نبينا الصلاة و السلام ، و أغلبنا الي الآن كلما رأي طائر الهدهد أول صورة ذهنية تحضر الي مخيلته هو هدهد سليمان

ذلك الهدهد الذي لاحظ قائد المخلوقات بأكملها نبي الله سليمان غيابه و هو يتفقد الطير علي الرغم من ضآلة حجم الهدهد بين باقي المخلوقات وكأن الراعي لا يترك صغيراً و لا كبيراً الا و يتاكد من حضوره فكل الرعية لهم حقوق و عليهم واجبات و حينما أدرك النبي سليمان غياب الهدهد أصدر العقوبة شرط ألا يأتي الهدهد بالدليل و البينة لاثبات براءته و أثناء حديث النبي انتقل القرآن الي مشهد تصويري رائع و هو قدوم الهدهد الي صرح المحكمة في حضرة حاكم و قاضي عادل ينتظر منه تفسير غيابه و الدفاع عن نفسه بكل مصداقية و شفافية

فالقاضي يسمع بكل رحب و سعة و يبدا الهدهد بالدفاع عن نفسه : أحطت بما لم تحط به و جئتك من سبأ بنبأ يقين

هدهد صغير يقول للحاكم جئتك بخبر لم تقدر أنت علي الاحاطة به و لم أكن في أمر تافه لقد كنت أقوم بعملي ارضاءاً لأمر ربي قبل أن يكون ارضاءاً لامر الحاكم

فما هو الامر العظيم ايها الهدهد الفصيح   ؟إني وجدت امراة تملكهم و أوتيت من كل شيء و لها عرش عظيم ، و جدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله و زين لهم الشيطان اعمالهم

و هنا تظهر غيرة الهدهد علي دينه و استنكاره لفعلهم هذا ، كيف لهم أن لا يسجدوا لله شكرا علي كل هذه النعم ؟!

اذن لقد قدم الهدهد الدليل  علي براءته ، فيقول الحاكم أو القاضي : سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين

و هل نبي الله سليمان الذي علمه الله كل شيء و سخر له كل المخلوقات تحت حكمه و طاعته كان لا يعرف مكان الهدهد ؟! المؤكد أنه كان يعلم كل ما فعله الهدهد منذ غيابه و ذهابه الي سبأ ، ولكنه كان يرسخ القوانين و الحكم العادل بين كافة المخلوقات ، فلو كان غير ذلك ما كان كلفه بمأمورية و استأمنه عليها لتكتمل براءته و لم يأمر باستمرار حبسه علي ذمة التحقيق ، فأنت أيها الهدهد الذي جئت بما لم يحط به الحاكم لابد أن تستكمل مهمتك ليكون هذا نجاحك و يِحسب لك وحدك ، اذهب بهذه الرسالة و ألقها اليهم و سافر الهدهد مرة أخري بكل حماس و شغف من فلسطين الي اليمن ليستكمل مهمته التي بدأها

و مع مرور الأحداث تظهر براءة الهدهد الصغير حجماً و الكبير مقاما و تتبع ملكة سبأ و قومها جميعا النبي سليمان و تُسلم وجهها لله رب العالمين ، ليُحقق الهدهد أعظم انتصار حققه طائر في التاريخ

فما هو شعور الهدهد بين الطيور و باقي المخلوقات بعد هذا الانتصار العظيم ؟

و كم كانت كمية الغيرة علي دينه عندما رأي أناس يسجدون  للشمس من دون لله ؟

و أي جرأة و شجاعة و بلاغة حين يقول للحاكم أحطت بما لم تحط به أيها الحاكم بأمر الله ؟

و السؤال الأخير و الأهم الذي جعلني أتذكر تلك القصة و أتأمل بطولة هذا الهدهد العظيم

ماذا لو كان هدهد سليمان يعيش بيننا الآن في هذا العالم يحلق في السماء و يري ما علي الأرض من فساد و ظلم و استبداد و انتهاك لمحارم الله في كل بلاد العالم ما الذي سيقوله فينا و عنا يوم القيامة ؟

مجرد تخيل بسيط فقد ولي زمن المعجزات و ان الله لا يغير  ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم  و في الختام .. 

علموا أولادكم قصص الأنبياء بدلا ًمن تعليمهم طول الوقت الجلوس علي ألعاب الهواتف و مشاهدة الكرتون و أشياء أتفه مما يكون فتتكون صورة ذهنية بداخلهم للاشيء في المستقبل

علموهم أن طائر أسلمت مملكة بين جناحيه ، علموهم أن الحاكم و المحكوم سواء كل منهم له حقوق و عليه واجبات ، و حقوق الحاكم واجبات المحكوم و حقوق المحكوم و اجبات الحاكم

علموهم فإن العلم نور .. فطوبي لأجيال اتخذت من عظماء غيروا مجري التاريخ قدوة لهم