بعيداً عن السُّخرية القبيحة والتعليقات المسيئة، وقريباً من الإنصاف وعدم نكران الفن والخير، أجد أن الهجوم الذي وقع تجاه الفنان الكبير، محمد المزوري، المعروف بـ "مسلم"، مبالغ فيه بشكل كبير، وتجاوز حدّه، لذا سأبسط بعض الملاحظات، لعلها تصيب أطرافاً من الحق والحقيقة.

في البداية، لابدّ أن نضع الفيديو الذي أثار الضّجة حول "مسلم"، في السياق الذي بثه فيه، وهو تعرضه لابتزاز شنيع من طرف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تقاطرت عليه مئات التعليقات تخيّره بين خيارين، إما الإعلان عن مساندته لحملة مقاطعة وقود إفريقيا وحليب سنطرال وماء سيدي علي، أو أنه جبان وباع مبادئه بثمن بخس، ولذلك في اعتقادي كانت ردّه فعله بلهجة غير لبقة، ولا معهودة من فنان خلوق ومحترم، وهذه محاولة فهم وليست تبرير بالمناسبة.

"مسلم"، قال بأن المقاطعة الثلاثية ليست بالشيء الكبير، وهو ما أثار غضباً واسعاً تجاهه، لكن إذا تمعّنا في مقالته، سنجد أنه محق فيها، فنحن الآن مقاطعون لوقود إفريقيا وحليب سنطرال وماء سيدي علي، لأزيد من أسبوعين، فما النقص الذي اعترى حياتنا اليومية؟ لا شيء أبداً، وبالتالي المقاطعة سلوك سهل للغاية، وكان سيكون صعباً، لو أن الأسواق المغربية، لا توجد بها سوى منتوجات الشركات المعنية بالمقاطعة، لكن الحاصل أن المغرب يزخر بالعديد من شركات الوقود والمياه المدنية والحليب ومشتقاته، بمعنى، أن المقاطعة أضعف نضال المواطن المقهور، وإذا لم يخضها فإنه فيستحق ما هو فيه.

ثم من بين الجمل التي أثارت الجدل نحو مسلم، قوله، "أنا ديال المهمات الصعبة"، وهي الجملة التي تحولت لوسم ساخر على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن في الحقيقة، معه الحق، ولو تسخرون، فـ "مسلم ديال المهام الصعبة"، ولا داعٍ لنبرهن كثيراً على هذا، تكفي نقرة على اليوتوب، لنطّلع على سنوات من تطرقه للمواضيع التي تعانق الهموم الحقيقية للشعب، وتهاجم المسؤولين من أعلاهم إلى آخرهم.

وبينما كان مسلم يوصل مشاكل الشعب للحكومات المتعاقبة، ويؤطر فئات من المجتمع من خلال أغانيه الهادفة، والتي جمهورها لا يقتصر على الشباب وحسب، بل حتى الأمهات والآباء، كان الكثير من المنتمين لمجال الغناء ممن أعلنوا الانخراط في حملة المقاطعة، غير مبالين بشعبهم، وكل أغانيهم لا تخرج عن الغراميات وعلاقات الحب، ولم ينتج أغلبيتهم الساحقة ولو عملاً واحدة يتطرق لمشاكل المغرب ومعاناة المغاربة.

وخلافاً لما كان متوقعاً بعد توشيحه بوسام ملكي من أن يغير نمطه الموسيقي، وبالضبط محتوى أغانيه ومضمونها، إلا أنه لم يفعل، وظل معانقا لهموم أمته، ورغم اغتنائه لم يفارق مشاكل إخوانه، ورغم إعتلائه لهرم الشهرة، ظل متحدثا بلسان المغمورين، وغنى الزنقة، وضميني، والعين الحمرا، ودموع الحومة، والغول، وأجي معايا، وغيرها كثير، وكلها تحمل رسائل لا يجرأ عليها سوى من وضعوا أنفسهم في خدمة هذا الشعب المقهور، وليس استغلال أشكاله النضالية الناجحة، والتي ليس فيها أية مخاطر تذكر.

والجملة الأخرى، التي أثارت الجدل هي قول مسلم، "على سلامتكم وأخيراً فياقناكم"، وهي جملة صحيحة، وذلك لكونه لم ينسب رفع الوعي لنفسه فقط، وإنما عد ذاته من ضمن المساهمين، من الأساتذة والمفكرين والسياسيين، ومختلف المكونات، والتي من ضمنها الفنانون الذين يقدمون محتويات هادفة، لبناء تراكم يؤدي لنضال راشد.

ومن أغرب ما سمعته حول مسلم، تهديد بعضهم له بقولهم، "الشعب اللي طلعك يهبطك"، وكأن الفنان مسلم كان في بيته جالساً، وذهب المغاربة إليه وأخرجوه منه عنوةً ورفعوه عالياً، مثيرون للشفقة حقاً، لأن الحاصل أن الرَّجل يجتهد كثيراً ويقدم دائماً أعمالاً فنية مبهرة، وهي التي رفعته وليس أي شيء آخر، فلو كانت بضاعته سيئة لما التفت إليه أحد، ولو وجدنا ماهو أمتع منه لأخذ الريادة والشهرة أكثر منه.

في الختام، لابد أن أذكر بأنني كنت من أوائل من انتقدوا التعاطي الإعلامي للفنان الكبير مسلم مع حملة المقاطعة، حتى قبل أن يبث الفيديو المثير للجدل، لكن في حدود المعقول، أما ما وقع، ويحدث الآن، فهو اعتداء وانتقام وتفريغ حقد عبر استغلال هذه الثغرة التي فتحها مسلم على نفسه للأسف، ولم يرحمه لأجلها جمهوره، ولو أنها لا تعتبر شيئاً أمام ما قدمه على سنوات.

قال الإمام الشافعي رحمه الله "لو أصبت في تسعاً وتسعين، وأخطأت في واحدة، لترك الناس ما أصبت وأسروها، وأعلنوا ما أخطأت وأظهروها".