فصل السلطات والدولة المستحيلة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

فصل السلطات والدولة المستحيلة

  نشر في 17 يناير 2016 .

انطلق الكاتب فى (الدولة المستحيلة) مستفيضاً فى نقض الحداثة وقيم ومؤسسات الدولة الحديثة ؛موضحاً اوهامها التى صدرتها للبشرية بانها الخلاص الوحيد لقيام عدالة ونظام ديمقراطى نموذجى لكل شعوب الارض! ضاربين عرض الحائط بكل اختلافات وتنوع الشعوب والامم تاريخياً وسياسياً واجتماعياً ودينياً ؛واعتبروا التنظير للدولة الحديثة نموذج مُعلّب يصلح لكل مكان بدون تقديم رؤية عملية تطبيقية لمدا نجاحه ومثاليته لمكان آخر بعيدا عن امريكا واوروبا ؛فضلاً عن مدا حقيقة نجاحه لدى تلك الامم الغربية نفسها..

وقد وضح ان من ابرز تلك المشكلات لدى نموذج الدولة الحديثة باهم معاقلها الولايات المتحدة مبدأ الفصل الحقيقى بين السلطات كما هو مأمول لاى نظام ديمقراطى حقيقى وكما هى الميزة الاهم لتأسيس الدولة الحديثة ؛حيث ان مبدأ (الفصل بين السلطات ) لم يطبق واقعياً لدى الدول التى أنشأته حتى يومنا هذا ؛والاهم انه غير قابل للتطبيق الحقيقى طالما استمرت معضلات التداخل والهيمنة الاقتصادية بين الحكم التنفيذى والتشريعى والقضائى بل استمرار آاليات منافية له تمارسها الحكومات بالسر والعلن !

وامضى د حلاق فى كتابه مستشهداً بنخبة من اهم فلاسفة ومفكرين الغرب ليؤكدوا بان فكرة الفصل بين السلطات ماهى الاّ خيال نظرى لم يجد آاليات واقعية ولم يطبق بشكل صارم على ارض الواقع ومن ذلك قول

Mogen Hansen (يقوم مبدأ الفصل بين السلطات الخالص على اساس وجود ثلاث وظائف للحكومة ؛وضع القوانين وتنفيذها وتفسيرها ويرتبط كل

فرع بوظيفة من هذة الوظائف ؛فالقوانين تضعها المجالس التشريعية وتطبقها السطة التنفيذية ويفسرها القضاء..هذا المبدأ قد شوهته الاستثناءات الى درجة انه اصبح من الضرورى اعتباره قطعة خردة!)

وفى نفس سياق النقض لعدم تطبيق الفصل بين السلطات فى الدولة الحديثة يؤكد

Gary Lawson التداخل التام بين السلطات الثلاث فى نظام الولايات المتحدة لدرجة ان ماسمي لديهم بالاصلاح الدستورى على يد روزفلت ماهو الاّ

تدمير للفصل بين السلطات ويُعد جوهرة التاج فى ما سمي الثورة الادارية الحديثة لديهم!

حيث ان الهيئات الادارية بامريكا (مثال الدولة الحديثة الديمقراطية الاكبر) تجمع بصورة اعتيادية بين الوظائف الحكومية الثلاث فى المؤسسة نفسها ؛بل حتى فى الاشخاص انفسهم داخل تلك المؤسسة.

وهذا ما نشاهده فى جمع حزب واحد بين المجالس التشريعية والرئاسة والحكومة بالولايات المتحدة وهذا دائم الحدوث ويشمل ذلك قرارات الرئيس وتداخل قوانينه مع قوانين الكونجرس ووصاية البنتاجون على المجالس التشريعية والجمع بين الاغلبية الرقابية بمجلس الشيوخ والسلطة التنفيذية الخ ذك الخلط الكبير والذى لايوجد له آاليات واقعية لفصله واستقلاليته عن بعضه البعض..

_وبما اننا فى العالم العربي نفتقر لفهم النموذج الذى نحن عليه كدول من الاساس ؛ومعتقدين فى نخبتنا وايدلوجياتنا ان استمرارية استيراد النموذج الحداثى فى الحكم هو (الاملة)؛ وانه لا بديل عن استمرارية تلك الدول الوطنية المهترئة على ماهى عليه كمؤسسات مابعد دول الاحتلال المستوردة لنماذج مشوهة من الدول الغربية القومية والحديثة ؛متناسين هذا الانقطاع التاريخ والاجتماعى والسياسى بين شكل دولنا ومنتوج نظمنا وبين حقيقتنا وديننا وواقع مشكلاتنا ؛يأتى الينا هذا الكتاب وكُثر من المفكرين الغربيين ليؤكدوا لنا مدا مشكلات الدولة الحديثة نفسها كبنية ومؤسسات وقيم فى اهم معاقلها التى خلقت من اجلها؛فمابالكم باستيراد ذلك النموذج فى الحكم لدولكم انتم بكل تفاصيلها المختلفة جذريا؟!

اذاً نحن امام نقض عميق للحداثة والدولة هناك ؛فى نفس الوقت الذى نفتقد فيه لانتاج مشروع مستقل يخص معالجة مشاكلنا وفقاً لتاريخنا وثقافتنا ومجتمعنا وديننا ؛والاهم ان يكون مشروع يصلح للحكم حسب مقاصد العدل والحرية والتقدم وفى نفس الوقت يكون مشروع قابل للتطبيق العملى ويخص بيئتنا وجذورنا بابداع حقيقى وعدم استسهال وتركيب لاجزاء متغربة على قطعة خردة بالية تسمى دولة كذباً.

_حتماً لا يعنى ان مبدأ الفصل بين السلطات يتم الاستغناء عنه بل كل مايشغل العالم هو كيفية تطبيقه لاصلاح العوار الحادث فى الدول الحديثة نفسها اما بالنسبة لنا فنحن نحتاج لخلقه اولاً فبمشروعنا الخاص بحكم ونُظم مؤسسات دولنا البعيدة عن تطبيق اى مبدأ يضمن استقلالية لاى مؤسسة تعلى مصالح الشعوب من الاساس..

وقطعاً سيرد علينا من يقول بان الدول الحديثة التى تشغلوا بالكم بنقض وانتقاد قيمها الزائفة ومؤسساستها الناقصة الغير مستقلة هى احسن مليون مرة من واقعنا العربي والاسلامى ولذلك نريد ان نصبح مثلهم ولايهم مشكلات نموذجهم الان!

وللاجابة عن وجهة النظر تلك يلزمنا توضيح الامر فى نقاط محددة ..

اولا_ نحن ننتقض ونرفض ذلك النموذج ليس لكون مشكلاته الجوهرية اقل من مشكلاتنا الكارثية بل لكونه مشروع الحداثة ودولها نفسها لا تصلح لتركيبها على دول غير امريكا واوربا تختلف فى الثقافة والتاريخ والتشريع اختلافا جذريا وبالتالى استيراد نموذجهم جزء من المشكلة وليس حل لواقعنا المتدهور.

ثانيا_ ان نقض الدول الحديثة ومشروعهم الحداثى وفلسفتهم المادية وقيمهم الاخلاقية وكذبة ديمقراطيتهم الزائفة وعدم صلاحية فكرهم الاجتماعى والدينى والاقتصادى لنا ؛لايعنى ذلك باى حال ان البديل هو استمرارية دولنا الخربة ذات النموذج (الحلزونى الفاشل) دون بديل ؛ولكن البديل هو مشروع جديد ينبع من واقعنا ومشكلاتنا وتاريخنا وديننا نحن لا منتوج امم غيرنا ؛فضلاً عن اننا من الضلال ان نسمى نًظم الحكم لدينا وشكل مجتمعاتنا بانها دول من الاساس او انها لها ارضية تصلح للبناء داخل بنيتها!

ثالثاً- بناء على النقطتين السابقتين فان الحضارات جميعها بمافيها الغربية قد اخذت الصالح من ماقبلها وبعض المبادىء والحقائق التى تخص العلوم او القيم الانسانية المشتركة لكن هذا لا يتماشى مع اخذ نموذج كامل ومحاولة تطبيقه؛ كزرع كبد غريب غير صالح فى جسد انسان ومحاولة اجباره على قبوله وتشغيل وظائفه بذلك العضو الغريب الذى لفظه وبه سيموت..

وبعد ان اوضحنا الرد على من يبرر الاستيراد للفسلفات ونماذج الحكم نعود لمبدأ الفصل بين السلطات كقيمة واجبة لاى مجتمع يريد التقدم والعدالة وحكم الشعب لنفسه بشفافية اكثر واقعية واستقلالية ؛فبمقارنة ذلك فى الحكم الاسلامى الذى قصده حلاق كموازى لحكم الدول الحديثة واوضح انه يستلهم فى ذلك المشروع الجديد تجربة المسلمين التشريعية والتنظيمية والفلسفية خلال اكثر من 12قرن الاوائل فى التاريخ الاسلامى والذين انقطعوا فى شكل الدول الحالية ومشاريع نخبتها السياسية والقانونية منذ الاحتلال ودوله وقيام الدول المستحدثة فى سياق التغريب منذ اكثر من قرنين من الزمان..؛فان الكاتب اكد فى ذلك الفصل (بان القانون لايعمل فى فراغ تاريخي ؛ولايوجد مستقلاً عن الصراعات الايدلوجية فى المجتمع ) وهذة الصراعات تحديدا وتحولها لمجتمع سياسى هى التى خلقت السيادة الحديثة وقانونها وهذا هو المحور الجوهرى فى اطروحة (هوبز شميت) ؛ولذلك يعد القانون بنيويا ؛بمعنى انه جزء اساسى من سياق سياسى او سع ؛وشكل تاريخى محدد ؛لذلك لايصلح للتصدير لواقع آخر وبنية اخرى وايدلوجيات اخرى فمابالكم بعاقائد وواقع تشريعى آخر؟!

فى نهاية الامر نحن كامة اسلامية نفتقر لاجتهادات حقيقية تقدم مشروع متكامل سياسى وتشريعى وثقافى واخلاقي يبنى على التراث الاسلامى الاصيل ويجدد ويجتهد وفقاً لمشكلات واقعنا ومجتمعاتنا وتعقيدات شكل الامم التى نحن نمثلها ولم نقدم لهم حقيقةً منهج يمثلهم ويشبه دولهم ويُعرف لنا مفاهيم كثيرة تحتاج لاعادة تفسير وانهاء تلك الفوضى ؛ذلك من الناحية الداخلية ؛ومشكلة نخبتنا السياسية والفكرية العقيمة التى اما تستورد من الغرب نماذج لاتصلح كما فسرنا ؛واما تكتفى بشعارات اسلامية جوفاء مبتورة الصلة الجوهرية بتراث ال12قرن الاوائل من تاريخ حضارتنا و متماهية مع دول مابعد الاستعمار الحالية ومستعدة للحكم من داخلها وفى ظلها بترقيع لذلك الثوب المدنس والبالى ..

اما المشكلة من الناحية الخارجية فهى عدم سماح الغرب الحداثى الامبريالى ببزوغ فجر اى بديل حضارى ينافسه او يحل محله او يتصدا للعولمة السياسية والراسمالية المتوحشة وفلسفة القوة المادية التى يعتنقها ويستنزف بها اهل الارض..

ومازال الامل الحقيقى فى تقديم مشروع جديد لنموذج حكم اسلامى يتصدا لكل ماقولناه لكي لاتظل قيام تلك الدولة المأمولة كطائر العنقاء الخيالى مستحيل التحقق!


  • 5

   نشر في 17 يناير 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا