بحثت على الأنترنت على تعريف للجريمة المنظمة في محاولة مني لتقريب التعريف الى ما نلاحظه يوميا تقريبا من تقييد للجناة والمشتبه بهم في قضايا التهريب والخطف والقتل والسرقة، على اعتبار أن محور الجريمة المنظمة هو أفق التهديد للأمن القومي لأي بلد وليس حكرا على الجزائر فقط، حتى لو بدى احباط عمليات تهريب المخدرات شائعا ورائجا بكثرة كشكل واضح من أشكال الجريمة المنظمة، فالدكتور محمد بن عمارة في بحثه الموسوم بـ :مفهوم الجريمة المنظمة دوليا ووطنيا ،يرى أن تعريفها معقد ومتشابك فهي ذات طبيعة خاصة بالنظر الى أنواعها وخصائصها وأهدافها وأركانها ،اذ يعتبر الجريمة الالكترونية من الجرائم المنظمة وهي متصلة أساسا بالتكنولوجيا ، في ملاحظة منا أن أغلب وسائل الاعلام تتحدث عن أشكال الجريمة المنظمة متمثلة في جرائم الإرهاب والتهريب والتي تُقترف بطرق تقليدية تعتمد على أسلوب التنسيق فيما بين أعضاء الشبكة الاجرامية خاصة اذا أخذت لها الجريمة المنظمة شكلا دوليا والطرق قد تكون بسيطة كسيارت نفعية وأجهزة اتصال وطرق احترافية في تعليب المواد المهربة او تخزينها ، وهو ما يجعل هذا النوع من الاجرام يتم بشكل تدريجي ومتباعد الأهداف ،خاصة اذا لاحظنا الركن المادي للجريمة وتوفر القصدي الجنائي في اختيار الظرف الزمني يكون مناسبا لها وكذا نية ارتكاب الجريمة .

فبالعودة الى مداهمات عناصر الأمن الوطني فور وصول تبليغات أو على اثر متابعة المشتبه بهم وأهم الخطوات التي يقومون بها لإتمام جريمتهم، نلاحظ أن هذه الجريمة مؤخرا أخذت لها طابعا دوليا أكثر منه وطني وذلك بتسريب مادة المخدرات بأوزان ثقيلة ليتم توزيعها عبر ولايات الوطن وطبعا المستهدف من هذه الجريمة الدولية هو الأمن القومي بإدخال مواد محظورة وايصال المادة لفئة الشباب وهي الفئة التي تنشط لأجلها العناصر الاجرامية على حد قول الدكتور محمد بن عمارة أن الجريمة المنظمة هي نشاطات سرية تعتمد على الثقة بين المتعاملين داخل المنظمة، والمنطمة هي الهيكل المؤطر للأفراد بتوجيه من رئيس لها ومتعاونين ربما غير منضوين تحتها، بحيث تنص قوانينها الداخلية الصارمة على فرض عقوبات لمن يحاول خيانة المنظمة ،هذا فيما يخص العصابات الاجرامية التي تتكتل من أجل اقتراف الجريمة المنظمة والتي تنوعت وتعددت أشكالها من جريمة تهريب المخدرات الى جريمة خطف الأطفال وتهريبهم للخارج ضمن شبكات تشرف على العملية وبتمويل أجنبي أو يتم قتلهم وسرقة أعضائهم للمتاجرة بها الى غير ذلك من الأشكال اللاقانونية من السلوكات والتي تعتبر دخيلة على المجتمع.

وبالعودة الى تعريف منظمة الأنتربول للجريمة المنظمة كما ذكرها الدكتور بن عمارة ، فقد عرفها الملتقى الخامس الذي تم عقده بمدينة ليون الفرنسية بتاريخ 1995/12/14، على أنها "تعتبر جريمة منظمة اذا شارك في الفعل أكثر من شخصين في اطار جغرافي يتعدى حدود البلد في فترة محدودة هدفهم الثراء والربح..." ومن هذا التعريف يمكن استنتاج بعض خلفيات هذه الجريمة وهي الوصول الى المكسب المادي سواء ببيع المواد المخدرة أو بتهريب العملة أو الذهب أو الأشياء النفيسة كالمعادن والآثار، ومن هذا المكسب المادي يمكن استنتاج خلفية أخرى من وراء هذا النوع من الاجرام وهو تهديد الأمن القومي خاصة اذا كان هناك افلات من القبض أو من العقاب بسبب عدم التمكن من القاءالقبض على المجرمين وهو ما سيسمح للجريمة بأن تنتقل الى مجال آخر لدولة أخرى يسهل اختراق حدودها الجغرافية أو شريطها الأمني خاصة تلك الدول التي تعرف نزاعات داخلية والذي يسمح بتكوين محاضن للجماعات الإرهابية.

وعن تجربة الجزائر في مكافحة الجريمة المنظمة ،فقد أثبتت جدارتها في المجال من خلال طلب الدول المعجبة بالتجربة الجزائرية نقل خبارتها بالتعاون في المجال الأمني وهو ما دعا اليه المشرع الجزائري من ضرورة سن منظومة أمنية وقانونية بحسب ما ذكره الدكتور روشو خالد في مقاله الموسوم ب : دور المشرع الجزائري في مكافحة الجريمة المنظمة ،أين ذكر أنه لابد من سن المزيد من التشريعات والقوانين الناظمة لمكافحة الجريمة المنظمة مع تحسين الموجود بما يتماشى مع التغيرات الداخلية والخارجية.

وعلى حسب قوله وفق التغيرات أي بحسب التحولات الذي يشهدها العالم من حرب وأزمات اقتصادية وتغيرات مناخية يمكن للمجرمين ومعتادي الاجرام أن يستغلوها تربة خصبة لتنفيذ أعمالهم، وهو ما يلاحظ في ارتفاع نوع من مظاهر الجريمة المنظمة حيال بعض التغيرات الجوية كنزول الثلج أو انتشار الوباء في فترة سابقة استغلتها عصابات لتكثيف نشاطها الاجرامي على أساس أن الحكومات تركز على وضع خطط وتشكيل خلايا فك الأزمات ما يجعل من بعض الثغرات الغير منتبه لها محل استغلال للوصول الى الأهداف الكبرى وهي تحقيق أجندات أجنبية معادية لاستقرار بعض الدول كدولة الجزائر التي تشهد تغيرا في مسارها البنائي لمؤسسات ونظم الهياكل القاعدية للدولة الطموحة نحو التغيير للأمثل وأكيد مسار متميز مثل هذا سيعرف بعض المناورات والمباغتات لإيقاف عجلة التقدم نحو الهدف الأسمى ، ولذلك يمكن اعتبار الهدف الأسمى للجريمة المنظمة هو كبح جماح الطموح لدى الدول الفتية المتطلعة للتألق نحو انفاذ وتمتين عرى التميز عبر مختلف قنوات التطور، سواء اقتصادية أو ثقافية وبالأساس اجتماعية وسياسية، ما يعني أن الجريمة المنظمة تأخذ لها سياقات مستحدثة تتوافق ووتيرة نشاط الدول نحو ما رسمته في أجنداتها من مشاريع راقية وهذا يزعج بعض الدول التي تنأى بنفسها نحو استقلالية في القرار السياسي في مقابل ذلك جموح شعبي يتهافت على سلطات بلاده بكل ديمقراطية ، ولا شك أن التجربة الجزائرية في نجاحها هو نجاح لسد منافذ العدائية من الغير سواء الدول التي من تمد يدها داخليا لمحاولة تفكيك عرى الوحدة الوطنية أو التي تترصد من الخارج في مراقبة منها لانتهاز أي فرصة للتدخل المعادي للديمقراطية النزيهة.

وعليه ، تبقى الجريمة المنظمة عبر العالم جريمة خطيرة وخلفياتها دائما تكون بناء على دراسة ميدانية لخصوبة المنطقة وغناها وثرواتها وتمتعها باستقرار معيشي ملائم على العكس لدى بعض الدول بما فيها الأوروبية التي بدأت تدخل في نفق الأزمات والتي لم تلحق حكوماتها في فك الخناق عن شعوبها بما يهدىء مطالبها التي تراها مشروعة، و هو ان دل على شيء انما يدل على حكمة وحنكة التسيير والتدبير لأي خطة قبل انفاذها في الجزائر وهذا يتطلب دراسات مسبقة و ميكانيزمات آنية تتوافق والرهانات الحالية والطارئة أيضا ،فالعالم معرض لأي هزات وتغيرات جيوسياسية في أي فترة، وهو ما يجعل الجزائر نموذجا واعدا في مكافحة الاجرام بشتى أنواعه و محل اهتمام من الغير حتى من يملكون ريادة في مجال مكافحة الجريمة المنظمة كالولايات المتحدة على سبيل المثال ، فالتفوق الأمني في الجزائر جعلها رغم قلة وسطحية بعض قوانينها محل اهتمام ،لأن فيه إرادة وفيه رؤية وخبرة وتجربة كلها عوامل تجعل من خلفيات الجريمة المنظمة ربما جريمة غير مكتملة الأهداف وهو ما يجب أن تحرص عليه القوانين المستقبلية لتضع الجزائر في المكان الأنسب فيما يخص منافسة الدول ضمن سياق البقاء للأقوى أين لا يعترف العالم الا بالقوي.