إلى غابرييل 7 - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إلى غابرييل 7

رسالة أخرى

  نشر في 28 يونيو 2023  وآخر تعديل بتاريخ 30 يونيو 2023 .

كانت ال..... مساءا.

لقد مر الوقت عندكِ و بساعتيَّ الهرمة ضل على حاله متوقفاً يُمَجد لحظة رحيلكِ بالدقيقة و الثانية .

فوق سطح المنزل مستلقٍ و غارقٌ في سكون الليل و الظلام و ضجةِ أفكارٍ تحوم برأسي. أُحدقُ إلى السماء و هي تتباهى بفستان السهرة الذي ترتدي..

عزيزتي غابرييل

لو سألتِني عن عنوان مناسب لهذه اللوحة الربانية، لاخترت أنْ أُسميها "ليلة النجوم" ربما هو نفس المشهد الذي رآه مجنون الفن فان جوخ ذات أمسية غابرة..

هته الليلة، أُحس أنكِ قريبة مني، قريبة جدا، لا أدري كيف ذلك؟

أي قانون أو معادلةٍ رياضية أو فيزيائية طوت بيننا كل تلك المسافات؟

ولكني أُحِسُ بِكِ على غيرِ العادة، و تبدو صورتُكِ في ذهني واضحة أكثر، إبتسامتكِ العريضة، شكلُ عيناكِ الجميلتان و ضحكتكِ الطويلة طُولَ شوقي إليك.

ماذا تُراكِ تفعلين الآن؟

بأي زاوية من المنزل تقفين؟

و هل استطعتُ أن أسْرقَكِ من عائلتكِ و صخبِ مدينتك لبعض الوقت؟

هل تفكرين بي مثلما أفعل؟

هل تكتبين شيئا لأجلي ؟

آه عَلَيَّ من هذا العقل و القلب المحترق بنيرانك...

لقد فقدتُ البوصلة، و لم أعد أجيدُ عدَّ الأيام و لا إدراك مُرُورها العنيف فوق جسدي و ملامحي ..

بعد مرور سنوات انتبهتُ متأخرا أن لي شارباً طويلا حالِك السواد مثل لون معطفك الذي إرتديته عند زيارتكِ لجامعة هارفرد، أذكر أنكِ دونتِ بورقة صغيرة إسمي بمدخلها.

الكاتب و الرسام المبدع ...

آهٍ عليها من أيام.

لم اعد مبدعا و لا رساما، و لا كاتبا، كل ما أقوم به الآن هو محاولة عقيمة للنجاة، تجربة مستحيلة للتحليق.

أنظر إلى نفسي بالمرآة و أحاول تدارك كل هاته التغيرات التي طرأت على وجهي، عينان ذابلتان تخفي قصص جمة وإبتسامة رقيقة لم اتعود رؤيتها من قبل.

أجرب و أكتشف عديد الأشياء التي لم أنتبه لها و أنتِ معي و بجانبي.

بالأمس فقط قررت أن أخطو ببضع خطوات خارج سجني، ولكني فشلت.

حتى الفرار خارج المنزل لم أعُد أفلحُ فيه، كنتُ كلما غادرتُ، ترَيْنَنِي كالشبح أتحاشى الناس و أهربُ من الجُموع، و أهوى المشيَّ بالطرق الفارغة، أمارسُ طقوسي لوحدي، و أجلدُني بالماضي، و كأن القادم لا يعنيني.

مريض، تعيس، مخمور، مبعثر، وحيد، حزين و أنا لست كذلك .

رجاءا قولي شيئا، عن مرضي، قَدِّمي لي تشخيصا أو دواءا أو سُما، أنهي به ما بَدأته.

أسألُ قلبي حين تختلطُ عَليَّ الأمور :

مَنْ أحب منْ؟ مَنْ ترك منْ؟ من قتل منْ؟

و مَنْ تخلى عن مَنْ؟

يا ترى من فعل بنا كل هذا؟

لقد إنتهيتُ منذ زمن، و لا تريد هذه ال "مَنْ" أن تنتهي .

غابرييل ..

أنا أعيشُ ما يسمى الحزن الصامت، حزن لا نشاركُه أحدا، نُقِيم حداده بداخلنا دون أن نستقبلَ أو ندعُوَّ أحدا، دون أن نبكي أحدا..

واقف بين أشياء عِدة، بين البكاء و بين الصراخ، بين الصمت و بين البوح، بين جسدي و بين الظل، بين حافة الحياة و بين الموت.

أواصلُ الهروب و التوهان بين النجوم علني أجدُ نجما جميلا يليق بجمال روحك، أُرسله نحوكِ على شكل شهاب أو أمنية بسمائك.

تمنيت الكثير من الأشياء بالسابق و مازلتُ أتمنى وأحلم ..

يستحضرني مقطع لدرويش حين قال:

ولنا أحلامنا الصغرى، كأن نصحو من النوم معافين من الخيبة، لم نحلم بأشياء عصية، نحن أحياء وباقون، وللحلم بقية.

تخيلي..

ماذا لو كان بامكاننا التحليق بالفضاء هاته الليلة، أن أختطفك من الجميع و أطير بك عاليا خارج حدود العقل و المنطق.

نرتاح من كل هذا العذاب و نحن نُلقي بأنفسنا فوق سحابة، علنا نعرف و لو لمرة واحدة كيف نعانق أرواحنا، بعيدا عن العائلة و الأعراف و الوطن و الأرض، بعيدا عن الكل...

غابرييل أيتها العزيزة.

علنا نستطيع و لو لآخر مرة أن نتحدث عن حبنا الذي غدى مثل جُّبٍ عميق و صرنا به مجرد صخور صماء متهالكة تقبع بأعماقه.

غابرييل أيتها العزيزة..

ليتنا نتوصل إلى حل لأزمتنا، للحرف اللعين الذي أودى بي وبكِ إلى قعرِ الجحيم الذي أحرقنا .

أحمل قلمي مجددا و أكتب لكِ متسائلا:

ماذا تفعلين بهته اللحظة؟

قلتِ في آخر رسالة لكِ أنك عدت إلى وطنك، منغمسة بروحك و عقلك و قلبك بأرضك و بيتك و عائلتك.

و منغمس أنا بالتفكير بكِ..

أعرف أنكِ مشغولة و غارقة في جو العائلة و صخب اللمات الصيفية، و لا أريد أن افسد عليكِ هاته اللحظات الثمينة.

لقد كان مقدرا لي أن لا أكون زوجك، أن لا أُقَبِّل رأس والدتك أو أناديها بالحاجة، أن لا أتجاوز عتبة منزلك، أو أسقي أصص الزهور و الأشجار التي تعبتِ في رعايتها..

و لكنها عبثية القدر، يواصل بعد كل ما حدث الترتيب لمواعيد و لقاءات لا أفهمها .

هو الذي فرق بيننا ذات يوم، يعود بكل بساطة و يجمعنا على طاولة واحدة لم نحجزها.

أركز نظري نحو كوكبة الدب الكبير، كوكبة ألفوا عنها الكثير من الحكايا و الأساطير، و لكني لا أعتقد أن حبنا يمكن أن يُختصر في سبعة نجوم .

غير ممكن، بل مستحيل.

لقد كان لي العديد من القصص مع تلك النجوم، كانت رفيقي و أنيسي كلما أصابتني سهام الوحدة او تجاوزت صدري رصاصة حنين..

أراك بهاته اللحظة الفاصلة تشاركينني المنظر ذاته، و نقف تحت سقف سماء واحدة، نُحرك بأصابعنا النجوم و نصنع منها أشكالا و نرسم بها أحلاما و نؤلف عنها قصصا، نتلاعب بإحداثيات الشمال و الجنوب و نبتكر إتجاها خامسا يخُصنا..

لأول مرة نعيش نفس اللحظة دون جليد او ثلوج تفصلنا، دون فارق ساعات معطلة تتعبنا.

غابرييل..

ربما لم يعد هناك من داع لذكر كمِّ الأحاسيس المتضاربة التي تغتالني كل يوم.

لم يعد ممكنا الحديث عن حبي من عدمه، ولستُ أرجو أي فائدة من ذلك.

فقط هي هلوسات و بقايا حرائق بذاكرتي المتصدعة، أقولها علني أرتاح من كوابيس كل ما عشته و أعيشه في غيابك.

قصتنا كانت فرق توقيت، و لو أنك أصغيت لي و لو قليلا قبل أن تغادري، و انتظرتني، و آمنت بوصولي المتأخر لما حصل كل ما حصل بيننا.

حبي لك جاء متأخرا، ما ذنبي إن تعطل القطار و أنا في طريقي إليك؟

غابرييل يا مأساتي ...

لا تلوميني لأني خسرت كل شيء، و لم يعد بجعبتي ما يستحق الذكر، غير ورقة وقلم، أخفف بهما من عذابي و وجعي، و أغلق بها أبوابا ما تزال مشرعة في وجه عواصف الماضي الجميل و اللعين .

لا تلوم قلمي إن سأل عنك يوما ما، وبقي يسأل.

آرثر


  • 2

  • Abdelghani moussaoui
    أنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي
   نشر في 28 يونيو 2023  وآخر تعديل بتاريخ 30 يونيو 2023 .

التعليقات

سناء لعفو منذ 10 شهر
أنتظر دائما رسائلك دون كلل أو ملل، أنت مبدع صديقي، تحياتي
2
Abdelghani moussaoui
أشكرك جزيل الشكر، هذا من دواعي سروري، تحياتي⚘

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا