إذا تخلى عنك أحب الناس إليك وقت حاجتك إليه فلا تجزع وإذا غدر بك ما لم تتوقع منه الخيانة فلا تُصدم وإذا أوصد كل البشر أبوابهم في وجهك فلا تيأس بل احمد الله واشكره على ما كان منهم ففي انصرافهم عنك الخير كله ولم لا وهم إلى الفناء أقرب آجلا كان أم عاجلا وأنت منهم أبعد ما يكون كبُعد المشرق عن المغرب لكنه العشم يا صديق..فهو ما حجبك عن رؤية حقيقتهم وقت المحنة إلى أن ذقت من مرارة نفورهم عنك الكثير فضاقت بك الأرض وتاقت نفسك للرحيل عن هذا العالم الموحش..وبينما أنت غارق في بحر همومك إذ تذكرت ما كان بينك وبين الناس في سابق عهدك وكيف أودى بك التعلق بهم إلى ما لم تكن تتوقعه بل ما زلت تنكره رغبة منك في الاحتفاظ بما بقي لك من آدمية فقد أخذ التعلق بتلابيب قلبك وعقلك.

أما القلب فقد أرهقته بحب الوهم والذي تلون كالحرباء في أشكال عدة كي تنطلي عليك خدعته فينجح في التقاط قلبك كالصياد البارع فتارة يكون الوهم نفسك حين تعظم في عينيك فلا ترى في غيرها إلا السوء أما هي فلها الجمال والكمال وكل البشر لها صاغرون وما إن يُسقطك المرض حتى تهوى صريعا من عليائك الزائف.

وقد يكون الوهم ذويك أبا /أما/ أخا/أختا حين تصبح نقطة ضعفهم فتراهم دوما يسعون إلى مرضاتك راجين الله أن تكون امتداد لذكرهم أو حلما كبيرا راودهم تحقيقه ولم يُقدر لهم ذلك وهم في نظرك نقطة قوتك فبدونهم لا ذكر لك ولا مقام حتى إذا رحلوا عن الحياة أو داهم الموت قلوبهم افتقدت الأنس بحبهم فكان لفراقهم جرح غائر في أعماق روحك.

وقد يكون الوهم صديقك أو ما ظننته كذلك حتى إذا ألمت بك المصيبة واستحكمت حلقاتها راح قلبك يسعى بحثا عن خليله فلم تجده ..وحين لقيته على الحقيقة أشاح قلبه عنك فتركك وحدك تواجه بلاءين ..أزمتك القائمة ومصيبتك فيه.

أما النوع الثاني من التعلق وهو"التعلق بالعقل" فهو أخف وطأة مما سبق ذكره وذلك لخلوه من العاطفة وتجرده من المشاعر فلا محرك له إلا التفكير ووضع الخطط ولا هدف منه إلا تحقيق المصلحة ورغم مادية تركبيته إلا أن عواقبه قد تخلف أحزانا وإحباطات متوالية ترهق القلب والنفس والعقل لاسيما حين تعزم على خوض معترك الحياة متسلحا بمواهبك، مطمئنا لتحديد وجهتك، متأهبا للقاء بتخطيطك الذي لا يخطئ حتى تصطدم بواقع آخر لم تضع حسبانه في خطتك الذكية فتفر من مواجهته مهزوما بإرادتك بعد أن أفقدك هول اللقاء الثقة فيما خططت له وعزمت على تحقيقه بل الثقة في التفكير والتخطيط بشكل مطلق.

وقد يكون التعلق العقلي بشخص ما تنشد في عونه لك تحقيق بعض أهدافك في الحياة وهو أيضا يطلب منك المقابل..نعم هي علاقة قائمة على تبادل المصالح وإن لم تتخللها أية مودة لكن عاقبتها قد تكون وخيمة حين يجد شريكك بديلا لك يقضي له ما يريد وبأقل تكلفة ممكنة فيخذل ظنك فيه ويلفظك من سجل علاقاته.

أما الآن فكيف أجدك؟ وقد استدعيت ما كان منك وما كان من نفسك ومن البشر من تعلق مرضي أرهقت فيه عقلك وقلبك ولم تنل منه إلا الخذلان.

وأيا كان حالك فأناشدك ثانية أن تحمد الله تعالى أن أبصرك بحقيقة تعلقك كي تفر إلى الباقي وحده فهو خالق الأسباب التي لذت بها وجعلتها نصب عينيك ونسيت أن زوالها آت شئت ذلك أم أبيت فمن تعلق بالعدم فقد نال الخسران ومن تعلق بالله فقد ضمن الأمان المطلق وحينها لا تحزن على فراق حبيب ولا غدر صديق ولا قسوة واقع ولا خذلان ولا خسران..ففي الوصل به مناعة من أكدار الدنيا ووقاية من عذاب الآخرة.