التشدد الديني و التخلف الفكري في عصرنا الحالي صورا الإسلام في صورة دين لعبيد التعنت و التزمت، بدلًا من كونه في الأصل دينًا للسمو بالإنسان بالفِكر إلى منازل الإيمان بالله و التقوى، و جعل للإسلام مهاجمين من أتباعه، و من تلك الأفكار التزمتية التشددية قصر كلمة الفتح على الفتوحات الإسلامية فقط، بل و جعل أي معركة قادتها دولة إسلامية فتحًا، حتى لو كانت لا تمت للمعنى الحقيقي للفتح بصلة...

بعد تفكر في ماهية كلمة الفتح، و في معانيها عبر الدهور، و في مَن رفعوا راياتها أو أدعوا رفع راياتها، من المسلمين و غيرهم من الديانات الأخرى، و في تلك الصورة التي يثابر أصحاب كل دين في إظهارها للفاتحين من دينهم، يمكنني أن أقول أن الفتح هو دخول طائفة دينية إلى بلد غير بلدها، قد تكون هناك معارك في أثناء دخول هذا البلد لكن يجب أن تقتصر أحداث هذه المعارك و آثارها على الجيوش و لا تمتد إلى المدنيين، من أجل نشر دينهم دون إجبار أهل هذا البلد عليه، و دون تغيير إجباري لثقافة هذا البلد لموائمة ثقافة الفاتحين، و لا بد من الانتباه أن هناك شتان فرق بين التغيير الإجباري لثقافة بلد و تأثر أهل هذا البلد بثقافة فاتحين بلادهم، و يجب نشر هذا الدين - أيًا ما كان هذا الدين - بتعاليمه و ليس بتعاليم السيف و السلاح...

مع وصولي لهذا المعنى للفتح بعد تدبر شديد، يمكنني أن أجزم أن كثيرًا من المعارك التي يعتبرها المتشددين فتحًا ما هي إلا احتلال، كمعارك الدولة العثمانية، كتلك التي كانت في دول هي في الأصل إسلامية، فكيف يرى المتشددين أن دخول جيوش - مدعية الفتح - لدولة هي أصلًا إسلامية فتحًا و ليس احتلالًا ؟! بل يمكن أن أقول أن غالبية معارك الدولة العثمانية ما كانت إلا احتلالات لا تقل في مطامعها الاستعمارية التوسعية شيئًا عن المطامع التي كانت عند الدول الاستعمارية الأوروبية، فقط لأنهم ألبسوها زورًا رداء الدين، أوقف المتشددون عقولهم، و أخذوا يهتفون للاحتلال العثماني الذي نهب البلدان، و يصرخون بعظمة تلك الفتحوات الاحتلالية !!

فتلك المعارك التي كانت في عصر الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، يمكن أن تكون مثالًا مضيئًا وهاجًا لمعنى كلمة الفتح، كيف كان يُعامل مدنيين تلك الأراضي التي فُتحت في عصره، و كيف دُعوا إلى الإسلام، كل ذلك كان دليلًا على كون المعارك التي كانت في عصر الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فتحًا لا يحمل ضغينة الاحتلال...

سأخرج خارج حدود المعارك التي كانت تحت راية الدين الإسلامي، و سأتجه إلى معارك - لم تكن تحت راية الإسلام - تأملتها كثيرًا، فآمنت في عقلي أنها من أعظم الفتوحات عبر الأزمنة، و التي اتبعت الشيم السامية لكلمة الفتح بكل نبل، و التي تدل على أن كلمة الفتح لا تقتصر على المعارك الإسلامية فقط...

المعارك التي قادها الإسكندر الأكبر، لماذا لا نعتبرها فتحًا ؟! التاريخ أثبت كم كان الإسكندر الأكبر نبيلًا مع الدول التي دخلها - أو يمكن أن نقول فتحها -، فقد احترم ثقافات الشعوب، و تقرب لهم بدينهم، و لم يجبرهم على شئ، و بعد تعمق في التفكير، وجدت أنه يمكن أن نعتبر الثقافة و الميثولوجيا اليونانية هي ما يوازي الأديان في تلك الفترة، فلم يجبر الإسكندر الأكبر أي شعب من الشعوب التي فتح بلادها على الثقافة اليونانية، رغم عظمة تلك الثقافة التي أبحرت في أعماق الفلسفة و الفِكر و العلوم، إلا أنه ترك لتلك الشعوب حرية التأثر بتلك الثقافة من عدمه، و تودد لهم بالتقرب من ثقافاتهم، فكان الإسكندر الأكبر يريد حب الشعوب لا طاعتها الإجبارية، فأنا أعتبر الإسكندر الأكبر واحدًا من أعظم الفاتحين على مر التاريخ، و لا يقل نبلًا عن الفاتحين المسلمين الحقيقيين و ليس المدعين...

ليس كل ما كان تحت راية الدين هو فتح، أو جهاد، هناك ما كان إدعاء، فقط كانت عيون تنظر للأراضي و ليس للدين، و كذلك لا يمكن أن نقتصر كلمة الفتح على الدين الإسلامي، فهذه الكلمة أعمق و أشمل من هذه الحدود...