19 أفريل:

خلال الفترة التي قطعنا فيها تلك الصحاري ، كان الجو شفافا غير أن صحيفة الأحوال الجوية كانت تشير الى أن الأمر ليس كذلك منذ أيام قلائل ،فغالبا ما تغمر الأفق تلك الألوان الرمادية القاتمة والباردة التي تنبىء بالثلوج ، لا أحد يتجرأ بنطق تلك الكلمة كون سقوط الثلج في السهل يشكل ظاهرة شبه مستحيلة خلال ذلك الموسم وفي تلك الأقطار ، ولذلك كم كانت دهشتنا كبيرة عندما استيقظنا يوم 19 أفريل لنجد خيمنا مكسورة بطبقة سميكة من الثلوج ورأينا أن الصحراء ابيضت بأكملها حتى حدود الأفق على غرار سهوب سيبيريا الجامدة.

كانت عدة صعوبات في انتضارنا في معسكرنا يوم 19، فالجنود يرتعشون من البرد والبعض منهم يرتجف الى حد اصدار قعقعة ناجمة عن عتادهم وأسلحتهم التي أصبحت أصابعهم غير قادرة على الإمساك بها ، وكم كان ضروريا اشعال نار من الصنوبر مثلما فعلنا في التل تعيد لهم حركات مفاصلهم وعضلاتهم، كم كان حساء ساخنا يلمع في أجسادنا حرا منعشا ،ولكن مع الأسف لا يوجد في المعسكر حتى ذلك النبات العادي في الصحراء أي الشيح الذي كانت جذوره الملتوية تمكننا من اشعال النيران ،لم نعثر سوى على الحلفاء أي أعشاب خضراء بللها الثلج و لم يتمكن الا الشاطرون من اشعال نار كان دخانها أكثر من نيرانها، استحال على الجنود طهي حسائهم ولكن الجنرال أمر بتوزيع كميات زائدة من القهوة والبسكويت ونشير أننا لم نتمكن أبدا من اشعال نار بالحلفاء المبللة.

20 أفريل :

منذ صدور أشغال لاري(Larrey) حول التراجع من روسيا والأشغال الحديثة للدكتور شريبمبطن(Shrimpton) بخصوص كارثة أبو طالب، أصبحنا نعرف ما ينتظرنا في ظروف مماثلة ، وفي مثل تلك الحالة، يتعين تبادل نفس الخدمات التي قام بها عالما الطبيعة أي بانكس (Banks) وسولندر(Solander) أو فورستر (Forster) لست أدري بالتأكيد اللذان كانا يرافقان كوك (Cook) خلال احدى رحلاته.

كانا هذان العالمان يقومان بزيارة للجبال ذات القمم الثلجية في الرأس الجنوبي لأراضي القطب الجنوبي ذات القمم الثلجية بينما كان البرد قارسا جدا.

فأثقل جفونهم نعاس خادع كان مصحوبا بهدوء تام وسكون كبير يدعو الى الاستسلام رغم كل تحذيرات العقل القلق من تلك الراحة الساحرة.

استلقى أحد العلماء قائلا أنه يريد النوم ولا شيء غير النوم ولو للحظة، فاستوجب الأمر على زميله اللجوء الى العنف لإجباره على مواصلة طريقه الذي كان سينقطع للأبد وليس للحظة فقط، وبعد فترة جاء دور العالم الأول ليتلقى التحذيرات من طرف صاحبه وهكذا دواليك الى أن انتهت الرحلة قصد تجنب جاذبية سبات الموت.

لم تجد نصائحي الملحة صدى لدى الجنود المجمدين حيث استوجب صوت الطبول والمزامير والاهتزازات من طرف زملائهم لكي يغادروا تلك الأراضي المثلجة ويقبلوا تخطي بعض الخطوات طوعا أو كراهية.

يتبع........