هل ينتظر أحد الغُرَابْ ؟!
مقال بقلم / عبده عبد الجواد
نشر في 31 ماي 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
ما أجهل الانسان وهو يستعرض عبثا قُوته ويظن أن لن يقدر عليه أحد ،رغم ان بعوضة من جند الله تكفى لقتله .. مااجهله وهو يتناسى حقيقة ضعفه فينظر يمينا ويساراً ليحسد ويحقد ويبطش، ويستعمر، ويظلم بأمرعقله أو- بأمر حاكمه !
كان الغراب هو مدرس الانسان الأول بهداية من الله سبحانه وتعالى حين بدأ الصراع والقتال بين بنى آدم من قديم الأزل بقتل قابيل لأخيه بسبب الحسد لرغبته فى الزواج من امرأة يراها الأجمل -بينما كانت من حق أخيه ، فلما خرجت روح أخيه ووجد أمامه جثة هامدة لاتتحرك فاحتار فلم يرى من قبل انسان مثله بلا روح ، فلم يعرف ماذا يفعل؟! .. فلا أحد يستطيع أن يتحمل وجود جثة أعز الأحباب الى جواره لأكثر من ساعات لأن بعدها الروائح والتعفن والأمراض ..فاذا سقط الانسان وذهبت روحه فلا أحد فى الكون يطيقه-من بنى آدم - لاأحد سوى تراب الأرض الذى خُلق منه !
بل ان الانسان اذا أصيب بمرض عضال أعاقه عن الحركة يصير كالموتى ، وكل مايربطه بالحياة مجرد أنفاس تخرج وتعود.. عندها يثقل الانسان ولايستطيع أى انسان منفردا حمله أو تحريكه- فما أثقله اذا خارت قواه وأصابه الوهن!
الانسان واختيار الايمان
لقد خلق الله الانسان ذو عقل يفكر ويتأمل ويتدبر ، وحمّله أمانة الارادة فى أن يدير شئون حياته كما يشاء.. يمينا أو يسارا.. خيرا أو شرا..بل أنه جعل له الارادة حتى فى حرية عبادته أو الكُفر به.
وصار من بنى آدم من يؤمن بكتب السماء التى أرسلها الله للبشر من خلال أكثر من مائة ألف من الأنبياء والرسل عبر الزمان لتسفر كل جهودهم عن ايمان مايقرب من 55% من بنى آدم أما باقى سكان الأرض فملحدين وعبدة للبقر والشمس والنار وغيرهم .. تلك خلاصة جهدهم وتلك مشيئة الله فى كونه الذى قال " ولو شاء الله لهدى الناس جميعا"(الرعد 29) ، "ولو شاء ربك لآمن كل من فى الأرض كلهم أجمعين "(يونس 99) ، ولاأحد يستطيع أن يتساءل : لماذا فعل الله ذلك؟ فسبحانه وتعالى " لايُسأل عما يفعل وهم يُسألون "( الأنبياء 23) ..بل لنا أن ننظر لهذا الكون من حولنا ونتساءل: ماذا فعل بنو آدم بأنفسهم بعدم ايمانهم أو تنوع ايمانهم وعقائدهم حقاً كانت أم باطلا ؟!
فقد شاءت ارادة الله عز وجل أن يكون تقريبا نصف العالم أهل كتاب والنصف الآخر بلا ايمان ولاكتاب .. بلا عقل ولا فكر .. فأى عقل أو فكر ذاك الذى يقبل أن يعبد بقرة أو نار أو شمس أو تمثال ؟! وأى خير أو عدل أو سلام نحلم أن نراه فى الكون ونصفه أو يزيد لايعبدون الله .
عقل الانسان والآخر والمتناقضات
أجدنى اتوقف طويلا لأفكر فى مشيئة الله ان شاء أن يؤمن الناس جميعا ، وبين تركه للانسان بأن يختار بعقله مايريد وفى علمه الأزلى ماذا سيختار كل انسان ويتركه ليعبده أو يكفر به دون أى اجبار، ولك أن تتصور شكل الكون حيث كل بنو آدم يؤمن بالله وكتبه ورسله فهل ستكون الحياة هادئة بلا قتال أو تصارع ؟
الواقع يقول أن الكون كله قائم على وجود النقائض فتوجد الشمس والقمر ليكون هناك نهار نتحرك ونعمل ونعمر الكون فيه ، ثم ليل للنوم والراحة وتهجد العابدين
يوجد الخير والشر ..توجد الصحة والمرض .. يوجد الجمال والقبح .. هى بالفعل متناقصات تظهر القيمة والفرق بينها وبين نقيضها ، فالغنى صاحب المال والسلطان لايستشعر قيمة مايعيش فيه من نِعم، كما يراها الفقير- أو اذا فقد مايملك!
وفى النهاية توجد جنة ونار ويوجد ثواب وعقاب تلك نقائض الآخرة غير تلك التى فى حياتنا الدنيا .
الايمان والسلام
ونعود للسؤال: هل لو صار بنو آدم كلهم مؤمنين .. كلهم شىء واحد .. هل كانوا سيشعرون بمعنى ولذة الايمان وهم لايرون سواه فى الكون أم كان لابد من وجود جزء من الكفار والضالين والمضلين ليشعرون بقيمة ماهم فيه من نِعم ..
ان خِلقة بنى آدم وعقله لايشعر بقيمة مايملك الا اذا فقده او رأى نقيض ماهو فيه فى الآخَر.. لابد أن يوجد شىء يقيس عليه بعقله.. كم أتعسك وأجهدك عقلك أيها الانسان !
وهكذا فلو كان بنو آدم كلهم مؤمنين ماكان ذلك كافيا ليعيش فى سلام ولاتقاتل مع الآخر فهى خلقته وقضية عقله الذى فى رأسه لابد أن يتأمل ويعرف ما ، ومن حوله.. قضية عقله.. الآخر، وهل هو فى وضع أفضل أم الآخر ؟
فهل كان أحد أبناء آدم مؤمنا والآخر كافراً لذا قتله ؟ .. لقد كان الحسد أول الأسباب لأول جريمة بشرية فى التاريخ ؟ وحين نستعرض صفحات مختلفة من صفحات التاريخ ففى تاريخ الاسلام والمسلمين تقاتل صحابة النبى على الخلافة (فكانت الرغبة فى السلطة ) وقتل من قتل فى ذلك الصراع ، والان ألم ينشق من المسلمين البعض تحت رايات سوداء وغيرها ويرددون أنهم يطبقون الاسلام الحقيقى ويتهمون الباقين بالكفر ويستحلون دماءهم ، رغم أن الاسلام يأمرهم بقتال الكفار وينهى عن قتل المسلم وقتاله ؟!
فليس توحد الدين او العقيدة أو الجنس البشرى سببا لمنع القتل والقتال أو التنكيل أو الطرد والتعذيب .. انه الانسان الذى قتله عقله وأفكاره قبل أن يقتله الاخر تحت لواء دينى أو مذهبى أو عرقى.. انه الانسان الذى لديه دائما الأسباب والدوافع للقتال والقتل لأخيه من بنى آدم.. فقد أُخْرِجَ آل لوط من قريتهم ليس لأنهم كُفار بل لأنهم يتطهرون ! وسيظل الصراع .. يوما ما ستُقتل فى ساحة قتال أو على فراشك لأن قائد البلد الذى تعيش فيه أصدر قرارا بالقتال بدافع سياسى أو اقتصادى أو استعمارى فما أتعس الشعوب اذا ابتليت بحاكم جاهل أو متطرف الفكر أو عاشق للسلطة .. ستملأ أذنك الخطب الرنانة والكلمات الحماسية.. انه من أجل تقدم الوطن أو طرد المعتدين أو من اجل غَدٍ أفضل.. لايجيء!
يُقتل المسلمين فى ماينمار وغيرها من بقاع الأرض لأنهم يرونهم كفاراً حسب عقيدتهم ويستحقون القتل ونحن المسلمين نراهم أيضا كذلك ، وقتل هتلر اليهود لمجرد أنهم يهود ويراهم سبب الفساد فى العالم ، ثم قَتَل أصحاب العاهات والمعاقين ذهنيا وبدنيا لأنهم من مُعوقات التنمية فلما تحققت النهضة الألمانية فرح الناس بالمال وأُعتُبر القتل مشروعا !
ويرى اليهود بيجين وشارون أبطالا.. فلولا مذابحهم للعرب والمسلمين ما قامت دولتهم وماحسب العرب لها ألف حساب بينما نراهم كعرب- قتلة وسفاحين!
، وهكذا فلو امتلك الانسان القدرة على أن يبطش بالاخر فقليل منهم مايعفو !
سيظل الشباب وكل من استطاع- حمل السلاح- ليخوض الحرب المجيدة ولاتقلق فلو كنت من أهل الكتاب فأنت شهيد أو ستكون بطلاً قُتِلت من أجل الوطن وستوضع على قبرك الورود وستُقاد الشموع ويُحتفل بك فى يوم الشهيد – لفترة حتى تتبدل الأجيال وتدق من جديد طبول الحرب التى تدمر حتى القبور ويُمحَى التاريخ ويتغير البشر ويتكرر سيناريو القتل والقتال فى كل زمان بأسباب وأهداف جديدة يبررها الحاكم وبطانته والمنتفعين ،وسيظل صراع بنى آدم ويُقتَل ويُطرَد ويُشّرَد الملايينبظلم ظالم أو جهل جاهللتباين الأفكار والمعتقدات بحق أو بغير حق ..أو لأى أسباب ، ويتساقط القتلى وتسيل الدماء فما أهون الانسان على الانسان !
وفى النهاية تُحفر المقابر الجماعية ويلقى فيها بجثث بنى آدم وتٌدفن كما القمامة والنفايات فقد تعلموا من أسلافهم فى بدء الخليقة كيف يوارى أخيهم التراب ، ولم يعد احدهم ينتظر الغُراب .
عبده عبد الجواد-بورسعيد- مصر
فضلا تابعوا أعمالى الأدبية على :
https://rwaealfekr.blogspot.com/
https://abdougawad.blogspot.com
-
Abdou Abdelgawadرحلتى الطويلة مع عشق الكلمات لسنوات هاويا، تحتوينى كلماتى أحيانا وفى أخرى أحتويها ، كفانى أراء وحب الأصدقاء كأوسمة ونياشين تفيض بها ذاكرة عمرى ، وسيظل عشقنا الكبير حتى يتوقف بنا قطار الحياة، وحينها ستبقى الكلمات شاهدا ...
التعليقات
نعم سيكثر القتل والفساد عندما يخالف الانسان أوامر الله التي تدعو إلى احترام الحياة وعندما يغيب منطق العقل وترتفع على حسابه صوت المصالح لتحكم الأنانية ويسود الجشع والظلم...
مقال في غاية الأهمية يعكس فكرا انسانيا راقياً
كل الاحترام والتقدير
لم نعد ننتظر الغراب ليدفن جثث موتانا ، بل ننتظر منه و من حيوانات الطبيعة وطيورها أن تعلم الإنسان شيئاً من الإنسانية فقد دُفنت مع كل جسد دُفن دون ذنب ..
مقال رائع بالتوفيق.
ان الانسان حكم عقله فاختار ان يظلم او يعدل وفي ذلك تمام عدل الله في محاسبة العبد على حسب اختياره ،فمن يظلم و يقتل ويستبد سيحاسب على قدر عقله ،لكنه عقل بلا عقل من يجر صاحبه الى الجحيم ،و باختلاف الدافع يكون الحساب فمن يمت دون دينه وأرضه فهو شهيد ، ولو هانوا على الانسان فلن يهونوا على الخالق،و كذلك كان جزاء غيرهم ممن ظلموا جهنم ، و لو ضاع الحق في الدنيا فلن يضيع في الآخرة ، دام فكرك و ثراء كتاباتك سيدي الكريم ، وكل عام وانتم بألف خير.
لقد شدني عنوان المقال (هل ينتظر أحد .. الغراب ؟!)
بصيغتة الاستفهامية التي تستبطن احاسيس الاستغراب والاستنكار وكل مفردات الشجب ودخلت للتو الى حديقتك الماتعة وطفت بين الافكار والمعاني واستقر فهمي لطرحك المتمحور حول مسألة (تبريرية الانسان قتل اخيه الانسان بعد ان تعلم طقوس وقواعد دفنه
والحقيقة ان الموضوع يرصد حالة الانحدار التي وصلت اليها الانسانية من مهاترات وصراعات تتوح باستمرار بشرب كؤوس من دماء بعضنا البعض ، ومن كثرة ما اعتاد البصر على هذه المشاهد من القتل والسفك. حتى تصالحت كثير من الذوات المريضة مع هذه الرذيلة دون خجل او استحياء.
حين نتصارع ونتقاتل في سبيل أفكار ومعتقدات ترفض الإختلاف..وتروم إبادة الآخر والتنكيل به..!
لم نعد ننتظر الغراب سيدي فالدفن صار عادة يومية..ومشاهد قتل الإنسان لأخيه لم تعد تمنعنا من الإستمتاع بفنجان القهوة الصباحي..أستاذ عبد الجواد..أبدعت في رسم الفكرة بالأحرف
تتدفق من منبعك نحو مصبك بقوة ساحرة، تعرف من اين ستبدأ والى اين ستصل ، وطوال انسيابك وصبيبك المتواثر تسقى كل الجنبات التى تنتظرك بشوق ، تنعشها بكميات وافرة من المعلومات القيمة ، والتي تدل على حجم وسعة مخزونك ومكتسباتك ، ويصلنا ماؤك صافيا وعذبا تطرب له الاسماع وتركن اليه الافهام هذا هو انت سيد عبد الجواد كريما ومتدفقا في كل ابداعاتك .حفظ الله فكرك وقلمك وجعله في ميزان حسناتك
لقد شدني عنوان المقال (هل ينتظر أحد .. الغراب ؟!)
بصيغتة الاستفهامية التي تستبطن احاسيس الاستغراب والاستنكار وكل مفردات الشجب ودخلت للتو الى حديقتك الماتعة وطفت بين الافكار والمعاني واستقر فهمي لطرحك المتمحور حول مسألة (تبريرية الانسان قتل اخيه الانسان بعد ان تعلم طقوس وقواعد دفنه
والحقيقة ان الموضوع يرصد حالة الانحدار التي وصلت اليها الانسانية من مهاترات وصراعات تتوح باستمرار بشرب كؤوس من دماء بعضنا البعض ، ومن كثرة ما اعتاد البصر على هذه المشاهد من القتل والسفك. حتى تصالحت كثير من الذوات المريضة مع هذه الرذيلة دون خجل او استحياء.
ولفهم حقيقة هذا التطاحن لابد من استحضار قوة الشهوة والغضب التي تعد مكونا من تلاثة عناصر للنفس البشرية بل تساهم في بناء السعادة كما اشار اليها ابو حامد الغزالي في كتيب -جدير بالقراءة- تحت عنوان (كيمياء السعادة )، واقتطف منه هذا المقطع الذي يهمني في هذا التعليق ، يقول الغزالي : (تمام السعادة مبني على ثلاثة أشياء: قوة الغضب، قوة الشهوة، قوة العلم. فيحتاج أن يكون أمرها متوسطا ً؛ لئلا تزيد قوة الشهوة فتخرجه إلى الرخص فيهلك، أو تزيد قوة الغضب فتخرجه إلى الجموح فيهلك. فإذا توسطت القوتان بإشارة قوة العلم دل على طريق الهداية، وكذلك الغضب إذا زاد سهل عليه الضرب والقتل، وإذا نقص ذهبت الغيرة والحمية في الدين والدينا، وإذا توسط كان الصبر والشجاعة والحكمة. وكذا الشهوة إذا زادت كان الفسق والفجور، وإن نقصت كان العجز والفتور، إن توسطت كان العفة والقناعة وأمثال ذلك.) انتهى كلامه ص 6 من كتاب كيمياء السعادة.
استنادا الى كلام الامام تتكشف لنا صورة ما نعيشه من قتل وسفك. للدماء فيعود سببه الى ضعف في حسن تربية النفس على التوازنات التي اشار اليها الغزالي دون ان يكون في الامر شطط او جنوح او تقصير ، فالشهوة بكل انواعها اذا زادت عن حدودها او نقصت سببت خللا في النفس وفي توازنها وهي التي تقود الى القوة. الثانية. وهي( الغضب) هذا العنصر اذا زاد عن حده بسبب الشهوات يظهر الضرب والقتل والسفك ، وقد جعل الغزالي حل الصراع في ان تتوسط القوتان تحت اشارة قوة العلم ( العلم بخباياالنفس ونوازعها وجنوحها وحدودها وعلاجها ) انداك تحصل الهداية والسير على منهاج الفطرة السليمة .
استسمح ان اطلت ، فقد فتح موضوعك شهية الكتابة وقد اعود اليه ، في مقال قادم ، بعد استكمال بحثي واقراءتي في بعض تفاصيله ان شاء الله .
اشكر اخي على تفاعله مع كتاباتي كما اني أكن لك احتراما وتقديرا خاصا بسب كتاباتك الوازنة والهادفة.
وهذا ليس غريبا على الرحم المصري الذي امتعنا بروائع الادباء والمفكرين ، وهم كثر والحمد لله و لن ينقطع الخير من هذه الامة الى يوم الدين.
دام قلمك نديا وسخيا وتقبل مودتي
لكن الله أرادنا أن نكون بشراً ذو قدرة على الإختيار حتى يقيم علينا الحجة , فيختار كل منا طريقه بإرادته و يحاسب عليه في الآخرة .
مقال جميل أستاذ عبده . بالتوفيق .
لقد ذكرت الاحداث ...و بتسلسل رائع ..
من حقبة الى اخرى ...في موضوع يستحق التفكير و التامل ...
لقد غدى الانسان اليوم مجرد رقم من الارقام ..
بعد ان اصبحنا كل يوم نشاهد موت الالاف على شاشات التلفزيون ..بل الملايين .. و لا احد يتساءل او يهتم .. بل اصبح كل شيء إعتياديا ..الارواح تزهق كل يوم .. .والارض لكثرة الجثث لم تعد تحتمل اكثر ..
على الغراب ان يعيد دروسه ....
فالبشر اليوم يحبون الاسراف في كل شيء ...
موفق استاذنا القدير .. مقال في الصميم ...
دام نبض قلمك ..