العـــالم كله محبـــطا .. وكأنما غيـــوما عابسا قد هبط علي سماء العـــالم .. كل شئ قد توقف ..

حينما كان ينتابني اليـــأس كنت أنظر إلي العـــالم الخارجي بقوته .. فأقول ..لا لم يزل الأمـــل...

ماذا إن كانت سمـــاء العـــالم من حولك كلها غائمة قاطبة إلي أين تذهب .. إلي أين تطمح .. ؟

فلتغلق دفاترك حينا من الوقت .. ولتغفو الأحـــلام قليلا ...

الآن.. أدرك العـــالم كله بأن القوة العالمية إنما هي قوة لكل الشعوب.. والضعف هزل عـــام ...كلنا جسد واحد...فرقته الأطمـــاع والكراهية ...

ليتنا نتعلم الدرس جيدا بأن لا شئ جديرا لأن نفتك ببعضنا .. كلنا زائلون حيال الحيـــاة...

وكيف لكائن مجهري حقير يفتك بالألوف هكذا ..

هؤلاء الألوف كادوا يفتكوا بآلاف أخري من جنسهم البشري ..هل الأمر مستحقا لكل هذا البغض والبعد وأن نكون ألما في حياة البعض...

منذ التحاقي بكلية الطـــب عام 2013 وأنا أنتظر انتهاء دراستي كي أمارس مهنتي كطبيبـــة..وفي 2020 أحسيت كأنما انفتحت أبواب العـــالم نحو تحقيق آمالي .. هنالك أري ألمـــانيا نموذجا راقيا في الطــب يمكنني أن أسير نحوه ..

الآن .. وأنا طبيبـــة امتياز .. أعمل بمستشفي جامعي في بيئة موبؤة .. لا ثمنا لي إن مرضت .. ولأول مرة ينتابني خوف عـــالمي كبير ويـــأس رهيب حيال تدهور بلاد من أفضل النماذج في الطـــب.. فكيف بنا إن فتك بنا الوبـــاء... ؟

جاء الكــورونا ..ليصفعنا جميعا كي نفيق ..

و جاء ليزيد حنيني و اشتياقي نحو المـــاضي ..و ليزيد كراهيتي مجددا نحو ليالي الشتاء الطــويلة..

فيذكرني بليالي العزلة التي فرضتها دراستي الطــويلة الممتدة عبر سنوات...

أمقت تلك الأجواء المغلقة .. الشوارع الكئيبة .. الليل الأسود الصــامت ...كأنما البشر من حولك في سبات عميق وأنت وحدك متيقظا...

والآن... لم يتبق سوي شهر واحد ويأتي رمضـــان..أنتظرك يا رمضـــان لأن تطيب خواطرنا .. بليالي التراويح وليالي التهجد العظيمة... رمضـــان..ذلك الشقاء الجميل ... واللانوم ..حيث الشوارع تعج بالناس.. والمشاعر كلها جميلة .. الليل المزدحم بضوضاء تبعث بقلوبنا أمـــانا...

يا لها من حيـــاة داخل الحيـــاة..وعـــالم سحري يزيل بداخلنا آلام العـــالم وتراكماته القبيحة ..

أمنيتي الوحيدة الآن أن يزول الغيــوم الأسود من فوق سماء العـــالم الحزين ..وأن يعيد إلينا رمضـــان بهجتنا ..

ربــاه.. لاتحرمنا تلك الأحاسيس التي ننتظرها من كل عام ..فالدمـــوع ليست كافية كي أعبر عن ألمـــي وحزنـــي ويأســي..يا الله لا تضيعنا...

بئس الحنيـــن يغتالنا مئات المرات..ولا يجد لنا حلا سوي البـــكاء ..البـــكاء علي كل اللحظات الجميلة التي تمسكنا بها و لم تتمسك بنا...اللحظات التي تعاد بداخلنا ألف مرة ولا تعـــود ...

و حتــــي إشعـــار آخـــر ... سنودع أحلامنا الجميلة التي لاطالما انتظرنا تحقيقها .. أبعدتنا الظـــروف كثيرا نحو أولي خطواتها ..ولكن .. لربما في العــمر عددا لم ينتهي قـــط..

ولربما سيصبح اليوم ذكري جميلة نرويها حينما نخطو فوق أرض اليــأس .. حينها سننظر إلي هذا كله وكأن لم يكن أبـــدا..

حتــــي إشعـــار آخـــر ..تقف الحياة .. لتبدأ مجددا و لنا موعد مع شروق الشمــس ونهاية الغـــيوم ...

و حتـــي تنتـــصر الشمــس في جوف الظـــلام..سننتـــظر..........

بقلمي: إيمـــان فـايد

طبيبـــة امتيـــاز.. جامعة طنطا

الإثنين: 23 مارس 2020