تساؤلات إنانا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تساؤلات إنانا

  نشر في 28 ديسمبر 2018 .

إلى الحبرِ الذي دوّنا فيه أسماء مَنْ رَحلوا

تساؤلات إنانا

الخروج عن النص ..

يا إلهي ما الغايةُ من خَلْقِ الإنسانِ، في غرفةٍ ظلماء،

الأبواب موصدةٌ بأقفلة، تآكلت من أثر الصدأ،

وحتى النوافذُ انغلقت في قفاه.

والجدرانُ تتفطَّرُ من أنين صداه.

وهو يرددُ كالمجنونِ ظنَّ لهُ مأوى وأهل

"چل چل عليَّ الرمان نومي فزع لي

هذا الحلو ما أريده ودوني لأهلي"....

يسقطُ الكأس الزجاجي من يدِ الدكتاتور،

وكأنهُ زلزالٌ في مدينة قديمة هَرِمَت جدرانها،

يفز من تقلباتهِ بعد نومٍ عميق،

نُمْتَ طويلًا يا رفيق،

نمت طويلا...

قد قطفوا جَسَدَكَ، رُوحَك، نَخْلَكَ وأَرضَك،

وأصبحتَ للعابرين

جسرًا ثقيلا،

نمت طويلا..

وأخذتَ تجوب الشوارعَ باحثًا عن ظلكَ الممتد،

هنا يتشابه الأحياءُ بالأموات،

لا فرقَ بَينهم ولا جدارَ يفصلهم،

كلهم يتساءلون،

أين رسائلنا فوق هذا الجدار؟

وأين الجدار؟

ولماذا تجمّدَت المُفْرداتُ هكذا؟!

إنهُ امتزاج الحبرِ بالدمِ والحبِّ والصراخ والدموع

والغياب والأنين...

فعذرًا أيها الرب،

هذه الجدران يَستحب الطَّوافُ حَولها كلَّ يوم.

يُردِّدُ النُّعاسُ في عيونِ الغائبينَ

إلى أين ذاهبين؟

يصرخُ وراءهم وكأنهُ تعلقت في وجههِ كل أسفار

الزَّمان الرَّتيب..

فَيجيبوهُ

__ إلى الجبهةِ يارفيق..

__لماذا وماذا فعلت لكم الحروب منذُ آلاف السنين؟

افتحوا كلَّ النوافذِ،

إنها بسمةَ الجدار يارِفاق فلا تغلقوها،

واجلسوا هنا فوقَ هذا الركام،

قبلوا كلَّ ذرات التُّرابِ قبلَ الرحيل

وخُذُوا أشياءَكُمُ الجَمِيلةَ من هنا، فَلَمْ يبقَ هنا إلا قليل،

واحتسوا قليلًا من الخمرِ الأسود بهدوء.

ها هي طائراتُ الأصدقاء تَقترب، ستأتي لتشربَ دَمنُا بهدوء،

فلماذا تعذبونهم بالبحثِ عنا؟

فليأخذونا قربانًا للرب،

هدية للإله، يَهبون دماءً ليدخلوا في رحمته

آه ياربي!

يا رفيقي!

لماذا خلقتَ لي فمًا مادمت تَعرفُني ثقيلة في اللاشيء؟!

ينهكني مرض الخيال الصَّعْب..

دعَ هذا الكونُ الذاعرُ خارجَ نافذتي

ولا تُحدَّق في عيني لكي لا

ترصدُ نقطةَ الضعفِ الأخيرة،

وتعصفُ فينا الغيوم العاثرة،

فلا مفرَّ من هذهِ السَّماء،

أمشي حتى آخرِ شُجَيْرَةِ ظِلٍّ

وأسألها

عَمّنْ يُعِدُّونَ العَشَاء،

فنحنُ وَجبةُ الغد،

هيا تهيأ،

بخطبةٍ واحدةٍ تعلنُ أسماءنا قتلى،

بخطبةٍ واحدةٍ نذوبُ ونختفي

كطينٍ غارقٍ في مياه.

آه

ثم آه،

لو أعرفُ ماذا تَفعل خطب الرَّماد لصاحبها،

حتى الشعب يصدقه،

وماذا فعل الله حتى يتدنى منه اللص ويسرقه؟

وماذا فعل الحلاجِ حتى ينقلبُ

الزمان فيهِ ويشنقه؟

حسنًا حسنًا ..

لنْ أُخالِفْ،

وسأمشي مع كلِّ الحفاةِ حتَّى آخرِ هذا النَّفقِ

أعبرُ بجانبِ حُرَّاس بلادي،

وأنظرُ لهم بِطَرفِ عَيْنِي

وأتَذَكَّر

كلَّ من ماتوا هنا

وكلَّ مَنْ سيموتون غدًا

قَبَّلوني، عانَقُوني وأوصُونِي بأنْ

أكونَ وَسطَ الذُّبابِ رصاصةً،

علَّموني، خاطبوني أوصُونبي بأنْ

أكونَ للوجَعِ المُغَمَّسِ قاصة.

وهذهِ اللَّيلةُ يا "تموز" لمْ تَكُنْ مظلمة بل أضاءَتْهَا

أعيادُ البارودِ، يُخبِّؤنا المذيع في الجيبِ الصَّغيرِ منْ مِعْطَفِهِ،

ثم يَشْنُقُنَا خَلْفَ ابتسامتهِ، وهو يَعُدُّنا أرقاماً نتساقطُ مِنْ شَفَتَيْهِ.

نمتُ طويلاً...

كي أصدقُ أن هذا التاريخ وهمٌ عابر،

لولا

صوتُ شهقةِ الضحْك مِنَ الموتى

وهم يسخرون من عَقائدهم القديمة،

أين كنتم إذَن؟

لم يكنْ الضَّوء كافيًا

أمام الوَهْمِ المُقدّس،

آهٍ من ظلامٍ أعمقَ مِنْ ثيابِ المُسْتَجْدِيْنَ،

أهذا جَسَدُكَ يا برتولت؟

أفنيتَ عُمركَ تجرُّ نشيدكَ الدَّامي في ممرَّاتِ الرَّمادِ،

وتُعلِّقُهُ على جُدرَانِ المَنَازِلِ.

أهذه دماؤكَ؟

اكتب بها اليوم من جديد

ما تشاء، فأنتَ حرٌّ

أمام ضبابِ الأمس.

يُطاردنا خيالنا الممتد، نبحثُ عن أعمدة السَّماءِ،

نُزَحْزِحُهَا قليلاً

لتكفي أجساد أطفالنا،

وتطاردنا حُدودُ القصفْ...

ربّاه، إن كنتَ تريدُ بلادًا فخُذها

لا بأس،

نحنُ نُصدّرُ

بترولاً، بلدانًا، لحمًا بشريًّا...

ربّاه!

هل تبصرنا

أننا ننام في حضنِ الماكنةِ، مُبتسمين بِوجهكَ،

كذباً نهتفُ للحُرِّيَّة، ما ذنبُ الحُريَّةِ تُشْنَقُ عند الحاء؟!

ربّاه!

لكَ السَّماء و الهواءُ

والأيامُ والأنعام

والنَّاس والرصاص

والصَّلوات و الدَّعوات

كلُّها تسألك متى

نخلصُ من الأصنام البشريَّة؟

يا بلادي

متى نَخلصُ مِنَ الراياتِ التي لا تُجَففُ دَمْعك؟

ومتى نَخلصُ مِنَ الأسماءِ التي تَنْثرُ دَمَك؟

أراك وحيدًا، أراك..

حينَ تَكثرُ الخطابات حَولك.

والآن..

الآنَ نمتَ مندهشًا في حضنِ الطَّبيعة يا " تموز"،

بماذا حَلُمتَ؟

هل سمعتَ نشيدَ بلادنا؟

هل رأيتَ صورة إنانا على الجدارِ؟

أم تشظَّتْ بها الحربُ؟،

هل سحبْتَ وراءكَ حفنةَ القمحِ؟

هيا أزرعها هنا، غداً تكبُرُ وتُدْهِشُ المدنَ الجديدةَ،

فَكُلُّ حبَّةٍ منها ستصرخُ:

إنَّا عراقيَّان في الأرقِ

عراقيَّان في القلقِ،

عراقيَّان في واحةِ الظِّلِّ الأخيرِ

يندهشُ الشَّوقُ في الأَلَقِ.



  • سرى كريم
    الكتابة هي الحيزُ الذي أرمي فيه ذاكرتي لا أنتمي لأحد سوى ذاتي و فكرتي و مسؤولة عن كل ما أقول .
   نشر في 28 ديسمبر 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا