الصفعة..! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الصفعة..!

لم تخسر إسرائيل منذ تاريخ إعلانها كما خسرت خلال الأشهر الستة الأخيرة.. ولم يحدث إنكسار نفسي وهزيمة معنوية لرعايا الصهاينة في الأرض المحتلة وعساكر جيش الإحتلال كهذا الذي يعيشونه الأن..!

  نشر في 19 أبريل 2024  وآخر تعديل بتاريخ 19 أبريل 2024 .


الصفعة..!

بقلم/ محمد أحمد فؤاد

هذا الحديث ليس متأخراً.. لكنه ضروري لتوثيق واقع يحرص الكثيرون على طمس ملامحه وإخفاء بشاعة نتائجه، التي لا يمكن تفسيرها بعيداً عن سياق مسلسل جرائم مستمر منذ بداية الإحتلال الصهيوني لأرض فلسطين 1948، وما تبعه من خيانات وتنازلات وإخفاقات من حكام العرب أصحاب الأرض والقضية والحلم.. هي مجرد سطور أتمنى أن تحقق الهدف منها، وهو إظهار عورات كل مجرم أو متخاذل أو أفاق.. أو متاجر بالدم في مقابل سلطة أو مال أو مجد زائف...

إستفاق سكان أرض فلسطين المحتلة صباح السبت 7 أكتوبر 2023 على مشاهد غير مألوفة، وكأنها مقاطع خارقة للعادة، كان الإحباط العام يسود، وربما سئمت النفوس التمسك بالأمل في الخلاص، أو حلم التحرر واسترداد الكرامة.. وفي المقابل، كانت صدمة رعايا كيان الإحتلال داخل المستوطنات والقرى المحتلة أكبر من قدرتهم جميعاً على الإستيعاب والتحمل.. لم يكن أكثر هؤلاء تشاؤماً يتخيل أن يدخل رجال المقاومة الفلسطينية بكل أريحية إلى مخادعهم، في غفلة من صافرات إنذار، وقباب حديدية، وعشرات الإرتكازات الأمنية، والتحصينات وجحافل رجال الإستخبارات وشبكات التفتيش والمراقبة على الإتصالات بأنواعها كافة..

السماء فجأة صارت تمطر رعباً رهيباً يستعصي على العاقل فهم أبعاده، وزاد الطين بلة، هذا الإرتباك الشديد الذي دب في صفوف عصابة حكام صهيون، بداية من رئيس الكيان ورئيس حكومته، مروراً بكافة أعضاء الكنيست، والوزارات، خصوصاً الوزارات والمؤسسات المعنية بالشق الأمني. حتى الدول المساندة والداعمة لكيان الإحتلال، تخبطت بياناتها الأولية من هول الصدمة، ولم يخرج عنها أي تصريح رسمي دقيق يستطيع رصد ما يحدث إلا بعد عدة ساعات إستطاعت خلالها كتائب المقاومة الفلسطينية فتح ثغرات في الجدار العازل، وإتمام المهام المسندة لها، ثم العودة لمواقعها داخل قطاع غزة بسهولة مذهلة، وبهامش خسائر يكاد لا يُذكر. الأمر الذي خلف مجموعة من الصدمات في الداخل الإسرائيلي على المستوى الشعبي والرسمي.. وجعل من الهلع سيداً للموقف حتى الساعات الأولى من ليلة السبت...

لا عجب فيما إنتاب الإسرائيليون ممن يستوطنون الأرض المحتلة من ذعر بعد هذا الحدث غير المسبوق، ولا عجب أيضاً أن يتداول أبناء الشعب الفلسطيني المغبون همسات ومشاعر السعادة والإرتياح، وأن يرى أغلب سكان فلسطين في هذا المشهد بادرة أمل في التحرر من ظلم الإحتلال، وحصار إستمر ومازال لأكثر من 75 عام من القهر وغياب العدالة..

ثبت أن الصهاينة لا يجيدون الدفاع عن أنفسهم أمام مجموعات المقاومة محدودة الإمكانيات، هذا بالرغم من إمتلاكهم لترسانة من الأسلحة الهجومية والدفاعية المتطورة تُعد الأقوى في المنطقة، وكذا تدفق العتاد والذخائر والدعم المالي واللوجيستي غير المشروط من الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الإتحاد الأوروبي الداعمة والمؤيدة. الأمر لم يكن يتعلق بإمتلاك تلك الروح فقط، لكنه كشف عن ثغرات مذهلة، وأظهر الأعطاب الشديدة في التركيبة النفسية للعسكري الإسرائيلي، وإزدواجية مفهوم الحرب لديه بين دفاع عن النفس أو دفاع عن وطن مشكوك في شرعيته.. لكنهم جميعاً بارعون في الشكوى والعويل، وهم أول من يبادر بالصراخ، والتظاهر بالذلة والمسكنة، وليس الأمر غريباً، فقد فعلوا هذا على مر العصور، وبالأخص خلال العصور الوسطى، حينما لفظهم الغرب ونكل بهم القياصرة في روسيا، وحين طاردهم أصحاب الثورة التنويرية، وصبوا جام سخطهم على القوالب الدينية الجامدة وأسلوب حياة التطرف داخل مستوطنات مغلقة على شاكلة "الجيتو والشتتل"، وعلى رجال الدين الذين سيطروا على العقول والثروات وساندوا الإقطاع واستبداد الحكام على حساب رعاياهم، إلى أن آل بهم القدر إلى الشرق حيث تنفسوا الحرية، ربما للمرة الأولى خلال تاريخهم بعد عقود طويلة من الشتات والتشرد الإختياري..

حسب آراء خبراء عسكريين ، ما استطاعت كتائب المقاومة الفلسطينية تحقيقه حتى الأن، لم يكن ليحدث دون وجود مستوى مرتفع جداً من الروح المعنوية العالية، والتخطيط المدروس المصاحب للتدريبات العسكرية، وكذلك قدرات استثنائية على التحلي بالسرية والكتمان لتحقيق عنصر المفاجأة.. وأيضاً لم يكن ليتحقق دون رصد دقيق للتراخي الملحوظ على جانب جيش الإحتلال وقياداته، والمسؤولين داخل المؤسسات الأمنية لكيان الإحتلال، تلك التي ربما أصابها من الغرور ما أدى لإنصرافها لأمور شخصية تفوق الإهتمام بأمن وسلامة رعاياهم. بالطبع، خرجت عشرات الروايات وتم تداول مئات الوثائق والمقاطع، أغلبها مع الأسف تمت فبركته على عجالة من قبل اللجان الإلكترونية الخاصة بطرفي الصراع الأساسيين، وأيضاً أطراف الدعم والتأييد من الجانب الفلسطيني أو جانب كيان الإحتلال الصهيوني، كما تعالت أيضاً أصوات مريضة تطالب بسحق المقاومة، وتصفية سكان القطاع وطردهم، وتدمير المنشآت وقتل كل الفلسطينين في الضفة والقطاع بلهجة وقحة إعتدناها من قيادات الصهاينة إثر كل عملية ناجحة من عمليات المقاومة، وفي المقابل، صدرت مناشدات رسمية حذرة بعدم التهور في رد الفعل، وعلى المستوى الشعبي جاءت المطالبات بتحقيق العدالة وردع إسرائيل ورفع الحصار الظالم عن سكان غزة والقطاع، كما إرتفع سقف المطالب إلى مقاطعة أي مظاهر تأييد للكيان الصهيوني، ورفض التطبيع المجاني، وطرد الرعايا والبعثات الدبلوماسية لكيان الإحتلال من الأراض العربية وبعض الدول القليلة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأسيا...

وبعد إن استعاد حكام الصهاينة ومؤيديهم شئ من الإتزان بعد تلك الصفعة غير المسبوقة، وبعد أن تم إحصاء مبدئي للخسائر التي ربما فاقت في فداحتها ما خسره كيان الإحتلال خلال إعتداءاته المتكررة منذ العام 1948، بدأ على الفور مسلسل الإنتقام الصهيوني الوحشي المعتاد، وبدأت الأقنعة تتبدل تماماً كما تعودنا في مثل تلك الأزمات لدى كل من هو مؤيد وداعم لكيان الإحتلال.. للمرة الأولى يتحرك فيها رئيس الولايات المتحدة إلى أرض الصراع معرباً عن تأييده غير المشروط لكيان الإحتلال وحقه في الدفاع عن النفس، كما أصدر الرجل قرارات بتحريك قطع عسكرية أمريكية لإظهار الدعم لكيان الإحتلال، ولكن أغلب العالمين ببواطن الأمور يعرفون أن الرسالة كانت موجهة لطهران وحلفائها، ومفادها التعقل قبل أي قرار من شأنه التصعيد وتهديد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.. وفي أعقاب تصريحات الرئيس الأمريكي، بدأت أصوات الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني ورئيس وزراء بريطانيا تعلو بتأييد غير مشروط للكيان الصهيوني في إتخاذ أي إجراءات من شأنها الدفاع المزعوم عن النفس.. الأمر الذي ربما شجع رئيس وزراء كيان الإحتلال على تشكيل حكومة الحرب التي بدأت فوراً في التحرك لفرض حصار على غزة بالكامل، من خلال قصف مكثف هو الأعنف منذ بدايات مسلسل الصراع في الأرض المحتلة، وبدا وكأن الهدف هو التطهير العرقي الكامل، ودفع السكان للهروب خارج التجمعات السكنية تجاه الحدود الجنوبية والشرقية، أو تصفية كل من يتبقى داخل الأحياء السكنية أو الملاجئ أو مراكز إيواء اللاجئين التي تشرف عليها هيئات دولية..!

اليوم، وبعد قرابة ستة أشهر من إستبسال المقاومة، وصمود الشعب الفلسطيني المناضل، ما هي محصلة الإنجازات لدى قادة عصابات الإحتلال الصهيوني وحكام الدول الموالية لهم، وشراذم المؤيدين والداعمين؟ الإجابة قولاً واحداً "صفر".. إسرائيل هُزمت في تلك الجولة، وما تبقى لدى رئيس حكومتها هو بقايا صلف وعناد، وربما كان عليه الإنصياع مبكراً للتصور الأمريكي بحسب نصيحة جاءت في مقال نشرته جريدة هآرتص الإسرائيلية منذ أسابيع للصحفي دانيال كورتزر، الذي شغل سابقاً منصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل 2001 وحتى 2005.. الثابت أن خسائر شعب فلسطين في الأرواح من شهداء ومصابين ومشردين قد فاقت ما جاء في كل المواجهات السابقة، وهي لا تقل بشاعة عن نكبة الإحتلال ذاتها عام 1948.. وحجم الدمار الذي طال كافة أنحاء الأرض المحتلة، خصوصاً في داخل قطاع غزة هو غير مسبوق وسيحتاج سنوات لتداركه.. لكن بنفس عين الواقع، القضية الفلسطينية مازالت تنبض بالرغم من كل الخيانات، والحق الذي ظن كثيرون أنه قد صار أثر بعد عين قبل 7 أكتوبر 2023 أصبح اليوم أعلى صوتاً وأكثر بلاغة، بل وقد إزدادت معدلات مؤيديه في العالم الحر على كل المحاور، سواء بالقضايا الحقوقية المنظورة أمام المحاكم الدولية، وداخل أروقة الحكم والبرلمانات في دول عظمى أعربت عن إستعدادها للإعتراف الرسمي بدولة فلسطين المستقلة. وعلى المستوى الشعبي بشكل واضح للعلن، نستطيع رصد هذا التأييد من خلال حملات النضال الحقوقي، والتظاهرات اليومية في كل عواصم العالم..!

لم تخسر إسرائيل منذ تاريخ إعلانها كما خسرت خلال الأشهر الستة الأخيرة.. ولم يحدث إنكسار نفسي وهزيمة معنوية لرعايا الصهاينة في الأرض المحتلة وعساكر جيش الإحتلال كهذا الذي يعيشونه الأن.. الأصوات المطالبة بعزل ومحاكمة السفاح نتنياهو في الداخل الإسرائيلي ليست من قبيل الفشل فقط، ولكن لأنه ثبت للجميع أن الرجل لا يعبأ بشعبه، وهو فقط يدافع عن مركزه السياسي الرسمي كي لا تطاله قضايا فساد كفيلة بأن تجعله يقضي ما تبقى من حياته معزولاً في زنزانة ضيقة.. ثم يأتي أخيراً خرق اليهود الحريدييم، ورفضهم بشراسة تعديل القوانين الخاصة بتأدية الخدمة العسكرية، تلك التي يمتنعون عنها بدافع ديني مغلوط، وهذا الأمر من الخطورة بأنه كفيل بكسر نواة المجتمع الإسرائيلي وإحداث إنقسام قد يعصف بمستقبل هذا الكيان بشكل كامل، وربما بدون الحاجة لتدخل من أي قوى خارجية.. وعلى صعيد أخر، إرتفعت وتيرة العداء والرفض للصهيونية في المجتمعات كافة بشكل ملحوظ، خصوصاً بين الفئات العمرية من العقدين الثاني والثالث، قد يكون الأمر مفهوم في المجتمعات العربية بحسابات الإرث الثقيل من سنوات العداوة والكراهية التي يضمرها الصهاينة للعرب، لكن تنامي هذا الشعور في دول غربية لم تكن طرفاً في دوائر الصراع، وأقلها في رد الفعل كان يلتزم الحياد أو الصمت العاجز، أحسبه أمر صار مقلقاً بما يكفي بالنسبة لأي إسرائيلي يقبل بالتعايش السلمي مع الأخر. فحقيقة الأمر، أن جنون نتنياهو، والعنف والوحشية المفرطة في سلوكه وسلوك عصابته وعساكر الإحتلال تجاه أهل غزة، والذي اسفر عن سقوط ألاف الضحايا المدنيين بين شهيد وجريح ومشرد، قد فاق حدود إستيعاب أي إنسان طبيعي، وربما لم يترك هذا الجنون مكان على وجه المعمورة، يستطيع فيه أي إسرائيلي عادي أن يشعر بالأمان زائراً أو مهاجراً، على أقل تقدير ستطارده هواجس الخوف من الإنتقام والرعب جراء جرائم حكامه، وربما سيصاب بالعجز عن التواصل بشكل طبيعي مع الأخرين.

إنها بلا شك صفعة تاريخية هي الأقوى على وجه الصهاينة، ومازال دويها يتردد في كل أرجاء العالم، والإعتراف بها سيكون حتمياً لإيجاد علاج دون الحاجة لأدلة إثبات، لكن الأمر يحتاج فقط لشئ من الإنصاف والإقرار بالواقع، لربما تعود الأمور إلى نصابها الصحيح، وتبدأ خطوات سليمة لإعادة الحقوق لأصحابها..

لن أبالغ في الأمل بسبب يقيني بطبيعة العدو العدوانية مقابل الإنقسام العربي المزمن، ولكن، ربما تقودنا الأيام القادمة لبقية الحديث..! 



  • mohamed A. Fouad
    محمد أحمد فؤاد.. كاتب حر مؤمن بحرية الفكر والمعتقد والتوجه دون أدنى إنتماء حزبي أو سياسي.. مهتم بشأن الإنسان المصري أولاً..!
   نشر في 19 أبريل 2024  وآخر تعديل بتاريخ 19 أبريل 2024 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا