أعيادنا بين الصدق والزيف - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أعيادنا بين الصدق والزيف

  نشر في 03 مارس 2017 .

ما أكثر أعيادنا، ونحن نفتقر إلى أدنى مستويات التعامل بالحسنى، بالحب، بالوفاء، بالتضحية، بالصبر، بالعمل، ما أكثر أعيادنا ونحن نحتفل بعيد الأم ولا نوليها وجوهنا، إلا في عيدها المزعوم...لنقدم تلك الوردة، أو تلك البسمة التي لا تكاد تظهر، حتى تختفي من جديد إلى عيد قادم...

إننا اختصرنا كل أيام السنة في يوم واحد بما يسمى "عيد الأم"، وبقيت الأيام الأخرى تصول في حرمانها من أبسط حقوقها، وتجول في بعدنا عنها ونكران جميلها...

فيا ليتنا نفقه حقيقة "عيدها وتكون السنة كلها لها عيدا، بأدب الحديث معها، بعدم نكران جميلها، باحترامها، بالرفق بها، بالأخذ بيدها، لقد كانت في الأمس القريب هي التي تفعل هذا كله...

ما أكثر أعيادنا وبعد ايام قليلة نحتفل بعيد المرأة، واين هي هذه المرأة في وسط هذا المجتمع ؟ ونحن ناسين أو متناسين ما يتوجب علينا  نحوها ونحو  صلة أرحامنا، وكل ما يجمعنا من خير، والحرص على التزاور والتراحم والتكافل...

ما أكثر أعيادنا ونحن نحتفل بعيد الشجرة، ونحن لا نعرف قيمة البيئة ولا الشجرة، إلا عندما يحين عيدها، ويا ليتنا أدينا واجبنا نحو هذه الأرض الطيبة ..ورفعنا عنها ما ناءت به من قاذورات، آذت العيون وأزكمت أنوف الجميع...

ما أكثر أعيادنا هذه الأيام حتى أننا ابتدعنا للحب عيدا، ويا ليتنا كنا نعرف ما تعني كلمة حب التي إن أطلقت على الكون كله جعلته يشع عملا وأملا، ونهوضا معرفيا فيه خير للبلاد والعباد، في مكل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية...

تحضرني قصتان عظيمتا الدلالة في مغزاهما، أما أولاهما فترتكز على ما رواه الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله – عن معاملة أمه له وحرصها على تربيته وتعليمه، فها هو يقول: "كنا نعيش في بغداد، وكان والدي قد توفي، وكنت أعيش مع أمي، فإذا كان قبل الفجر أيقظتني أمي، و سخنّت لي الماء، ثم توضأت، و جلسنا نصلي حتى يؤذن إلى صلاة الفجر، و عند الأذان تصحبني إلى المسجد، و تنتظرني حتى تنقضي الصلاة، لأن الأسواق تكون حينئذ مظلمة، ثم نعود إلى البيت بعد أداء الصلاة..."

ولقد أشار في روايته هذه إلى أن عمره كان حينها في حدود العاشرة، فانظري أختاه إلى حرصها على أن يتعود ابنها حضور صلاة الجماعة، وأن يعتاد على حضور صلاة الفجر في هذه السن المبكرة.

وعندما شب أرسلته هذه الأم الصالحة لطلب العلم، حتى أصبح عالما عاملا بل غدا من أجل علماء عصره، ترجع إليه الأمة الإسلامية فيما التبس عليها من أمور دينها لعلمها بورعه واطمئنانها لعلمه.

أما القصة الثانية، فهي لشاب حكمت عليه إحدى المحاكم الشرعية بعقوبة القطع، فلما جاء وقت تنفيذ العقوبة، قال هذا الشاب بأعلى صوته، انتظروا فلا تقطعوا يدي، بل اقطعوا لسان أمي، فقد سرقت أول مرة في حياتي بيضة من جيراننا فلم تؤنبني أمي، ولم تطلب مني إرجاعها إلى الجيران، بل زغردت وقالت: الحمد لله: لقد أصبح ابني رجلا، فلولا لسان أمي الذي زغرد للجريمة، لما صرت في المجتمع سارقا... وهذه بحق مأساة...

قارنوا بين أم أحمد بن حنبل، وبين أم هذا المتورط في السرقة، ولنوازن بينهما بحيادية تامة، وسيتبين لنا أنه من الطبيعي أن يستقيم أحمد بن حنبل، ويوفق وينبغ، وأن الشاب الآخر كان من المنطقي تماما، أن يزيغ وينحرف ويضل، لأن الإمام أحمد بن حنبل نشأ في ظل أم كانت له قدوة صالحة في التقى والصلاح، بينما الشاب الثاني نشأ في ظل أم كانت له قدوة سيئة.

وهكذا يتبين لنا أن مصير أبنائنا، يتوقف على ما نقدمه لهم من قدوة، في هذا الاتجاه أو ذاك، فلنحرص على أن نكون لهم أسوة حسنة، فهم ثمرات اليوم، وأمل المستقبل، ولكي يكونوا لنا قرة أعين، ونجني الخير منهم، ويكونوا نافعين لأُمّتهم، علينا أن لا نبخل عليهم بالتربية الصالحة، و أن نعينهم بالتزام دعاء عباد الرحمن...في سورة الفرقان؛ حيث يقول سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.

فهكذا لا بد أن نربي أبناءنا على هاته الفضائل، ودائما نكون بجانبهم لنوضح لهم الغث من السمين، حتى يتبين أبناءنا أعيادهم الحقة وأعيادهم المزيفة...


  • 3

  • أمال السائحي
    لقد صدق من قال "ان القلم أمانة" لنحيي به الفضائل، ونميت به الرذائل، ونغرس مبادئ الحق، والخير، والجمال...
   نشر في 03 مارس 2017 .

التعليقات

عمرو يسري منذ 7 سنة
رائع .
أصبحت أشعر أن أعياد المرأة و الأم و اليتيم هذه إخترعناها نتيجة إحساسنا بالذنب تجاه هؤلاء الأشخاص , و كأننا بهذا اليوم نكفّر عن أخطائنا بحقهم .
1
أمال السائحي
شكرا لكم استاذ عمرو يسري هذا من ناحية ...ومن جهة أخرى الفراغ الذي لا بد ان يملأ ...اما نفعا او ضارا.. والتقليد الأعمى في كل شيئ ....شكرا لكم

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا